راتب ابنتي مليون

د. فهد الطياش             جريدة الرياض 

    ينقلني الحديث عن قصص النجاح في عالم تقنية الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي إلى فسحة كبيرة من التفاؤل. ولكن الغريب أننا نحتفي بقصص النجاح في العالم الغربي أكثر من قصص النجاح المحلية. ومن قصص النجاح المحلية التي يتابعها ويرويها باقتدار الزميل الدكتور اسامة النصار رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك سعود قصة فتاة سعودية كسرت المعادلة باقتدار.
والقصة باختصار لفتاة برعت في توظيف التصوير في التسويق، ولقيت صدى طيبا في الوسط الاجتماعي. وكانت النتيجة وبداية التحدي تحويل الفكرة الى مشروع سيحقق لها مليون ريال خلال ستة اشهر. وكانت الفتاة قادرة على التحدي وكسرت الرقم لما هو أعلى من المليون. بيئة البيت خلقت للفتاة فرصة النجاح ولو كانت من بيئة أخرى لتم السطو على قصة نجاح حققتها امرأة.
وكم من قصص الاستيلاء على الفتيات، ومكتسباتهن بحجج واهية، والنتيجة خسارة الفتاة وخسارة الأسرة وبالتالي خسارة المجتمع بأسره لعقلية مبدعة. هذه واحدة من قصص نجاح لم تحظ بالاحتفاء الإعلامي مثل بقية شبابنا الذين نستورد قصص نجاحهم من الخارج.
السؤال الآن ما هي أسس النجاح الفردي التي نود ان نغرسها في عقول النشء في عالم الاقتصاد المعرفي؟
مؤسس احد المشاريع الناجحة عالميا والذي يحمل عنوانا إبداعيا مغريا في عالم الضغط النفسي للوظائف هو"التقاعد عند سن 21" وضع سبع قواعد تدريبية للشباب. وبالرغم من ان هذه هي السن الحقيقية لبدء الشقاء الوظيفي إلا انه حولها إلى سن الرخاء الوظيفي. وقبل الخوض في تلك القواعد أود ان اعرض لروح العصر الرقمي كما وصفها الياباني يانجي ماسودا قبل حوالي أربعين عاما، عند تخطيطه للمجتمع المعلوماتي في اليابان.
يشخص ماسودا ثقافة العالم الرقمي بأن الأشخاص سيحظون بالمزيد من الوقت وبالقليل منه في نفس الوقت. ويعتمد هذا على أين يضع الشخص نفسه أمام وسائل التواصل الاجتماعي وعقارب الساعة. فواقعنا يجسد هذه المأساة مبكرا. فكم من الشباب والفتيات يسهرون الليل في حديث الفراغ الزمني فهم يتناقلون أحاديث السمر غير المنتجة. بينما هناك آخرون يحولون الفكرة في دقائق وتنام اعينهم ويسهر الخلق جراها ويختصم.
القواعد السبع التي يشير لها هذا الشاب الذي ذكرته آنفا هي: أولا جيل لم يدرب على تحديد رؤيته. وثانيا جيل يأخذ التخطيط المالي بعدم المبالاة لان الدخل لم يتعب في تحصيله، وثالثا جيل يعمل كل واحد بمفرده ولا يعرف انه يعيش وسط مجموع من البشر فلم يعرف كيف يحصل على المساعدة، ومجموع لم يعد يكترث بتقديم المساعدة للنشء. ورابعا البخل على المشروع بالوقت والتطوير والشح عند النجاح فلا يقدم للمجتمع ما يستحق لمساعدته على النجاح. وخامسا عدم الاعتراف بالخطأ والتعلم منه. وسادسا عدم تحويل الفكرة إلى ماركة ترسخ في عقول الجمهور المستهدف. وسابعا وهي لب الموضوع وتتمثل في عدم الصبر، وهي القاعدة الدينية التي بشر بها الله سبحانه وتعالى للصابرين.
عالم الاقتصاد المعرفي سلسلة من النجاح القادم لشبابنا وهو مسؤولية جماعية تبدأ من البيئة الداخلية في المنزل ومن ثم مناهج الدراسة وتنتهي بالاحتفاء الإعلامي ونشر نماذج النجاح. وفيما يبدو أن الفتيات أكثر صبرا من الفتيان وأخشى انتقال فكر العضل الجسدي إلى نوع جديد من العضل الإبداعي. وسأحاول الحديث في مقال آخر عن سرقة الوظائف الرقمية من فتياتنا لأسباب كثيرة. ولكن المهم ان نحرص على شبابنا لكي يصبح أكثر إنتاجا بدلا من أن يظل لسن الثلاثين وهو يأخذ مصروفه من الأهل.

العسكرة هى الحل

العسكرة هى الحل 
فهمي هويدي

فهمي هويدي | نشر فى : السبت 16 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : السبت 16 نوفمبر 2013 - 7:00 ص
أتكون العسكرة هى الحل؟ جريدة الأهرام فى عدد أمس (الجمعة 15/11) ردت على السؤال بالإيجاب. ولأن الأهرام ــ خصوصا رئيس تحريرها ــ لا ينطق عن الهوى، وإنما له دائما وحى يوحى. حيث المصادر الأمنية حاضرة فى الأخبار بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وحين يتعلق الأمر بالمصير وقراءة السلطة له فإن «الوحى» يطل من بين الأسطر والفقرات، بحيث لا يمكن تجاهله، ويتعين أخذه على محمل الجد.
كان الأهرام فى مقدمة الصحف المصرية التى اكتشفت وجود «الطابور الخامس»، الذى يضم شعب مصر الثالث الذى لم تدركه الأغنية الشهيرة. وفهمنا أنه يضم أشرارا مشتبهين ومحتملين، يقفون فى منزلة بين المنزلتين. فلا هم من الأشرار الأصوليين الممثلين فى الإخوان ومن لف لفهم، ولا هم من الأبرار (الوطنيين الشرفاء) الذين يهتفون باسم الفريق السيسى ويطالبونه بأن «يكمل جميله» بأن يترشح رئيسا.
أخبرنا العنوان الرئيسى لأهرام الجمعة بأن الطابور الخامس تحالف مع الإخوان لإشاعة الفوضى يوم 19 نوفمبر (ذكرى موقعة محمد محمود). ونسب إلى المصادر الأمنية قولها إن مخطط التحالف والتآمر تلقى تمويلا ضخما لحساب التنفيذ بإشراف التنظيم الدولى للإخوان. ورغم أن المصدر الأمنى رفيع المستوى ذكر أن الأجهزة الأمنية ترصد جميع تحركات العناصر التحريضية، فإن القارئ لابد أن يستغرب لماذا لم تصادر الأجهزة اليقظة ومفتوحة الأعين ذلك التمويل الضخم، ولماذا لم تفضح الذين دفعوا والذين تسلموا، وهى التى تسارع إلى تصوير كل قيادى إخوانى يتم القبض عليه، حتى وهو يرتدى ملابس النوم.
ليس ذلك أهم ما فى الموضوع لأن الأهم هو المرافعة التى قدمها رئيس تحرير الأهرام، ودعا فيها إلى إحباط «المؤامرة الكبرى» التى تحاك ضد الوطن. وفى قلبها يقف الطابور الخامس. ومن أبرز ما أورده فى بيانه النقاط التالية:
ـ أن هناك زواجا كاثوليكيا فى المرحلة الراهنة بين الثالوث المرعب المتمثل فى المال الغامض والإعلام الفاسد والطابور الخامس. أسفر فى النهاية عن الحالة المزرية التى تعيشها البلاد الآن.
أنه ليس هناك ما يشير إلى أن مؤسسات الدولة الرسمية قادرة على مواجهة المؤامرات التى تدبر. ليس فقط بسبب ظاهرة الأيدى المرتعشة فى السلطة ولكن أيضا لأن الفساد الإعلامى الذى تموله مصادر مشبوهة لجأ إلى البلبلة والابتزاز. كما أن الطابور الخامس استشرى فى المؤسسات الرسمية.
فى النهاية أصبح المواطن العادى مغلوبا على أمره وحلت به النكبة التى نعيشها الآن، من فساد استشرى أكثر من ذى قبل، وغلاء لا يرحم، وانفلات لا يتوقف.
أصبحت مصر فى الوقت الحاضر رهينة مؤسسة رئاسة تعلم أنها مؤقتة، ومؤسسة حكومية مرتعشة، وبين أحزاب سياسية ورقية، ولجنة إعداد للدستور مطعون عليها، ومجالس عليا تم تشكيلها فى غفلة من الزمن، وسيطرة فاشلين على الشأن العام، والإصرار على إقصاء البعض والتنكيل بالبعض الآخر. وهو ما ترتب عليه أن أصبحت هناك مقاومة عنيفة لأى محاولة للإصلاح أو التهدئة أو حتى الحزم والحسم.
إزاء ذلك فقد أصبحنا بحاجة إلى إعادة صياغة المجتمع بما يضمن تحقيق أكبر قدر من الاستقرار فى أقل وقت ممكن. ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة نظر شاملة مع الملفات الثلاثة، المال الغامض، والإعلام الفاسد، والطابور الخامس.
لم تعد المرحلة تحتمل أيادى مرتعشة تأبى اتخاذ القرار. ولم تعد تحتمل مواءمات أو حسابات من أى نوع. بالتالى يجب ألا يكون مستقبل الوطن رهنا بالانتهاء من استفتاء أو بإجراء انتخابات برلمانية كانت أو رئاسية. فقد طفح الكيل وفاحت الرائحة. وبالتالى نخشى الانفجار الذى يمكن أن يكون مدمرا هذه المرة.
هذه الأوضاع جعلت مصر إزاء مستقبل غير واضح المعالم، وخريطة مستقبل لم تسد رمق طفل صغير. وقد استغلها البعض لتحقيق مآرب أيدويولوجية وتطلعات شخصية، سواء من خلال دستور لن يكون أبدا مقنعا فى ظل ما يشاع عن حواراته وجلساته. أو من خلال انتخابات مقبلة يتحفز الطامعون للانقضاض عليها.
أصبحت الكرة الآن فى ملعب القوات المسلحة، التى هى الجهة الوحيدة التى وثق فيها الشعب، ذلك أننا بإزاء وطن بحاجة إلى إنقاذ. وليست هناك قوة قادرة على مواجهة الثالوث المرعب سوى القوات المسلحة.
حين نستنجد بالقوات المسلحة فذلك لإدراكنا أنه لم يعد أمامنا ملاذ غيرها، بعد الله سبحانه وتعالى. وحين طالبنا الفريق أول عبدالفتاح السيسى بالإسراع بتحمل المسئولية اليوم وليس غدا، فإن ذلك كان إدراكا منا بأن ذلك هو عين الصواب والطريق الوحيد لإنقاذ البلد من الهاوية، التى ينسجها له المال الغامض والإعلام الفاسد والطابور الخامس والأيدى المرتعشة.
هذا الكلام الذى لا أشك فى أنه خارج من المؤسسة الأمنية يثير السؤال التالى: هل هذا هو رأى المؤسسة التى تدير الدولة، أم أنه رأى أحد أجنحتها فقط؟ وهو سؤال أطرحه لا لكى أطمئن ــ حيث ما عاد ذلك واردا ــ ولكن لكى أتعرف على حدود المسافة التى تفصل بيننا وبين الصدمة الكبرى.

تجليات عودة الدولة الأمنية

يخيفنا أمران في الوقت الراهن، أن تندفع مصر باتجاه استعادة الدولة الأمنية والبوليسية، وأن تحتفي بذلك هيستيريا جماهيرية غير مكترثة بمآلات ذلك المنزلق الخطير.
(1)

في صحيفة الصباح أن 575 ضابطا من عناصر جهاز أمن الدولة الذين حملوا نظام مبارك وتم إقصاؤهم بعد الثورة أعيدوا إلى الخدمة مرة ثانية، في اليوم التالي قرأت أن شابا من سوهاج اسمه علاء الهواري اشترك في مظاهرة احتجاجية على نقص أنابيب البوتاجاز فألقي القبض عليه وأودع أحد معسكرات الأمن المركزي. أنكرت على نفسي أن أعتبره خبرا عاديا. بعدما قرأت في تقرير حقوقي أن 12 ألف مواطن ـ أغلبهم من الشباب الفقراء ـ صدرت ضدهم أحكام بالسجن في محاكمات عسكرية. ولم أصدق عيناي حين قرأت أن أربع فتيات في الإسماعيلية ألقي القبض عليهن لأنهن رفعن في أحد الشوارع «بالونات» حملت إشارة رابعة. واستغربت أن يلقى القبض على 21 فتاة أغلبهن من طالبات الثانوي نظمن مسيرة سلمية احتجاجية على كورنيش الإسكندرية، فألقي القبض عليهن. وبكل فظاظة أصدر وكيل النيابة أمرا بحبسهن مدة 15 يوما، وتم ترحيلهن إلى سجن دمنهور. ولما حدثت غيري بما استهجنته ذكَّرني بأن 76 سيدة وفتاة أخريات تحت الحبس الآن، وأن هناك 120 من القصر تم اعتقالهم أيضا. ضمن الـ13 ألفا من المنسوبين إلى الإخوان الذين تم توزيعهم على مختلف المعتقلات المصرية.

وتزامنا مع إيقاف برنامج باسم يوسف الساخر الذي لم تحتمله أجواء الدولة الأمنية والهيستيريا الجماهيرية، ومع معاقبة بطل الكونغ فو العالمي وحرمانه من تمثيل مصر لأنه رفع إشارة رابعة، والتحقيق مع لاعب النادي الأهلي الذي ارتكب «الجرم المعهود»، لاحظت أن بعض الخطابات التي أتلقاها في الآونة الأخيرة تصلني بغير توقيع. وفي واحد منها اعتذر صاحب الخطاب ـ الذي قدم نفسه باعتباره مهندسا استشاريا ـ قائلا إنه تعمد ذلك خشية أن يقع في أيدي الأجهزة الأمنية. واستوقفني حين استقبلت في منزلي أستاذة جامعية محترمة، أنها لم تتحدث في اللقاء إلا بعد أن أغلقت هاتفها النقال واستخرجت الشريحة منه، واعتبرت ذلك احتياطا مرغوبا في ظل الأجواء الراهنة.
لا أعرف حجم الحقيقة أو المبالغة والوهم في بعض ما ذكرت، لكني أجد فيه أصداء للشعور بالخوف والتوجس. وذلك أمر غير معهود بعد ثورة 25 يناير، التي اعتبرنا أنها أطلقت سراح شعب ظل يعاني القهر المقترن بالفساد لعدة عقود، حتى أننا بعد الثورة مارسنا في التعبير والتظاهر حرية بلا سقف (انطلاق برنامج باسم يوسف رمز لتلك المرحلة).

(2)

لا أخفي أن الخوف تسرب إليّ حين اطلعت أخيرا على مشروع قانون الإرهاب الجديد الذي أعدته وزارة الداخلية. ولم أكن وحدي في ذلك، لأنني وجدت أن 22 منظمة حقوقية أجمعت على رفض المشروع واستهجانه، ولم يكن بينها المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي عينته الحكومة. واتفقت مع البيان الذي أصدرته تلك المنظمات على أن من أبرز عيوب المشروع ما يلي:
< إن مصطلحاته فضفاضة وغير منضبطة، بحيث يمكن أن تنطبق على ما لا حصر له من الأفعال المشروعة. فهو يتحدث في تعريف الإرهاب عن «الإخلال الجسيم بالنظام العام» و«تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر» و«إعاقة السلطات عن ممارسة بعض أوجه نشاطها» و«تعريض حياة المواطنين أو حقوقهم وحرياتهم للخطر» و«منع مؤسسات التعليم من ممارسة عملها». واعتبر المشروع أن العمل الإرهابي هو «كل سلوك من شأنه الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو النظم المالية أو الاقتصاد الوطني». وهو ما فهم منه أن المقصود به في حقيقة الأمر تقييد حركة الجماعات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، وليس مكافحة الإرهاب.
< تعمد المشروع التوسع في الجرائم والأفعال المدرجة باعتبارها أعمالا إرهابية، بما أعطى انطباعا بأنه استهدف التنكيل بالمعارضة السياسية السلمية وأغلب المنظمات الحقوقية، فالمادة 13 من المشروع تعاقب بالسجن المشدد «كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعية أو هيئة أو منظمة أو تولى موقعا قياديا فيها، يكون الغرض منها الدعوة بأي وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو الإضرار بالوحدة الوطنية». وهو ما يخضع دعاة الإصلاح الدستوري أو القانوني لاحتمال الاتهام بالإرهاب. كما أنه يسمح بتوجيه الاتهام ذاته إلى الرافضين للتمييز الديني والمدافعين السلميين عن حقوق الأقليات.
< من الغرائب أن المشروع في مادته الخامسة ساوى بين الشروع في الجريمة الإرهابية وبين تنفيذها بالفعل، حتى إذا لم يتم التنفيذ وأخضع الاثنين إلى عقوبة واحدة. الأمر الذي يثير سؤالا عبثيا يتمثل في حالة الشخص الذي يتفق مع آخر على ارتكاب جريمة إرهابية ويعد العدة لذلك ثم يعدل عن الاتفاق. وبمقتضى القانون الجديد فإن مجرد الاتفاق يعني أن الجريمة تمت، الأمر الذي يثير سؤالا حول ما إذا يتعين في هذه الحالة أن توقع عقوبة الفعل على الشخص رغم عدوله عن الجريمة!
< من قبيل الإخلال الفادح بمعايير المساواة أمام القانون فإن المشروع استحدث في المادة 40 نيابة مخصصة لمكافحة الإرهاب، مع تخصيص دوائر بعينها للنظر في قضايا الإرهاب. وهو ما من شأنه تدخل السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل في تسيير شؤون العدالة ويزيد من الشك في حياد القضاة والمحققين. ذلك أنه إزاء العبارات الفضفاضة التي حددت الأفعال والجرائم الإرهابية، فإن التضارب يصبح واردا في تقديرات سلطات التحقيق والقضاة، الأمر الذي يخل بضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة.

(3)

لو أننا بصدد قانون معيب لابتلعناه على مضض ولناضلنا من أجل سحبه وتعديله. وربما صبرنا عليه لبعض الوقت وقلنا إنها حكومة وغلطت، إلا أن الأمر أكبر من ذلك بكثير. ذلك أننا بإزاء حزمة قوانين استقوت بها السلطة علينا، وداهمتنا بها خلال الأشهر الأربعة الماضية، الأمر الذي يدعونا إلى استبعاد الخطأ في التقدير من جانب الحكومة، ويدفعنا إلى إساءة الظن بها. بحيث يقنعنا بأننا بإزاء سياسة وحقبة جديدتين. وذلك مصدر الخوف الأول الذي يتعين علينا أن نستشعره. وإذا أردنا أن نكون أكثر صراحة ودقة فلعلنا نقول إنه يبعث على الخوف على ثورة يناير ذاتها التي دفع الشعب المصري ثمنا باهظا لها. وكتب شهادة ميلادها ووثيقة إشهارها بدماء أبنائه.
هذا الكلام ليس من عندي، ولكنه خلاصة لما انتهت إليه الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وهي التي أصدرت في 27 أكتوبر الماضي تقريرا تفصيليا تحت عنوان: العدالة في 100 يوم من حكم الرئيس القاضي ـ قوانين جائرة وكيل بمكيالين. ومما ذكره التقرير أن تلك الفترة شهدت العديد من مشاريع القوانين التي تهدر الحريات، والعديد من القرارات التي تعصف بأسس المحاكمات العادلة، كما شهدت ممارسات بوليسية شبه يومية تذكر بماضٍ بغيض.
في شأن التشريعات الجائرة والقرارات المعادية للحريات خص التقرير بالذكر ما يلي:
< تمديد فترة الحبس الاحتياطي، بحيث عدل نص قانون الإجراءات الجنائية الذي كان يقضي بألا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة النقض للمحكوم عليهم بالإعدام أو بالسجن المؤيد مدة سنتين (وهو النص الذي استفاد منه الرئيس الأسبق حسني مبارك)، وقد أجاز التعديل للقضاء أن يأمر بحبس أي متهم احتياطيا لمدة 45 يوما قابلة للتجديد.. ومقتضى ذلك أن يتحول الحبس الاحتياطي إلى سلاح يعرض أي متهم للسجن لفترات طويلة دون أن تثبت إدانته أو تورطه في الجرم الذي يحاسب بسببه.
< قانون مكافحة الإرهاب الذي سبقت الإشارة إليه، وقد اعتبره التقرير «ردة غير مسبوقة على مكتسبات الثورة المصرية»، توضح نية الدولة الجديدة تكميم الأفواه، واستخدام «الإرهاب» كغطاء ومبرر لإعادة الدولة البوليسية.
< قانون منع التظاهر الذي نص على كفالة حق التظاهر السلمي، «إلا أنه وضع العديد من القيود والضوابط التي تفرض ذلك الحق، خلافا للمعايير الدولية المستقرة التي تحميه». ذلك أنه منح قوات الأمن حق فض التظاهرات السلمية والقبض على المتظاهرين، وأتاح لها استخدام الشدة في عملية الفض، وأعطى للداخلية حق رفض التظاهرات السلمية، وفي حالة القبول فلها تحديد مواعيد زمنية لبدء وانتهاء المظاهرة، الأمر الذي ينذر بمنع جميع المظاهرات.. إلخ.
< قانون الطوارئ الذي جرى تمديده لمدة شهرين بعد محاولة اغتيال وزير الداخلية الحالي. وهذا المد تنتهي مدته هذا الأسبوع (في 14/11)، وكان ولا يزال ضمن أدوات الحل الأمني للأزمات السياسية، التي لم تفلح في القضاء على الإرهاب مدة أكثر من ثلاثين عاما.
< قرار الضبطية القضائية لعدد من العاملين بالمؤسسات الحكومية، وهو سلاح خطير يهدف إلى تكميم أفواه العاملين والتضييق على حقهم في المشاركة السياسية، فضلا عن أنه يفتح الباب للالتفاف على قرار القضاء بمنع تواجد الشرطة داخل الجامعات.
< قرار عقد المحاكمات وإجراء التحقيقات داخل السجون، الذي يعد اعتداء صارخا على استقلال القضاء وعلى حقوق المتهمين، لأن من شأن ذلك اتخاذ تلك الإجراءات داخل أحد مقرات وزارة الداخلية التي هي الطرف الأساسي في القضايا السياسية المنظورة.
< قانون حماية الرموز الوطنية، الذي فهم أن المقصود به اتخاذ موقف إزاء الرافضين لتحية العلم، إلا أن البعض أراد به تحصين كبار المسؤولين في مواجهة النقد.
< مشروع قانون تجريم الكتابة على الجدران لوقف الحملات الاحتجاجية عن طريق الرسم أو العبارات المكتوبة، بحيث يعاقب الفاعل بالحبس 4 سنوات أو الغرامة التي تصل إلى 100 ألف جنيه. ولكن الضجة التي أثيرت حوله دعت وزير التنمية الإدارية إلى التراجع عن فكرة استصدار قانون خاص لهذا الغرض واتجاهه إلى تضمين العقوبة وتغليظها في قانون البيئة.

(4)

الملاحظة الأساسية على كل تلك القوانين والقرارات أنها تصب في وعاء استقواء السلطة، من خلال تقييد الحريات العامة وتمكينها من تشديد قبضتها على المجتمع ومن حصار الناشطين وقمعهم. الأمر الذي ينبهنا إلى أننا نجد فيها أصداء لنظام مبارك ووزير داخليته وحبيب العادلي بأكثر مما فيها من استحقاقات ثورة 25 يناير. حتى أكاد ألمح فيها إرهاصات زحف الثورة المضادة التي أصبح بعض رموزها يطلون علينا من منابر عدة هذه الأيام. وهو ظن أتمنى أن تثبت الأيام خطأه. وما لم يحدث ذلك، فإن خوفنا على الحاضر والمستقبل سيظل مشروعا واستنفارنا لأجل الدفاع عن حلمنا المهدد سيظل مطلوبا، حتى أزعم أنه واجب الوقت بامتياز.
هذا عن كابوس الدولة الأمنية الذي بات يلوح في فضائنا. ولعلك تذكر أنني قلت في الأسطر الأولى إنه أحد همَّين يدعواننا إلى الخوف والقلق. بقي الهم الثاني المتمثل في الهيستيريا الجماهيرية التي تهلل للحاصل وتحتفي به. وهو ما يستحق منا وقفة خاصة في الأسبوع المقبل بإذن الله.

مصر إلى المجهول وخارج التاريخ



مشكلة مصر الآن أنها تتحرك في مسار خارج التاريخ، ويخشى أن تجر العالم العربي وراءها في نهاية المطاف.

(1)

من يطالع الصحف المصرية هذه الأيام ويتابع تصريحات السياسيين التي باتت تتنافس في مغازلة المؤسسة العسكرية والمزايدة على دورها،
ربما لا يخطر على باله أن عناوين الصحف وتعليقات محرريها وتصريحات أهل السياسة تكاد تكون صورة طبق الأصل مما كان يتردد في تركيا قبل نصف قرن تقريبا،

ذلك أن أي قارئ لتاريخ عسكرة المجتمع التركي يلاحظ أن الأصوات الداعية إلى تدخل القوات المسلحة لإنقاذ البلد من الفوضى والانهيار كانت تتردد عالية عند كل أزمة سياسية.

وفى ظل هشاشة الوضع السياسي وضعفه فإن الجميع كانوا يعتبرون الجيش هو المخلِّص والمنقذ.

وقد كان له رصيده الذي يسمح له بذلك، لأنه أنقذ البلد من الاحتلال إبان الحرب العالمية الأولى، وهو الذي أسس الجمهورية، وقاد عملية تحديث الدولة.

 وهى الخلفية التي ظلت توظف لصالح عسكرة المجتمع منذ تأسيس الجمهورية فى عشرينيات القرن الماضي، ولنحو ثمانين سنة لاحقة بعد ذلك.

السيناريو المكرر والمحفوظ كانت فصوله تتابع على النحو التالي:
 الأحزاب الضعيفة تفشل في إدارة الدولة
 ــ ترتفع الأصوات داعية إلى قيام الجيش بدور المنقذ
 ــ الجيش يقدم إنذارا للحكومة لكي تتحمل مسؤوليتها
 ــ بعد الإنذار يعلن الجيش الانقلاب، ويتولى إدارة البلاد وترتيب الأوضاع المنفلتة.
 ولا تكاد تستمر بضع سنوات (عشر في الأغلب) حتى تتكرر الأزمة وتتردد الأصوات والدعوات ذاتها، ثم يتقدم الجيش بإنذاره الذي يعقبه التدخل لاستلام السلطة باعتباره المؤسسة الوحيدة المنضبطة والمتماسكة، والتي تمتلك قوة السلاح على الأرض،

 وهو ما تكرر مع الانقلابات التي توالت عام 1960، ثم عام 1971 وعام 1980، وصولا إلى انقلاب عام 1997 الذي وصف بأنه انقلاب ناعم. أو ما بعد حداثى.

 وكانت نقطة الانطلاق فى كل تلك الانقلابات أن الجيش اعتبر نفسه مسؤولا عن حماية مبادئ الجمهورية التركية إلى جانب وظيفته في حماية الوطن.

وبمقتضى تلك المسؤولية فإنه فرض نفسه وصيا على المجتمع، وقد قنن دستور عام 1982 تلك الوصاية التي باشرها مجلس الأمن الوطني الذي شكل مكاتب استشارية لمختلف شؤون البلاد العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والإعلامية.. إلخ.

وقد جرى استنفار المؤسسة العسكرية بعد انتخابات عام 1995 التي حققت فوزا نسبيا لحزب الرفاة ذي الخلفية الإسلامية، مما أدى إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القديم، رأسها آنذاك نجم الدين أربكان زعيم الرفاة،
فردت القيادة العسكرية باستنهاض أصابعها المنتشرة في مفاصل الدولة وسلطة القرار. إلى أن أجبرت أربكان على الاستقالة من منصبه في عام 1997.

(2)

الرياح التي تهب على مصر منذ عزل الدكتور محمد مرسي تمضي في ذات الاتجاه المعاكس للتاريخ،
ذلك أنه بعد إنهاء مهمة المجلس العسكري في عام 2012. وانتعاش الآمال التي علقت على إمكانية التحول الديمقراطي وإقامة مؤسسات إدارة المجتمع، تبدد ذلك كله في الثالث من يوليو.
بعدما تم عزل الرئيس المنتخب، وجمِّد الدستور وحل مجلس الشورى وغيره من المجالس التي كان قد تم تشكيلها،
وبدا الاتجاه واضحا في المراهنة على المؤسسة العسكرية وتعزيز قوة الدولة في مواجهة المجتمع،

وفي هذه الأجواء جرى الإعداد لاستصدار دستور جديد من خلال مجموعة مختارة وليست منتخبة،
وأصبحت المؤسسة العسكرية بحكم الأمر الواقع هي مصدر السلطات وصاحبة القرار في تشكيل الوضع المستجد.

وفي ذلك فإنها لم تفرض نفسها على المجتمع ولكن الذي حدث أن خطاها لقيت تأييدا وترحيبا من النخب والقوى المدنية باختلاف توجهاتها، الليبرالية والقومية واليسارية،

وكانت وسائل الإعلام هي القوة الضاربة، التي نجحت في «تصنيع الموافقة» ــ على حد تعبير تشومسكي، حين استثمرت إخفاقات حكم الدكتور محمد مرسي في تعبئة الجماهير وتحريضها ضد نظامه، ووقوفها بالتالي إلى جانب معسكر المراهنة على المؤسسة العسكرية.

في ظل الوضع المستجد أصبح الفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة هو مرشح رئاسة الجمهورية الذي التفت حوله القوى المدنية،

واكتسب حضور القوات المسلحة في اللجنة المعنية بوضع الدستور أهمية خاصة، حيث أثير لغط حول حصانة وزير الدفاع واشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيينه، الأمر الذي يسحب تلك السلطة من رئيس الدولة أو رئيس الحكومة.

وكحل وسط اقترحت فكرة تطبيق ذلك المبدأ خلال فترة انتقالية تتراوح بين عشر واثنتي عشرة سنة.

وجرى التمسك بمبدأ محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، التي هي ليست محاكم مستقلة أصلا، لكنها خاضعة لأمر وزير الدفاع.

في هذه الأجواء قرأنا في جريدة «الشروق» (عدد 5/10) تصريحات مهمة لمصدر عسكري ذكر رئيس تحرير الجريدة إنه قريب من المؤسسة العسكرية، وركز في تصريحاته على ما يلي:

إن خبرة السنوات الأخيرة أثبتت للجميع أن الجيش هو القوة الوحيدة الموجودة على أرض مصر في الوقت الراهن ولفترة مقبلة. وذلك بسبب ضعف معظم الأحزاب السياسية المدنية.
وبالتالي لابد أن نعطي هذا الجيش أدوات تساعده على حفظ البلاد، كي لا تصبح فريسة لأي تنظيم أو جماعة منظمة تريد تغيير هوية مصر بأكملها.

إن ظروف مصر لا تسمح بتسليم الجيش لرئيس لا نعرفه.
والمنطقي ألا يفقد الشعب السلاح الذي يملكه وهو جيشه الوطني..
ولا نريد أن نواجه احتمال أن يصل شخص متنكر في زي مدني إلى الرئاسة، ويعين من يشاء وزيرا للدفاع، الأمر الذي قد ينتهي بتغيير هوية الجيش،
 لأن ذلك الوزير سيتولى تعيين قادة الأفرع والمناطق والجيوش. وهو ما قد يصل بنا إلى تغيير وضع القوات المسلحة لكي تتحول من مؤسسة وطنية جامعة إلى ميليشيا خاصة لجماعة أو حزب.

لم تذكر جريدة «الشروق» أن المصدر العسكري يتحدث باسم القوات المسلحة، لكنه عند الحد الأدنى يعبر عن مدرسة أو تيار داخل القوات المسلحة يعتبر أن الجيش هو القوة الوحيدة والسلطة الأعلى في الساحة السياسية المصرية،
 ثم من موقفه المعارض لتجربة الإخوان وكل ما يشغله هو تجنب تكرار تلك التجربة، بدعوى أنها يمكن أن تؤثر على هوية القوات المسلحة.
 أما هوية الوطن ومصالحه العليا فهي مسألة في المرتبة التالية من الأهمية.

(3)

حين يستمر تمدد المؤسسة العسكرية في الفراغ السياسي الراهن ويتصاعد دورها على نحو لم تعد تخطئه عين، فذلك يعنى أن مصر صارت تتحرك خارج مجرى التاريخ.

عند الحد الأدنى فهو يعني أن حلم الدولة المدنية الديمقراطية الذي تطلعت إليه ثورة 25 يناير في حالة تراجع وانحسار بحيث لا تكاد توحي المقدمات الملموسة بإمكانية تحقيق شيء منه في الأجل المنظور.

إن البناء الذي تجري إقامته الآن في مصر يعاني خللا فادحا في موازين القوة وفي الرؤى،
 ذلك أنه يتم في ظل قوة وهيمنة المؤسسة العسكرية، وفي ظل مؤسسات مختارة من فئات لا يجمع بينها سوى رفض الإخوان ومخاصمتهم
وهؤلاء يمثلون جماعات سياسية هشة لا جمهور لها، حتى باتت تستمد شرعيتها من الاستناد إلى قوة المؤسسة العسكرية والتعلق بأهدابها.

وذلك يمثل جوهر الأزمة السياسية في مصر الراهنة.
ذلك أن هذا البلد الكبير لا يستطيع أن يقيم بناءه على أساس من تحالف الليبراليين مع العسكر،
ولا يستطيع أن يقيم مشروعه على مجرد فكرة إقصاء الإخوان ومواصلة الحرب ضد الإرهاب،
وهو ما لاحظته تحليلات غربية عدة ما فتئت تتحدث عن أن مصر تتجه نحو المجهول بعدما تراجع وزنها السياسي وما عاد لها دور يذكر في الشأن الإقليمي.

ليس ذلك فحسب، ولكن مصر في ضعفها تجد نفسها مستسلمة لمخططات التعاون الأمني وغير الأمني مع إسرائيل خصوصا أن المؤسسة العسكرية تعد أبرز أركان اتفاقية كامب ديفيد.

 وربما دفعها المأزق الدولي الذي تواجهه إلى مزيد من التقارب والتفاعل مع إسرائيل. التي يعد النظام الحالي طرفا مريحا ومطمئنا لها، بعكس نظام الرئيس مرسي الذي كانت تتوجس منه ولا تطمئن إليه.

هذا الضعف ذاته المقترن بالحيرة والبلبلة التي تعاني منها الرؤية الإستراتيجية للوضع المستجد، دفع مصر إلى الارتماء في أحضان تحالفات عربية مخاصمة للربيع في مجمله ولها ارتباطاتها وولاءاتها التي تتعارض مع أهداف الثورة وأشواق الجماهير العربية،

 وحين يحدث ذلك في حين تتعرض المنطقة العربية لهزات كبرى من شأنها إعادة رسم خرائطها وإخضاعها لمشروعات التفتيت والتقسيم، فإن ذلك يكشف عن فداحة الثمن الذي يمكن أن يدفعه العالم العربي جراء الهزة والانتكاسة التي حلت بمصر.

(4)

ليست الصورة محبطة بالكامل. لأن الصدمات والهزات التي تعاني منها أنظمة الربيع العربي تكاد تكون محصورة في الجزء الظاهر من تجليات ذلك الربيع، لكن هناك جزءا غاطسا منه لم يفقد حيويته بعد.

وكنت ممن سبق لهم القول إن الربيع في حقيقته هو تحول تاريخي في بنية الإنسان العربي الذي بات ينشد التغيير وأعلن رفضه للظلم السياسي والاجتماعي الذي فرضته عليه الأنظمة.

 وهذا الذي عبرت عنه سجله تقرير لصحيفة نيويورك تايمز في تقرير نشرته في 18 أكتوبر الحالي تحدث عن مظاهر الحراك الجماهيري المسكوت عليه الذي تشهده دول الخليج العربي جميعها، وفى المقدمة منها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية.

وقد كتب التقرير أحد أساتذة العلوم السياسية في جامعة دورهام البريطانية، كريستوفر دافيدسون، وتخير له عنوان دالا هو: نهاية المشيخات.

إن مصر إذ تخسر نفسها بأدائها الراهن، فإنها قد تسحب معها العالم العربي أيضا. لكنها وهي تقف خارج مجرى التاريخ، لن تستطيع أن توقف عجلة التاريخ، وتلك من سُنَنْ الله في الكون، التي عبر عنها النص القرآني القائل:
 « وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ »
(الآية 38 من سورة محمد).

أنقذوا القضاء من القضاة


صرنا نخاف على القضاء من بعض القضاة، بعدما توالت الأحكام التي باتت تشكل إساءات بالغة للقضاء، لا تعصف بقيمة العدل فقط، ولكنها تهدر بديهيات ونصوص القانون ذاته. ليس ذلك فحسب، وإنما أصبح القضاء سبيلا للتنكيل وتصفية الحسابات، ليس في مواجهة الخصوم السياسيين فحسب، وإنما في مواجهة القضاة أنفسهم أيضا، وفي هذا وذاك فقد بدا لنا أن القضاء في حالات كثيرة يميل مع رياح السياسة بأكثر مما يتكئ على القانون لإقرار الحق والعدل، وفي أحيان عدة صرنا نرى في الأحكام بصمات تقارير جهاز أمن الدولة، ونشم فيها رائحة الكيد والانتقام.

   أتحدث عن الحكم النهائي الذي قضى بحبس رئيس الوزراء السابق الدكتور هشام قنديل، لأنه امتنع عن تنفيذ حكم كان يتعين على غيره أن ينفذه. وتلك سابقة تحدث لأول مرة في مصر،

 أتحدث أيضا عن قرار ضبط وإحضار المستشار أحمد مكي وزير العدل السابق والمستشارة نهى الزيني، فيما بدا أنه عقاب للشهود الذين تحدثوا عن تزوير انتخابات عام 2005 في حين لم يتطرق القرار إلى القضاة الذين اتهموا بالتزوير، وهو ما فهم منه أن الأمر ليس مكايدة وتصفية حسابات فحسب، ولكنه أيضا بمثابة إنذار لكل من تسول له نفسه أن يتحدث عن تزوير الانتخابات القادمة.

 في ذهني أيضا قرار محكمة استئناف القاهرة بوقف 75 قاضيا بعد اتهامهم بالانحياز إلى فصيل سياسي دون آخر (وقعوا على بيان بتأييد شرعية الدكتور محمد مرسي)، وذلك بعد أن أسقط نادي القضاة عضويتهم لذات السبب. حدث ذلك في حين أن رئيس مجلس القضاء الأعلى كان ضمن الذين حضروا الاجتماع الذي أعلن فيه عزل الرئيس مرسي، فيما بدا أنه تعبير عن الانحياز إلى طرف سياسي دون آخر.

 أتحدث كذلك عن مفاجأة الحكم بحل جماعة الإخوان، الذي أصدره قاض جزئي غير مختص بشهادة المستشار محمد عطية نائب رئيس مجلس الدولة، الذي هوجم لأنه قال إن القضية من اختصاص القضاء الإداري وليس العادي. فضلا عن أن شروط الاستعجال التي قررها القانون غير متوفرة فيها.

   ثمة كلام كثير يمكن أن يقال بخصوص القضايا التي برئ فيها ضباط الشرطة الذين اتهموا بقتل الثوار، كما تمت تبرئة المتهمين في موقعة الجمل، في حين انحاز القضاء بشكل سافر في كل القضايا التي كان الإخوان طرفا فيها، فضلا عن القضايا التي رفعت لمحاصرة الدكتور محمد مرسي وشل حركته. تشهد بذلك مهزلة الحكم في قضية الهروب من سجن وادي النطرون، الذي بدا وكأنه تقرير كتبه ضباط جهاز أمن الدولة، تمهيدا لاتخاذ قرار عزله فيما بعد.

   أكتفي في التعليق على تلك المشاهد والقرائن، باستعادة هامش أورده الدكتور فتحي سرور في كتابه «الوسيط» في قانون الإجراءات الجنائية، الذي أصدره وقت أن كان أستاذا للقانون الجنائي. وقد استشهد فيه بمرافعة قدمها واحد من زعماء النهضة الإسلامية بالهند، حين قدم إلى إحدى المحاكم الإنجليزية أثناء الاحتلال البريطاني لبلاده، وفيه ذكر الرجل أن «التاريخ شاهد على أنه كلما طغت السلطات الحاكمة ورفعت السلاح في وجه الحرية والحق. كلما لجأت إلى توظيف المحاكم لكي تفتك بمعارضيها كيفما شاءت. وليس ذلك بعجيب، لأن المحاكم تملك قوة قضائية، وتلك القوة يمكن استعمالها في العدل والظلم على السواء. فهي في يد الحكومة العادلة أعظم وسيلة للدفاع عن العدل والحق. وحين تصبح في يد الحكومة الجائرة فإنها تغدو أفظع آلة للانتقام والجور ومقاومة الحق والإصلاح. والتاريخ يدلنا على أن قاعات المحاكم كانت مسارح للفظاعة والظلم بعد ميادين القتال.. فكما أريقت الدماء البريئة في ساحات الحروب أحيلت النفوس الذكية إلى إيوانات المحاكم، فشنقت وصلبت وقتلت وألقيت في غياهب السجون (انتهى) ــ (للعلم، هذه الفقرة أوردها وأيدها الدكتور سرور في طبعة كتابه التي صدرت عام 1980 حين كان أستاذا جامعيا، لكنه حذفها من الكتاب بعدما صار وزيرا، في الأغلب من باب المواءمة مع الوضع المستجد).

ما سبق يدلل على أن البيئة السياسية تشكل عنصرا ضاغطا على القضاء خصوصا حين تتراجع مؤشرات الحرية والديمقراطية، لكن نزاهة القضاء تختبر في هذه الحالة، حيث تقاس بمعيار القدرة على مقاومة تلك الضغوط والحفاظ على استقلاله. ولا مفر من الاعتراف بأن القضاء في مصر ظل يواجه ضغوط السياسة طوال أكثر من نصف قرن، حتى سمعت من أحد شيوخ زمن القضاء الشامخ قوله إن منحنى التراجع استمر خلال تلك الفترة وبدا الانكسار حادا في الآونة الأخيرة، حتى خسرنا الاثنين، إذ عصفت السياسة بالشموخ وأطاحت باستقلال وحياد القضاء، وحين تواجه مؤسسة العدالة محنة من ذلك القبيل، فإن الوطن يصبح في خطر.

رياح عسكرة الرئاسة - فهمى هويدى


مزاد الترشح لرئاسة مصر لايزال مفتوحا. إذ منذ أطلقت فى الفضاء «بالونة» ترشيح الفريق السيسى، وتردد أنه طلب وقف حملة الدعاية له، حدث أمران مهمان، الأول أن نفرا من الداعين لترشيحه تشبثوا بدعوتهم. وصاروا يصرِّحون بأن أمره ليس بيده وأنه هو من أعلن فى الثالث من يوليو أنه نفذ أمر الشعب، ومن ثم فعليه أن يظل ملتزما بما تعهد به. إذ ها هو الشعب يأمر بترشيحه وعليه أن يمتثل لقراره. وهو منطق يستثمر الالتباس الذى ساد مؤخرا فى مفهوم سلطة الشعب التى ما عادت تمارس من خلال احتشاد جمهرة من الناس كما كان يحدث فى التجربة اليونانية أى فى عصر ما قبل الديمقراطية، وإنما صارت تمارس تلك السلطة من خلال مؤسسات وآليات طورتها الخبرة الإنسانية لكى تصبح تعبيرا حقيقيا عن رأى الشعب.

الأمر الثانى اللافت للنظر أن الأسماء التى ترددت ضمّت جنرالات سابقين، جميعهم قادمون من خارج السياسة، رغم أن لهم سجلهم المعتبر فى مجالات عملهم. إلا أننى لا أكاد أرى مسوغا شجعهم على الترشح سوى أنهم من العسكر، إذ أغلب الظن أنهم وجدوا أن أسهم العسكريين ارتفعت فى الآونة الأخيرة (فى أعقاب الانقلاب الذى قاده الفريق السيسى)، بعدما كانت الجماهير قد هتفت ضدهم فى السابق وصار الجيش والشعب «يدا واحدة» كما يقال فى هتافات زماننا. من ثم فإنهم اعتبروا أن الأجواء صارت مواتية لتحقيق ذلك الطموح. وقد قرأنا أمس أن مستشار الرئيس للشئون السياسية الدكتور مصطفى حجازى أدلى بتصريحات لصحيفة ديلى تلجراف البريطانية عبر فيها عن حماسه للفريق السيسى كمرشح للرئاسة وقال إنه فى هذه الحالة سيصبح إيزنهاور مصر. وكان الرجل فى ذلك مجاملا أكثر من اللازم، وقد أقول مغالطا. لأن إيزنهاور انتخب رئيسا للولايات المتحدة (عام 1953) بعدما اعتبر أحد أبطال الحرب العالمية الثانية. إذ شغل منصب القائد الأعلى لقوات الحلفاء فى أوروبا المسئولة عن التخطيط والإشراف على وقف تمدد قوات هتلر فى أوروبا. ولم يكن الرجل صاحب إنجاز عسكرى تاريخى فحسب، ولكنه كان أيضا صاحب رؤية سياسية واجتماعية ثاقبة، سمحت له بأن يحقق إنجازات كبيرة بعد انتخابه.

لا أعرف من أين جاء الدكتور حجازى بالفكرة التى ساقها، فى حين لا أشك فى أنه يعلم جيدا أنه لا وجه للشبه بين الفريق السيسى وإيزنهاور، إذا استثنينا الخلفية العسكرية والتقارب النسبى فى السن (السيسى عمره 58 سنة وإيزنهاور كان عمره 61 سنة حين عين قائدا لقوات الحلفاء) إضافة إلى أن كلا منهما يجيد الانجليزية! ــ صحيح ان الاثنين لهما علاقة بالتاريخ، إلا أن أحدهما دخل إليه والثانى لايزال واقفا ببابه.

إضافة إلى ما سبق فأحسب أن الفراغ السياسى المخيم على مصر، وغياب أحزاب قوية وعدم وجود قيادات مدنية تتمتع بالإجماع بين المصريين، خصوصا بعد إقصاء الإخوان وإخراجهم من الساحة السياسية، هذه العوامل شجعت بعض الجنرالات على دخول الحلبة وتقديم أنفسهم بحسبانهم بدائل مناسبة لحكم مصر، استنادا إلى شرعيتهم العسكرية.

ليست لدينا استطلاعات للرأى موثوق بها تحدد لنا حظوظ الجنرالات أو غيرهم فيما لو رشحوا أنفسهم للرئاسة، إلا أننى لا أخفى استيائى من فكرة الثورة على نظام مبارك الذى قيل لنا إنه قائد الضربة الجوية، ثم انتخاب جنرال آخر يقود عملية ضربنا نحن. ناهيك عن اننى لا أخفى قلقا شديدا من الاستناد إلى الخلفية العسكرية فى اضفاء الشرعية على أى مرشح للرئاسة، لأن ذلك يعد مدخلا لوقوعنا فى براثن عسكرة النظام التى يتعذر الخروج منها.

لقد انتقدت من قبل فكرة التركيز على رأس الدولة وحاولت تفسير ظاهرة التعلق فى مصر بالفرد المخلِّص للمجتمع، التى تعد من أصداء نموذج الفرعون واهب الموت والحياة عند قدماء المصريين.

ومازلت عند رأيى فى التحفظ على الفكرة والتحذير من مخاطرها. لأننى أزعم أن عافية المجتمع لا تتحقق بمجرد اختيار رئيس من خلال انتخابات نزيهة، رغم أن تلك خطوة مهمة لا ريب. لكن العافية تتحقق إذا توافرت للمجتمع المؤسسات المنتخبة التى تمثله، وتكون قادرة على محاسبة الرئيس ووقف تغول السلطة واستبدادها. ذلك أن قوة المجتمع المتمثلة فى مؤسساته المنتخبة هى الضمان الحقيقى لنجاح الديمقراطية. ومن الكسل العقلى والوهن السياسى أن ينشغل الرأى العام بشخص الرئيس فى حين يغفل أو يؤجل مسألة تحصين المجتمع بالمؤسسات التى تمثله. ولا أتردد فى القول بأن إغفال ذلك الجانب يؤدى تلقائيا إلى إضعاف المجتمع على نحو يفتح الباب واسعا لتغول السلطة واستبدادها.

إن تسليط الأضواء على الرئيس وحده قد يكون مقبولا فى ثقافة القبيلة وتقاليدها، لكنه يصبح مغامرة خطرة حين يتعلق الأمر بالدول العصرية، خصوصا إذا كنا نتحدث عن بلد كبير مثل مصر.. لذا لزم التنويه.

ما فات المتحدث العسكري - فهمى هويدى


في اليوم الثلاثين من شهر يوليو الماضي عقدت حركة حماس مؤتمرا صحفيا في غزة عرضت فيه مجموعة من الوثائق الخطيرة الصادرة عن مسؤولي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، محور الوثائق هو المساعي المبذولة لتعميق الفجوة وإثارة الشكوك والمخاوف بين حماس والسلطة المصرية. وتراوحت تلك المراسلات بين تزويد المخابرات المصرية المعنية بالشأن الفلسطيني بأخبار وتقارير مكذوبة عن تسريب أسلحة من قطاع غزة إلى سيناء لإثارة القلاقل فيها، وتسريب أشخاص لمساندة الإخوان، وتزويد الصحف والقنوات الفضائية المصرية بأخبار متفرقة تدور كلها حول «المؤامرة» التي تدبرها حماس ضد مصر، وضلوع عناصرها في العديد من الأحداث التي شهدتها البلاد، بما في ذلك قتل 16 جنديا مصريا في رفح خلال شهر رمضان قبل الماضي.

ولأن نصوص هذه الوثائق وخلاصاتها متوافرة على الإنترنت، سأتوقف عند وثيقة واحدة، عبارة عن خطاب «سري جدا» موجه في 3/7/2013 من الملحق الأمني للسفارة الفلسطينية بالقاهرة بشير أبوحطب إلى سامي نسمان مساعد مدير جهاز المخابرات العامة لقطاع غزة (مقره في رام الله). ونص الخطاب كما يلي: نحيطكم علما بأن الضابط أحمد منصور دغمش حصل على 4 قنابل مختومة باسم كتائب القسام. وهي معروفة للجميع بأنها من تصنيع كتائب القسام في قطاع غزة. وجعل عليها عن طريق مصدر قريب له من سكان القطاع، أخذها من عهدة شقيقه الذي يعمل بالقسام. ومن طرفه أحضرها إلى مصر عن طريق الأنفاق. ويقترح علينا الضابط أن يتم استغلالها كدليل على علاقة حماس بالأحداث الأخيرة (........) وهو ما استحسناه. وجاري العمل على إعداد آلية مناسبة.

 لذلك اقتضى التنويه لكم ــ للاطلاع وإبداء الرأي.

 يوم الأحد الماضي 15/9، بعد نحو 45 يوما من الإعلان عن الوثيقة، عقد المتحدث باسم القوات المسلحة مؤتمرا صحفيا بالقاهرة تحدث فيه عن حصيلة الحملة التي تشنها القوات المسلحة بمعاونة الشرطة مستهدفة ضرب وتصفية البؤر الإرهابية في سيناء. وفي ثنايا استعراضه لتلك الحصيلة تحدث عن مضبوطات مختلفة من الأسلحة والذخائر، كان من بينها قنابل مختومة باسم كتائب عز الدين القسام وقطع ملابس مما تستخدمها حركة المقاومة الإسلامية حماس. (للعلم لا يوجد زي خاص لملابس عناصر حماس).

في اليومين التاليين انبرى عدد من الخبراء الأمنيين والمعلقين والمحللين لكي يذكروا أن ما قاله المتحدث باسم القوات المسلحة لا يدع مجالا للشك في أن حماس ضالعة في الأحداث والجرائم التي ترتكب في سيناء.

وقال أحد أولئك «الخبراء» إن المعلومات التي ذكرت تجعل حماس ليست بعيدة عن قتل الـ16 جنديا مصريا في رفح، الأمر الذي يشكك في أن أيديها ملوثة بالدم المصري. ونشرت جريدة الأهرام في 17/9 عنوانا يقول: «بعد تورطها في عمليات إرهابية بسيناء، سياسيون يطالبون الدولة بموقف حاسم ضد حركة حماس» ولم تقف التعليقات المنشورة عند حد اتهام حماس بدعم الإرهاب في سيناء. وإنما ذكر أحدهم أن هناك عناصر إرهابية فلسطينية على الأراضي المصرية، وأن الفلسطينيين أصبحوا جزءا من أزمة مصر.

 الانطباع ليس جديدا، لأن الخطاب الإعلامي والسياسي المصري لم يكن بحاجة إلى تصريحات جديدة لكي يضع حماس والفلسطينيين جميعا على قائمة المتهمين بزعزعة الاستقرار في مصر، وهو أمر محزن ومخجل في الوقت ذاته، لكنها الحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها، كان الجديد في الأمر هو تلك الإشارات التي تحدث عنها المتحدث العسكري في مؤتمره الصحفي.

 ليس عندي تفسير لعدم انتباه المتحدث العسكري إلى الربط بين ما تحدثت عنه الوثيقة التي أعلنتها حماس في الثلاثين من يوليو الماضي بخصوص حصول أحد عناصر مخابرات السلطة على أربع قنابل مختومة باسم كتائب القسام، وبين العثور على قنابل بنفس المواصفات في سيناء بعد أكثر من شهر، وليس عندي تفسير أيضا لتجاهل الجميع للمفاجأة التي كشف عنها الشريط الذي رأيناه في المؤتمر الصحفي وظهر فيه الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم أثناء مداهمات الحملة العسكرية التي تمت في سيناء.
 إذ تبين أن بينهم اثنين من عناصر فتح ومن رجال الأمن التابعين للسلطة في رام الله، وقال أحدهما إنه برتبة ملازم ثان وبصدد الترقي لكي يصبح نقيبا بعد أشهر قليلة. فضلا عن هذا وذاك فإن العثور على قنابل مختومة باسم كتائب القسام لا ينهض دليلا كافيا على مشاركة حماس في زعزعة الاستقرار في سيناء. تماما كما أن العثور على أسلحة بريطانية أو أمريكية أو روسية لا يعد دليلا على مشاركة الدول الكبرى في العمليات ضد السلطات المصرية.

 هذه ملاحظات أسجلها للعلم فقط، مؤجلا إلى السبت المقبل بإذن الله الإجابة على السؤالين: هل يمكن أن تلجأ حماس إلى الدخول في مواجهة مع النظام المصري؟.. ومن صاحب المصلحة في افتعال الخصومة أو المواجهة بين الطرفين؟

كتاب "العسكر والدستور في تركيا" .. للدكتور طارق عبد الجليل




تناول كتاب (العسكر والدستور في تركيا من القبضة الحديدية إلي دستور بلا عسكر) مراحل تفكيك القبضة العسكرية علي الدستور والحياة السياسية من قبل القوي المدنية التي تنوعت آلياتها ما بين الصدام والمراوغة، إلي محاولة الوصول لمرحلة دستور بلا عسكر 



حسن محمد شافعي
اكتسبت  التجربة التركية للتحول الديمقراطي  أهمية  خاصة  من قبل المراقبين  في البلدان العربية ، مقارنة  بتجارب التحول الديمقراطي  التي شهدها العالم في العقد الأخير من القرن العشرين ، وبداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين  بل زادت هذه الأهمية  في أعقاب الثورات العربية، ولعل هذا يعود لعدة أسباب أهمها : التاريخ الحضاري  المشترك الذي جمع بين تركيا أخر معاقل الخلافة الإسلامية والدول العربية  ،وانتماء حزب العدالة والتنمية  الحاكم  في تركيا إلي التيار المحافظ  ذي الجذور الإسلامية ، بجانب صعود الإسلاميين   لسدة الحكم في  بعض البلدان التي تخلصت من أنظمتها  السلطوية ، مثل تونس ومصر، الأمر الذي أنشأ  مجالا خصبا للدارسات المقارنة   في  مسار التحول الديمقراطي  للبلدان العربية .
ولقد مثلت الوضعية الدستورية  للمؤسسة العسكرية التركية  التي بمقتضاها يحق لها أن تتدخل في الشئون السياسية  والاجتماعية إلي حد الإطاحة بالحكومات المنتخبة ، وهو ما ظهر في الانقلابات العسكرية المتتالية  في الجمهورية التركية.  

وفي هذا السياق ، تناول كتاب  (العسكر والدستور  في تركيا من القبضة الحديدية  إلي دستور بلا عسكر) مراحل  تفكيك  القبضة العسكرية  علي  الدستور  والحياة السياسية  من قبل القوي المدنية  التي تنوعت  آلياتها ما بين  الصدام والمراوغة،  إلي محاولة الوصول  لمرحلة  دستور بلا عسكر.  

فقد  شكلت هزيمة الدولة العثمانية  في الحرب العالمية الثانية  والأوضاع التي فرضتها  هدنة ( مندروس)  عام  1918  منعطفا تاريخيا  في مستقبل الدولة  العثمانية بوجه عام ، وفي علاقة الجيش والسياسة  بوجه خاص  فقد أدي هروب زعماء  الاتحاد والترقي  عقب  الهدنة تواري  دور الجيش في إدارة  العملية السياسية

أربعة في مقابل واحد




يتفق كثير من المثقفين والمفكرين على أن وجود الجيش في قمة السياسة منذ العام ١٩٥٢ مثل مجموعة من المصاعب الوطنية التي تركت آثارا سلبية طويلة المدى على منسوب الوطنية، وحركة التنمية، وعلى العلاقات الخارجية لمصر، بل إن بعضهم يرى أن وجود الجيش في السلطة أثر على الاستقلال الوطني وآذاه بقدر ملحوظ.

1- ليس من شك في أن هزيمة 1967 ومن قبل 1956 قد بلورتا فكرة أن من الخطأ أن تترك الحرب للعسكريين وحدهم، فقد كان الخطأ الأكبر في الحربين هو عجز السلطة ذات الجذور العسكرية عن تقدير الموقف بطريقة سليمة، ولو أن الموقف كان قد قدر بطريقة لها أي حظ من الحقيقية أو الواقع ما كانت الهزيمتان قد وقعتا على نحو ما حدث، ذلك أن الأمور في الحربين سارت على نحو ما تُصوِّرُه أجواء الحماسة في الروايات التاريخية، لا على نحو ما تقتضيه المعارك الحربية وما تتطلبه من رجال السياسة.

وقد كان من سوء حظ مصر أن كان وزير خارجيتها في العام1967 هو الآخر عسكريا، وهكذا لم يكن من المستغرب أن تغيب العوامل الدولية عن ذهنه تماما، بل إن وزير الخارجية التقليدي الذي كان قد صعد إلى منصب مساعد الرئيس للشؤون الخارجية (وهو الدكتور محمود فوزي) كان أقرب على الدوام إلى التأمين على ما يراه العسكريون، مهما كان حجم الخطأ الدبلوماسي أو الخارجي فيه.

أمير المغفلين - فهمى هويدى


بعد مضي عشرين عاما على اتفاقية السلام في أوسلو كان الحصاد كما يلي:
 عدد المستوطنين اليهود تضاعف من 260 ألفا إلى 520 ألفا
  الاستيطان ابتلع 42٪ من الأراضي المحتلة 
 أزالت إسرائيل 15 ألف مبنى فلسطيني 
 سيطرت إسرائيل على كامل المنطقة التي تمثل 61٪ من أراضي الضفة الغربية 
 رفضت إسرائيل 94٪ من طلبات البناء للفلسطينيين ــ قطاع غزة أصبح يخسر 76 مليون دولار سنويا جراء منع سكانه من زراعة 35٪ من الأراضي
تقليص مساحة الصيد في غزة من 20 ميلا إلى ستة فقط.

 هذا ما ذكرته وكالة المساعدات الدولية (وكسفام) في تقرير أعدته بمناسبة الذكرى العشرين لاتفاقية أوسلو التي وقعت في 13 سبتمبر عام 1993، وخلصت منه إلى أن ملايين الفلسطينيين أصبحوا أكثر بؤسا وتعاسة عما كانوا عليه قبل ذلك التاريخ.

 لم يتحدث تقرير الوكالة الدولية عن تهويد القدس ولا عن الجدار العازل الذي أدى إلى تشريد خمسة آلاف فلسطيني ولا عن الأسرى الذين تحتجزهم إسرائيل والذين زاد عددهم بنسبة 15٪ عن العام الماضي. كما لم يتحدث عن «التعاون» الكارثي المتمثل في التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل الذي هدفه الأساسي قمع المقاومة وحماية الأمن الإسرائيلي.

درس في «الشيطنة» - فهمى هويدى


قال الأستاذ إن تعليمات الهجوم على المزرعة ونهب المكتبة صدرت من رابعة. وفي التفاصيل ذكرت إحدى الزميلات نقلا عن بعض المصادر أن قرار الهجوم على ضيعة الأستاذ هيكل أصدرته لجنة الإعلام والثقافة في مجلس الشورى المنحل، التي أعدت قائمة سوداء تضمنت أسماء الكتاب الذين أيدوا فض اعتصام رابعة، وكان الأستاذ على رأسهم. المذيعة التي أجرت الحوار مع الأستاذ يوم الخميس الماضي 12/9 ظهر على وجهها التأثر الشديد، وعلقت على ما حدث قائلة إنه هجوم على التاريخ والثقافة والفن.
 ولم يكن ذلك هو التعقيب الوحيد لأن أصداء الحادث ترددت في كتابات أخرى عديدة. قال أحدهم إن التتار الجدد مروا من «برقاش»، البلدة التي تقع فيها المزرعة وإن الإخوان في عامهم الأسود استباحوا الوطن وأشاعوا الجهل والتخلف، وأن من أحرقوا التاريخ في «برقاش» هم أنفسهم من أشعلوا النار في الكنائس والمساجد ومن فجروا القنابل في أجساد الأبرياء ومن زرعوا سيناء بعصابات الإرهاب أعداء الحياة.

 وتحدث آخر عن غزوة مكتبة برقاش التي ارتكبها أبطال غزوة رابعة العدوية والنهضة، الذين لم يجدوا ما يتأسون به من تاريخ المسلمين سوى غزوات حرق مكتبة الإسكندرية ومكتبة بغداد.

منذ وقعت الواقعة في 14 أغسطس الماضي، يوم فض اعتصام رابعة، وأصابع الاتهام تشير إلى الإخوان وحلفائهم، وحين تزامن الهجوم على المزرعة والمكتبة مع فض الاعتصام فإن ذلك اعتبر قرينة عززت التهمة، إذ اعتبر من أصداء الصدمة التي أصابت الإخوان جراء عملية الفض صبيحة ذلك اليوم.

 إلا أن المعلومات التي نشرت أمس (السبت 14/9) فاجأتنا بأن التحقيقات أسفرت عن أبعاد أخرى لم تكن في الحسبان. فقد ذكرت صحيفة الأهرام أن أجهزة الأمن في محافظة الجيزة تمكنت من إلقاء القبض على مرتكبي واقعة إشعال النيران بفيللا الأستاذ هيكل والاستيلاء منها على عدد من الوثائق التاريخية وكذا حرق نقطة شرطة المنصورية. وكان مدير مباحث الجيزة قد شكل فريقا لتحري الأمر، إلى أن توصل الفريق إلى المتهمين الذين نصبت لهم عدة أكمنة ثم ألقي القبض عليهم بعد تبادل إطلاق النار معهم. في التحقيق اعترف المتهم عبدالرازق جمال (23 سنة ــ قهوجي) بأنه قرر بالاشتراك مع آخرين إضرام النيران بنقطة شرطة المنصورية وسرقة محتوياتها. كما قام المتهم ومعه الآخرون بسرقة محتويات الفيللا التي يملكها الأستاذ هيكل. وعثر بحوزة الرجل على شارتين عسكريتين لرتبة نقيب وعلبتي سيجار خشبيتين ومطواة. وتبين من التحريات أن المتهم محكوم عليه وهارب من 5 قضايا.

وقد اعترف بالاشتراك مع المدعو محمد عبدالفتاح عبدالمحسن بسرقة الفيللا. ويكثف رجال الأمن تحقيقاتهم لضبط الوثائق التاريحية والمقتنيات الأثرية التي استوليا عليها من مكتبة الأستاذ. وهذا الذي نشرته الأهرام، تكرر بنفس المضمون في صحيفتي أخبار اليوم والجمهورية، دون الإشارة إلى دور للإخوان في الجريمة.

جريدة «المصري اليوم» نشرت التفاصيل ذاتها مضيفة معلومتين، الأولى أن المتهم عبدالرازق جمال (القهوجي) ارتكب جريمته بالاشتراك مع عشرات آخرين والثانية أن بين المتهمين عناصر منتمية إلى جماعة الإخوان.

جريدة «الوطن» نشرت الخبر تحت العنوان التالي: القبض على الإخواني المتهم بحرق فيللا هيكل في الجيزة. لم تذكر الصحيفة اسم المتهم ولا أنه قهوجي وهارب من خمس قضايا، ولكنها بعدما تجاهلت الاسم قالت في الخبر إنه ينتمي إلى تنظيم الإخوان، وأنه كان ضمن خمسة أشخاص ينتمون إلى تيارات دينية وجهادية في منطقة منشأة القناطر نفذوا الهجوم، وقاموا بتفجير 4 أسطوانات بوتاجاز داخل الفيللا مما أدى إلى احتراقها بالكامل. وأشارت الصحيفة إلى أن محامي الأستاذ اتهم في محضر الشرطة تنظيم الإخوان بارتكاب الجريمة.

جريدة «التحرير» ذكرت في عناوين الصفحة الأخيرة ما يلي: القبض على المتهم الرئيسي بسرقة فيللا هيكل ــ قهوجي استعان بصديقه وهاجما نقطة شرطة المنصورة قبل حرق مكتبة الأستاذ. التقرير المنشور تضمن المعلومات التي أوردها تقرير الأهرام وأورد اسمي القهوجي وزميله الهارب، إلا أنه مع ذلك تحدث عن قيام الإخوان بحرق الفيللا. وأشار إلى أن وكيل النيابة طلب تحريات المباحث حول ما ذكره محامي الأستاذ عن هجوم جماعات إرهابية مسلحة على الفيللا والمزرعة. وقيام بعضهم برفع علم «القاعدة» الأسود.

حين قارنت ما نشرته الصحف الخمس، وجدت أن الإجماع انعقد فيها على أن الذي قاد الهجوم هو القهوجي الهارب من خمس قضايا سرقة، ولاحظت أن الصحف القومية الثلاث لم تشر إلى دور للإخوان في العملية، الأمر الذي يعني أن هذه معلومات جهات التحري والتحقيق.

 أما الصحف الخاصة «المستقلة»، فإنها تطوعت بتسييس الخبر على النحو الذي سبقت الإشارة إليه.
 وهو ما ذكرني بما سبق أن لاحظته في نشر خبر نهب متحف ملوى، الذي قالت إحدى صحف اليوم التالي بأن الإخوان هم الذين فعلوها، في حين ذكرت أخرى أن اللصوص وراء العملية.

ليست القضية أن يبرأ الإخوان من جريمة نهب مكتبة الأستاذ، لأن ما هو أهم وأخطر هو تلك الجرأة على طمس الحقائق التي لا تهدر أخلاق المهنة فحسب، ولا تروج للأكاذيب فحسب، ولكنها أيضا تشيع بين الناس وعيا زائفا وإدراكا مشوها يخدم الأجهزة الأمنية ويضلل القارئ.