العنف ضد المرأة .. طارق الحبيب


العنف هو تعمد استخدام القوة على شخص يمثل موقف ضعف في نظر المعتدي، والإشكالية أن مفهوم الرجولة لدى البعض يعني السلطوية والشدة غير المبررة، وتلك نماذج _ بالرغم أني _ لا أظنها كثيرة ولكنها إن وجدت لا تخلو من إحداث الألم والإيذاء والتعسف ومحاولة إلغاء إنسانية الطرف الآخر من خلال إهدار حقوقه الشخصية ومنعه حتى من مجرد التعبير عنها.
إن استخدام العنف بكل أشكاله المعنوية والجسدية تترتب عليه تبعات وآثار نفسية واجتماعية على الفتاة التي يمارس ضدها العنف، فهي تنمو وترى ذاتها كائنا مستضعفا وتابعا لا يملك حرية التعبير أو حتى حرية الشعور، والعنف يشعرها أنها كائن مهان في ذاته كما يزرع ثقافة الخوف في شخصيتها ويصبح هو اللغة التي تربطها بالعالم والسمة التي تربي عليها من بعدها، كما أنها تصبح فاقدة للشعور بالأمان والاستقرار.

إن المرأة التي تهدر حقوقها وكرامتها داخل أسرتها الأولية سيصبح مستقبلها في الزواج عرضة للخطر. فحينما تهان قد تكون لدى البعض من الأزواج الغير ناضجين _ أداة مستهدفة وسهلة لممارسة العنف عليها.
إن الفتاة التي يمارس عليها العنف قد تكون معرضة للتفكك المعنوي في روح العلاقة الأسرية داخل بيتها الزوجي وقد تعاني من سوء التكيف مع الحياة والنظرة السلبية المتراكمة والتي قد تتخذ المسار الحاقد أو الناقم، كما أنها قد تعاني من الصعوبات الانفعالية والتي تتمثل في تقلب المزاج وردود الأفعال الاندفاعية وقد تتشكل لديها نظرة سلبية للحياة ونظرة انتقاصية للذات.

 العنف هو صور عملية ظاهرية وسلوكية للعدوان الذي تختلف أسبابه مابين أسباب ذاتية شخصية وأسباب تتعلق بالبيئة والتنشئة الأسرية، فقد يُعنف ـ البعض ـ المرأة بسبب سماته الشخصية والتي تتسم بالتسلط فيظن أن تلك المرأة هي من ضمن ممتلكاته الخاصة وبالتالي يمارس عليها سلطته بكل قوته العضلية والفكرية، وتعتبر القسوة كطبيعة في الشخصية هي مفسر آخر لممارسة العنف حيث إن القسوة هي مركب النقص مع عدم القدرة على إدارة الانفعالات ينتج عنها تصرفات تتسم بالاندفاعية وعدم النضج، وفي العموم، العنف هو سلوك غير ناضج ومن يمارسه باستمرار كسمة ثابتة في شخصيته يكون غير مستقر انفعاليا أو عاطفياً.

قد يمارس العنف من بعض المراهقين على أخواتهم، حيث تنقصهم مهارات التعامل مع خصائص مرحلتهم العمرية والتجاوب مع الانفعالية الآلية لديهم، أو أنهم تعرضوا لحرمان عاطفي أو أنهم حصلوا على تدليل وحماية مفرطة تصل للدرجة المرضية.

وكل حالة عنف هي حالة فردية تحتاج علاج يتماشى مع: أسبابها وطبيعة شخصية الطرفين وطبيعة العلاقات الإنسانية التي تربط بينهما ومفهوم العدوان من وجهة نظر(المعتدي)،بالإضافة إلى التقييم العيادي للحالة الانفعالية والمزاجية التي يمر بها ذلك المعتدي.

إن التفرقة في المعاملة وعدم العدل بين الأبناء هو من مسببات الشعور الانتقامي الذي قد ينشأ في النفس نتيجة الميل نحو طرف دون الآخر. هذا الشعور قد يتحول لسلوك عدواني يتمثل في العنف..

وتعتبر الأساليب الوالدية في التربية من أهم العوامل التي تؤثر على التوافق النفسي والانفعالي للأبناء وفي مقابل ذلك يسهم الإخفاق في تلك الأساليب في تشكيل السلوكيات غير المقبولة والمرفوضة بما فيها العنف بكل أشكاله.

العنف له علاقة بالشخصية وبأساليب التربية وقد تثيره بعض الظروف الخارجية. بمعنى آخر ليست كل من تعمل أو لديها إرث ستتعرض للعنف ولكن من لديها (أخ) يحمل سمات الشخصية غير المتوازنة قد يلجأ لتعنيفها.

إن العلاقة بين الرجل والمرأة في كل أحوالها من أقوى الروابط الإنسانية وهي علاقة تقوم على التبادل في الحب والخوف والحرص والعطاء أما العنف والسلطة والتهميش والتحقير فهي من عوامل القضاء على جمال تلك العلاقة وروحها المتميزة.

إن الأسرة التي تعتمد على الاستفزاز والسخرية والفوضى في التربية سيصدر من داخلها نماذج عدوانية حاقدة ناقمة تفتقد مهارات الإبداع واللباقة في حل مشكلاتها ومواجهة حتى أبسط مواقف الحياة، العنف في حقيقته هو قصور في التصور الذهني لحل مشكلة أو إدارة موقف، وبما أن دور الأسرة مهم في ظهور المشكلة فهو مهم أيضاً في علاجها وتعديل الاتجاهات الفكرية التي قد تدفع بالبعض أن يمارس دوره بسلطوية عنيفة غير ناضجة.

ومن هنا نقول إن علاج العنف متفرع ومتنوع يشمل العلاقة الأسرية بأكملها والتي قد يظهر بها مثل تلك السلوكيات المخلة باستقرار الأسرة وأمانها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق