قلق الآباء يتعلمه الأبناء - طارق الحبيب


يكاد القلق أن يكون الشكوى المشتركة بين غالبية الناس وهو بالمعنى الواقعي والعملي يعني تهويل المواقف وتفسيرها بأسلوب مزعج ومثير للخوف والارتباك.

وهو كاستجابة سلوكية يعتبر سلوكا متعلما قد ينتقل للأبناء من خلال عمليتي الملاحظة والتقليد، ثم يستمر ليصبح عادة سلوكية، وقد يتطور ليصبح سمة في الشخصية.

إن تدريب الأبناء ومساعدتهم على مواجهة تحديات الحياة وضغوطها يقتضي توافر نماذج والدية تتميز بالعقلانية في التفكير والتجرد والتحرر من مشاعر التوتر والقلق، والقدرة على ضبط الانفعالات والتعامل مع المستجدات والمتغيرات بطريقة فكرية وانفعالية منضبطة، والقدرة كذلك على إدارة الحياة مع التحلي بالمرونة ومهارة التفاوض والنقاش والحوار.

وتختلف أشكال القلق ودرجاته عند الأبناء ولعل أكثرها شيوعاً ما يعرف عيادياً بــ (القلق الاجتماعي) والذي ينشأ في ذواتهم من البيئة التي تعظم في نفسية النشء معنى الخوف والخجل وتمنع الابن من الحوار وتقلل من شأنه باستصغاره وتهويل أخطائه.


وقد يظهر القلق لدى الأبناء بصورة قلق الانفصال والذي يصيبهم عندما يبتعدون عن ذويهم، خاصة الأم أو الأب مما يجعلهم في ارتباك وتوتر وخوف يعيق تفاعلهم مع العالم الخارجي، كما قد يظهر قلق الأبناء في صورة شعور عام بعدم الراحة نتيجة كثرة المشاحنات والانفعالات داخل البيئة المنزلية.

إن مرور الطفل بخبرات وصدمات مؤلمة أمر لا يستهان به في نموه النفسي، والآباء القلقون عادة ما تحمل رسائلهم معاني الحذر والحيطة مما يحرم الأبناء من النضج النفسي والانفعالي.

 إن سلوكيات الآباء هي الرسائل الأكثر تأثيراً في ذهن الأبناء ويصعب عليهم تناسيها أو تجاهلها وتظل خبرة وتجربة ممتدة لحياتهم ومستقبلهم.

إن بعض الآباء يظنون أن تجنيب أبنائهم للمواقف التي تثير لديهم القلق يحميهم من مخاطره، لكن ذلك في الحقيقة يؤدي بهم إلى ضعف الثقة بالنفس وتعزيز القلق وسوء تكيفهم على الصعيد الشخصي والاجتماعي وضعف مهارات التواصل والتراخي عن الدور الاجتماعي في الحياة.

إن مساندة الأبناء لا تعني الحماية المفرطة التي تحفز في دواخلهم مفهوم التبعية، وفي حالة الضغوط نجد بعض الآباء يتجنبون مواقف التفاعل بالهروب وعدم المواجهة مما يستدعي مشاعر الخوف والقلق عند الأبناء من خلال فقدان الأمان الذي هو الوظيفة الأولى للوالدين.

 إن التنصل من الدور الوالدي تجاه الأبناء يفقدهم النموذج القدوة وبالتالي يخل بأساسيات النمو النفسي المتوازن، كما أن ردود الأفعال الغاضبة من قبل الوالدين تحمل رسائل سلبية عن مفهوم الحياة وعن الآخرين مما يعزز في نفسية الأبناء القلق من المواقف عامة، ويدفع الابن دون استبصار إلى توقع المخاطر قبل وقوعها.

 ويتجسد القلق في أحد أشكاله عندما يظهر في صورة خوف دائم أو نقد مستمر لتصرفات الابن، أو في صورة الحماية الزائدة له مما قد يؤدي إلى تعزيز سمات الشخصية القلقة (الوسواسية) لديه.

إن القلق ليس مجرد سلوك متعلم أو مكتسب أو مشاهد ولكنه أيضا ردود أفعال وأسلوب في التربية يعيشه الأبناء بتقلباته ومتغيراته ويصاحب ذلك مشاعر متذبذبة ومعارف سلبية يتشكل من خلالها قلق جديد في صور جديدة.

إن أزمة القلق الأخرى أن بعض الآباء يعتقدون أنه حماية مرغوبة وواجبة تتماشى مع مسؤولية الأبناء والحفاظ عليهم والاهتمام بهم، فيندفع الآباء لاعتماد القلق كأسلوب تربوي.

وتؤكد الكثير من الدراسات أن مقارنة الابن بغيره من أهم مسببات القلق لديه. وذلك لأن مجرد شعوره أن هناك من هو أميز وأفضل منه سيجعله ينشغل بغيره عن تطوير ذاته، إذا تختلف أسباب القلق وأشكاله وبواعثه ومعززاته وتظل الحقيقة العلمية تؤكد أن أساليب التربية التي تعتمد الخوف والحماية المفرطة وعدم مواجهة المواقف هي بيئة خصبة لنشأة القلق وتعزيزه.

جريدة الشرق 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق