ذكر بعض ما جرى



فهمي هويدي

قبل نحو عشرة أيام اتصل بي هاتفيا الأستاذ نبيل مرقس خبير التنمية المخضرم قائلا إنّ هناك فكرة توفيقية وتصالحية لحل أزمة الانقسام السياسي الحاصل في مصر تستحق البحث.

وفي شرحه للفكرة ذكر أنّها تقوم على ركيزتين أساسيتين هما
إجراء الانتخابات البرلمانية
والاستفتاء بعد ذلك على بقاء الرئيس محمد مرسي في منصبه،

وهي بهذه الصيغة تستجيب لحرص الرئيس على انتخاب مجلس تشريعي وتشكيل حكومة جديدة تعكس الخريطة التي تسفر عنها الانتخابات،
وفي نفس الوقت فإنّها تلبّي مطلب حملة «تمرد» الذي تبنّته أحزاب المعارضة لاحقا لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

وأثناء حديثه أخبرني أنّه ناقشها مع الدكتور سمير عليش، أحد الخبراء الناشطين في الساحة السياسية والمشغولين بتنمية المجتمع المدني،
واتّفقا على أنّ أهم ما ينبغي أن تحرص عليه القوى الوطنية في الوقت الراهن هو الحفاظ على سلامة وكيان الدولة المصرية،
وتقديم نموذج للتحول الديمقراطي السلمي، الذي تتم في ظلّه المصالحة الإيجابية بين السلطة والمجتمع والحيلولة دون استسلام القوى الوطنية للاستقطاب والاحتراب.

لم يكن المستشار محمود الخضيري رئيس محكمة الاستئناف السابق بعيدا عن الاقتراح، وكان قد سبق أن دعاني لاجتماع مع عدد من المثقفين للتفكير في مخرج من الأزمة.

وقد ظلّت أفكار ومبادرات البحث عن حل موضوعا لحوارات لم تتوقّف معي ومع غيري من المستقلين المعنيين بالشأن العام.

إلاّ أنّني وجدت فيما قدّمه الأستاذ نبيل مرقس صيغة تسهم في تمكيننا من العبور من الأزمة بسلام.

ولأنني فهمت أنّ اتصاله بي لم يكن هدفه فقط إقناعي بالفكرة، ولكنه أراد أيضا أن أنقلها إلى من أعرف من المسؤولين في دوائر السلطة،

ولسابق معرفة بالدكتور محمد علي بشر وزير التنمية المحلية، ولأنني أعرف صلته الوثيقة بالرئيس محمد مرسي، فإنّني نقلت إليه الاقتراح أملاً في أن يوصله إلى الرئيس،

 وحين خرجت مظاهرات المعارضين حاشدة يوم الأحد 30 يونيو فإنّني أعدت الاتصال به بخصوص الموضوع،
وقلت له إنّ في الشارع أعدادا غفيرة من المعارضين، وهؤلاء ينبغي أن يسمع صوتهم وأن يعلن الرئيس استلامه لرسالتهم.

بعد ساعات قليلة اتصل بي الدكتور بشر بعدما كان قد دوّن مضمون الاقتراح في أربع نقاط،
وقال إنّه عرضه على الرئيس محمد مرسي الذي كانت أمامه مقترحات أخرى، وقد اقتنع به،
وسيعرضه في اجتماع يعقد لهذا الغرض في الثانية عشرة والنصف من صباح اليوم التالي (الاثنين).

 ولأن الاتصالات حول الموضوع ظلّت مستمرة مع مختلف الأطراف طوال الليل، فإنّني هاتفت في منتصف الليل المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط كي أستفسر منه عن بعض التفاصيل، فأبلغني بأنّ المكتب السياسي للحزب مجتمع، وأنّه أيّد فكرة الدعوة لانتخابات برلمانية فور الانتهاء من قانون مباشرة الحقوق السياسية، وأنّ أعضاء المكتب يبحثون في صياغة الدعوة للاستفتاء على رئاسة الجمهورية بعد ذلك.

في صباح اليوم التالي (الاثنين) أبلغني الدكتور محمد علي بشر بأنّ المبادرة تبلورت لدى الرئيس وأنّه سيدخل بها إلى اجتماع الثانية عشرة والنصف ظهرا.

وبعد قليل تلقّيت اتصالات من الدكتور طارق وفيق وزير الإسكان الذى أبدى قلقه من أن ترفض أحزاب المعارضة المبادرة، خصوصا أنّها في تصعيدها للمواجهة لم تعد مستعدة لاستقبال أيّ رسالة من الرئيس مرسي،
 وكان رأيه أنّه يفضّل أن يحمل المبادرة من طرحوها في البداية، لتجنيب الرئيس الحرج، ووجدت وجاهة في الفكرة فقلت إنّني سأتشاور مع أصحاب المبادرة لتشكيل مجموعة منهم لتولّي المهمّة.

تبادلنا بعض الأسماء المرشحة بسرعة، ثم تواعدنا على استكمال القائمة بعد ذلك،
وبالفعل اتصلت بالأستاذ نبيل مرقس الذي اقترح عليّ بعض الأسماء وأضاف إليها أسماء أخرى في اتصالين لاحقين، وسألني عمّا إذا كان عليه أن يشرع في إبلاغ من اقترح أسماءهم بالدور الذي سيقومون به،

فقلت إنّ علينا أن ننتظر حتى ينتهي اجتماع الرئيس بالمجموعة السياسية التي سيلتقيها في الثانية عشرة والنصف،
وفهمت من الدكتور محمد علي بشر أنّ الرئيس دعا وزير الدفاع ورئيس الوزراء لاجتماع في الثالثة والنصف عصرا لإطلاعهما على المبادرة قبل أن تخرج إلى المجال العام.

ولست أعرف ما الذي جرى في الاجتماع، لكني حين وجدت أنّ القيادة العامة للقوات المسلحة أعلنت بيانها في الساعة الرابعة، أدركت أنّ الحديث عن أيّة مبادرات فات أوانه، بعدما أمسكت القوات المسلحة بزمام المبادرة.

لا أعرف ما إذا كان الجيش قد تعجّل في الدخول على الخط أم لا، لكنني أعرف جيدا أنّ الرئيس مرسي تأخّر كثيرا فى الإنصات إلى صوت الشارع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق