عن حظوظ الشباب - فهمى هويدى


منذ أثبت الشباب حضورهم في ثورة 25 يناير، أثيرت علامات الاستفهام حول دورهم في حاضر مصر ومستقبلها. ففي حين دأب السياسيون على الإشادة بجهدهم، فإن المنابر والكيانات التي صارت تنطق باسم جماعاتهم ما برحت تدعو إلى استمرار تفعيل دورهم، ليس فقط من خلال التظاهر بين الحين والآخر، ولكن أيضا بدعوتهم إلى المشاركة في الفعل السياسي وإدارة الدولة. سواء من خلال دعوتهم إلى المشاركة في كتابة الدستور أو من خلال تقديم مقترحاتهم بشأن مختلف قضايا الوطن، أو عبر إسناد حصة من الوظائف القيادية لهم، ومن الأفكار التي طرحت في تشكيل الحكومة الأخيرة، أن يعين نائب وزير من الشباب في كل وزارة، حتى يكتسبوا خبرة تؤهلهم لشغل مناصب الوزراء في المستقبل.

هذه الخلفية إذا صحت فإنها تعني أن ثمة التباسات تحتاج إلى ضبط وإيضاح. من ذلك مثلا أن الشباب لم يكونوا وحدهم في ثورة 25 يناير، ولكنهم كانوا الطليعة التي رفعت الراية حقا، إلا أنهم ما كان لهم أن يحققوا ما حققوه بدون التفاف الشعب حولهم، وإذا كان صحيحا أن الشباب تقدموا الصفوف فإن الأصح أن الشعب كله عاد بقوة إلى قلب السياسة بعد انطلاق شرارة الثورة.. من ذلك أيضا أن ثورة 25 يناير ليس لها أن تجب ما سبقها، ذلك أنها ثمرة جهود أجيال من المناضلين الذين غرسوا البذرة ورعوا الشجرة وسقوها بعرقهم وبدموعهم وبدمائهم طوال سنوات وعقود خلت. من تلك الالتباسات أيضا أن توزيع المناصب والغنائم أنه ليس الأسلوب الوحيد للتعبير عن تقدير الشباب، بل قد يكون بابا لإفسادهم وتشويه استعدادهم للنمو. ذلك أن العمل العام ليس مغامرة يقوم عليها المرء ليرى بعد ذلك ما إذا كانت خبطته تصيب أم تخيب. وإنما هو مسؤولية تتطلب تحصيلا وإعدادا وتراكما في الخبرة، هذا على افتراض توافر القدرات الشخصية بطبيعة الحال. وإذ أسجل تقديرا وإعجابا بقدرات وإبداعات بعض الرموز الشبابية الذين ظهروا بعد الثورة، فإنني لا أستطيع أن أخفي دهشة من الجرأة التي تواتي آخرين منهم وهم يتحدثون في أمور محلية ودولية مصيرية سمعوا بها منذ أشهر قليلة. وكانت معارفهم مقصورة على ما التقطته آذانهم من البرامج التليفزيونية أو ما وقعت عليه أعينهم من عناوين الصحف.

تحضرني في هذا الصدد خبرة ثورة ربيع فرنسا الشهيرة التي انطلقت في فرنسا عام 1968، في ظلها خرجت أكبر إضرابات في تاريخ فرنسا، واعتبرها بعض الباحثين منعطفا مهما في تاريخ الغرب والعالم. وهى الثورة التي خرجت داعية إلى تغيير الركود المخيم على التعليم الجامعي، وانتهت دعوة إلى تغيير المجتمع كله والثورة على كل ما هو متكلس وبالٍ فيه.

بعدما مرت العاصفة وأفاق المجتمع من الصدمة التي أحدثها الشباب الثائر، فإن أحدا لم يتحدث عن المكافآت والجوائز، وإنما انخرط الناشطون الذين قادوها في الفعاليات السياسية حيث اكتشفوا قدراتهم وراكموا خبراتهم، فمنهم من ذاب في المجرى العام، ومنهم من برز بعد سنوات عدة واحتل مكانة في الواجهات السياسية. اذكر منهم على سبيل المثال اثنين من زعمائهم كانا قد احتلت صورهما وتصريحاتهما الصفحات الأولى في الصحف الفرنسية والعالمية هما كوهين بانديت ويوشكافيشر. والأول انخرط في حزب الخضر هناك عام 1984، (أي بعد 16 عاما) وانتخب عضوا بالبرلمان الأوروبي بعد ذلك بعشر سنوات، وهو الآن الرئيس المناوب لمجموعة الخضر في البرلمان الأوروبي، أما الثاني يوشكافيشر وهو من أصول ألمانية فقد أسس حزب الخضر في فرانكفورت عام 1981 ثم صار وزيرا لخارجية ألمانيا في الفترة بين عامي 1998 و2006. وقبل أن يصعد نجمه السياسي عمل سائق سيارة أجرة وموظفا في إحدى المكتبات.

إن تقدير الشباب يكون بإزالة العقبات التي تحول دون استثمار طاقاتهم وإبداعاتهم ورعاية الموهوبين منهم وتوفير الأوعية المناسبة التي تستقطبهم وتنمى مداركهم لتكسبهم خبرات في المعرفة وفي الحياة، علما بأن آليات الديمقراطية الحقيقية بما توفره من حيوية سياسية كفيلة بجذب أولئك الشبان وتأهيلهم وفتح أبواب المستقبل السياسي لمن يشاء منهم. ولا أستطيع أن أختم دون أن أحذر من التسرع في الزج المبكر للشباب في الواجهات السياسية قبل التثبت من قدراتهم، لأن الاختيار في تلك المواقع ينبغي أن يعتمد على الكفاءة والقدرة بالدرجة الأولى، بغض النظر عن عمر صاحبها شابا، كان أم كهلا.

ملحوظة: فوجئت مؤخرا بأن البعض انتحل صفتي على فيس بوك وتويتر، ولأنه ليست لدي أية حسابات أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنني أرجو أن يدرك الجميع أن مقالاتي التي تنشر باسمي وحدها التي تعبر عني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق