الحرية .. حاجة نفسية


دكتور طارق الحبيب

تعد الحرية بحد ذاتها حاجة نفسية لا يستطيع الفرد العيش بسلام داخلي وخارجي دون أن يحياها شعوراً وموقفاً، وهي من أساسيات التحرر من قيود التوتر والخوف والألم، ذلك أن عدم القدرة على التعبير والتصرف بحرية يعيق الاستمرار في الحياة بتناغم وانسجام بين معطيات الفرد الداخلية وبين ما يحيط به من مستجدات.

الحرية هي استقلالية الفكر والتصرف حسب ما يعتقده الفرد في نفسه من احتياجات ومتطلبات، وهي احتياج يظهر كرغبة من سنوات عمر الإنسان الأولى ولا تنفصل عن الحاجات الأخرى التي تتنوع وتختلف وتتداخل مابين حاجات جسدية وحاجات نفسية وحاجات اجتماعية.


وتبدأ ملامح الحرية بالظهور على سلوكيات الطفل منذ بداية نشأته، وكما هو معروف أن التنشئة الوالدية والأسرية هي المصدر الأول لتوجيه أفكار الإنسان وسلوكياته من خلال الأساليب التي تعتمدها في التربية، فالأساليب الوالدية على اختلافها هي أكبر مؤثر على شخصية الطفل سلباً أو إيجابا.

إن الحرية لا تقتصر على مجرد التعبير عن الذات وإنما هي مفهوم ممتد من القدرة على اعتناق المبادئ باستقلالية إلى تطبيق تلك المبادئ بضوابط الشرع وضوابط العرف المألوفة، والحرية احتياج مشترك بين جميع الناس ولكنها تختلف في أشكالها حسب ميول الشخص وأفكاره ورغباته.

ومن أشكال الحرية حرية التعبير عن الرأي وحرية الإرادة وحرية الاختيار، ورغم اختلاف هذه الأنواع إلا أنها متداخلة. فعندما يحتاج الإنسان إلى التعبير عن رأيه فهو بذلك يحتاج إلى إرادة حرة تمكنه من ذلك ليصل لاختيار حر من صنع ذاته الداخلية.

إن مفهوم الحرية يتشكل في ذات الإنسان من خلال احترام حدود الشخص مبدئياً داخل الأطر الاجتماعية التي يعيشها وإعطاء الفرد مساحة للمشاركة الفعالة داخل حياته الأسرية والاجتماعية التي ينتمي إليها وتقدير رأي الإنسان مهما بدا حجم الاختلاف بالإضافة إلى عدم معارضة الشخص في محبوباته حتى لا يتحول الأمر لديه إلى عملية جدلية مع محيطه وجعل العملية التربوية عملية تبادلية بين الأخذ والعطاء حتى يتشكل المفهوم الناضج لممارسة الحرية باعتدال.

 إن التصرف بحرية عامل مهم في تحقيق مفاهيم الصحة النفسية التي من خلالها يتعايش الفرد مع بيئته بنجاح يضمن له الرضا والسعادة، إذاً الحرية ليست مفهوما مجردا أو مطاطيا كما يظن البعض. بل هي مفهوم مثقل بالقيم والمعايير الأخلاقية والإنسانية التي تؤتي ثمارها من خلال أهدافها التي ترتقي وتتسامى لتشمل تحقيق حرية منضبطة لمجتمع بأسره.

إن الحرية بمعناها الحقيقي ترسم بيئة متحررة من قيود السلطوية والعنف والاستبداد الفكري، ولذلك فإن جوهر ممارسة الحرية يعتمد على عدد من السمات الشخصية منها القدرة العالية والمتميزة على انتقاء الأفكار واختيارها والمهارة الفائقة في معرفة الحقوق الشخصية والمجتمعية وكيفية الدفاع عنها والدراية الناضجة بكيفية تطبيق الأفكار في الوقت والكيفية المناسبة بالإضافة إلى الثقة بالقدرات الشخصية واستثمارها بشكل إيجابي في المواقف المختلفة والنظرة الإيجابية للمستجدات بما في ذلك الأزمات والصدمات بالإضافة إلى التوازن والاتزان في مواجهة التيارات المعارضة والمختلفة، بالإضافة إلى التركيز على القيام بالدور الشخصي واحترام حدود الآخرين وحقوقهم واختيار المناهج والأفكار الواقعية والمقبولة القابلة للتطبيق واللباقة في إبداء الرأي والمرونة في تقبل الآراء المختلفة والقدرة على خلق روح التكامل من المزج بين الأفكار المختلفة وجعلها منهجا شموليا يجد الجميع به شيئا من مراده.

الحرية هي السمة المتفردة للشخصيات والشعوب المؤثرة.. وهي لا تفقد صورتها الصحية إلا من خلال استخدامها في التعدي على الآخرين وتجاوز الحدود المقبولة والمسموحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق