رمضان.. حللت أهلاً - طارق الحبيب


مع استقبال رمضان شهر الخصوصية الروحية يتحدث الكثيرون عن مشروعاتهم في التغيير علهم يغتنمون هذه الأيام القليلة في عددها الكبيرة في معناها.

أن تنتقل وأنت في مكانك في رحلة نورانية تستشعر بها معنى السكينة وتضيف إلى نفسك خبرات شخصية ذات طابع روحاني، وأن تستعيد من أفكارك قيمة العطاء وتتذوق طعم البذل، ذلك شعور لا تجده إلا في رمضان.
إن كنت دائماً تردد أن حق رمضان عليك هو حق الضيف وذلك ما يدفعك إلى حسن الاستعداد له، فما بالك بضيف هو أكرم منك فيما يمنحك من هدايا الرحمة والاستزادة من الخيرات.

إن النفس الإنسانية تستلذ بالتكامل وبالعطاء مقابل الأخذ مهما ارتفعت، ولذلك كان رمضان رحلة ومساحة لإشباع الرغبة التكاملية والحاجات الأساسية في تحقيق سمو الذات.

في رمضان تتنفس ألوانا من المشاعر تستحدثها التغيرات الإيجابية التي تقترن بخصوصية الشهر وخصوصية العبادة.


لا تدع فرصة رمضان تمر دون أن تستثمرها، كن إيجابياً في التعامل مع ذاتك بأن ترفع قدرتها على الاستفادة من الخبرات الحياتية وذلك هو الذكاء البيئي، كن متحدثاً لبقاً مع نفسك حينما تخبرها بأن الرقي يعني أن تكون متلقية في بعض الأحيان وأن التميز هو توظيف ما تلقته وتحويره ليصبح سمة إنسانية في سلوكك المستقبلي، استثمر في نفسك معنى الضوابط التي قد ترفضها في كثير من الأحيان لتجد نفسك أمامها تلميذاً في الجامعة الرمضانية.

إن العبادة هي اللغة الروحانية التي تبث في النفس تعديل الدوافع، فكن خير عابد تكن لك العبادة خير علاج.

إن التغيير مرحلة لا يستغني عنها الشخص في حياته، خاصة عندما يجد نفسه في مأزق الروتين وعندما يكون الإحباط واليأس يحتلان الجزء الأكبر في حياته. ومن هنا نقول إن رمضان في طبيعته الخاصة جداً هو محطة مهمة وفارقة لإحداث تغيير ما يطمح له الإنسان.

إن التغيير هنا يشكل المخرج العملي من دائرة الضغط والإنهاك النفسي الذي يعانيه الفرد تحت وطأة حياة اختارها بسوء تقدير، أو وجد نفسه ضمن أحداثها دون ترتيب أو تخطيط. لتجد النفس فرصة في رمضان للانشغال عن الكثير من الرغبات والأهواء والتسامي بذلك الانشغال وتوجيهه لممارسات ربما لم يعتدها الإنسان لكنه قد يحقق مراده منها وبها.

إن الإنسان قد يتكاسل عن الإقدام، وليست تلك الإشكالية ولكن الإشكالية أن يركن للكسل ويتأرجح بين الشعور بالدونية وتقمص العجز وبذلك يصبح أسيراً لمشاعر لوم الذات والندم وبالتالي يصبح اغتنام الفرصة والمنحة الرمضانية أمرا ليس بالسهل في حسه.

إن من أصعب المهام التي يقوم بها الفرد هو اكتساب عادة سلوكية جيدة إيجابية أو تغيير عادة سلوكية سلبية سيئة. وفي ذلك يقول علماء النفس السلوكيون: إن أصعب شيء في تغيير السلوك هو العادة، حيث نجد مقاومة شديدة لكسر هذه العادة.

إن التخيل الذهني الإيجابي للقدرة على ممارسة السلوكيات الحسنة وتقدير الميول والإمكانات يجعل تكوين العادات الجيدة شيئا ضمن حدود الممكن والمعقول في حس الإنسان، فالكثير من التقدم في مختلف الجوانب يحققه المرء عندما يضع مساحة من الاسترخاء في حياته. ومن خلال تلك المساحة يستطيع أن يأخذ قراراً قابلاً للتطبيق.

لذلك فإن قرارك الاستفادة من تلك الهبة الرمضانية يتحقق تحت مظلة: الإرادة والقناعة والرغبة والتأمل والاسترخاء.

 يمكنني القول إن هناك علاقة حب عميقة بين رمضان وكل مسلم تبدأ بالاستعداد للقائه والفرحة به وتنتهي بالشوق والحنين الدائم لتجديد اللقيا به. وما بين اللقاء والشوق مشاعر إنسانية تتشكل للتلذذ بروحانية ذلك الحبيب المفارق.

رمضان: حيث تعدد العبادات واختلافها وحيث الأجواء والذكريات الإيمانية المتجددة. يتفرد بخصوصية حتى في التعاطي معه. حيث يمارس الإنسان من العبادات والنوافل ما يناسب قدرته وطبيعته الشخصية لينهي رحلته بأقصى ما لديه من قدرات..

اللهم أعد علينا رمضان أزمنة عديدة حتى نلقاك وأنت راض عنا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق