الزواج السرى - طارق الحبيب


لا نتحدث هنا عن الجانب الشرعي، فالعلاقة لابد أن تكون شرعية حتى نسميها زواجاً، لكننا نتكلم عن جانب السرية في هذه العلاقة.

سرية الزواج قد تكون محمودةً لذاتها وقد تكون مذمومةً لذاتها حسب الظروف المحيطة بهذا الزواج، فلو أن امرأة أربعينية ذات أولاد تقدم لها رجل ورغبت بالزواج منه لكنها لم تتأكد من جديته، ربما كان من المنطقي في البداية أن يكون زواجهما سرياً، لكن بعلم أهلها وليس بعلم المجتمع، حتى تتأكد من جدية ذلك الزواج ثم تعلنه.

كما قد يكون الزواج السري مذموماً، كحال الذي يسافر إلى الخارج ولا يأخذ زوجته وأولاده، إنما يذهب للزواج السري باحثا عن المتعة فحسب، وبعد أن ينال مبتغاه يحزم حقائبه ويعود، وهذا النوع مذموم لذاته.


عندما نقول إن هذا الزواج مذموم فنحن لا نقصد أنه محرم، إنما يقوم حله وتحريمه على قرار علماء الشريعة، فمقاصد الشريعة عموماً نبيلة لكن تطبيق البعض للمباح على أرض الواقع قد لا يكون نبيلا، مقاصد الشريعة هي أوامر الله سبحانه وتعالى، ثم تأتي يد البشر فتكون طاهرة مثل تلك المقاصد، أو دنسة فتدنس الفعل المباح في أصله.

للزواج ركنان أساسيان يجب أن يتحققا، الأول هو تقدير الحاجات، ونعني هنا أن يقدر كل طرف حاجاته وحاجات شريكه، والركن الثاني: هو أن تتكامل الرغبات وتتشارك الاهتمامات.

 البعض كان ينظر إلى الزواج السري على أنه استغلال الرجل للمرأة، لكنه في بعض الأحوال يمكن أن يكون استغلالا من المرأة للرجل، ففي بعض الدول يكون الشباب الذين جاءوا للدراسة في جامعات المدن الكبيرة صيداً سهلاً  لسيدات المجتمع في تلك العواصم، لأنهم قد يكونون فقراء أتوا للدراسة ووجدوا امرأة تريد زواجاً سرياً، فيعطي الشاب للمرأة ما تريد مقابل أن تعطيه هي ما يريد.
متى يبحث المقبلون على الزواج عن السرية؟، أحياناً يكون السبب هو الانفتاح المجتمعي الكبير، فترى الشاب أو الفتاة يسافرون لعواصم يعملون فيها تكون بعيدة عن أهلهم، فتكون قيادتهم لأنفسهم مستقلة عن دور أسرهم ويختارون هذا النوع من الزواج، وأحيانا العكس، فربما كان الكبت في طريقة التربية مدعاة  للبحث عن الزواج السري، لأن الإنسان يكون قد تدرب أن يمارس احتياجاته بطريقة غير معلنة، فالطريقة التعسفية والتسلطية في التربية تؤدي لمثل هذا السلوك، وقد يكون من أسباب الزواج السري أحيانا طلب المتعة الجنسية التي يصعب إرضاؤها داخل الحياة الزوجية، فيلجأ الزوج إلى التعدد سرا بحثا عن شيء فقده في زوجته.

قد تكون الإشكالية في الزواج السري أحيانا هي عدم وجود الاقتناع الكافي، فعدم اقتناع أي من الشريكين بالآخر يجعله يخفي هذا الزواج ولا يعلنه.

وقد يحدث هذا الزواج خوفا من العنوسة أو فوات قطار الزواج، وقد يحدث أحيانا بحثا عن طفل، فالسن كل ما تقدم بالمرأة كان مطلبها للأطفال أكثر من مطلبها للرجل، فالمرأة في البداية تريد رجلا مميزا، ثم إذا انطلق بها العمر أصبحت تريد طفلا من ذلك الرجل، وقد يكون السبب أحيانا هو إشباع الفراغ العاطفي عند بعض النساء حينما تكون مطلقة وقد تقدم بها السن، فتحاول أن تشبع هذا الفراغ العاطفي ولو بطريقة جزئية، وقد يظن بعض النساء أن هذا الزواج هو حل لبعض مشكلاتها فتلجأ إليه.

إن الإشباع النفسي قد يكون سببا للزواج السري عند بعض النساء أو الرجال، فبعض السيدات لديها ضعف عام في شخصيتها، فتجد نفسها غير مؤهلة للزواج وتقبل بالزواج السري بسبب نقص الثقة بالنفس، فيأتي ذلك حيلة تعويضية، وكذلك الرجل المتردد غير الواثق بنفسه، يبحث أحيانا عن المتعة غير المرهقة أو المكلفة، فيلجأ لمثل هذا النوع من الزواج.

لكن ما هي نظرة المجتمع لهذا الزواج لو انكشف؟، إن الزواج السري هو مرحلة وسطى بين الزواج التقليدي والزنا، يأخذ من الزواج شرعيته ومن الزنا اختفاءه، لذلك تجد الزوجين في حالة خوف وقلق وترقب، وقد لا ينجح ذلك الزواج كثيراً بسبب حالة الخوف التي تمنع من السكنى وتبقي العلاقة في حال توتر مستمر.

إن نقل الزواج السري إلى زواج معلن ممكن عن طريق علاج أسباب عدم إعلان ذلك الزواج في بدايته، فمثلاً: إن كان الشاب ليس بمستوى أسرة الفتاة وتزوج بها زواجا سرياً، كان لزاماً على الفتاة أن تشجعه على إكمال دراسته وتعليمه ليرتفع وظيفيا ثم يظهر أمام الأسرة وكأنه تقدم من جديد، فعلاج المشكلة التي حالت دون إعلان الزواج هو أحد الحلول العملية ليخرج هذا الزواج إلى النور، ويبدأ الزوجان مرحلة جديدة تحقق السكنى التي هي من أعظم مقاصد العلاقة الزوجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق