نضحك أم نبكي؟ - فهمى هويدى


شريط الفيديو سجل شهادة أول الضحايا في قضية قتل المتظاهرين. ظهر الشاب ممددا على سرير في المستشفى، وهو يروي قصته. قال إنه توجه إلى ميدان التحرير يوم 28 يناير عام 2011، لينضم إلى المتظاهرين الغاضبين الذين احتشدوا عند مقر مجلس الشورى. وهم واقفون طلب منهم أحد ضباط الجيش أن يفسحوا الطريق لمرور مجموعة من جنود الشرطة، لكي ينضموا إلى زملائهم الذين كانوا يدافعون عن مقر وزارة الداخلية. بعدما استجابوا لطلبه، فوجئوا بأن ضابط الشرطة الذي كان ينتظرهم على الجانب الآخر أعطاهم ذخيرة وأمرهم بإطلاق النار على المتظاهرين الواقفين. ركض الشباب لكن ضابط شرطة آخر استوقفهم، وتحت تهديد السلاح طلب منهم أن يصطفوا بحيث يديرون ظهورهم له ويرفعوا أيديهم إلى أعلى.

حين فعلوها انهالت عليهم الرصاصات من الجنود المتمركزين، وهو واقف. شاهد صاحبنا رصاصة تخترق ظهر الواقف إلى جواره ورآه وهو يتهاوى ويسقط صريعا. 

حاول أن يجرى بعيدا فجاءته رصاصة في فخذه أسقطته على الأرض. بعد لحظات وجد نفسه تحت كومة من جثث المصابين. تجمع حولهم الجنود وانهالوا عليهم ضربا بكعوب البنادق وهم يسبون أمهاتهم بأقذع الشتائم. كان كل جريح يأخذ حصته من الضرب ثم تلقى جثته جانبا. وحين جاء دوره. أخبر أحد الجنود ضابط الشرطة بأن الشاب ينزف وأنه غارق في دمائه. وأشار إلى إصابته في فخذه، فما كان من الضابط إلا أن أمسك بسلاحه وظل يضرب الشاب بوحشية في مكان النزيف، ثم ينهال بكعب البندقية على رأسه التي أحدث فيها أربعة كسور. وحين أدرك الضابط أنه على شفا الموت تركه ومضى. لمح صاحبنا جنديا يرمقه فاستغاث به، فتقدم نحوه وأمسك بالحزام المحيط بخصره ثم رفعه قليلا، حيث فتش في جيوبه وأخذ كل ما فيها. وبعد ذلك ألقى بجثمانه على الأرض.


وهو في هذه الحالة لاحظه بعض المتظاهرين فسارعوا إلى نقله إلى مستشفى قصر العيني. حيث عولج هناك، وأمضى أيامه الأولى على أرضية المستشفى الذي اكتظ بالمتظاهرين، وأخبره أحد الأطباء عقب جراحة أجريت له أن الرصاصة التي اخترقت فخذه من النوع المحرم دوليا، لأن جزءا منها ينفجر داخل الجسم ويمزق الأوردة والشرايين. وذلك هو ما حدث معه. أمضى صاحبنا ــ اسمه محمد الفرماوي ــ عاما كاملا تحت العلاج لإزالة آثار الخرطوش الذي ملأ ظهره والكسور التي أصابت رأسه، فضلا عن تهتك أوردة وشرايين ساقه اليسرى وهو ما اقتضى إجراء العديد من العمليات الجراحية، ثم عاد بعد ذلك لكي يواصل عمله مدرسا بإحدى مدارس اللغات الدولية.

 في العام الثالث للثورة شاءت المقادير أن ينضم محمد الفرماوي وشقيق له اسمه مصطفى إلى مؤيدي الدكتور محمد مرسي. وأن يعتصم مع المعتصمين في محيط مسجد رابعة العدوية. وهما هناك، لمحا مجموعة التفت حول شاب وانهالت عليه بالضرب، وحين استفسر محمد عن الموضوع قيل له إنه لص ضبط وهو يسرق الهواتف المحمولة من المعتصمين. وإذ لاحظ أن ضربه كان شديدا بحيث أدى إلى قطع أحد أصابعه. فإنه تدخل هو وشقيقه وثلاثة آخرون، وخلصوه من أيديهم وتولوا نقله إلى مستشفى البنك الأهلي القريب من الطريق الدائري. في الطريق استوقفهم كمين للشرطة، فاستغاث به اللص مدعيا أن الإخوان خطفوه من منطقة رابعة العدوية. فألقى الضابط المختص القبض على الجميع، ثم اقتادهم إلى أقرب قسم للشرطة.

 القصة تناقلتها الصحف وقنوات التلفزيون بطريقة مختلفة تماما. إذ ذكرت أن «الإرهابيين» المؤيدين للرئيس مرسى اعتدوا بالضرب على أحد معارضيه «اللص!» وقطعوا أصبع يده. وشاء حظ محمد الفرماوى أن يحتفظ على هاتفه المحمول بصورة له أثناء زيارة قام بها إلى غزة ضمن إحدى قوافل الإغاثة الإنسانية، وخلال الزيارة كرَّمهم رئيس وزراء القطاع، وكانت الصورة له وهو يصافح السيد إسماعيل هنية وهو ما اعتبر «جريمة» أخرى لا تقل فداحة عن تأييد الدكتور محمد مرسى. لأن صورة «التلبس» عممت على جميع الصحف المصرية، واعتبرت دليلا ليس فقط على ارتباط محمد الفرماوي بحركة حماس، ولكنها استخدمت قرينة على أن ذلك «الإرهابي» تدرب في غزة ضمن كتائب عزالدين القسام، لكي يتأهل لممارسة الدور التخريبي في مصر!
 كانت جريمة اللص أهون فأطلق سراحه واعتبر مجنيا عليه، أما جرائم محمد الفرماوي فقد كانت من النوع الذي لا يمكن التسامح معه، لأن ما فعله وصحبه اعتبر تهديدا للأمن القومي في مصر.

 لم تنته القصة بعد، لأن جهاز الأمن الوطني العائد قام باللازم، وتم تحويل المجموعة إلى محكمة الجنايات بعد اتهام أفرادها بارتكاب قائمة الجرائم التي تم تلفيقها استنادا إلى ما سبق. ويفترض أن تنظر القضية هذا الأسبوع ــ هل نضحك أم نبكي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق