كلمة شكر قد تكفي.. - طارق الحبيب


مهارات الحياة منظومة متنوعة من المفاهيم والمبادئ والقيم والسلوكيات التي لا حصر لها.

والنجاح والإبداع في الحياة بمواقفها المختلفة لا يعتمد في جوهره على إتقان جميع هذه المهارات، ولكنه في الواقع يعتمد على إتقان تلك المهارة التي ينتقيها الفرد لذاته والتي تكون متناسبة مع ميوله وقدراته ومناسبة لدوره وموقعه الاجتماعي.

قد يتفوق البعض في مهارة أو أكثر مما يجعله مبدعاً في مجاله ومساحته. دون حاجته إلى التفوق في باقي المهارات، إلا أنني أرى أن هناك مهارات عليا أساسية من الطبيعي أن يشترك فيها الناجحون وهي ترتبط بسمات الشخصية الإيجابية التي تتسم بالإنتاجية العالية، تلك الشخصية التي تعي دورها الحقيقي في حياة الآخرين. كما تعي أهمية دور الآخرين في حياتها، ولعل مهارة (الشكر) من المهارات الإنسانية التي لها دور مهم في تفعيل روح المبادرة والمشاركة في العلاقات الإنسانية.

إن الشكر محفز قوي وعامل مساند في تنشيط دور الطرف الآخر في حياتك. فشكر الزوج لزوجته مهارة يستطيع من خلالها الحفاظ على روحها المعطاءة داخل الحياة الزوجية.


لقد أشار بعض الباحثين إلى أن التعود على ممارسة الشكر هو طريق النجاح، وفي تجارب متعددة وجد الباحثون أن الشكر يحسن من المزاج ويعدل من الصحة النفسية. كما أنه يساعد في استقرار العلاقات العاطفية ويزيد من معدل الشعور بالسعادة.

والحقيقة أن الشكر هو مهارة تحتاج لقدرة عالية من التفكير الإيجابي. ذلك أن الامتنان للآخرين على مساندتهم ومشاركتهم يعني إدراكاً واعياً للطبيعة البشرية، التي قد تتطلع لكلمة شكر تجدد مشاعرها بالولاء والانتماء.
إن الشكر في جوهره يصعب حصره في كلمة محددة وقد تختلف طريقة التعبير عنه. بل لابد أن تختلف حتى تتناسب مع الطبائع المختلفة.

والشكر كأداة مهمة في التواصل الاجتماعي يعتبر فنا من فنون مواجهة المشكلات والضغوط. ذلك لأن الإنسان في طبعه يميل للمشاركة الوجدانية والعاطفية، وذلك الإنسان الذي يمارس الشكر يعالج المشاعر والترسبات السلبية بينه وبين الآخرين مما يعزز دورهم الإيجابي في حياته سواء في لحظات فرحه أو لحظات حزنه وإحباطه.

إن مجرد القناعة الداخلية بأهمية الشيء قد لا تغير في الواقع. وكذلك الشكر هو ليس مجرد قناعة يؤمن بها الفرد، بل هو قناعة فكرية متبوعة بمشاعر وردود أفعال يشعرها ويراها الطرف الآخر.

ولعل قيمة الشكر المتفردة تتجلى في وقعه على العلاقة الإنسانية عموما بوصفها علاقة تعتمد على العطاء. فالشكر آلية معرفية وسلوكية ينتفع منها الطرفان دون استثناء.

لقد التفت الباحثون مؤخراً إلى مهارة الشكر بوصفها خطوة مهمة من خطوات النجاح في الحياة عموماً، وبوصفها انعكاسا مهما للطاقة الإيجابية الداخلية التي يتمتع بها الفرد، وبالتالي فهي تعطي صورة واقعية لطبيعة الصراعات الذاتية التي ربما تحتل موقعاً مؤثراً في ذوات بعض النفوس.

 وفي المنهج الإسلامي يعتبر الشكر من أساسيات علاقة الإنسان بربه ثم علاقته بالبشر عموماً.

إن افتقاد ممارسة مهارة الشكر يعكس شخصية غير صحيحة نفسياً وليس بالضرورة أن تكون مضطربة. ذلك لأن الجهل بالتعامل مع النفس البشرية لا يقل سلباً عن تعمد تجاهل احتياجاتها ورغباتها.

إن بعض الشخصيات التي تتسم بقصور النظر في العلاقات الاجتماعية لا تعترف بأدبيات الشكر كوسيلة لاستحسان الطرف الآخر وقبوله، كما أن بعض الشخصيات التي تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية لا ترى أن الآخرين يملكون أي دور فاعل في حياتهم، وبالتالي لا ينالون الشكر لأنهم من وجهة نظرهم لا يستحقونه. ليس ذلك نقصاً بل اعتزاز بالنفس.
إذاَ.. الشكر فن من فنون التواصل الاجتماعي. يعرفه البعض أنه كلمة آلية بإمكان أي شخص ترديدها وتكرارها. ولكنها في الحقيقة منهج إنساني أخلاقي وهي عبادة ترتقي معها المساندة الاجتماعية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق