حياء فاطمة الزهراء - رضى الله عنها



سوف نتكلم عن حياء ابنةُ أحبُّ الخلق صلى الله عليه وسلم، إنها الزهراء فـاطمة رضي الله عنها ..
 أريدك يا غالية وأنتِ تقرئين هذه السطور أن تستشعري الموقف وكأنك تسمعين كلامها وتحسين بإحساسها ..
 لما كانت جالسة رضي الله عنها مع أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وكانت أسماء مسترسلة في حديثها لفاطمة وتقول: كنا في الحبشة وحصل لنا كذا وكذا، وبينما هي كذلك إذ نظرت إلى فاطمة رضي الله عنها سارحة الذهن شاردة البال !!
 فسألتها قائلة:
 يا فاطمة مالي أحدثك فلا تسمعي إليّ ؟؟
 فإذا بالغالية ترد وتلقي بالدرر التي لا يدركها إلا من اختصه الله بنفس تلك المشاعر
 قالت :
 عذراً يا أسماء لكني كنتُ أفكر !!
 ما الذي تظنين أنه شغل فكرها ؟!!
 هل هو الفستان الذي ستلبسه في إحدى المناسبات؟؟؟ أم تفكر بالتسريحة والمكياج ؟؟
 قالت : يا أسماء إني أفكر في نفسي غداً إذا أنا مت !!!
 والله إنّي لأستحي أن أخرج عند الرجال في وضح النهار  ليس عليّ إلا الكفن !!!
 سبحان الله تستحي وهي ميتة مكفنة في خمسة أثواب !!!
 ما الذي سيظهر منها ؟؟ ومن الذين سيحملونها ؟؟  وهل هو موقف فيه أي نوع من أنواع الفتنة ؟؟
 فهي ليست في سوق أو حديقة أو منتزه !!
بل في موقف حزن ..
 فقالت لها أسماء : ألا أصنع لكِ شيئاً رأيته في الحبشة ..
 نضع أعمدة على أركان النعش حتى يرتفع الغطاء على  الأعمدة فلا يبين أي شيء ..
 فردت فاطمة قائلة : اللهم استرها كما سترتني ..
 لله درُّها تستحي وهي ميتة
فما بال الأحياء لا يستحون ؟؟؟
 فلو مرت فاطمة رضي الله عنها في أسواقنا اليوم !!  ورأت من مات حياؤها!! فخصّرت العباءة ولونت أطرافها وتكسرت  في مشيتها وعلت ضحكاتها وفاحت رائحة عطرها !!!
 فماذا ستقول رضي الله عنها ؟؟
 بل أين من تقول للمحتشمات إنهنّ معقدات فهل فاطمة معقدة ؟؟
 إذا كانت معقدة فهنيئاً للمعقدات !!
 لأن الله سبحانه وتعالى قد أرسلَ ملكاً من الملائكة لمحمد صلى الله عليه وسلم برسالة عظيمة .. وبشارة من أعظم  البشارات ..يقول فيها سبحانه:" بشِّر فاطمة أني كتبتها هي سيدة نساء أهل الجنة "
 الله أكبر
سيدة نساء أهل الجنة ..
 ما الذي أوصلها لهذه المنزلة ؟؟
 قال عليه الصلاة والسلام:( الحياء لا يأتي إلا بخير ) رواه البخاري .
 فماذا عنك أخيه هل أنتِ من نساء أهل الجنة أم لا ؟؟؟
 انظري إلى نفسك قليلا وفكري في حالك. هل قدركِ عالٍ عند الله سبحانه وتعالى كفاطمة رضي الله عنها ؟؟
 أم أنه كالممثلات والمطربات ؟؟
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن تشبّه بقومٍ فهو منهم ). رواه أبي داوود

أقيم العرس وتمنع المدعوون


ما حدث في التصويت على الانتخابات الرئاسية يبعث برسالة ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد.
ذلك ان ما جرى لم يكن «عُرسا» كما تصور البعض أو تمنوا.
وإنما كان اختبارا سياسيا لا يبدو أن النجاح فيه تم بالتفوق المرتجى، الأمر الذي يدعونا إلى إعادة النظر في العديد من التصورات والأساطير التي جرى الترويج لها خلال الأشهر الأخيرة.
حيث أزعم أن ما جرى يعد خطوة مهمة على طريق ملامسة الواقع وإدراك حقائقه التي بينتها الحسابات المغلوطة من جانب والضجيج والمكايدة من جانب آخر.

أمس (الأربعاء 28/5) كانت عناوين صحف الصباح كالتالي:
 الصنادق تبحث عن ناخبين
 ــ جهود مكثفة لحشد الناخبين في اللحظات الأخيرة (الشروق)
 ــ الدولة تبحث عن صوت
ــ أرقام انتخابات الرئاسة شوكة في ظهر السيسي (المصرى اليوم)
 ــ أزمة في انتخابات الرئاسة (الأخبار).

صحيح أن جريدة «الأهرام» تحدثت عن «إقبال كثيف على اللجان الانتخابية وسط أجواء احتفالية»، إلا أن ذلك كان عنوانا سياسيا أريد به ستر العورة وليس له علاقة بمهمة تنوير القارئ وإطلاعه على ما جرى.

ما سبق لم يكن التعبير الوحيد عن الأزمة، لأن التفاصيل أعطت صورة أوضح، حملت في طياتها أجراس التنبيه وربما الإنذار أيضا،
ذلك أن بوادر الأزمة لاحت بسرعة في اليوم الأول للتصويت (الاثنين 26/5) حين خرجت علينا صحف الصباح بعناوين مشبعة بالحماس والتفاؤل، ومتحدثة عن إبهار العالم من خلال الاكتساح المنتظر والمستقبل المشرق الذي يلوح في الأفق.
 إلا أن برامج الحوارات المسائية قلبت الصورة رأسا على عقب، ذلك انها عبرت عن الصدمة والقلق من قلة عدد المصوتين،
 وتصايح مقدمو البرامج متسائلين:
 أين الرجال وأين الشباب وأين جماهير 30 يونيو؟
وسمعت واحدة قالت ان ذلك العزوف من شأنه ليس فقط تبديد آثار 30 يونيو، ولكنه قد يفضى إلى ضياع مصر كلها!

سواء كان ذلك الاستنفار تم مصادفة، أم أنه استجابة لتوجيه أحد عناصر حملة المشير السيسي كما ذكرت صحيفة «المصري اليوم» وقالت ان لديها تسجيلا صوتيا تضمن ذلك التوجيه،
فالشاهد أن اليوم الثاني للتصويت (الثلاثاء) شهد تعبئة قوية لصالح الدعوة إلى المشاركة في التصويت.
 إذ اعتبر عطلة رسمية. في دوائر الحكومة والبنوك والبورصة،
 ودعا القطاع الخاص إلى التوقف عن العمل لتمكين العاملين من الذهاب إلى لجان التصويت.
وقرأنا أن قوات الجيش اعتقلت صاحب محل خراطة اسمه عمر هاني أنور في قرية قصر الباسل بالفيوم لأنه رفض إغلاق ورشته القريبة من مقر إحدى اللجان،
 كما انها حثت أصحاب المحلات التجارية إلى إغلاقها لذات الغرض.

وسمعت إحدى المذيعات وهي تقول ان تعطيل الإنتاج لنصف يوم أمر يمكن احتماله لانقاذ الوطن
 (إعلامي آخر وصف المقاطعة بأنها «خيانة»).

وفي حين طافت السيارات بأنحاء بعض المدن لحث الناس من خلال مكبرات الصوت للتوجه إلى اللجان،
وأصدرت بعض الشركات بيانات للعاملين دعتهم فيها إلى التصويت،
وقال بعضها ان موظفي الأمن سيتأكدون من ذلك صبيحة اليوم التالي من خلال التثبت من وجود اللون على أحد أصابعه.. وسيحرم من الحوافز من يقصر في ذلك.
 ولتيسير وصول الناخبين إلى لجانهم فإن بعض المحافظين وفروا سيارات مجانية لأجل ذلك.
بل ان وزارة النقل أعلنت أنه بوسع أي مواطن في أي منطقة أن يستخدم القطارات وسيارات الركوب بالمجان لكي يصل إلى لجنته،
كما انه سيتم التسامح مع كل من ركب قطارا دون أن يحصل على التذكرة التي تخول له ذلك، طالما انه ذاهب إلى محل إقامته لأجل التصويت.
 وإلى جانب الترغيب، جرى التهديد بإحالة كل من تقاعس إلى النائب العام لتغريمه مبلغ 500 جنيه.

المهم ان كل جهة في الدولة قامت بأقصى ما تستطيع لإيصال الناس إلى لجان التصويت.
 ولم تقصر إذاعة القرآن الكريم التي استدعت علماء للحديث عن أضرار السلبية والآثار والمفاسد التي تترتب عليها في الدنيا والعقاب الذي ينال السلبيين في الآخرة.
 وهو ما سبقهم إليه شيخ الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف،

الخلاصة أن اليوم الثاني شهد منذ طلوع الشمس حملة واسعة لتدارك ما جرى في اليوم الأول.
ولك أن تتصور في هذه الأجواء المحمومة حجم تعليقات الظرفاء من المصريين الذين ظل الموضوع محل تندُّر وسخرية من جانبهم طوال اليوم.
 حتى ان أحدهم اقترح عرض فيلم «حلاوة روح» الممنوع في لجان الانتخابات باعتبار ذلك أضمن وسيلة لجذب الناخبين!

ـوعلق البعض على عربات حزب النور التي طافت ببعض البلدات داعية الناس إلى المشاركة.
قائلين ان العربات كانت لصالح حملة السيسي حقا، لكن السائقين التزموا بالمقاطعة، لأننا رأينا العربات في الصور ولم نر وجودا للسلفيين في أعداد المصوتين.

وحين قيل إن التصويت سوف يستمر ليوم ثالث أبدى كثيرون دهشتهم قائلين إن المد عادة ما يكون لاستيعاب أعداد المقبلين على التصويت إلا أن هذه المرة الأولى التي يتم فيها المد أملا في زيادة تلك الأعداد.

كيف تفسر المفاجأة غير المتوقعة؟
ــ أجيب عن السؤال يوم السبت بإذن الله.

صحيفة السبيل الأردنيه الخميس 30 رجب  1435 –29مايو 2014

السؤال الكبير المطروح على رئاسة مصر الجديدة

لا أعرف رئيسا تولى السلطة في مصر وواجه تحديات ومخاطر كتلك التي تنتظر المشير عبدالفتاح السيسي في منصبه الجديد.

(1)

قدَر هذا المقال إنه كتب قبل إعلان نتائج الفرز في الانتخابات الرئاسية.
 وما كان لي أن أكتبه إلا لاطمئناني إلى أن زمن المعجزات الإلهية قد انتهى. وهو العامل الوحيد الذي يمكن المراهنة عليه لكي تتغير النتيجة التي لم تكن سرا.

وربما كان الشخص الوحيد من بين التسعين مليون مصري الذي راوده الشك في النتيجة وظل ينتظر المعجزة هو السيد حمدين صباحي المرشح المؤيد للسيسي والمنافس له.

وأقول «ربما» من باب إحسان الظن بالرجل والدعاية المجانية له، تحسبا للانتخابات الرئاسية القادمة أو التي بعدها.

لأن المشير السيسي ليس له سجل في العمل السياسي العلني على الأقل، فثمة أسئلة كبيرة تنتظره، سأكتفي منها بسؤال محوري واحد أطرحه في الختام.

ورغم أنه حاول أن يقدم بعض الإجابات خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن أغلبها كان معدا سلفا وخضع للمراجعة والتشذيب،
ثم إن «الجمهور» الذي التقاه خضع للانتقاء، ناهيك عن أننا نعرف جيدا أن كلام الحملات الانتخابية ليس آخر كلام.
وهو الحاصل في الدنيا كلها حتى في البلاد التي بها مؤسسات مستعدة لمناطحة الرئيس ومغالبته، فما بالك بنا حيث لا توجد مؤسسات تحاسب أو تراقب،
 فضلا عن أن الرئيس عندنا إذا لم يكن فرعونا بالسليقة، فإن فريق «الفرعنة» جاهز للقيام باللازم طول الوقت.

(2)

قبل أن نلقي على الرئيس الجديد السؤال الأهم المتعلق بوجهته، فربما كان مفيدا أن نحدد أولا على أي أرض يقف؟

أتحدث عن تشخيص الوضع المصري الراهن وإثبات حالته فيما يمكن أن نسيمه محضر استلام السلطة،

وإذا جاز لي أن أشخص الوضع في كلمات معدودة، فقد أقول إنه على الصعيد الداخلي مأزوم سياسيا واقتصاديا.
والأزمة على كل جانب أشد منهما على الجانب الآخر،
وأذهب إلى أنها ربما كانت إحدى المرات النادرة في التاريخ المصري التي تلازمت فيها الأزمتان في وقت واحد بنفس درجة الحدَّة والحرج.

الأزمة السياسية (لاحظ أننا نتكلم عن الداخل وأن الحديث عن الخارج مؤجل) لها مظاهر عدة تتمثل فيما يلي:
ضمور الأحزاب السياسية وعقمها، الأمر الذي جعلها عاجزة عن تقديم مرشح لانتخابات الرئاسة
ــ غياب مؤسسات الدولة المستقلة التي يمكن أن تكون شريكة في القرار أو مراقبة له، أو على الأقل محصنة ضد ضغوط الهوى السياسي
ــ تغول السلطة المركزية وإهدار فكرة الفصل بين السلطات
 ــ هيمنة المؤسسة الأمنية وإطلاق يدها إما بالقانون وإما بالتعامل معها باعتبارها فوق القانون
 ــ تفريغ الديمقراطية من مضمونها الوظيفي، والإبقاء على هياكلها من قبيل التجمُّل والحفاظ على الشكل (مجلس حقوق الإنسان نموذج لذلك)
 ــ تكبيل منظمات المجتمع المدني وتهميش دورها من خلال قانون منع التظاهر
 ــ الاستقطاب الحاد في المجتمع وانقسامه على نحو غير مسبوق في تاريخه.

هذه العناوين يمكن أن يضيف إليها الخبراء أمورا أخرى لا ريب.
وهذا القدر الذي ذكرته ــ إذا صح ــ فإنه يصيب المجتمع بالهشاشة وبضعف المناعة، الأمر الذي لا تكون انعكاساتها الخطيرة مقصورة على الداخل فحسب، ولكنها بالضرورة على وزن مصر ودورها ومصالحها في الخارج أيضا.

لست بحاجة إلى التفصيل في الأزمة الاقتصادية التي صار الحديث عنها مادة يومية في تصريحات المسؤولين،
كما أنها ظلت تمثل محورا مهما ومركزيا في أحاديث المشير السيسي وما يتسرب من معلومات حول برنامجه.
وقد ظهرت شواهد الأزمة في المجال العام، بحيث أصبح بوسع أي مواطن عادي أن يلحظ آثارها الضاغطة والمدمرة، إن لم يكن في الغلاء الذي توحش ففي البطالة وكساد سوق العمل الذي ضرب أغلب الأسر.

وأي زائر للأقصر أو شرم الشيخ يستطيع أن يلمس حدة الأمة، حين يرى الفنادق والأسواق التي أغلقت.
والبواخر السياحية التي تحولت إلى خرائب مهجورة.

وقد وجدت تشخيصا وافيا للأزمة في الدراسة الأخيرة التي أعدها الدكتور إبراهيم العيسوي الخبير البارز بمعهد التخطيط وتحدث فيها عن الاختلالات المزمنة في الاقتصاد المصري.
وقد رصد فيها مظاهر تفاقم تلك الاختلالات بعد ثورة يناير 2011،
وارتفاع مؤشرات ذلك التفاقم في أعقاب التغيير الذي حدث في يوليو 2013، الذي أضاف إلى الأزمة بعدا آخر تمثل في الخلل الذي تمثلت أصداؤه في تراجع معدلات الادخار والاستثمار
ومن ثم ضعف النمو الاقتصادي وتوالي العجز المزمن في الموازنة العامة وميزان المدفوعات وتضخم الدين العام الداخلي والخارجي بشكل غير مسبوق.

أهمية وخطورة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة ــ والكلام للدكتور العيسوي ــ أنها أدت إلى زيادة الاعتماد على الخارج.
 خصوصا في واردات الغذاء أو واردات المواد البترولية أو فيما يخص تمويل الاستثمارات.

فبعدما كان الميزان التجاري للبترول (أي الصادرات والواردات البترولية) يحقق فائضا بمبلغ 5.1 مليار دولار في 9/2010 انخفض ذلك الفائض إلى 2.9 مليار دولار في 10/2011،
ثم انقلب إلى عجز في حدود نصف مليار دولار في كل من 11/2012 و12/2013، بما يعني تحول مصر إلى مستورد صاف للمنتجات البترولية.

وقد استمر العجز في ميزان البترول في الربع الأول من 13/2014، وذلك بالرغم مما تلقته مصر من معونات مالية وبترولية من الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والكويت.

وكما أصبح معروفا فإن نقص الإمدادات من البترول والغاز أدى إلى أزمات في التزود بوقود السيارات وفي توفير السولار والمازوت للمصانع ومحطات توليد الكهرباء.
وترتب على تلك الأزمات اضطراب حركة النقل وارتفاع كلفته، كما نتج عنها تكرر انقطاع الكهرباء الذي أسفر عن آثار سلبية على الأداء في مجال الإنتاج والخدمات وعلى نوعية حياة المصريين بصفة عامة.
وكانت نتيجة تلك الأوضاع المضطربة أن التصنيف الائتماني لمصر جرى تخفيضه أكثر من 16 مرة إذ إنها أصبحت تدرج ضمن الدول عالية المخاطر المعرضة للتعثر أو العجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية الخارجية في مواعيدها.

(3)

كل الشواهد تدل على أن الأزمة الاقتصادية ستكون العنصر الحاكم للرئاسة المقبلة في مصر،
 ذلك ليس استنتاجا منطقيا فحسب، ولكنه واضح أيضا في كلام المشير السيسي وفيما تسرب من مقاطع لبرنامجه،

 نلاحظ ذلك مثلا فيما نشرته بوابة «الشروق» في 20/5 عن البرنامج أن الكلام فيه عن الحرية والديمقراطية إنشائيا وفضفاضا،
 في حين كان الجزء المتعلق بالاقتصاد أكثر وضوحا بصورة نسبية،

فالحرية في البرنامج هي «بيت القصيد، وهي الحد الفاصل بين حياة الإنسان وحياة غيره من الكائنات. وهي الهدف الثاني لثورتنا المجيدة.. فلا كرامة بغير حرية ولا حرية بلا كرامة...إلخ»

ــ وفي البرنامج إنه يعني بالديمقراطية أيما عناية. إذ إن مجلس الوزراء والوزارة المعنية بشؤون التشريع (اللذين أقرا قانوني التظاهر والإرهاب الذي لم يصدر) فقد تناولا أمورا أكثر تحديدا مثل ضرورة إعادة النظر في الدعم والحد الأدنى للأجور والكروت الذكية...إلخ.

إننا نلمح في البرنامج وفي تصريحات المشير ورئيس الوزراء أمرين أساسيين،
أولهما ما ذكرته توا من تقديم الاقتصاد على السياسة.
وثانيهما الالتزام بسياسات اقتصاد السوق الحرة المفتوحة أو ما يسمى بالليبرالية الاقتصادية الجديدة.

وإذا دققنا في ذلك المسار فسوف تبرز لدينا ملاحظتان مهمتان،
 الأولى أنه يعد امتدادا للسياسة التي طبقت في ظل نظام مبارك.
والثانية أنها تتوافق إلى حد كبير مع سياسات الدول الخليجية الداعمة للوضع المستجد في مصر.

وكل من الملاحظتين له دلالته التي سيكون صداها واضحا في المرحلة الرئاسية القادمة.
 فالأولى ترجح الاستنتاج الذي يرى في القرائن المتوافرة (خصوصا بصمات الدولة الأمنية) عودة متدرجة لنظام مبارك.
وهو لم يعد سرا في ظل الحضور المتنامي لعناصر ذلك النظام في مجالي الأعمال والإعلام، فضلا عن بروز ذلك الحضور في حملة تأييد المشير السيسي.

أصدِّق ما قاله المشير السيسي عن أنه ليس مدينا بأي «فواتير» لأحد، لكنني أزعم بأن ذلك يمكن أن ينصرف إلى الداخل فقط.
 ذلك أن الدعم المالي الكبير الذي تقدمه الدول الخليجية الثلاث للنظام المستجد والذي ذكر الفريق السيسي أنه وصل إلى 20 مليار دولار في نحو عشرة أشهر، يعبر عن مشاعر طيبة لا ريب، لكنه يثير سؤالا كبيرا حول الاستحقاق المترتب عليه وعن المردود السياسي له.

يدعوني إلى طرح السؤال عوامل عدة منها ما يلي:

*
إن الدول حتى إذا كانت شقيقة لا تقدم مساعدات منتظمة بذلك الحجم لوجه الله، ولكنها تفعل ذلك تدعيما ومساندة لسياسات معينة. ولا لوم عليها في ذلك بطبيعة الحال.
الدليل على ذلك أن الدول الخليجية التي اندفعت لمساعدة النظام الجديد هي ذاتها التي حجبت العون عن النظام السابق.

*
إن الدول الخليجية التي توفرت لها فوائض مالية عالية خلال السنوات الأخيرة، تطلعت إلى القيام بدور في المحيط العربي، خصوصا في ظل انكفاء مصر وتدمير العراق والقتال الدائر بين النظام السوري وشعبه. وهو ما أحدث فراغا شجع تلك الدول على التمدد ومحاولة التأثير على مجريات الأمور في أنحاء متفرقة بالعالم العربي وثمة قرائن عدة دالة على ذلك.

*
إن تلك الدول وهي تحاول القيام بدور خارج حدودها تستهدف أيضا تأمين أوضاعها الداخلية.
إذ منذ هبت رياح الربيع العربي فإنها حرصت على استرضاء شعوبها وأغدقت عليهم ماليا، في حين شددت وأغلقت الأبواب أمام أي حديث عن الإصلاح السياسي.
وفي الوقت ذاته فإنها وظفت إمكاناتها لإجهاض أصداء الربيع خارجها للحد من تأثيرها في داخل حدودها.

(4)

أتحدث عن هاجس لا أستطيع أن أكتمه.
 ذلك أن جيلي عاش المرحلة التي كان لمصر فيها تأثيرها في إرجاء الخليج، ثم وجدنا أن ذلك التأثير تراجع بصورة تدريجية.

وفي الوقت الراهن فإن التساؤل صار مشروعا عما يمكن أن يحدثه الخليج من تأثير على المسار العام في مصر.
وإذا أردت أن أكون أكثر صراحة فلعلي أتساءل عن حدود السقف السياسي الذي يمكن أن تتحرك في حدوده مصر المقبلة، في ظل اعتمادها المتزايد على الدعم المالي الخليجي، خصوصا أن مصادر الدعم الأخرى غير مضمونة إذا ما استمر التوتر الأمني لفترة أطول.

وإذ أكرر بأنني أتحدث عن هواجس وليس عن معلومات فإنني قد أتساءل أيضا هل يمكن لمصر في ظل ذلك الوضع مثلا أن تسمح بالتظاهر السلمي أو بحرية التعبير وحيوية الحياة السياسية وأن نفتح الأبواب لحق الناس في المشاركة والمساءلة، في حين أن ذلك كله مصادر وغير مسموح به في دول الخليج الحليفة المساندة لها؟

ـ هذا سؤال بريء والله، يحترم دول الخليج وخيارات أهلها، لكنه يعبر عن قلق مواطن يحلم لبلده بوضع آخر، ويتمنى له أن يستعيد عافيته وقَوَامه بحيث يسير على رجليه مرفوع الرأس، لا أن يستمر حيا لكنه ممدد في غرفة للإنعاش معتمدا على المحاليل والمعونات.