وحدها غزة تقاوم - فهمي هويدي

الحاصل فى غزة ليس حربا شرسة مرشحة للتصعيد فحسب، ولكنه أول اختبار إسرائيلى للرئيس عبدالفتاح السيسى. فى الخلفية تكمن قصة المستوطنين الثلاثة الذين تم اختطافهم فى الخليل قبل ثلاثة أسابيع، ثم عثر على جثثهم بعد ذلك. وهو الحادث الذى سارع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى اتهام حركة حماس بالمسئولية عنه، فى حين أعلنت الحركة أنها لم تكن طرفا فى العملية. وسواء انتهز الرجل الفرصة لأسباب انتخابية أم أنه وجد العالم العربى منصرفا عن القضية وغارقا فى مشاكله أو للسببين معا، فإن نتنياهو وجدها فرصة لتصفية حساباته مع حماس، فبدأ الطيران الإسرائيلى غاراته الكثيفة وقصفه للقطاع، مستهدفا مواقع المقاومة الفلسطينية (الأنفاق ومرابض الصواريخ وبيوت النشطاء) وإزاء تكرر القصف وبعد سقوط تسعة من الشهداء قررت فصائل المقاومة الرد، فقابلت القصف بقصف مماثل تميز هذه المرة ليس بعدد الصواريخ التى أطلقت (نحو مائة صاروخ أطلق سبعون منها خلال ساعة واحدة) وإنما أيضا بالمواقع التى استهدفتها. ذلك أن مدى الصواريخ بلغ 40 كيلومترا وقد سقطت بالقرب من وسط إسرائيل لأول مرة. حيث وصلت إلى بئر سبع وأسدود ورحوفوت، بالإضافة إلى بيت شميس قرب مستوطنة غوش عتصيون التى تبعد عن غزة مسافة 60 كيلومترا.

رد المقاومة الذى تبنته كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس أثار مخاوف الإسرائيليين من احتمال توسع المواجهات بحيث تصل إلى القدس وتل أبيب. إذ لم يكن سهلا على إسرائيل أن تضطر إلى إطلاق صافرات الإنذار فى معظم مدن وسط البلاد، رغم أنها ادعت لاحقا أن ذلك تم بطريق الخطأ. ليس ذلك فحسب وإنما لجأت إسرائيل إلى إصدار تعليمات للأهالى بعدم التجمع والاحتشاد فى المناطق التى بعد عن غزة مسافة 40 كيلومترا، وطلبت من البلديات فى المدن والمستوطنات الرئيسية إعداد الملاجئ وتجهيز وحدات الدفاع المدنى تحسبا لأى طارئ. فى الوقت ذاته نقلت القناة العاشرة الإسرائيلية عن مسئولين فى الحكومة قولهم إن حماس بإطلاقها الصواريخ إلى وسط إسرائيل فإنها تجاوزت خطا أحمر ينبغى أن تدفع ثمنه.

رد الفعل الإسرائيلى العنيف كان واضحا فيه أربعة عوامل. الأول محاولة امتصاص غضب الإسرائيليين الناتج عن اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم فى 12/6 الماضى. الثانى محاولة تأديب حماس لأنها تجرأت وأطلقت صواريخها التى وصلت قريبا من مدن الوسط. الثالث استثمار أصداء الفوضى الحاصلة فى العالم العربى وانشغال الرأى العام بالأوضاع الداخلية ومحاولة توجيه ضربة موجعة تنهك حماس وتضعفها فى القطاع، خصوصا أنها تعانى الكثير من الأزمات الناتجة عن تشديد الحصار المفروض عليها. الرابع اختبار الموقف المصرى بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى منصبه، ومن ثم التعرف على حدود حركة القاهرة فى تعاملها مع الملف الفلسطينى فى ظل الوضع المستجد.

لم تكتف إسرائيل بالغارات واستهداف عناصر المقاومة، ولكنها عمدت إلى إلقاء القبض على نحو 500 فلسطينى، بينهم 42 شخصا من الذين سبق الإفراج عنهم فى صفقة إطلاق سراح الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط. وقد تم ذلك رغم تعهد إسرائيل فى أثناء إبرام الصفقة فى عام 2011 بعدم إعادة اعتقالهم.

لقد أعلنت الإذاعة العبرية يوم 7/7 أن رئيس المخابرات المصرية اللواء محمد فريد التهامى زار تل أبيب قبل أيام، وأنه التقى مسئولين أمنيين كبارا. ولا يصعب علينا أن نستنتج أن التصعيد الحاصل مع قطاع غزة كان أحد موضوعات البحث. إلا أن الملاحظ أن قصف قطاع غزة لم يتوقف بعد الزيارة وأن الصحف المصرية الصادرة يوم الثلاثاء ذكرت أن الخارجية المصرية أدانت الغارات الإسرائيلية، وأن الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربى دعا إلى عقد جلسة لمجلس الأمن لبحث الموضوع. ورغم عنف الغارات الإسرائيلية إلا أن الصدى العربى ظل متواضعا حيث لم يتجاوز حدود الشجب والاستنكار.

ولم تشهد تحركا جادا أو ضغوطا من أى نوع لوقف غاراتها، الأمر الذى يعطى انطباعا قويا بأن غزة تواجه العدوان الإسرائيلى وحدها، دون أى ظهير من جانب الأنظمة العربية، ولا تفوتنا فى هذا الصدد ملاحظة أن العلاقات المتوترة بين القاهرة وبين حركة حماس المتأثرة بدرجة ما بصراع السلطة القائمة مع الإخوان ألقت بظلالها على موقف مصر من العدوان الأخير على غزة. كما لا تفوتنا أيضا ملاحظة أن العدوان الإسرائيلى تم فى أجواء لم يتم فيها تراجع أولوية القضية الفلسطينية فحسب، وإنما ساد فيها الشعور السلبى تجاه حماس فى مصر على الأقل وفى بعض الدوائر العربية، التى نجحت إسرائيل فى إقناعها بأن عدوها الحقيقى هو الإرهاب وإيران. ورغم أن بعض التعليقات التى ترددت فى مواقع التواصل الاجتماعى بمصر والإمارات، والتى عبرت عن الشماتة فى حركة حماس تعد شذوذا قبيحا ومستفزا، إلا أن لها دلالتها التى يتعذر تجاهلها أيضا.

لم يكن موفقا عنوان جريدة الأهرام أمس (9/7) الذى ذكر أن إسرائيل «تدك» غزة فى تعبير خلا من التعاطف والتضامن، كما لم يكن موفقا تصريح المتحدث العسكرى فى اليوم الذى سبقه وأعلن فيه أنه تم تدمير 19 نفقا فى سيناء. وإذ تزامن ذلك مع الغارات الإسرائيلية على القطاع، فإنه بدا تجسيدا لمشهد يبعث على الحزن والأسى، بدت فيه مصر فى موقف لم نكن نتمناه لها.

الغارات الإسرائيلية مستمرة وأعداد القتلى من الفلسطينيين تتزايد والأخبار تتحدث عن إعداد لاجتياح برى تقوم به إسرائيل. وفى كل ذلك تقف غزة صامدة ومرفوعة الرأس ورافضة للانكسار والركوع. وحدها تفعل ذلك دفاعا عن كرامتها وعما بقى للعرب من كرامة.

جريدة الشروق لخميس 10 يوليو 2014 



بلاغ في جريمة أفدح – فهمي هويدي

هذه قصة شديدة الحساسية لا ينبغي السكوت عليها،
 الحساسية راجعة إلى أن طرفيها طالبة جامعية وأم، تعرضت لاغتصاب كامل من ضابط شرطة في مدرعة تابعة لوزارة الداخلية،
الطالبة دمرت حياتها والضابط مطلق السراح.
 والأطراف الوسيطة التي يفترض أن تحقق في الأمر يتراوح موقفها بين المماطلة والتسويف والتستر،
ذلك أن وجود ضابط شرطة في القصة ظل يشكل مانعا دون المضي في التحقيق والتحري، سواء للتثبت من الوقائع أو المضي في إجراءات سير العدالة.

القصة ظلت طي الكتمان طوال ستة أشهر تقريبا، ولم تتحرك إلا في أعقاب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للسيدة التي تعرضت للتحرش في ميدان التحرير، أثناء إقامتها في المستشفى.
وهي زيارة رد الاعتبار التي شجعت الأسرة ومحامي الفتاة على التقدم ببلاغ إلى النيابة لإنصاف الطالبة والتحقيق فيما جرى، لأن حالتهم كانت أفظع وأبشع كثيرا مما جرى لسيدة ميدان التحرير.

خلاصة القصة أن (ن.أ) طالبة السنة الأولى بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، كان قد ألقي القبض عليها أثناء إحدى حملات التصدي لمظاهرات طلاب الأزهر، ضمن عمليات القبض العشوائي التي راح ضحيتها كثيرون.
 ورغم أنها لم تكن لها علاقة لا بالمظاهرة ولا بالإخوان، إلا أنها أقحمت مع آخرين (أكثر من 60 طالبا وطالبة) في واحدة من القضايا التي ترتب بسرعة للمتظاهرين، وتتهمهم بقائمة طويلة من التهم التي تبقيهم قيد الاحتجاز لأطول مدة ممكنة.
 صاحبتنا لها طفل رضيع كان يؤتى به إليها في قسم الشرطة لتطعمه،
ولكن الطفل ساءت حالته وعرض أمرها على النيابة التي أمرت بإخلاء سبيلها تقديرا لظروفها، إلى حين تحديد موعد لنظر القضية.

عادت الطالبة إلى كليتها في حين أن الاضطرابات لم تكن قد توقفت في جامعة الأزهر،
وأثناء خروجها من الامتحان يوم 28 ديسمبر الماضي شاهدت ضابطا يعتدي على زميلة لها ويجذبها من ثديها، فقالت له إنه إذا أراد أن يقبض عليها فليسحبها من يدها ولا يلجأ إلى هذا الأسلوب، فما كان من الضابط، إلا أن نهرها وسبها بألفاظ بذيئة.
فردت عليه قائلة إن ما يفعله ليس من الرجولة في شيء.
حينئذ غضب الضابط وترك زميلتها، ثم اتجه نحوها قائلا إنه سوف يثبت لها رجولته.
وحينذاك انهال عليها بالضرب، ثم أمر جنوده بحملها إلى المدرعة التي كانت واقفة بين كليتي الدراسات الإسلامية والصيدلة،
 وحين أوصلوها إلى المدرعة كان غطاء رأسها قد سقط كما تمزقت ثيابها، وهناك طرحها الضابط أرضا واستعرض رجولته أمامها، ثم اغتصبها وتركها وهي تتقيأ دما.

عادت الطالبة إلى بيت أبيها، وهي ذاهلة ومدمرة، وتحولت منذ ذلك الحين إلى بقايا امرأة، رفضت أن تعود لزوجها، وأصبحت تخاف من أبيها ومن طفلها،
وبعد مضي بعض الوقت تحدثت إلى أمها بما جرى لها، فسارعت الأم باكية إلى المحامي الأستاذ أحمد سيف الإسلام حماد الذي نصحها بالتزام الصمت، وكانت وجهة نظره أن العدالة الراهنة في مصر لن تنصفها.
ومن ثم فإنها لن تجني من أي بلاغ تقدمه سوى الفضيحة، وستكون الابنة هي الضحية،

 كان ذلك قبل حلول يوم 30 مايو الذي خرج فيه البعض إلى ميدان التحرير، ووقعت فيه حادثة التحرش الشهيرة التي دفعت الرئيس السيسي إلى زيارة الضحية والاعتذار لها.
 وقد اعتبر المحامي أن الزيارة محملة برسالة إيجابية أعطته أملا في رد الروح إلى الطالبة المدمرة بإنصافها،
 وإشاعة ذلك الأمل لدى أمثالها ممن تعرضن للاغتصاب، وقد يعني لأهاليهن أن بوسعهم الحصول على حقهم واسترداد اعتبارهم، دون أن يضطروا للجوء إلى وسائل أخرى.

 لم يكن طريق البلاغ سالكا؛ لأن عقبات عدة وضعت في طريقه لصرف النظر عن الموضوع،
 وكان أحد أهم تلك العقبات أن بين رجال النيابة من رفض النظر في البلاغ قبل ذكر اسم الضابط المغتصب كاملا فيه.
 وظل ذلك متعذرا؛ لأن الموقف على جملته لم يكن يسمح للتعرف على الاسم، في حين أن ثمة قرائن عديدة متوفرة لدى وزارة الداخلية توفر تلك المعلومة بسهولة بالغة.

بعد جهد بدأ التحقيق في الموضوع أمس الأول (السبت 5/7)، وبعد الاستماع إلى أقوال طالبة جامعة الأزهر قرر رئيس النيابة مطالبة وزارة الداخلية بأسماء من كان موجودا من الضباط في مكان الحادث يوم 28 ديسمبر الماضي.
وإلى أن يسفر التحقيق عن شيء فإنني أسجل عدة ملاحظات هي:

 أن ما ذكرته هو أقوال الضحية ومحاميها، والقصة كلها مسجلة وموجودة على اليوتيوب، ولا سبيل إلى التعرف على الحقيقة إلا بالاستماع إلى شهادة الطرف الآخر.
كما أنني أتمنى أن تتعاون الداخلية مع جهة التحقيق في الموضوع، لأن التهمة موجهة إلى ضابط في الشرطة، وليس كل الشرطة التي من مصلحتها أن تطهر صفوفها من مثل تلك النماذج والسلوكيات،

ثم إننا لا بد أن نستغرب سكوت جامعة الأزهر ووقوفها متفرجة على ما جرى،
وقبل ذلك كله وبعده فإن موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي ينبغي أن يسترشد به في التعامل مع الموضوع؛ لأن اغتصاب ضابط شرطة لطالبة جامعية أفدح كثيرا من تحرش مجموعة من العاطلين والبلطجية بسيدة في ميدان التحرير، وجرم الأول أضعاف جرم الأخيرين.

صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 9 رمضان  1435 – 7 يوليو 2014