الخطر أبعد من الجامعات

نتظرت تكذيبا أو تصويبا للخبر الفاجع فتلقيت ما يؤكد صحته. ذلك ان قارئ هذه الزاوية ربما لاحظ أننى عبرت أمس (الأربعاء 24/9) عن الدهشة والانزعاج إزاء نشر خبر فى جريدة «الشروق» تحدث عن الاستعانة فى الجامعات المصرية بطلاب «وطنيين» لمراقبة زملائهم والابلاغ عن المشاغبين منهم. ولأننى لم أكن متأكدا من الخبر، وربما لأننى تمنيت ألا يكون صحيحا، فقد تعاملت معه بحذر، وذكرت انه لم ينسب إلى مصدر رسمى أو مسئول، وإنما نسب إلى «مصادر جامعية»، الأمر الذى يفتح الباب لاحتمال ألا يكون الخبر دقيقا. إلا أن ما نشرته «الشروق» أمس أثبت أن حذرى لم يكن فى محله، وانما كان إسرافا من جانبى فى حسن الظن، لأن التفاصيل أيدت صحة الخبر، وفصلت فيه على نحو يضاعف من منسوب الفزع.

خبر «الشروق» أمس ذكر ما يلى: إن مصدرا مسئولا بوزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات قال إنه لم يتم وضع اللمسات النهائية فيما يتعلق بمهام الطلاب الذين سيساعدون أفراد الأمن الإدارى فى الكشف عن زمالائهم المشاغبين.
* إن اجتماعا سيعقد مع بداية العام الدراسى الجديد بين نائب رئيس كل جامعة لشئون التعليم والطلاب وعمداء الكليات مع طلاب الاتحادات بالكليات وطلاب الأسر ذات الحس الوطنى والتى لها رؤية وطنية وبعض الطلاب المتميزين بمختلف الفرق الدراسية وبعض الطلاب العاديين، لتحديد النقاط التى سيكلفون بها.

* هؤلاء الطلاب سيكونون حلقة الوصل بين إدارة الجامعة والطلاب (زملائهم)، فضلا عن مساعدة أفراد الأمن فى الكشف عن الطلاب المشاغبين، والذين يحملون أسلحة وألعابا نارية، بهدف إثارة الشغب داخل الحرم الجامعى.
* سيكلف هؤلاء الطلاب أيضا بتقديم النصيحة لزملائهم لنبذ العنف وعدم النطق بالألفاظ المسيئة والنابية وعدم الكتابة على جدران وأسوار الجامعات التى هى ملك للطلاب وللشعب. وسيكون لأولئك الطلاب دور آخر هو مساعدة جموع الطلاب وحل مشاكلهم وتوصيلها إلى الجامعة.

* الطلاب الذين يمارسون نشاطا حزبيا ويقومون بتوزيع منشورات أو تنظيم المظاهرات داخل الحرم الجامعى، سيناقش أمرهم مع بداية العام الدراسى الجديد.

الفقرات أعلاه ليست سوى نصوص أوردتها الجريدة منسوبة إلى مصدر مسئول بوزارة التعليم العالى، وإلى جانب انها تعكس الاهتمام بالجانب الأمنى فى الجامعات ولا تتضمن أية إشارة إلى العملية التعليمية، فإنها بمثابة انعطافة خطرة فى مسيرة الجامعات، التى تعرف جيدا ان الأمن لم يغب عنها يوما ما، وانما كان له وجوده بين صفوف الطلاب والطالبات من خلال الأعين المجندة لهذا الغرض من بين الطلاب أنفسهم. وقد اشتهر فى الأوساط الجامعية مصطلح الطالب «العصفورة»، الذى كانت مهمته تنحصر فى التنصت على زملائه والمسارعة إلى نقل ما يسمعه إلى مكتب الأمن أو من يمثله، كما ان الأمن كان له وجوده فى «الحرس» الواقف بكل باب فى كل كلية وجامعة. لكن هذا الوضع جرى تطويره فى ظل التوجهات سابقة الذكر. إذ دخلت على الخط أسر جامعية مؤيدة للنظام، ولم يعد الأمر مقصورا على «العصفورة». وليس معروفا ما إذا كانت تلك المهام سيقوم بها الطلاب على سبيل التطوع أم انه سيكون لها مقابلها المادى أو الأدبى والمعنوى. لكن الأخطر من ذلك ان وصف تلك الأسر بأنها «وطنية» سيعنى على الفور تشكيكا فى وطنية الآخرين. هذا إذا لم يكن ذلك مقدمة لاتهامهم بعدم الوطنية ان لم يكن بالخيانة، ولك ان تتصور الأثر السياسى والتربوى الذى يترتب على إشاعة الانطباع بأن الوطنية فى المفهوم الجامعى الجديدة أصبحت ترتبط بأمرين: تأييد السلطة، وإرشاد الأجهزة الأمنية إلى معارضيها.

على صعيد آخر، فإن وصف أسر جامعية معينة بأنها وطنية وتحظى برعاية السلطة ورضاها، من شأنه أن يلوث المحيط الطلابى. من ناحية لأنه قد يكون عنصر جذب لأعداد من الراغبين فى الانتفاع بذلك الانتماء، باعتبار ان رعاية السلطة لها مردودها ولن تكون مجانية فى كل الأحوال. ومن ناحية ثانية لأنه سيفتح أبواب الفتنة وربما الاشتباك والتخاصم بين الموالين والمعارضين، الأمر الذى قد يحول الكليات الجامعية إلى ساحات للعراك والتجاذب. ليس فقط بين الإخوان الذين هم قلة فى الجامعات ومعارضيهم، ولكن بين شباب 25 يناير ومن ينسبون أنفسهم إلى 30 يونيو.

إن أثر هذه السياسة الأمنية على العملية التعليمية. وعلى البيئة الجامعية، وعلى سمعة الجامعات المصرية أفدح وأبعد كثيرا مما يتصوره كثيرون. حتى أزعم أنها تسهم فى تدمير الجامعات وتخريبها من الداخل. وهى التى كانت منارة أضاءت وجه مصر وغمر إشعاعها العالم العربى كله لعدة عقود خلت.

حين يتم تحويل بعض طلاب الجامعة وأساتذتها إلى مرشدين للأجهزة الأمنية، فإن ذلك يدخل البلد فى نفق مظلم يتعذر الخروج منه بأمان فى الأجل المنظور، لأنه يذكرنا بصفحات كئيبة من التاريخ كانت الفاشية والنازية من عناوينها. وفى هذه الحالة فلن نكون بإزاء جامعات تعرضت للانهيار، ولكننا سنكون بصدد وطن فى خطر.



جريدة الشروق
الخميس 25 سبتمبر 2014 - 8:10 ص 

حكم في غير قضية - فهمي هويدي


الجريمة وقعت في مدينة المنصورة بعد ظهر الأربعاء 10/9، إذ قتل مجهولون أحد المحامين، الذي تبين أنه ابن مستشار بمحكمة استئناف القاهرة بإطلاق الرصاص عليه.

الخبر وصل إلى الصحف يوم الخميس، يوم الجمعة ذكرت صحيفة الأهرام أن المصادر الأمنية رجحت أن الذي كان مستهدفا من الجريمة ليس ابن المستشار،
ولكنه مدير العمليات بمديرية أمن الدقهلية وهو مقيم بنفس البناية الذي كان قد اشترك في ضبط العديد من الخلايا الإرهابية.

في نفس اليوم (الجمعة 12/9) ذكرت صحيفة «المصري اليوم» أن فريق البحث فجر مفاجأة من العيار الثقيل.
إذ تبين لهم أن المستهدف بالاغتيال لم يكن ابن المستشار، ولكنه أحد ضباط مديرية أمن الدقهلية، الذي يشبه الضحية في الملامح، وهو مالك «الكراج» الذي اعتاد المستشار ان يودع فيه سيارته.

أضافت الصحيفة ان الجناة كانوا يستهدفون الضابط الذي كان قد غادر الكراج قبل 6 دقائق من الحادث.

جريدة «الشروق» نشرت على صفحتها الأولى ان التحقيقات أثبتت أن قتلة ابن المستشار كانوا يخططون لاغتيال مفتش مباحث الدقهلية.
وعلى صفحة داخلية قالت ان: تحريات المباحث أكدت ان المستشار المذكور كان يضع سيارته الخاصة في الكراج التابع لمفتش المباحث،
وأن المحامي المجني عليه اتجه لإخراج سيارة والده الذي كان بانتظاره في الشارع، فاقترب منه ملثم كان يستقل دراجة بخارية وأطلق الرصاص عليه فأرداه قتيلا.

يوم السبت 12/9 ذكرت جريدة «الوطن» على صفحتها الأولى أن المقدم السعيد شعير رئيس قسم العمليات في مديرية أمن الدقهلية ذكر أمام نيابة الكلية بالمنصورة أن المجني عليه قتل عن طريق الخطأ.
وأن الجاني كان يستهدفه هو لاشتراكه في ملاحقة العناصر الإرهابية مؤخرا.

مما سبق نخلص إلى ما يلي:

إننا بصدد جريمة إرهابية قتل فيها مواطن مصري، الأمر الذي يستوجب تحريا دقيقا وحسابا عسيرا وعقابا مشددا لكل من شارك في الجريمة.

إن المجني عليه قتل بالخطأ في حين ان الشخص المستهدف كتبت له النجاة حين قدر له أن يغادر المكان قبل ست دقائق من وقوع الجريمة.

إن الابن المجني عليه كان ضحية تشابه بينه وبين ضابط الشرطة الذي كان مستهدفا، وأن أباه قاضي الاستئناف كان خارج دائرة الاستهداف، بدليل أنه كان يقف في الشارع وقت وقوع الحادث بانتظار قدوم ابنه بالسيارة.

بسبب تلك الخلفية فإن نقابة المحامين لم يصدر عنها أي رد فعل بعد مقتل المحامي الابن. وتركت التحقيق يأخذ مجراه الطبيعي.

فاجأنا رئيس نادي القضاة حين تجاهل كل تلك الملابسات واستبق التحقيق وتحريات الأمن، وافتعل معركة وهمية انطلق فيها من أن القضاة وذويهم مستهدفون.

لقد ذكرت توا ان الصحف الصادرة يوم الجمعة نشرت تفصيلات الحادث ونقلت عن المصادر الأمنية ترجيحها لفكرة القتل الخطأ، وأن المستهدف لم يكن الابن المحامي ولا الاب القاضي، ولكنه أحد ضباط مديرية أمن الدقهلية.

 إلا اننا وجدنا ان رئيس نادي القضاة قد هرول إلى وسائل الإعلام معلنا الدعوة إلى عقد جمعية عمومية غير عادية للقضاة في اليوم ذاته.

وطبقا لما ذكرته صحيفة الأهرام يومذاك فإن رئيس النادي دعا إلى ذلك الاجتماع غير العادي «لبحث ومناقشة سبل مواجهة التصعيد الإرهابي ضد القضاة وذويهم، والمطالبة باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بحفظ أمن القضاة وأمن أسرهم».

بدا المشهد عبثيا، لأننا صرنا بإزاء حكم صدر في غير قضية.
ذلك ان القضاة بجلالة قدرهم استنفروا ودعوا إلى اجتماع غير عادي لمناقشة قضية وهمية ومفتعلة لم يكونوا طرفا فيها.

لم يقف الأمر عند ذلك الحد، وإنما ظهر رئيس نادي القضاة يوم الحادث (الأربعاء 10/9) على قناة «التحرير» في برنامج الأستاذ جمال عنايت
وقال ما نصه ان القضاة سيكون لهم رد مزلزل (رددها مرتين) إذا ثبت ان الحادث إرهابي
(في أهرام الجمعة وصف الحادث بأنه جريمة سياسية وليست جنائية وانه نقلة نوعية من جانب الإرهابيين).

مساء يوم الخميس ظهر رئيس النادي على قناة «دريم» في برنامج الأستاذ وائل الإبراشي متحدثا بلغة أخرى حيث قال ما نصه:
 الثأر عند القضاة أقوى منه في الصعيد. والمسألة لن تمر مرور الكرام.
 فكما ان لنا أبناء فإن لهم أبناء. وكما ان لنا بيوتا لهم بيوت.
 وانا قادر انا وزملائي على حماية القضاة وأسرهم ولو من خلال أمن خاص يستأجر.
ثم أضاف: دم بدم وروح بروح ونفس بنفس.

وحين نبهه الأستاذ وائل إلى خطورة ما قاله فإنه صوب كلامه قائلا ان الانتقام الذي يتحدث عنه سوف يتم من خلال الإجراءات القانونية.

وجه الغرابة ليس في افتعال قضية من العدم أو إصدار حكم في قصة وهمية،
إذ لم يعد ذلك مفاجئا تماما في زماننا.

لكن مبعث الاستغراب يتمثل في مدى العصبية والشطط في التعبير الذي اتسم به خطاب بعض من ينتسبون إلى القضاء.
لأننا نفهم أن القاضي لا يصدر حكما أو يطلق رأيا إلا بعد التمحيص والتروي،
الأمر الذي برر قول من قال بأن قرار القاضي بمثابة إعلان للحقيقة.

 مع ذلك فلست أخفي خاطرا خبيثا خطر لي حين تابعت ما تناقلته وسائل الإعلام بخصوص القضية.

 ذلك ان كثيرين دأبوا على الاستخفاف بما تنشره الصحف حتى اعتبر «كلام الجرايد» عنوانا لأي كلام فارغ يقال في أي موضوع.

وقد انتابني شعور بالرضا والحزن حين وجدتني أردد:
إننا لم نعد وحدنا في ذلك على أي حال.