حقيقة أزمة القضاء


صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 3 ربيع أول 1437  14 ديمسبر 2015

حين يشعر القضاة بالخطر فإن العدل يصبح في أزمة.

ولأنه أساس الملك فإن أزمة العدل تعنى مباشرة أن الوطن في أزمة.

تلك كانت خلاصة خرجت بها بعدما وقعت على تفصيلات مشروع جديد لما سمى «الأمن القضائي» في مصر.

إذ شرحه لنا مسئول في وزارة العدل اكتشفنا أنه مساعد الوزير للأمن القضائي، وذلك في حوار نشرته جريدة الأهرام يوم الجمعة الماضي ١١/١٢.

ولم أكن وحدى الذي فوجئ بأن القصة لها خلفية ترجع إلى شهر يونيو الماضي حين أصدر آنذاك وزير العدل قرارا بإنشاء قطاع بذلك الاسم بدعوى تأمين القضاة ضد خطر الإرهاب.

 ذلك أن آخرين ممن أعرف لم يسمعوا بالخبر من قبل وشاركوني الشعور بالامتعاض والدهشة، ليس فقط لأن باب المزايدة على موضوع الأمن بات مفتوحا على مصراعيه،

 إذ ما عدنا نتحدث عن استحقاقات الأمن القومي أو حتى الأمن الغذائي أو المائي، وإنما صرنا نشهد تسابقا على إجراءات أمن الجامعات والأمن الفكري والأمن الإعلامي، فضلا عن الأمن السياسي بطبيعة الحال

 وفهمت من الحوار المنشور أن اغتيال القضاة الثلاثة في العريش والنائب العام السابق هشام بركات في القاهرة، وراء إطلاق فكرة الأمن القضائي.

وربما أسهم في ذلك قلق بعض الدوائر على القضاة الذين أصدروا أحكاما مبالغا في تشددها على المتهمين في القضايا السياسية، إلا أنني لم أقتنع بالفكرة لأن الحفاظ على الأمن مسئولية جهات أخرى،

ولا يفهم أن تلجأ كل جهة يتعرض بعض أفرادها لاحتمال الاعتداء إلى إنشاء منظومة أمنية خاصة بها.

علما بأن الاعتداءات التي يتعرض لها الأطباء مثلا أكبر بكثير مما تعرض له القضاة، ومع ذلك فلا يعد ذلك مبررا لاستصدار قرار لتأسيس جهاز يتولى رعاية أمن الأطباء.

صحيح أن مصطلح الأمن القضائي ليس جديدا تماما، ولكنه متداول في أقطار أخرى منها المملكة المغربية لكن له مفهوما آخر يختلف عن المقصود به في مصر،

فالمصطلح في المغرب يراد به ترسيخ الثقة في المؤسسة القضائية والاطمئنان إلى ما يصدر عنها،

وقرأت أنه متداول أيضا في فيتنام إلا أنه يراد به هناك إنشاء قوة خاصة لتنفيذ الأحكام القضائية.

وفي كندا ينصرف المعنى إلى إقامة نظام مبتكر للمساعدة القضائية،

 أما المراد به في مصر فهو تأمين القضاة وأعضاء النيابة وتطوير وحدات الأمن في المحاكم والجهات القضائية. وذلك بالتنسيق مع الجهات المسئولة عن الأمن في الدولة،

وكما ذكر المستشار مجدى حسين عبدالخالق مساعد الوزير المسئول عن القطاع فإن الأمن القضائي في نهاية المطاف هو أمن إداري غير مسلح، لكنه على تواصل دائم مع الجهات الأمنية في الدولة.

 ذكر مساعد الوزير أيضا أنهم بصدد تخصيص إدارات للأمن القضائي في جميع المحاكم والمنشآت القضائية، مع تعيين كوادر أمنية بتلك الإدارات من أناس لهم خبرة أمنية ويتمتعون باللياقة البدنية اللازمة.

أفادنا الرجل كذلك بأنه تم إبرام بروتوكولات تعاون مع خمس محافظات لتأمين المحاكم والمنشآت القضائية من خلال وسائل عدة منها توفير البوابات الإلكترونية وكاميرات المراقبة.

كما تم تزويد بعض المحاكم بأجهزة اتصال لاسلكية حديثة توفر شبكة تواصل دائم مع غرفة عمليات العدل والقضاة على نحو يتعذر معه التشويش أو التنصت.

الأهم والأخطر من ذلك أن القاضي في ظل هذه الأوضاع سوف يفقد استقلاله فضلا عن هيبته،

ذلك أنه سيصبح في حماية الدولة وكفالتها. وأن أمنه لم يعد مستمدا من عدله، ولكن من رعاية الدولة له والحراس الواقفين ببابه أو المرافقين له في حركته، وهو ما يبعث على القلق، لان القضاء استمد مكانته وشموخه من خصوصية بنائه وتفرده.

إذ تكون ذلك البناء من وحدات صغيرة لكل منها ذاتيته المستقلة بما يعنى أن قرار القاضي ينبع من ذاته وقناعته الخاصة، وهو في ذلك يظل منفصلا عن محيطة، فلا اعتبار عنده لرئيس فوقه أو نظير يعادله.

 وذلك معمار يهتز ويفقد خصوصيته في ظل الوضع المستجد،

ذلك أنه يضعف كثيرا موقف القاضي لأنه يشعره بأنه في حماية السلطة وأن ما يكفل له الأمان ليس العدل الذي يتحراه ولكن الأعين التي تحرسه.

إن تسطيح المشهد واختزاله في قرار بإنشاء وحدة للأمن القضائي ينم عن تسرع له تأثيره الفادح على مستقبل ذلك المرفق الجليل الذي ينبغي أن يتم التعامل معه بما يليق بمكانته وخطورته في المجتمع.

ذلك أنه ينبغي التروي في الأمر والإجابة عن أسئلة جوهرية قبل أن يصبح الجهاز الأمني هو «الكفيل» الذي يصون القضاء ويحميه.

من تلك الأسئلة مثلا:

هل القضاء في خطر حقا؟

وهل استهداف بعضهم سببه صفتهم القضائية أم لكونهم جزءا من النظام؟

وما دور السياسة في ذلك؟

وهل الذين يتعرضون للتهديد هم كل القضاة، أم بعضهم ولماذا؟

إن أحدا لا يستطيع أن يساوم على أمن القضاة.

 لذلك فإن التدقيق في مصادر الأخطار التي تهدد بعضهم من الأهمية بمكان.

وإذا ما فتح الملف وجرت مناقشته بصراحة وشجاعة فربما تبين لنا أن ما يهدد القضاء حقا ليس الإرهاب ولكنها ضغوط السياسة التي هزت صورته وأثرت على رصيد الثقة فيه.


 وليس في ذلك أي تبرير أو دفاع عن جرائم الإرهاب التي ينبغي أن تظل محل إدانة في كل الأحوال.

 ولكنها دعوة إلى تفكير آخر في مستقبل ميزان العدل وأمن الوطن، الذي يستحق أن نناقشه بعمق وجدية.

سلطة بتلك القوة تنتج برلمانًا بذلك الضعف - فهمى هويدى

صحيفة الشرق القطريه الثلاثاء 4 ربيع أول 1437  15 ديسمبر 2015

مجلس النواب الجديد يكشف عمق أزمة السياسة فى مصر التى لها تاريخ يجب أن يقرأ جيدا.

(1)

تحفل الصحف المصرية هذه الأيام بأخبار التجاذب والتراشق الحاصل بين عناصر مجلس النواب الجديد، خصوصا الأحزاب التى تحاول الانخراط فى ائتلافات تجعل منها قوى ضغط مؤثرة داخل المجلس، الذى يفترض أن يبدأ اجتماعاته فى ٢٨ ديسمبر الحالى.

وكان أكثر ما أثار ضجة فى هذا الصدد الدعوة إلى إقامة ائتلاف دعم الدولة، التى أطلقها اللواء سامح سيف اليزل ضابط المخابرات المتقاعد.

 الجدل انصب على ثلاثة أمور.
 الأول اسم الائتلاف لأن صياغته تعطى انطباعا يشكك فى موقف الذين لم يلتحقوا به، ويكاد يتهمهم بأنهم فى موقف الضد أو عدم الولاء للدولة المصرية،

الأمر الثانى أن المنسق العام للادعاء ذكر فى تصريحات صحفية أن الإطار الذى شكله أصبح يضم ٤٠٠ عضو فى البرلمان (من جملة الأعضاء البالغ عددهم ٥٥٠ نائبا) أى أنه ضمن الأغلبية، وأصبح تحت قيادة واحدة قبل أن يبدأ مجلس النواب أعماله،
 الأمر الذى يعيد إلى الأذهان صور برلمانات ما قبل الثورة.

أما الأمر الثالث فهو يتمثل فى القنبلة التى فجرها أحد النواب الذين انتخبوا عن حزب الوفد (اللواء بدوى عبداللطيف هلال)، حين ذكر أنه تلقى اتصالاً من جهاز الأمن الوطنى دعاه للانضمام للائتلاف المذكور ففعل،
 وهو التسجيل الذى كشف عن أن الجهاز الأمنى وراء العملية بثه موقع «اليوم السابع».
 كما أبرزت الخبر صحيفة «الشروق» على صدر صفحتها الأولى يوم الجمعة ١١/١٢.

لك أن تتصور مدى اللغط والضجيج الذى أثارته كل واحدة من النقاط الثلاث فى الأوساط ذات الصلة التى تناقلتها وسائل الإعلام وشغلت بها الرأى العام الذى فوجئ بحملات الانتقاد والتجريح لائتلاف دعم الدولة والقائمين عليه.

وبدا أن أغلب الجدل انصب على نقض ادعاء منسق الائتلاف بحكاية الاستحواذ على أغلبية البرلمان،

ومن ناحية ثانية فإن الآخرين حرصوا على التأكيد على أن دعم الدولة ليس مقصورا على ذلك الائتلاف الذى حمل الاسم وحده، لأن الجميع جعلوا ذلك الدعم نصب أعينهم.
 من ثم فإن التجاذب جاء كاشفا عن أن التنافس بين المتعاركين لا ينطلق من أى خلاف سياسى، ولكنه يدور حول أفضلية الاقتراب من السلطة.
وهو ما يدعونا إلى القول بأننا بصدد برلمان تنازل مقدما عن حقه فى الرقابة فى حين تنافست الائتلافات المشاركة فيه على تمثيل السلطة، وليس على تمثيل المجتمع.

(2)

هذه النتيجة لا هى مفاجئة ولا ينبغى أن تكون صادمة.
ذلك أن تصميم البرلمان من البداية روعى فيه أن يكون منصة ومنبرا لقوى الموالاة.
ولم يكن سرا أن الأجهزة الأمنية كانت حاضرة فى طور ترشيح أعضائه بمثل ما أنها حضرت فى تشكيل الائتلافات.

 من ثم كان معلوما مسبقا بأننا بصدد مجلس بلا معارضة بدعوى أنه «برلمان الضرورة» (!).

وهو ما دفع البعض إلى وصفه على أنه برلمان السمع والطاعة،

ومن زملائنا من كتب قائلاً: إنه إذا كان البرلمان السابق خاضعا لتوجيه المرشد، فإن اللاحق سيكون برلمان الجنرال.
وقرأت لمن قال أنه سيكون برلمانا منزوع العافية تحظر فيه اللاءات ويمارس فيه الجميع حرية الموافقة.. إلخ.

مثل هذه التشبيهات حملت البرلمان القادم بما لا يحتمل، وغضت الطرف عن حقيقة الوضع القائم فى مصر الذى ماتت فيه السياسة، واختلت فى ظله موازين القوة.
وهو ما استدعى أحزابا سياسية بلا جمهور، تصدرتها قيادات وزعامات لهواة جاءوا من خارج السياسة،
استصحب ذلك تراجعا شديدا لدور المجتمع بمختلف تشكيلاته وأوعيته.

ولم يكن مستغربا الأمر كذلك أن نصبح بصدد أحزاب هشة وقوى مجتمعية ضعيفة باتت أشكالاً وهياكل بلا فاعلية.

وخلفية بهذه الصورة لا يتوقع لها أن تفرز برلمانا قويا ونشطا فى ممارسة الرقابة والمساءلة والتشريع.
 إن شئت فقل إن ضعف البرلمان ومحدودية دوره هو فى حقيقة الأمر مرآة عاكسة لضعف المجتمع وقلة حيلته.
وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن مجتمعا بذلك الهزال لا يخرج منه إلا برلمان بهذا الشكل.

لنا أن نقول إن انفراط عقد ائتلاف ٣٠ يونيو أسهم فى إضعاف البرلمان،
 وإن التضييق الراهن على الحريات العامة وكثرة الخطوط الحمراء وعمليات الترهيب والتخويف، التى تتعرض لها الأصوات المعارضة،
هذه العوامل كان لها تأثيرها الذى لا ينكر على الحماس للمشاركة والعزوف عن الترشح من جانب الفاعلين السياسيين، أو العزوف عن التصويت من جانب أغلب الناخبين.

إذا ما أردنا أن نستخلص العبرة من المشهد، فلا مفر من الاعتراف بأنه جاء كاشفا عن أزمة السياسة فى مصر وتعبيرا عن انقراض الطبقة السياسية.

ولكى لا نجلد أنفسنا فإن تحرير المشكلة يصبح ضروريا، الأمر الذى يدعونا إلى طرح السؤال التالى:
هل نحن بصدد سمات مرحلة أم إننا بإزاء مشكلة واقع وأزمة مجتمع؟

(3)

فى الإجابة على السؤال يبرز رأيان.
الأول عوَّل على الجغرافيا، وعبر عنه الدكتور جمال حمدان، عالم الجغرافيا السياسية المعروف، فى كتابه «شخصية مصر».
 الثانى أحال إلى التاريخ وتبناه المستشار طارق البشرى من خلال تحقيقه لتاريخ مصر فى القرنين الأخيرين، وعبر عنه فى كتابه «جهاز الدولة وإدارة الحكم فى مصر».

الدكتور حمدان انطلق من النظرية التى راجت فى القرن التاسع عشر وربطت بين الطغيان السياسى والبيئة النهرية.
بما يعنى أن الجغرافيا السياسية تكمن وراء التنظيم السياسى الذى ينشأ فى المجتمعات النهرية التى لابد أن تقدم فيها سلطة تقوم بمهمة ضبط النهر.

وتلك مهمة كان ينبغى أن يقوم بها الحكم والحاكم، الذى صار وسيطا بين الإنسان والبيئة أو وصيا على العلاقة بينهما.
وهو ما برز فى مصر الفرعونية.
إذ عد فرعون ضلعا أساسيا فى الإنتاج إلى جانب الضلعين الطبيعيين، الماء والشمس.

ولأن ضبط النهر كان بداية كل شىء فإن فرعون تحول إلى الملك الإله، وصارت الحكومة المركزية القوية التى تتولى تلك المهمة من أخص خصائص المجتمع المصرى على مدار التاريخ.

خلص الدكتور حمدان من ذلك إلى أن الطغيان الفرعونى كان نتيجة حتمية للدولة المركزية..
مضيفا إذا كانت مصر أول وحدة سياسية أو أول دولة موحدة فى التاريخ، إلا أنها صارت بها على الأرجح أول طغيان فى الأرض.
«أقدم وأعرق حكومة مركزية فى العالم، ولكن أقدم وأعرض استبداد فى الأرض».

أضاف ما نصه «فى النتيجة أصبحت العلاقة عكسية بين المواطن والدولة. فتضاءل حجم الشعب بقدر ما تضخم وزن الحكم .
من هنا فإن الحكومة المركزية السباقة التى نسرف فى التفاخر بها عادة، ليست خيرا محضا، بل لها مثالبها وثمنها الفادح. وسنرى كم يصدق هذا حتى وقتنا الحالى.
(جـ٢ ص ٥٥٥ ــ والكتاب طبع عام ١٩٨١).

الفكرة الجوهرية التى تتصل بموضوعنا فى كتاب المستشار البشرى تتمثل فيما يلى:
 إن إدارات الدولة الحديثة فى مصر منذ عصر محمد على باشا فى القرن التاسع عشر نشأت بأساليب التنظيم الأوروبى الحديث فى ذلك القرن والسنوات التى تلته.
وهو ما قامت به أبنية الدولة المركزية القومية آنذاك.

 الحكم المركزى حقق طفرة واسعة فى مصر مستعينا فى ذلك بنماذج التنظيمات الإدارية الحديثة فى أوروبا، وبوسائل السيطرة الحديثة فى ظروف التطور الأوروبى فى الفترة ذاتها.

وكان ظهور أساليب الإدارة الحديثة فى أوروبا ونماذج التنظيمات الحديثة هناك متوازنا مع تطور مجتمعات أوروبا الغربية فى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

بمعنى أن النمو كان متوازيا ومتوازنا. فكان اشتداد عود الدولة من حيث القدرات والكفاءات تم بالتوازى مع اشتداد عود أجهزة إدارة المجتمع المدنى.
فلم تطغ قوة الدولة الحديثة على أجهزة إدارة الهيئات المدنية والشعبية ولا أزهقت روحها.

 أما فى بلادنا العربية والإسلامية والشرقية بعامة فلم يحدث ذلك النمو المتوازى والمتكافئ.
ذلك أن أجهزة الدولة الحديثة فى بلادنا إما كوَنها الاستعمار بعد سيطرته على مقدراتنا، وإما أنها نشأت نشأة محلية بخبرات التنظيمات الأجنبية لمواجهة مخاطر الخارج.

فى مقابل ذلك وبالموازاة له كانت النظم الاجتماعية والاقتصادية فى المجال الأهلى والشعبى تجرى فى غالبها حسب الانماط التقليدية القديمة.
 وهو ما ترتب عليه تعاظم قوة السلطة ممثلة فى جهاز الإدارة، واستمر ضعف المجتمع.

 الأمر الذى رتب نتيجة أفدح تمثلت فى تمدد أنشطة جهاز إدارة الدولة الذى تغول بحيث حل محل الأنشطة الأهلية للأفراد والجماعات،
 إذ لم يعد ذلك الجهاز يتولى إدارة الشأن السياسى للجماعة الوطنية فحسب، ولكنه أصبح يباشر مختلف الشئون المعيشية للشعب المصرى كله.
كما أصبح يهيمن على مختلف السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وبسبب عدم التكافؤ بين قوة السلطة وضعف المجتمع فإن مصر منذ عام ١٩٢٣ وحتى الوقت الراهن لم تعرف نظام حكم يقوم على وجود حقيقى لنظام برلمانى منتخب انتخابا حرا ونزيها ويمارس عمله فى استقلالية عن السلطة التنفيذية إلا فى سنوات لا يزيد مجموعها على ثمانية أعوام فى ظل دستور ١٩٢٣(فى الفترة ما بين عامى ١٩٢٣ و١٩٥٢)،
كما أنه خلال ثلاثة أرباع القرن الأخير فإن مصر عاشت فى حالة طوارئ ثابتة اعتاد عليها جهاز الدولة، وتشكلت فى إطارها تجاربه وثقافته.

(4)

ما يحدث فى مصر الآن ليس منفصلاً عن تلك الخلفية. رغم أننى لا أتفق مع رأى الدكتور حمدان الذى يوحي بأن تحكم السلطة واستبدادها قدر مكتوب على مصر بأمر الجغرافيا.

ويبدو كلام المستشار البشري أكثر إقناعا، من حيث إنه يسلط الضوء على مكمن الداء المتمثل في الخلل القائم فى علاقة السلطة متعاظمة القوة والمجتمع منزوع العافية.
وهو ما نشهده في تركيبة مجلس النواب الذي تم انتخابه وفي الدور المرشح له وأصبح «دعم الدولة» عنوانا له.

إذا صح هذا التحليل فإنه ينبهنا إلى أن مجلس النواب الذي نحن بصدده إفراز طبيعي لحالة الخلل التي تعتري علاقة السلطة بالمجتمع.
ومن ثم لا حل لأزمة السياسة في مصر إلا بعلاج ذلك الخلل بمحاولة استعادة المجتمع لعافيته من خلال إقامة ديمقراطية حقيقية تقوم على مدنية المجتمع وتعيد الاعتبار للفصل بين السلطات وترفع سقف الحريات العامة.

وهو ما يستدعي دور المجتمع ويمكنه من تشكيل المؤسسات المعبرة عنه.. المؤهلة للمشاركة والمساءلة وتداول السلطة.

ولئن بدا ذلك حلما بعيد المنال، فإننا ينبغي أن نحمد الله على أن حرية الحلم لا تزال مكفولة وغير قابلة للمصادرة أو الوضع تحت الحراسة.
.....................