حلاق الجهة السيادية – فهمي هويدي


خلاصة الخبر أن نيابة طنطا تجرى تحقيقات وصفت بأنها موسعة في تبادل الاتهامات بين ضابط شرطة وحلاق يعمل في جهة سيادية عليا باعتداء كل منهما على الآخر بالضرب في كمين ليلي.

وكانت قوات الشرطة قد نصبت كمينا فجر السبت الماضي «٦/١٨» عندما استوقف الضابط الذي هو معاون مباحث قسم ثان طنطا مواطنا لسؤاله عن هويته التي رفض الرجل إبرازها بدعوى أنه حلاق يعمل في جهة سيادية عليا.
 إلا أن الضابط أصر على مطلبه وصاحبنا أصر على رفضه،
 فنشبت مشادة بين الطرفين تبادل الاثنان اللكمات خلالها،
 الأمر الذي أدى لإصابة الضابط بكسر في أنفه وتم نقله إلى المستشفى لعلاجه،
وتم ضبط الحلاق الذي ذكر في التحقيق أنه يعمل لدى الجهة العليا.
 وأنه تعرض للاعتداء من قبل الضابط ومعاونيه، فأحيل إلى النيابة للتحقيق.

الخبر نشره موقع جريدة «الشروق» في اليوم ذاته وحين لفت انتباهي فإنني احتفظت به وانتظرت متابعته خلال الأيام التالية بالتأكيد أو التصويب أو النفي، لكنني لم أعثر على شيء من ذلك.

لذلك رجحت أن يكون صحيحا وأنه تم احتواء الموضوع نظرا لحساسية موقف الطرفين وحرصا على الحفاظ على علاقات المودة المفترضة بينهما.

لم أستغرب أن يشتبك مواطن مع ضابط شرطة،
فذلك أمر عادي يحدث كل يوم، ولكن حين يلكم المواطن الضابط بحيث يكسر أنفسه فذلك أمر غير مألوف، لأن العكس هو المعتاد.

وحين يحدث ذلك فإنه لا يفسر إلا بأحد احتمالين،
 أولهما أن يكون الطرف الآخر يتمتع بقوة جسدية غير عادية
وثانيهما أن يتمتع المعتدى بمكانة استثنائية رفيعة مسلحة بجرأة جعلته يقدم على ما فعله،
ويبدو أن صاحبنا من ذلك الصنف الأخير لأن انتسابه إلى الجهة السيادية وفر له تلك المكانة بما تستصحبه من جرأة.

وهو ما قد أفهمه حين يكون الرجل ضابطا أو مسؤولا في الجهة السيادية، إلا أنني لم أكن أعرف أن الحرفيين الذين يتعاملون مع الجهات السيادية لهم نفس الحصانة والقوة.

فضلا عن أنه لا يخطر على بال أمثالي أن تضم الجهات حلاقا أو سباكا أو ترزيا أو نقاشا.
 لست أقلل من شأن المنتسبين إلى تلك الحرف بطبيعة الحال،
 لكنني فقط استغرب تصنيف المشتغلين منهم مع أفراد الجهات السيادية باعتبارهم يملكون حصانات العاملين في تلك الأجهزة، التي أرجو ألا تكون الضبطية القضائية بينها.

إذا صحت معلومات الخبر فهي تعني أن الحلاق المذكور اعتبر نفسه مواطنا متميزا لا يحق لضابط الشرطة أن يسأله عن هويته،
واستنكف أن يصر الضابط على ذلك حين التقاه في الشارع ساعة الفجر، فاشتبك معه ولكمه في وجهه حتى كسر أنفسه،

وهو ما أثار عندي السؤال التالي إذا كان ذلك شعور وسلوك حلاق الجهة السيادية، إزاء ضابط الشرطة فكيف يكون تصرفه مع المواطن العادي؟
 ثم ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الحلاق كان ضابطا في الجهاز السيادي؟

 لا يغير من السؤال أو يقلل من شأنه أن يقول قائل بأن ما جرى مجرد سلوك فردي يتعذر تعميمه أو التعويل،
 لأنني أزعم بأن الرجل وإن كان فردا إلا أنه ما كان له أن يقدم على فعلته إلا إذا كان مقتنعا بأن المنتسبين إلى الجهات السيادية من طينة أخرى تجعلهم أرفع مقاما من غيرهم.
واقتناعه الشخصي هذا جزء من ثقافة سائدة أرست ذلك المفهوم وعممته.

الواقعة تجدد السؤال الذي لا تعرف له إجابة حول دلالة المصطلح وماهية تلك الأجهزة السيادية التي أصبحت بمثابة قوة غامضة برزت في مصر خلال السنوات الأخيرة.
وصار لها نفوذها وكلمتها في التقدير والتوجيه، حتى أصبحت مصدرا معتمدا لإذاعة أخبار تنشرها الصحف وكأنها وكالة أنباء محلية.

 ليس ذلك فحسب وإنما أصبح لها ذاتها المصون وحرمها الذي لا يجوز المساس به.
حتى صار معلوما أن رئيس جهاز المحاسبات المستشار هشام جنينة تمت الإطاحة به لأنه داس لها على طرف،
 ووقع في المحظور حين سمح لجهازه أن يفتش في أوراق الأجهزة السيادية ويرصد مخالفاتها.

أفهم أنه حين تموت السياسة فإن القرار يصبح أمنيا بالدرجة الأولى، الأمر الذي يؤدى إلى تضخم دور الأجهزة الأمنية وتغولها في مختلف المجالات.

ويبدو أن التضخم بلغ ذروته حتى طال حلاق الجهات السيادية، الأمر الذي يولد شعورا مبررا بالقلق والخوف، لا على أشخاص فحسب، ولكن مسار الوطن ومستقبله.

لا أحد يجادل في أهمية وضرورة الأجهزة الأمنية، التي تمنينا أن تعمل في النور وفي ظل القانون والدستور،
 لكن حالة الغموض التي باتت تحيط بها تفتح الباب لمزالق وشرور كثيرة تسحب من رصيد دولة الحق والعدل، وتؤسس لدولة الأمن التي ظننا أن ثورة يناير انطلقت للخلاص منها
ثم اكتشفنا أنها عادت أكثر قوة، ليس بعناصرها فقط ولكن بحلاقها أيضا!

صحيفة الشرق القطريه السبت 20 رمضان 1437 – 25 يونيو 2016

فصل مثير فى عبثية المشهد الليبى – فهمي هويدي


لن نستطيع أن نستوعب الحاصل فى ليبيا إلا إذا تخلينا عن التعلق بالأساطير والأوهام التى راجت عن الصراع الحاصل هناك.
(1)

فى الأسبوع الماضى تناقلت مواقع التواصل الاجتماعى تسجيلا لأحد شيوخ القبائل الليبية قال فيه إن «المغاربة» أخذوا البترول «والعبيدات» أخذوا البرلمان «والبراعصة» أخذوا (رئاسة) الحكومة.

أما نحن «العواقير» فيستكثر عليهم البعض حصولهم على وزارة الموت، التى قصد بها وزارة الدفاع.
الكلام على بساطته وتلقائيته يسلط الضوء على أحد العوامل المهمة فى الصراع المستمر منذ خمس سنوات فى ليبيا.

أعنى أنه ينبهنا إلى أنه فى جوهره صراع على مراكز القوة المتحكمة فى موارد الدولة،
أما المتصارعون الحقيقيون فهم القبائل صاحبة النفوذ هناك.
فلا هو بين قوى سياسية ولا بين متشددين ومعتدلين أو بين قوى إسلامية وليبرالية.

 وحتى إذا كان لتلك المكونات وجود فإما أن دورها هامشى لا تأثير يذكر له على مجريات الصراع، أو أنه يمثل الواجهات أو اللافتات التى يرفعها البعض لإخفاء العوامل الحقيقية التى تحركه.

هذه النقطة أشار إليها المحلل السياسى الليبى صلاح البكوش الذى قال لى على الهاتف من طرابلس إن وسائل الإعلام أساءت تصوير ما يجرى فى ربوع البلاد حين عمدت إلى تسطيحه.
 ولم تنفذ إلى جوهره المتمثل فى التنافس حول الاستئثار بالموارد.
وهذا التنافس قد يعبر عن نفسه بالشعارات السياسية كما قد يعبر عن نفسه بالتنافس على المناصب أو حتى بالسلاح.

القاهرة شهدت صدى لذلك الصراع القبلى تمثل فى التنافس حول منصب سفير ليبيا فى العاصمة المصرية،
 إذ أصرت كل من قبيلتى البراعصة والدرسة على أن يكون السفير من أبنائها.
ويبدو أن رئيس حكومة طبرق تعرض لضغوط من القبيلتين فوافق لكل منهما على مطلبها.

من ثم اختارت قبيلة البراعصة ابنها طارق سطيف البراعصى المراقب المالى للسفارة بالقاهرة ليكون سفير بلاده،
واختارت القبيلة الثانية ابنها محمد صالح الدريسى القنصل فى مدينة الإسكندرية للمنصب ذاته.

وكانت النتيجة أن أحدهما باشر وظيفته من مقر السفارة بحى الزمالك فى القاهرة،
 فى حين تسلم الثانى مهام الوظيفة ذاتها ومارسها من مقر مندوبية ليبيا لدى الجامعة العربية فى حى الدقى.

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد وإنما بسبب التنافس والتنازع بين القبيلتين حول الموضوع تم اقتحام مقر وزارة الخارجية فى مدينة البيضاء وخطف وكيل الوزارة حسن الصغير وتعرض للضرب وزير الخارجية محمد الدايرى!
(2)

ثمة أسطورة أخرى شائعة تختزل الصراع فى التنازع المفترض بين شرق ليبيا وغربها، وهى تسقط الجنوب من الحسبان، الذى شهد تنافسا واقتتالا بين الطوارق وقبائل التبو، الذين يديرون عالما آخر محوره التهريب المنفتح على الجيران (تشاد والنيجر ومالى والجزائر والسودان) .

لكن الأهم من ذلك أن التنازع قائم فى الغرب بين مصراتة والزنتان،
 والأولون يمثلون الحضر الساحلى والآخرون يمثلون بدو الصحراء.
ثم إنه قائم فى الشرق، ويتمثل فى الصراع الحاصل الآن بين قبيلة العواقير الكبيرة وبين بعض القبائل البرقاوية والمجموعات المؤيدة للفريق حفتر.

وتتحدث التقارير الآن عن سيناريو التحلل فى الشرق، الذى يتمثل فى نزوع البعض إلى الاستقلال النسبى عن السلطة من خلال المطالبة بتحويل المحلات الصغيرة إلى بلديات تدير أمورها بذاتها.

يضرب المثل فى هذا الصدد بمنطقة فى جنوب مدينة البيضاء، هى جردس العبيد التى حولت إلى بلدية،
 الأمر الذى دعا قبيلة البراعصة إلى المطالبة بتحويل ٢٤ فى محيط جردس العبيد إلى بلديات كل منها لها إدارتها الذاتية، رغم أن مجموع سكانها لا يتجاوز ١٥ ألف نسمة.

المحلل الليبى صلاح البكوش ساق فى هذا الصدد قرينتين تهدمان أسطورة صراع الشرق والغرب.

خلاصة الأولى أن اللواء خليفة حفتر الذى يتصدر الواجهة فى الشرق حين أراد إخضاع قبيلة «الزوية» العربية المنتشرة فى الجنوب الشرقى، فإنه تحالف لأجل ذلك مع عناصر من جماعة «العدل والمساواة» المتمردة فى دارفور وآخرين من قبائل «التبو» فى مناطق الجنوب (لها امتدادات فى تشاد والنيجر)، وشن هؤلاء حملتهم ضد مواقع الزوية.

وتم ذلك فى محيط الشرق ولم يكن الغرب طرفا فيه
(للعلم: الرئىس السودانى عمر البشير تحدث عن اشتراك مرتزقة من جماعة «العدل والمساواة» فى الصراع الدائر فى ليبيا،
 كما أشارت إلى الواقعة تقارير خبراء الأمم المتحدة عن الوضع الليبى خلال عامى ٢٠١٤ و٢٠١٥).

المثل الثانى الذى ذكره البكوش له دلالة أعمق. ذلك أن بعض الأبواق الإعلامية تتحدث عن حملة يقودها اللواء حفتر ضد من يسمونهم بالمتشددين والمتطرفين فى الغرب فى حين أن بين المجموعات المسلحة التابعة له كتيبة «التوحيد» السلفية، وهى تعد أحد رموز التطرف الذى يروج الإعلام للادعاء بأنه يحاربه.
(3)

الذين يرددون تعبير الجيش الوطنى الليبى يروجون بعلم أو بغير علم لأكذوبة كبرى، لسبب جوهرى هو أن القذافى كان قد دمر الجيش وفرغه من مضمونه،
 بحيث لم تنج من حملته سوى بعض الوحدات التى جرى تشتيتها الآن، ربعها فقط موجود فى الشرق وثلاثة أرباعها فى الغرب والجنوب.

صاحب هذه الشهادة هو اللواء يوسف المنقوش رئيس الأركان السابق الذى استقال من منصبه فى عام ٢٠١٣ حين أدرك أنه لا يستطيع القيام بمهمته فى إعادة بناء الجيش بسبب تدخلات وضغوط مراكز القوى التى نشأت بعد الثورة.

وما قاله أيدته شهادة العقيد فرج البرعصى آمر منطقة الجبل الأخضر العسكرية (متوفرة على اليوتيوب) التى ذكر فيها أنه لا يوجد فى ليبيا جيش الآن، وإنما هو «فتات جيش»، العسكريون فيه لا تتجاوز نسبتهم ٢٠٪.

التقيت اللواء يوسف المنقوش فى إسطنبول، التى اختارها مقرا لإقامته بعد استقالته، ووجدته يحفظ عن ظهر قلب قصة الجيش الليبى منذ تأسيسه فى مصر عام ١٩٤٠، مع بداية الحرب العالمية الثانية
وكيف دمره القذافى بعد محاولة الانقلاب عليه عام ١٩٧٥ حين ألغى الرتب من خلال ما عرف باسم «الأمر المستديم رقم واحد»،
وكيف قام فى عام ٢٠٠٩ بترقية عشر دفعات إلى رتبة عقيد بقرار من جانبه.

حين سألته عن الجيش الوطنى الذى يتحدث عنه اللواء خليفة حفتر أوجز رأيه فيما ذكرت توا، مضيفا أنه ليس جيشا وليس وطنيا.

وحين طلبت منه تفصيلا قال إن العملية كلها ليست سوى تهريج له أغراضه السياسية ولا علاقة لها بالعمل العسكرى.
 فالجيش الذى يتحدث عنه حفتر يقوده مدنيون لا عسكريون،
وأغلبه من المتطوعين والمرتزقة وخريجى السجون.

ومن المفارقات أنه يضم كتيبتين إحداهما سلفية باسم «التوحيد»، والأخرى تسمى نفسها كتيبة «أولياء الدم»،
 لذا يصعب الادعاء بأنه جيش، لأنه عبارة عن ميليشيات تحالفت مع اللواء حفتر أو تم تجنيدها لحسابه بتمويل من جهات خارجية، بهدف تحقيق حسابات معنية لا علاقة لها بمستقبل ليبيا ولا بالمصالح العليا للبلاد.

حين قلت إن وسائل الإعلام تحدثت عن دور الجيش فى إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش فى درنة واضطرار أفراده للانسحاب منها، كان رده أن ذلك كله غير صحيح.
وما قيل فى هذا الصدد كان ادعاء مكذوبا من أوله إلى آخره.

فالذى طرد داعش من درنة كانت المجموعات المسلحة المحلية ممثلة فى مجلس شورى الثوار.
وبقية القصة أن جماعة داعش حين انسحبوا من درنة، واتجهوا إلى سرت فى الغرب فإنهم خرجوا فى ٨٠ آلية قطعت مسافة ١٢٠ كيلو مترا فى أراضٍ مفتوحة، لم يتعرض لهم طيران اللواء حفتر،
ولكنه قصف مواقع مجلس شورى الثوار الذين حرروا المدينة منهم.

سألته: بماذا يفسر موقف حفتر فكان رده أنه رجل مهووس بالسلطة، ويريد أن يجعل من نفسه «قذافى» آخر فوق الجميع بما فى ذلك القانون وكل مؤسسات الدولة.

وهو يلجأ فى ذلك إلى الترغيب والترهيب واستخدام كل أساليب العنف لإسكات معارضيه وقمعهم.
وللأسف فإنه يحظى بدعم إقليمى من دول تسعى لإجهاض الثورة متذرعة فى ذلك بدعوى مكافحة التطرف والإرهاب.
(4)

يوم الثلاثاء ١٤ يونيو الحالى، عقد اجتماع للمجلس الأعلى لقبائل العواقير تحدث فيه ثلاثة أشخاص، هم:
 فرج أقعيم آمر القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب فى بنغازى
 ــ صلاح بولغيب آمر الاستخبارات العسكرية
 ــ المهدى البرغشتى وزير الدفاع فى حكومة الوفاق.

وفى شريط التسجيل الذى وثق كلماتهم تحدثوا عن وقائع بالغة الخطورة شهدتها بنغازى خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فاتهموا اللواء خليفة حفتر بتشكيل خلايا يشرف عليها مساعده عبدالرازق الناضورى، تتولى تصفية المعارضين باغتيالهم،
 وقد تم إلغاء القبض على ١٦ شخصا كلفوا بتلك المهام بمنطقة «بلعون» فى بنغازى.

وذكروا أن لديهم ١٣٧ قضية تم فيها الاغتيال بواسطة تلك الخلايا.
 تحدثوا أيضا عن سجن يتبع الناضورى يقوم فيه ستة من البنغاليين بتعذيب المعارضين والتخلص منهم،

 أضافوا إن جماعة حفتر يتاجرون فى الذخيرة والعتاد العسكرى الذى يتوفر لديهم من الخارج عبر الحدود المفتوحة ومن خلال ميناء طبرق.
كما تحدثوا عن اختفاء ٤٨ مليون دينار من مصرف الوحدة.

إلى جانب الوقائع التى ذكرت فى اجتماع مجلس قبائل العواقير فإن النشطاء الليبيين يتداولون قائمة بالطلبات السياسية، التى قدمها اللواء حفتر، ويتبناها أنصاره فى البرلمان الخاضع لسيطرته فى طبرق.

من هذه الطلبات إلغاء منصب وزير الدفاع وتنصيب حفترا قائدا أعلى للقوات المسلحة، يمارس نشاطه خارج الحكومة.
وتعيينه فى هذا المنصب يتم من خلال البرلمان الذى يجب أن يتولى تعيين المسئولين فى المناصب السيادية وتعيين السفراء الذين يمثلون الدولة فى الخارج.
وهو ما يعنى خضوع هؤلاء جميعا لرغباته وسلطانه.

إذا صحت هذه المعلومات فإنها تعنى أمرين،
أولهما أن عبثية المشهد الليبى لا حدود لها،
وثانيهما أن التدخلات الإقليمية العربية التى تسعى لتأجيج الصراع وتغليب طرف مرغوب على آخر مكروه تشارك فى تكريس العبث وإطالة أجله.

صحيفة الشروق الجديد المصريه الثلاثاء 16 رمضان 1437 – 21 يونيو 2016

ما رأي الشعوب؟ - فهمي هويدي


من مفارقات الأقدار وسخرياتها أن تنتخب «إسرائيل» لرئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة رغم أنها صاحبة التاريخ الطويل في ازدراء قرارات المنظمة الدولية وانتهاك القانون الدولي.

وذلك فضلا عن رفضها المستمر للانضمام إلى أي من معاهدات عدم انتشار الأسلحة النووية.

وحين يتم ذلك في ١٣ يونيو بعد أسبوع واحد من ذكرى الهزيمة (في 5 يونيو ١٩٦٧)، فتلك مفارقة لها دلالة رمزية أخرى، بحسبانها انتصارا إسرائيليا جديدا.

 أما أم المفارقات وأكثرها فجاجة فقد تمثلت في اشتراك ٤ دول عربية في التصويت لصالح «إسرائيل»، كما ذكرت صحيفة «هاآرتس».

وقد عبر عن تلك الصدمة رسم كاريكاتوري تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي ظهر فيه بعض العرب يحملون العلم الإسرائيلي مع آخرين من الصهاينة، في حين وقف فتى عربي يتابع المشهد وقد أخفى عينيه بكفيه وهو منخرط في البكاء والنحيب.

الحدث الذي بدا عبثيا وصادما يعبر عن واقع يعكس جانبا من المتغيرات العربية التي أصبحت أخبارها تقف في الحلوق وترفع ضغط الدم،

ليس عندي كلام كثير في فوز «إسرائيل» لأول مرة في تاريخها وتاريخ المنظمة الدولية برئاسة إحدى لجانها الأساسية الست، خصوصا اللجنة القانونية،
 إذ حين تصدت ١٠٩ دول لصالحها من بين ١٩٣ دولة في الأمم المتحدة، فذلك بمثابة هزيمة حقيقية للدبلوماسية العربية.

 أما حين تصوت لصالحها أربع دول عربية فتلك فضيحة تصيبنا بالخزي وتخرسنا إذا ما انتقدنا الدول الأخرى التي فعلتها، وهي تعلم أن «إسرائيل» المنتهك الأكبر للقانون الدولي في العالم.

ذلك إننا لن نستطيع أن نطالب الدول الأجنبية بأن تتضامن معنا وتتفهم قضايانا العادلة، في حين أن بعض الدول العربية تخلت عن التضامن والتفهم الذي ندعوهم إليه.

لم تعرف أسماء الدول التي صوتت لصالح «إسرائيل»، لكن عددها فقط الذي تواترت الإشارة إليه في بعض الصحف الإسرائيلية والعربية،
ولم أفهم سر إخفاء تلك المعلومة لتجنب إحراج بعض الأنظمة،
 إلا أن الرأي العام العربي له حق في معرفة الدول التي فعلتها،

وإذا كانت وسائل الإعلام حرصت على كتمان الأمر وتسترت على الفضيحة فلا تفسير لذلك سوى أنها أصبحت بوقا للأنظمة يسهم في خداع الرأي العام وتجهيله بدلا من تنويره،

وإذ لا يفاجئنا ذلك حين يتعلق الأمر بالأوضاع الداخلية لبعض الأقطار العربية،
 إلا أن الأمر لابد له أن يختلف حين يتعلق بمصير الأمة وقضيتها المركزية التي سالت دماء آلاف الشهداء دفاعا عنها وذودا عن حياضها.

وإذ تركت المعلومة للتخمين والاستنتاج فإن القرائن المتوافرة والسوابق قد تساعدنا على فك بعض غموضها،

 من تلك القرائن مثلا ما يرجح أن مصر بين الدول الأربع، فمعلوم ومعلن أنها صوتت في شهر أكتوبر من العام الماضي (٢٠١٥) لصالح انضمام «إسرائيل» لعضوية لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي،

كما أنها صوتت في شهر سبتمبر الذي سبقه لصالح اختيار إسرائيلي نائبا لرئيس اتحاد دول البحر الأبيض لكرة اليد،

 أما تحديد الدول الثلاث الأخرى فليس مقطوعا به، وتتداول الدوائر الدبلوماسية في هذا الصدد أسماء إحدى الدول المغاربية ودولة أخرى خليجية وثالثة مشرقية.

لا أقطع بشيء مما ذكرت ولكنها مجرد ترجيحات مبنية على قرائن أقواها ما خص الموقف المصري الذي تمتدحه الدوائر الإسرائيلية كثيرا في الآونة الأخيرة.

 إذ فضلا عن تصريحات السياسيين ما برحت تشيد بعمق التعاون الاستراتيجي بين القاهرة وتل أبيب، فإن معهد بحوث الأمن القومي بجامعة تل أبيب أصدر دراسة لأحد باحثيه هو الدكتور أوفير فينتر حول التغير الذي طرأ على مناهج التعليم في مصر للتعبير عن المتغير في اتجاهات الريح السياسية،

 ضرب الباحث مثلا بكتاب مقرر على طلاب الثانوية العامة حول «جغرافية العالم العربي وتاريخ مصر الحديث»،
 وكيف أنه تحدث بلغة مختلفة تماما مما تضمنه الكتاب ذاته في عام ٢٠٠٢،

وحين اعتبر الباحث أن الكتاب إيجابي وباعث على التفاؤل والاطمئنان من جانب «إسرائيل» فلك أن تتصور مضمونه في تناوله لمختلف عناوين الصراع ومفردات «القضية».

خلاصة الكلام أن تصويت الدول العربية الأربع لصالح «إسرائيل» في الأمم المتحدة، يعد إعلانا عن التحول الخطير الحاصل في علاقات الأنظمة العربية ب»إسرائيل»،

ومن الواضح أن الشق الغاطس في تلك العلاقات أكبر بكثير مما ظهر منها، وهو ما يوحى بأننا بصدد خرائط جديدة يعاد رسمها للمنطقة، بحيث تتوافق إلى حد كبير مع الرغبة الإسرائيلية التي أعلن عنها نتنياهو وتحدثت عن التطبيع مع الإقليم مع تنحية الملف الفلسطيني جانبا.

 ذلك أن التطبيع يتحرك الآن بخطى حثيثة بعيدا عن الأعين وفي سرية بالغة،
 الأمر الذي يشكل واقعا جديدا لا ينتظر مفاوضات أو مبادرات،

وذلك يستدعي السؤال التالي:
 إذ ما مضت بعض الأنظمة العربية في ذلك المسار، فكيف يكون رد الشعوب في هذه الحالة؟
- ثمة سؤال آخر أتردد في طرحه هو: هل يمكن أن نقول الآن:
 
إن الربيع الذي هبت رياحه على المنطقة صار إسرائيليا أكثر منه عربيا؟

صحيفة السبيل الأردنيه السبت 13 رمضان 1437  18 يونيو 2016