في أن القيادات لا تصنع - فهمي هويدي

الصدفة وحدها جمعت بين الخبرين يوم الثلاثاء الماضي (20/1)،
إذ أبرزت الصحف المصرية على صفحاتها الأولى خبر اعتزام الرئاسة إطلاق برنامج لتأهيل الشباب لتولي المناصب القيادية.
وعلى صفحة داخلية نشر بعضها خبر فصل ستة من طلاب كلية الصيدلة لمدة شهر لأنهم أعدوا لوحة إرشادية لزملائهم دون إذن من الإدارة.

 الخبر الأول تم إبرازه لأن مصدره كان الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي صرح به أثناء لقائه مع الصحفيين المصريين الذين رافقوه في رحلته إلى دولة الإمارات.
 ثم ان فكرته جديدة وموضوعه مهم، خصوصا أنه يأتي ضمن محالات علاج الفجوة الحاصلة بين الشباب والنظام القائم.

 إلا أن الخبر الصغير الذي نشر على إحدى الصفحات الداخلية بدا وكأنه يستدعي الواقع ويسلط الضوء على أحد جوانب الأزمة.

ذلك أننا إذا وضعنا الخبرين جنبا إلى جنب فإن ذلك يثير السؤال التالي:
كيف تفكر في تأهيل الشباب للمناصب القيادية، في حين أننا نمارس بحقهم قهرا جعل إدارة كلية الصيدلة تقرر فصل ستة من طلابها لا لأسباب سياسية ولا لأنهم أحدثوا أي نوع من الشغب، ولكن لمجرد أنهم تطوعوا بإعداد لوحة إرشادية لزملائهم دون أن يحصلوا على موافقة إدارة الكلية (المقصود هو موافقة الجهات الأمنية).

إزاء هذه المفارقة وجدت ان الأمر يستحق مناقشة من زاويتين.
واحدة تتعلق بفكرة البرنامج سابق الذكر،
أما الزاوية الثانية فتتعلق بطبيعة البيئة التي يتعين توفيرها لاستدعاء دور الشباب وترشيحهم للمناصب القيادية.

لقد بحثت فيما نشرته الصحف المصرية عن شيء من التفصيل بخصوص البرنامج المقترح، فلم أجد أي معلومة مفيدة في هذا الصدد.

لم أكن بحاجة إلى من يدلني على حسن النية الكامن وراء الفكرة، ولا إلى من يقنعني بأن هناك أزمة على ذلك الصعيد يراد احتواؤها، إلا أنني لا أخفي انني لم استرح إلى الفكرة من حيث المبدأ.

أدري أن من حق أي أحد أن يعترض على كلامي محتجا بأنني انتقد مبادرة غامضة لا يعرف محتواها، وسوف أؤيده في ذلك لو أنني ناقشت شيئا في البرنامج المقترح.

غير أن مناقشتي لا علاقة لها بمضمون البرنامج ولا بالأهداف الايجابية التي يتوخاها.

 ذلك ان تحفظي الأساسي ينصب على مبدأ قيام السلطة بكل شيء في البلد وإلغاء دور المجتمع في ذلك.
وهو ما يجسد مفارقة نلاحظها في المجال العام خلاصتها اننا في الخطاب السياسي لا نكف عن الإشادة بالشعب العظيم الذي نكيل له المدائح ونعدد شمائله وأفضاله في مجالات الصمود والتضحية والفداء، إلى جانب عراقته وتاريخه وحضارته التي تمتد لكذا ألف سنة.

وفي حين نتغنى بالشعب المعلم، فإننا في لحظة القرار وساعة الجد، ندير ظهرنا له ونتوجه إلى السلطة، التي هي في وعينا الجمعي القوة الأعظم والمعلم الحقيقي.

 لدينا في تأييد تلك الفكرة شواهد عدة تمتد جذورها إلى العصر الفرعوني الذي في ظله وصف الفرعون بأنه الملك الإله، وبأنه واهب الحياة والقابض على مفاتيح الموت.

القضية التي نحن بصددها شاهد آخر.
ذلك أن ثمة مشكلة في علاقة السلطة بالشباب، كما ان هناك عقبات ورواسب عدة قطعت الطريق على تطلعاتهم، وأقنعتهم بأن آمالهم ضعيفة في المستقبل الذي بدا انه محجوز لغيرهم.

وفي مواجهة المشكلة فإن السلطة هي التي تعتني بالأمر وتطرح مبادرة الحل.
وفي وقت سابق استقر في وعينا ان السلطة هي المسؤولة عن الإنتاج والخدمات، وهي التي تتولى توزيع الشباب على الجامعات وتقوم بتشغيلهم بعد تخرجهم، كل ذلك والمجتمع واقف ــ أو نائم ــ يتفرج ودوره مقصور على الاستقبال بعدما جرد من قدرته على الإرسال.

في تنزيل هذه الفكرة على موضوعنا أرجو أن يكون واضحا أنني لا أناقش المبادرة الرئاسية لكنني أتحدث عن منطلقها وحدود الدور الذي تقوم به الرئاسة، والدور المغيب الذي يفترض أن يقوم به المجتمع.

وذلك ينقلنا إلى الزاوية الثانية التي أردت أن أعرضها في مناقشة الموضوع.

سؤالان يطرحان نفسيهما في هذا الصدد.
 الأول هو: هل نعاني أزمة في ندرة القيادة الشبابية أم مشكلتنا أكبر وأعم بما يدعونا إلى القول بأن لدينا أزمة في القيادات السياسية بشكل عام.

السؤال الثاني هو: هل توفير تلك القيادات يتطلب إعداد برنامج تأهيلي تتقدم به رئاسة الدولة أم أنه يتطلب بيئة مواتية لإفراز تلك القيادات؟

ردي بالإيجاب على السؤال الأول. تشهد بذلك الصور التي نشرت للرئيس السيسي في لقاءاته الأخيرة بقادة الأحزاب السياسية الذين لا نعرف أسماء أغلبهم.
وكان أفضل تقييم لدورهم هو ما أقدم عليه زميلنا رسام الكاريكاتير عمرو سليم في جريدة «المصري اليوم» حين قدم لنا ذات صباح مساحة بيضاء خالية من أى رسم، وكتب في ركن منها أنها صورة للأحزاب المدنية في مصر.

ردى على السؤال الثاني أن القيادات الحقيقية هي التي يفرزها المجتمع وليست تلك التي تؤهلها أو تشكلها السلطة.
ذلك أنه حين تغيب الديمقراطية أو تزور فإن المجتمع يصاب تلقائيا بالعقم، بحيث يحتل المنافقون والمتسلقون والمحاسيب مواقع القيادة التي تصبح حكرا عليهم،
من ثم فإذا كنا جادين حقا في البحث عن قيادات شريكة في النهوض بالحاضر وفي تأمين المستقبل فلذلك باب واحد لا بديل عنه. هو إطلاق الحريات العامة والالتزام بقيم وآليات الديمقراطية الحقيقية.

فذلك وحده هو ما يكسر الجمود ويعالج العقم السياسي، ويولد الحماس والحراك الذي تشيعه الانتخابات الحرة في مختلف مجالات العمل العام، في الأحزاب والمحليات والنقابات والمنظمات الأهلية.
وتلك هي البيئة المواتية التي تعبر عن الحيوية السياسية،
ومن ثم تستنبت القيادات وتستدعيها،

 إذ في هذه الحالة فقط ستبرز القيادات الشبابية وغير الشبابية.

 أما إذا ما استمر المشهد المتناقض الذي أشرت إليه في بداية الكلام، فهو يعني أن أوان الكلام الجاد في الموضوع لم يحن بعد.
........
صحيفة السبيل الأردنيه الخميس 2 ربيع آخر 1436 – 21 يناير 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق