بانتظار حكم التاريخ - فهمي هويدي

أخيرا رأينا لهم صورا وتابعنا لهم أقوالا، في حين انهم طوال العشرين شهرا الماضية لم نكن نرى منهم سوى صور الجثث والأشلاء، ولا نسمع عنهم سوى أخبار القتل والقضاء على البؤر الإرهابية، ولا يذكرون إلا بحسبانهم تكفيريين في سيناء.

 أتحدث عن بدء محاكمة ٢١٣ شخصا من جماعة أنصار بيت المقدس، الذين عرفناهم في سيناء قبل ثورة ٢٠١١ مناهضين لإسرائيل ومخربين لخط الغاز المار بها.
ثم فوجئنا بهم بعد الثورة قد نقلوا عملياتهم إلى القاهرة والدلتا بوجه أخص.

 ومنذ ذلك الحين لم نعد نسمع عنهم إلا من خلال البيانات الرسمية التي ظلت تنقلها وسائل الإعلام، متحدثة عن مواجهة الشرطة والجيش.

 وربما تمكن البعض من متابعتهم من خلال الأشرطة التي ما برحوا يبثونها بين الحين والآخر، والتي سجلت عملياتهم التي دأبوا على القيام بها.

المعلومات الصحفية ظلت تحدثنا طوال الوقت عن قتلاهم. إلا أنه حين بدأت محاكمتهم يوم الأحد 3 مايو فإننا فوجئنا بأن ٢١٣ متهما من عناصر التنظيم متهمون في القضية.

وقد ظهرت صورهم في أغلب صحف الاثنين.
ومما نشرته صحيفة الأهرام يومذاك أن عناصر التنظيم اتهموا بارتكاب ٥٤ جريمة إرهابية تضمنت اغتيالات وقتل ٤٢ من ضباط وقوات الشرطة إضافة إلى قتل ١٥ مواطنا آخرين وترتبت على عملياتهم إصابة ٣٤٩ آخرين.

ومن بين ضحاياهم المقدم الشهيد محمد مبروك الشاهد الرئيس في قضية التخابر التي اتهم فيها الرئيس الأسبق محمد مرسي وآخرون من قيادات جماعة الإخوان،

كما كان من ضحاياهم اللواء محمد السعيد مدير مكتب وزير الداخلية والرائد محمد أبو شقرة والملازم أول محمد حسن والمجند على رمضان. والعميد طه زكي والعقيد طارق الطحاوي.

اتهم عناصر التنظيم أيضا بمحاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، واحداث تفجيرات طالت منشآت أمنية بعدد من المحافظات المصرية في مقدمتها مباني مديريات أمن القاهرة والدقهلية وجنوب سيناء.
من بين التهم كذلك أنهم استهدفوا وقاموا بإتلاف بعض دور العبادة، ممثلة في المساجد والكنائس.

ورغم ان تلك الجرائم تظل مجرد اتهامات يفترض ان يحسم القضاء مصيرها، إلا أنها تثير انتباهنا من نواحٍ عدة أبرزها ما يلي:

يلفت النظر ابتداء كم العمليات ونوعيتها. فالتنظيم الذى يقوم بـ٥٤ عملية خلال عشرين شهرا أغلبها من الوزن الثقيل لا يستهان به، ولا بد ان تتوافر له قدرات تنظيمية عالية الكفاءة وامكانيات في التسليح ليست بسيطة.

إن مستوى الأداء بما كشف عنه من قدرات في التدريب والتنظيم والتخطيط كاشف عن اننا بصدد جيل جديد من المتطرفين.

ومن القرائن التي تؤيد ذلك تلك المعلومات التي تسربت عن انخراط بعض الضباط السابقين في عضويته،
 إذ أشارت المعلومات التي نشرت يوم الأحد الى ان بين المتهمين مقدم شرطة سابقا حصل على فرقة لمكافحة الإرهاب، فإن بعض المنابر الإعلامية الأخرى سربت معلومات مماثلة في وقت سابق.

 إذ نشر موقع «اليوم السابع» في ٢٠ يناير الماضي ان اثنين من ضباط الصاعقة السابقين اشتركا في محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم.
وفي 6 فبراير ذكر الموقع ان الأمن يبحث عن ثلاثة أشخاص اشتركوا في تفجيرات العريش وعملية كرم القواديس، وان الثلاثة ضباط سابقون فصلوا من القوات المسلحة والشرطة.

وهو ما أكدته «البوابة نيوز» التي ذكرت في اليوم ذاته ان العقل المدبر لعملية العريش ضابط صاعقة فصل من الخدمة منذ سبع سنوات، وسبق له أن عمل في سيناء لمدة عشر سنوات.

وأشارت في هذا الصدد إلى ان عدد الذين فصلوا بسبب ميولهم «الجهادية» يصل عددهم إلى ١٠٥ من الضباط وأمناء الشرطة.

الملاحظة الثالثة ان عمليات التنظيم لها تركيزها الخاص على أفراد ومقرات الشرطة.
وهو ما دل عليه ذكر الادعاء ان المتهمين شاركوا في اغتيالات استهدفت ٤٢ من ضباط الشرطة،
إضافة إلى محاولتهم اغتيال وزير الداخلية السابق،
 كما قاموا بتفجير مباني مديريات أمن القاهرة والدقهلية.
 وهو ما يطرح احتمالا يحتاج إلى دراسة، كأن يكون التنظيم بعملياته تلك أراد أن يثأر من الشرطة ويصفي حسابات سابقة معها.

الملاحظة الرابعة المهمة ان أغلب العمليات التي اتهم تنظيم أنصار بيت المقدس بارتكابها في القضية المنظورة نسبت وقت وقوعها إلى الإخوان.
 المثل الأشهر على ذلك ما حدث عند تفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية في ٢٤ ديسمبر عام ٢٠١٣.
ذلك ان مجلس الوزراء عقد اجتماعا في اليوم التالي مباشرة (٢٥ ديسمبر) أعلن في أعقابه الدكتور حسام عيسى نائب رئيس الوزراء آنذاك أن المجلس اعتبر الإخوان جماعة إرهابية بسبب وقوفها وراء تفجير مديرية أمن الدقهلية.

الملاحظة الأخيرة تنبهنا إلى ان النشر عن العمليات الإرهابية التي تمت في مصر طوال العشرين شهرا الماضية انطلق من منظور تعبوي، وظل محكوما بحسابات الصراع السياسي،

 ذلك ان مصادره لم تتجاوز بيانات الأجهزة الأمنية وتسريبات إدارات التوجيه المعنوي وتصريحات المصادر السيادية.

وذلك كله يمكن ان يخضع للمراجعة والتصويب حين يسمع رأي الأطراف الأخرى، أعني حين يعرض الأمر على القضاء فيوجه الادعاء ويرد المحامون ويتحدث المتهمون والشهود وتفتح الأحراز.

حينذاك ستتوافر فرصة أفضل نسبيا للتعرف على الحقائق كما هي، قبل ان تخضع للتلوين والتلفيق، وهو ما قد يسمح لنا ان نعرف على وجه التقريب من فعل ماذا ومن الظالم ومن المظلوم.

وأيا كان رأينا في حكم القضاء فإن حكم التاريخ يظل أكثر نزاهة وإنصافا.

صحيفة السبيل الاردنيه الخميس 18 رجب 1436  7 مايو 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق