رياح عسكرة الرئاسة - فهمى هويدى


مزاد الترشح لرئاسة مصر لايزال مفتوحا. إذ منذ أطلقت فى الفضاء «بالونة» ترشيح الفريق السيسى، وتردد أنه طلب وقف حملة الدعاية له، حدث أمران مهمان، الأول أن نفرا من الداعين لترشيحه تشبثوا بدعوتهم. وصاروا يصرِّحون بأن أمره ليس بيده وأنه هو من أعلن فى الثالث من يوليو أنه نفذ أمر الشعب، ومن ثم فعليه أن يظل ملتزما بما تعهد به. إذ ها هو الشعب يأمر بترشيحه وعليه أن يمتثل لقراره. وهو منطق يستثمر الالتباس الذى ساد مؤخرا فى مفهوم سلطة الشعب التى ما عادت تمارس من خلال احتشاد جمهرة من الناس كما كان يحدث فى التجربة اليونانية أى فى عصر ما قبل الديمقراطية، وإنما صارت تمارس تلك السلطة من خلال مؤسسات وآليات طورتها الخبرة الإنسانية لكى تصبح تعبيرا حقيقيا عن رأى الشعب.

الأمر الثانى اللافت للنظر أن الأسماء التى ترددت ضمّت جنرالات سابقين، جميعهم قادمون من خارج السياسة، رغم أن لهم سجلهم المعتبر فى مجالات عملهم. إلا أننى لا أكاد أرى مسوغا شجعهم على الترشح سوى أنهم من العسكر، إذ أغلب الظن أنهم وجدوا أن أسهم العسكريين ارتفعت فى الآونة الأخيرة (فى أعقاب الانقلاب الذى قاده الفريق السيسى)، بعدما كانت الجماهير قد هتفت ضدهم فى السابق وصار الجيش والشعب «يدا واحدة» كما يقال فى هتافات زماننا. من ثم فإنهم اعتبروا أن الأجواء صارت مواتية لتحقيق ذلك الطموح. وقد قرأنا أمس أن مستشار الرئيس للشئون السياسية الدكتور مصطفى حجازى أدلى بتصريحات لصحيفة ديلى تلجراف البريطانية عبر فيها عن حماسه للفريق السيسى كمرشح للرئاسة وقال إنه فى هذه الحالة سيصبح إيزنهاور مصر. وكان الرجل فى ذلك مجاملا أكثر من اللازم، وقد أقول مغالطا. لأن إيزنهاور انتخب رئيسا للولايات المتحدة (عام 1953) بعدما اعتبر أحد أبطال الحرب العالمية الثانية. إذ شغل منصب القائد الأعلى لقوات الحلفاء فى أوروبا المسئولة عن التخطيط والإشراف على وقف تمدد قوات هتلر فى أوروبا. ولم يكن الرجل صاحب إنجاز عسكرى تاريخى فحسب، ولكنه كان أيضا صاحب رؤية سياسية واجتماعية ثاقبة، سمحت له بأن يحقق إنجازات كبيرة بعد انتخابه.

لا أعرف من أين جاء الدكتور حجازى بالفكرة التى ساقها، فى حين لا أشك فى أنه يعلم جيدا أنه لا وجه للشبه بين الفريق السيسى وإيزنهاور، إذا استثنينا الخلفية العسكرية والتقارب النسبى فى السن (السيسى عمره 58 سنة وإيزنهاور كان عمره 61 سنة حين عين قائدا لقوات الحلفاء) إضافة إلى أن كلا منهما يجيد الانجليزية! ــ صحيح ان الاثنين لهما علاقة بالتاريخ، إلا أن أحدهما دخل إليه والثانى لايزال واقفا ببابه.

إضافة إلى ما سبق فأحسب أن الفراغ السياسى المخيم على مصر، وغياب أحزاب قوية وعدم وجود قيادات مدنية تتمتع بالإجماع بين المصريين، خصوصا بعد إقصاء الإخوان وإخراجهم من الساحة السياسية، هذه العوامل شجعت بعض الجنرالات على دخول الحلبة وتقديم أنفسهم بحسبانهم بدائل مناسبة لحكم مصر، استنادا إلى شرعيتهم العسكرية.

ليست لدينا استطلاعات للرأى موثوق بها تحدد لنا حظوظ الجنرالات أو غيرهم فيما لو رشحوا أنفسهم للرئاسة، إلا أننى لا أخفى استيائى من فكرة الثورة على نظام مبارك الذى قيل لنا إنه قائد الضربة الجوية، ثم انتخاب جنرال آخر يقود عملية ضربنا نحن. ناهيك عن اننى لا أخفى قلقا شديدا من الاستناد إلى الخلفية العسكرية فى اضفاء الشرعية على أى مرشح للرئاسة، لأن ذلك يعد مدخلا لوقوعنا فى براثن عسكرة النظام التى يتعذر الخروج منها.

لقد انتقدت من قبل فكرة التركيز على رأس الدولة وحاولت تفسير ظاهرة التعلق فى مصر بالفرد المخلِّص للمجتمع، التى تعد من أصداء نموذج الفرعون واهب الموت والحياة عند قدماء المصريين.

ومازلت عند رأيى فى التحفظ على الفكرة والتحذير من مخاطرها. لأننى أزعم أن عافية المجتمع لا تتحقق بمجرد اختيار رئيس من خلال انتخابات نزيهة، رغم أن تلك خطوة مهمة لا ريب. لكن العافية تتحقق إذا توافرت للمجتمع المؤسسات المنتخبة التى تمثله، وتكون قادرة على محاسبة الرئيس ووقف تغول السلطة واستبدادها. ذلك أن قوة المجتمع المتمثلة فى مؤسساته المنتخبة هى الضمان الحقيقى لنجاح الديمقراطية. ومن الكسل العقلى والوهن السياسى أن ينشغل الرأى العام بشخص الرئيس فى حين يغفل أو يؤجل مسألة تحصين المجتمع بالمؤسسات التى تمثله. ولا أتردد فى القول بأن إغفال ذلك الجانب يؤدى تلقائيا إلى إضعاف المجتمع على نحو يفتح الباب واسعا لتغول السلطة واستبدادها.

إن تسليط الأضواء على الرئيس وحده قد يكون مقبولا فى ثقافة القبيلة وتقاليدها، لكنه يصبح مغامرة خطرة حين يتعلق الأمر بالدول العصرية، خصوصا إذا كنا نتحدث عن بلد كبير مثل مصر.. لذا لزم التنويه.

ما فات المتحدث العسكري - فهمى هويدى


في اليوم الثلاثين من شهر يوليو الماضي عقدت حركة حماس مؤتمرا صحفيا في غزة عرضت فيه مجموعة من الوثائق الخطيرة الصادرة عن مسؤولي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله، محور الوثائق هو المساعي المبذولة لتعميق الفجوة وإثارة الشكوك والمخاوف بين حماس والسلطة المصرية. وتراوحت تلك المراسلات بين تزويد المخابرات المصرية المعنية بالشأن الفلسطيني بأخبار وتقارير مكذوبة عن تسريب أسلحة من قطاع غزة إلى سيناء لإثارة القلاقل فيها، وتسريب أشخاص لمساندة الإخوان، وتزويد الصحف والقنوات الفضائية المصرية بأخبار متفرقة تدور كلها حول «المؤامرة» التي تدبرها حماس ضد مصر، وضلوع عناصرها في العديد من الأحداث التي شهدتها البلاد، بما في ذلك قتل 16 جنديا مصريا في رفح خلال شهر رمضان قبل الماضي.

ولأن نصوص هذه الوثائق وخلاصاتها متوافرة على الإنترنت، سأتوقف عند وثيقة واحدة، عبارة عن خطاب «سري جدا» موجه في 3/7/2013 من الملحق الأمني للسفارة الفلسطينية بالقاهرة بشير أبوحطب إلى سامي نسمان مساعد مدير جهاز المخابرات العامة لقطاع غزة (مقره في رام الله). ونص الخطاب كما يلي: نحيطكم علما بأن الضابط أحمد منصور دغمش حصل على 4 قنابل مختومة باسم كتائب القسام. وهي معروفة للجميع بأنها من تصنيع كتائب القسام في قطاع غزة. وجعل عليها عن طريق مصدر قريب له من سكان القطاع، أخذها من عهدة شقيقه الذي يعمل بالقسام. ومن طرفه أحضرها إلى مصر عن طريق الأنفاق. ويقترح علينا الضابط أن يتم استغلالها كدليل على علاقة حماس بالأحداث الأخيرة (........) وهو ما استحسناه. وجاري العمل على إعداد آلية مناسبة.

 لذلك اقتضى التنويه لكم ــ للاطلاع وإبداء الرأي.

 يوم الأحد الماضي 15/9، بعد نحو 45 يوما من الإعلان عن الوثيقة، عقد المتحدث باسم القوات المسلحة مؤتمرا صحفيا بالقاهرة تحدث فيه عن حصيلة الحملة التي تشنها القوات المسلحة بمعاونة الشرطة مستهدفة ضرب وتصفية البؤر الإرهابية في سيناء. وفي ثنايا استعراضه لتلك الحصيلة تحدث عن مضبوطات مختلفة من الأسلحة والذخائر، كان من بينها قنابل مختومة باسم كتائب عز الدين القسام وقطع ملابس مما تستخدمها حركة المقاومة الإسلامية حماس. (للعلم لا يوجد زي خاص لملابس عناصر حماس).

في اليومين التاليين انبرى عدد من الخبراء الأمنيين والمعلقين والمحللين لكي يذكروا أن ما قاله المتحدث باسم القوات المسلحة لا يدع مجالا للشك في أن حماس ضالعة في الأحداث والجرائم التي ترتكب في سيناء.

وقال أحد أولئك «الخبراء» إن المعلومات التي ذكرت تجعل حماس ليست بعيدة عن قتل الـ16 جنديا مصريا في رفح، الأمر الذي يشكك في أن أيديها ملوثة بالدم المصري. ونشرت جريدة الأهرام في 17/9 عنوانا يقول: «بعد تورطها في عمليات إرهابية بسيناء، سياسيون يطالبون الدولة بموقف حاسم ضد حركة حماس» ولم تقف التعليقات المنشورة عند حد اتهام حماس بدعم الإرهاب في سيناء. وإنما ذكر أحدهم أن هناك عناصر إرهابية فلسطينية على الأراضي المصرية، وأن الفلسطينيين أصبحوا جزءا من أزمة مصر.

 الانطباع ليس جديدا، لأن الخطاب الإعلامي والسياسي المصري لم يكن بحاجة إلى تصريحات جديدة لكي يضع حماس والفلسطينيين جميعا على قائمة المتهمين بزعزعة الاستقرار في مصر، وهو أمر محزن ومخجل في الوقت ذاته، لكنها الحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها، كان الجديد في الأمر هو تلك الإشارات التي تحدث عنها المتحدث العسكري في مؤتمره الصحفي.

 ليس عندي تفسير لعدم انتباه المتحدث العسكري إلى الربط بين ما تحدثت عنه الوثيقة التي أعلنتها حماس في الثلاثين من يوليو الماضي بخصوص حصول أحد عناصر مخابرات السلطة على أربع قنابل مختومة باسم كتائب القسام، وبين العثور على قنابل بنفس المواصفات في سيناء بعد أكثر من شهر، وليس عندي تفسير أيضا لتجاهل الجميع للمفاجأة التي كشف عنها الشريط الذي رأيناه في المؤتمر الصحفي وظهر فيه الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم أثناء مداهمات الحملة العسكرية التي تمت في سيناء.
 إذ تبين أن بينهم اثنين من عناصر فتح ومن رجال الأمن التابعين للسلطة في رام الله، وقال أحدهما إنه برتبة ملازم ثان وبصدد الترقي لكي يصبح نقيبا بعد أشهر قليلة. فضلا عن هذا وذاك فإن العثور على قنابل مختومة باسم كتائب القسام لا ينهض دليلا كافيا على مشاركة حماس في زعزعة الاستقرار في سيناء. تماما كما أن العثور على أسلحة بريطانية أو أمريكية أو روسية لا يعد دليلا على مشاركة الدول الكبرى في العمليات ضد السلطات المصرية.

 هذه ملاحظات أسجلها للعلم فقط، مؤجلا إلى السبت المقبل بإذن الله الإجابة على السؤالين: هل يمكن أن تلجأ حماس إلى الدخول في مواجهة مع النظام المصري؟.. ومن صاحب المصلحة في افتعال الخصومة أو المواجهة بين الطرفين؟

كتاب "العسكر والدستور في تركيا" .. للدكتور طارق عبد الجليل




تناول كتاب (العسكر والدستور في تركيا من القبضة الحديدية إلي دستور بلا عسكر) مراحل تفكيك القبضة العسكرية علي الدستور والحياة السياسية من قبل القوي المدنية التي تنوعت آلياتها ما بين الصدام والمراوغة، إلي محاولة الوصول لمرحلة دستور بلا عسكر 



حسن محمد شافعي
اكتسبت  التجربة التركية للتحول الديمقراطي  أهمية  خاصة  من قبل المراقبين  في البلدان العربية ، مقارنة  بتجارب التحول الديمقراطي  التي شهدها العالم في العقد الأخير من القرن العشرين ، وبداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين  بل زادت هذه الأهمية  في أعقاب الثورات العربية، ولعل هذا يعود لعدة أسباب أهمها : التاريخ الحضاري  المشترك الذي جمع بين تركيا أخر معاقل الخلافة الإسلامية والدول العربية  ،وانتماء حزب العدالة والتنمية  الحاكم  في تركيا إلي التيار المحافظ  ذي الجذور الإسلامية ، بجانب صعود الإسلاميين   لسدة الحكم في  بعض البلدان التي تخلصت من أنظمتها  السلطوية ، مثل تونس ومصر، الأمر الذي أنشأ  مجالا خصبا للدارسات المقارنة   في  مسار التحول الديمقراطي  للبلدان العربية .
ولقد مثلت الوضعية الدستورية  للمؤسسة العسكرية التركية  التي بمقتضاها يحق لها أن تتدخل في الشئون السياسية  والاجتماعية إلي حد الإطاحة بالحكومات المنتخبة ، وهو ما ظهر في الانقلابات العسكرية المتتالية  في الجمهورية التركية.  

وفي هذا السياق ، تناول كتاب  (العسكر والدستور  في تركيا من القبضة الحديدية  إلي دستور بلا عسكر) مراحل  تفكيك  القبضة العسكرية  علي  الدستور  والحياة السياسية  من قبل القوي المدنية  التي تنوعت  آلياتها ما بين  الصدام والمراوغة،  إلي محاولة الوصول  لمرحلة  دستور بلا عسكر.  

فقد  شكلت هزيمة الدولة العثمانية  في الحرب العالمية الثانية  والأوضاع التي فرضتها  هدنة ( مندروس)  عام  1918  منعطفا تاريخيا  في مستقبل الدولة  العثمانية بوجه عام ، وفي علاقة الجيش والسياسة  بوجه خاص  فقد أدي هروب زعماء  الاتحاد والترقي  عقب  الهدنة تواري  دور الجيش في إدارة  العملية السياسية

أربعة في مقابل واحد




يتفق كثير من المثقفين والمفكرين على أن وجود الجيش في قمة السياسة منذ العام ١٩٥٢ مثل مجموعة من المصاعب الوطنية التي تركت آثارا سلبية طويلة المدى على منسوب الوطنية، وحركة التنمية، وعلى العلاقات الخارجية لمصر، بل إن بعضهم يرى أن وجود الجيش في السلطة أثر على الاستقلال الوطني وآذاه بقدر ملحوظ.

1- ليس من شك في أن هزيمة 1967 ومن قبل 1956 قد بلورتا فكرة أن من الخطأ أن تترك الحرب للعسكريين وحدهم، فقد كان الخطأ الأكبر في الحربين هو عجز السلطة ذات الجذور العسكرية عن تقدير الموقف بطريقة سليمة، ولو أن الموقف كان قد قدر بطريقة لها أي حظ من الحقيقية أو الواقع ما كانت الهزيمتان قد وقعتا على نحو ما حدث، ذلك أن الأمور في الحربين سارت على نحو ما تُصوِّرُه أجواء الحماسة في الروايات التاريخية، لا على نحو ما تقتضيه المعارك الحربية وما تتطلبه من رجال السياسة.

وقد كان من سوء حظ مصر أن كان وزير خارجيتها في العام1967 هو الآخر عسكريا، وهكذا لم يكن من المستغرب أن تغيب العوامل الدولية عن ذهنه تماما، بل إن وزير الخارجية التقليدي الذي كان قد صعد إلى منصب مساعد الرئيس للشؤون الخارجية (وهو الدكتور محمود فوزي) كان أقرب على الدوام إلى التأمين على ما يراه العسكريون، مهما كان حجم الخطأ الدبلوماسي أو الخارجي فيه.

أمير المغفلين - فهمى هويدى


بعد مضي عشرين عاما على اتفاقية السلام في أوسلو كان الحصاد كما يلي:
 عدد المستوطنين اليهود تضاعف من 260 ألفا إلى 520 ألفا
  الاستيطان ابتلع 42٪ من الأراضي المحتلة 
 أزالت إسرائيل 15 ألف مبنى فلسطيني 
 سيطرت إسرائيل على كامل المنطقة التي تمثل 61٪ من أراضي الضفة الغربية 
 رفضت إسرائيل 94٪ من طلبات البناء للفلسطينيين ــ قطاع غزة أصبح يخسر 76 مليون دولار سنويا جراء منع سكانه من زراعة 35٪ من الأراضي
تقليص مساحة الصيد في غزة من 20 ميلا إلى ستة فقط.

 هذا ما ذكرته وكالة المساعدات الدولية (وكسفام) في تقرير أعدته بمناسبة الذكرى العشرين لاتفاقية أوسلو التي وقعت في 13 سبتمبر عام 1993، وخلصت منه إلى أن ملايين الفلسطينيين أصبحوا أكثر بؤسا وتعاسة عما كانوا عليه قبل ذلك التاريخ.

 لم يتحدث تقرير الوكالة الدولية عن تهويد القدس ولا عن الجدار العازل الذي أدى إلى تشريد خمسة آلاف فلسطيني ولا عن الأسرى الذين تحتجزهم إسرائيل والذين زاد عددهم بنسبة 15٪ عن العام الماضي. كما لم يتحدث عن «التعاون» الكارثي المتمثل في التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل الذي هدفه الأساسي قمع المقاومة وحماية الأمن الإسرائيلي.

درس في «الشيطنة» - فهمى هويدى


قال الأستاذ إن تعليمات الهجوم على المزرعة ونهب المكتبة صدرت من رابعة. وفي التفاصيل ذكرت إحدى الزميلات نقلا عن بعض المصادر أن قرار الهجوم على ضيعة الأستاذ هيكل أصدرته لجنة الإعلام والثقافة في مجلس الشورى المنحل، التي أعدت قائمة سوداء تضمنت أسماء الكتاب الذين أيدوا فض اعتصام رابعة، وكان الأستاذ على رأسهم. المذيعة التي أجرت الحوار مع الأستاذ يوم الخميس الماضي 12/9 ظهر على وجهها التأثر الشديد، وعلقت على ما حدث قائلة إنه هجوم على التاريخ والثقافة والفن.
 ولم يكن ذلك هو التعقيب الوحيد لأن أصداء الحادث ترددت في كتابات أخرى عديدة. قال أحدهم إن التتار الجدد مروا من «برقاش»، البلدة التي تقع فيها المزرعة وإن الإخوان في عامهم الأسود استباحوا الوطن وأشاعوا الجهل والتخلف، وأن من أحرقوا التاريخ في «برقاش» هم أنفسهم من أشعلوا النار في الكنائس والمساجد ومن فجروا القنابل في أجساد الأبرياء ومن زرعوا سيناء بعصابات الإرهاب أعداء الحياة.

 وتحدث آخر عن غزوة مكتبة برقاش التي ارتكبها أبطال غزوة رابعة العدوية والنهضة، الذين لم يجدوا ما يتأسون به من تاريخ المسلمين سوى غزوات حرق مكتبة الإسكندرية ومكتبة بغداد.

منذ وقعت الواقعة في 14 أغسطس الماضي، يوم فض اعتصام رابعة، وأصابع الاتهام تشير إلى الإخوان وحلفائهم، وحين تزامن الهجوم على المزرعة والمكتبة مع فض الاعتصام فإن ذلك اعتبر قرينة عززت التهمة، إذ اعتبر من أصداء الصدمة التي أصابت الإخوان جراء عملية الفض صبيحة ذلك اليوم.

 إلا أن المعلومات التي نشرت أمس (السبت 14/9) فاجأتنا بأن التحقيقات أسفرت عن أبعاد أخرى لم تكن في الحسبان. فقد ذكرت صحيفة الأهرام أن أجهزة الأمن في محافظة الجيزة تمكنت من إلقاء القبض على مرتكبي واقعة إشعال النيران بفيللا الأستاذ هيكل والاستيلاء منها على عدد من الوثائق التاريخية وكذا حرق نقطة شرطة المنصورية. وكان مدير مباحث الجيزة قد شكل فريقا لتحري الأمر، إلى أن توصل الفريق إلى المتهمين الذين نصبت لهم عدة أكمنة ثم ألقي القبض عليهم بعد تبادل إطلاق النار معهم. في التحقيق اعترف المتهم عبدالرازق جمال (23 سنة ــ قهوجي) بأنه قرر بالاشتراك مع آخرين إضرام النيران بنقطة شرطة المنصورية وسرقة محتوياتها. كما قام المتهم ومعه الآخرون بسرقة محتويات الفيللا التي يملكها الأستاذ هيكل. وعثر بحوزة الرجل على شارتين عسكريتين لرتبة نقيب وعلبتي سيجار خشبيتين ومطواة. وتبين من التحريات أن المتهم محكوم عليه وهارب من 5 قضايا.

وقد اعترف بالاشتراك مع المدعو محمد عبدالفتاح عبدالمحسن بسرقة الفيللا. ويكثف رجال الأمن تحقيقاتهم لضبط الوثائق التاريحية والمقتنيات الأثرية التي استوليا عليها من مكتبة الأستاذ. وهذا الذي نشرته الأهرام، تكرر بنفس المضمون في صحيفتي أخبار اليوم والجمهورية، دون الإشارة إلى دور للإخوان في الجريمة.

جريدة «المصري اليوم» نشرت التفاصيل ذاتها مضيفة معلومتين، الأولى أن المتهم عبدالرازق جمال (القهوجي) ارتكب جريمته بالاشتراك مع عشرات آخرين والثانية أن بين المتهمين عناصر منتمية إلى جماعة الإخوان.

جريدة «الوطن» نشرت الخبر تحت العنوان التالي: القبض على الإخواني المتهم بحرق فيللا هيكل في الجيزة. لم تذكر الصحيفة اسم المتهم ولا أنه قهوجي وهارب من خمس قضايا، ولكنها بعدما تجاهلت الاسم قالت في الخبر إنه ينتمي إلى تنظيم الإخوان، وأنه كان ضمن خمسة أشخاص ينتمون إلى تيارات دينية وجهادية في منطقة منشأة القناطر نفذوا الهجوم، وقاموا بتفجير 4 أسطوانات بوتاجاز داخل الفيللا مما أدى إلى احتراقها بالكامل. وأشارت الصحيفة إلى أن محامي الأستاذ اتهم في محضر الشرطة تنظيم الإخوان بارتكاب الجريمة.

جريدة «التحرير» ذكرت في عناوين الصفحة الأخيرة ما يلي: القبض على المتهم الرئيسي بسرقة فيللا هيكل ــ قهوجي استعان بصديقه وهاجما نقطة شرطة المنصورة قبل حرق مكتبة الأستاذ. التقرير المنشور تضمن المعلومات التي أوردها تقرير الأهرام وأورد اسمي القهوجي وزميله الهارب، إلا أنه مع ذلك تحدث عن قيام الإخوان بحرق الفيللا. وأشار إلى أن وكيل النيابة طلب تحريات المباحث حول ما ذكره محامي الأستاذ عن هجوم جماعات إرهابية مسلحة على الفيللا والمزرعة. وقيام بعضهم برفع علم «القاعدة» الأسود.

حين قارنت ما نشرته الصحف الخمس، وجدت أن الإجماع انعقد فيها على أن الذي قاد الهجوم هو القهوجي الهارب من خمس قضايا سرقة، ولاحظت أن الصحف القومية الثلاث لم تشر إلى دور للإخوان في العملية، الأمر الذي يعني أن هذه معلومات جهات التحري والتحقيق.

 أما الصحف الخاصة «المستقلة»، فإنها تطوعت بتسييس الخبر على النحو الذي سبقت الإشارة إليه.
 وهو ما ذكرني بما سبق أن لاحظته في نشر خبر نهب متحف ملوى، الذي قالت إحدى صحف اليوم التالي بأن الإخوان هم الذين فعلوها، في حين ذكرت أخرى أن اللصوص وراء العملية.

ليست القضية أن يبرأ الإخوان من جريمة نهب مكتبة الأستاذ، لأن ما هو أهم وأخطر هو تلك الجرأة على طمس الحقائق التي لا تهدر أخلاق المهنة فحسب، ولا تروج للأكاذيب فحسب، ولكنها أيضا تشيع بين الناس وعيا زائفا وإدراكا مشوها يخدم الأجهزة الأمنية ويضلل القارئ.

تفويض وتفويض - فهمى هويدى

لا أحد يستطيع أن يدافع عن الضربة العسكرية المفترضة التي تستهدف سوريا، حتى إذا كانت عملا شريرا موجها ضد نظام شرير. 

لكني مع ذلك لا أستطيع أن أخفي تقديرا وإعجابا بالأسلوب الذي توخاه الرئيس الأمريكي، والتمس فيه «تفويض» ممثلي الشعب ومساندته له في اتخاذ تلك الخطوة. أدري أن جاذبية الوسيلة لا ينبغي لها أن تشفع أو تغفر قبح الغاية، لكنك قد تعذرني إذا لم أستطع أن أكتم إعجابي بالطريقة التي اتبعت للحصول على التفويض، ليس فقط لأن كراهيتك لخصمك لا ينبغي أن تمنعك من تقدير إيجابياته، على الأقل لكي تتعلم منها، ولكن أيضا لأن لنا في مصر خبرة أخيرة في مسألة التفويض، ترتب عليها انقلاب الوضع السياسي، نعيش ارتداداته هذه الأيام بصورة أو أخرى.

  أدري أن ثمة فروقا وتمايزات في الحالتين الأمريكية والمصرية، إلا أنهما اتفقتا في نقطة واحدة، هي أن التفويض في الحالتين تعلق بأمر مصيري، الأول في صلب السياسة الخارجية الأمريكية، والثاني مثل تحولا مهما في السياسة الداخلية المصرية. وربما قيل إنه من التمايزات أن الذي طلب التفويض في واشنطن رئيس الدولة، في حين أن الذي طلب التفويض في القاهرة نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع. إلا أن ذلك مردود عليه بأن الفريق السيسي حين طلب التفويض في الخطاب الذي ألقاه أمام خريجي الكلية البحرية لم يكن يتحدث بصفته الوظيفية، وإنما بصفته قائد الانقلاب الذي وقع وخطابه كان موجها إلى المجتمع وليس إلى حضور الحفل وحدهم، من الفروق المهمة أن أوباما كان يطلب تفويضا من ممثلي الشعب الأمريكي لتوجيه ضربة عسكرية إلى دولة أخرى، متذرعا بأن ذلك يخدم الأمن القومي لبلاده، في حين أن التفويض الذي طلبه السيسي أراد الاستناد إليه في مواجهة أزمة في الداخل الطرف الآخر فيها يمثل جزءا من الشعب المصري، نسب إليه التطرف والإرهاب، وهو ما اعتبره بدوره تهديدا للأمن القومي للبلاد.

رسائل للعلم والنظر - فهمى هويدى


من بين الرسائل التي أتلقاها في بريدي الإلكتروني استوقفتني أمس ثلاث رسائل ذات مغزى خلاصتها كما يلى:

 دعت الناشطة السياسية إنجي حمدي جميع النشطاء والشخصيات الذين قدمت ضدهم اتهامات بالتمويل والتخابر وغير ذلك من بالونات الترهيب والمكايدة الرائجة في الوقت الراهن إلى تقديم بلاغات ضد أنفسهم أمام النائب العام. وحثتهم على المطالبة بالتحقيق معهم في الاتهامات التي يروج لها البعض ضدهم من خلال وسائل الإعلام. فإذا ثبتت براءتهم فإن من حقهم المطالبة بمحاسبة الشبيحة الجدد الذين يستخدمون القانون للتشويه والتخويف. ولهم في هذه الحالة أن يطالبوا بالتعويض المادي المناسب. جراء ما لحق بهم من أضرار. أما إذا تبين أن هناك وجها للإدانة فللنائب العام أن يحيلهم إلى إحدى الدوائر القضائية لمحاكمتهم ووضع حد للبلبلة والشائعات المثارة بهذه المناسبة.

 تقدم محاميو الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان ببلاغ إلى النائب العام بخصوص تعنت النيابة العامة من دون وجه حق في الاستجابة لطلبات المدعين بالحق المدني في القضية رقم 5144 لسنة 2013 إداري الخانكة. وهي القضية التي قتل فيها 37 شخصا حين كانوا في عهدة قوات الشرطة بعد نقلهم في عربة ترحيلات من سجن مصر الجديدة إلى سجن أبوزعبل. وتضمن البلاغ الذي حمل رقم 12165 عرائض النائب العام وقائع رفض أحد أعضاء المكتب الفني للنائب، وهو المستشار المكلف بالتحقيق في القضية، السماح لمحامي الجماعة الوطنية ووكيل المدعين بالحق المدني بسداد الرسوم المقررة للادعاء المدني، رغم مرور المواعيد القانونية المقررة لتقديم الطلبات. وكذلك رفضه التصريح لهم بالاطلاع وتصوير أوراق القضية أو حضور التحقيقات، كما يقضي بذلك قانون الإجراءات الجنائية. واختتم البلاغ بطلب تمكينهم من سداد رسوم الادعاء المدني، وكذا السماح بالتصوير والاطلاع على أوراق القضية إعمالا لنص القانون.

 يذكر أن الجماعة الوطنية كانت قد تقدمت يوم الثلاثاء الماضي 3/9 بطلب وجه إلى المستشار القائم بالتحقيق للتصريح بالادعاء المدني عن أحد الضحايا، وهو والد الشهيد شريف جمال صيام وإلى يوم السبت 7/9 لم ترد النيابة العامة على الطلب بالقبول أو الرفض (علما بأن القانون يعطي مهلة ثلاثة أيام للرد). وكان الرد الذي تلقيناه بمثابة وعد شفهي غير مبرر بالتمكين من الادعاء المدني بعد مرور أسبوع لاحق. كما تقدمت الجماعة الوطنية بطلب مماثل يوم الخميس 5/9 عن شخص آخر من الضحايا هو الشهيد عادل عبدالشافي عبدالحافظ. وانصب طلبها على التصريح بالاطلاع وتصوير أوراق القضية، إلا أن كل تلك الطلبات قوبلت من النيابة العامة بالرفض السلبي الشفهي غير المبرر. وهو ما دفع محامي الجماعة إلى تقديم بلاغ بتلك الوقائع إلى النائب العام.
 جدير بالذكر أن الضحيتين لم تكن لهما علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، ولكن ألقي القبض عليهما أثناء فض اعتصام رابعة العدوية، وأن الثاني (عادل عبدالشافي) انضم إلى الاعتصام ليوم واحد فقط.

  كتب محمد رياض عضو حزب التيار المصري قائلا إنه في شهر مارس من العام الحالي ذهب ضمن آخرين إلى بيت الدكتور محمد مرسي في منطقة التجمع الخامس بالقاهرة حاملا لافتة بعرض مترين مكتوبا عليها بخط عريض «مرسي فاشل» وقد شاهد الرجل اللافتة بعدما خرج من بيته، فلوح بيده ووضعها فوق رأسه، في إشارة ذكر صاحب الرسالة أنه فهم منها أن الرئيس السابق أراد أن يرد على اتهامه بقوله «على رأسي من فوق». أما في الوضع المستجد فإن صاحبنا انفعل بما يحدث في البلد فخرج من داره وكتب على أحد الجدران عبارة «يسقط حكم العسكر»، فتم اعتقاله ووجهت إليه تهمة قلب نظام الحكم.
وبعد أن سجل ما جرى معه أنهى رسالته بقوله: أنا آسف يا مرسي.

 لا تعليق لي على الرسائل الثلاث، لكني أتمنى أن يقرأها من بيدهم الأمر في هذا الزمن، ليس فقط لكي يحاطوا علما بما يجري في البلد، وليس فقط لإحقاق الحق وإنصاف المظلومين، وإنما أيضا لتحسين صورة السلطة والحفاظ على رصيدها من الثقة والاحترام أمام الرأي العام.

من فعل ماذا؟ - فهمى هويدى


يثير الانتباه والدهشة معا أن الشرطة المصرية حققت نجاحات مشهودة في تعقب قيادات الإخوان واعتقالهم، في حين أنها لم توفق حتى الآن في ضبط الجناة في مذبحة مركز شرطة كرداسة أو إحراق الكنائس أو الهجوم على مراكز الشرطة وبعض المرافق العامة الأخرى، فضلا عن نهب متحف ملوي.

 ليس عندي رد على التساؤل التي تثيره المفارقة، ولكن لدي استنتاجان في هذا الصدد، أحدهما يفترض البراءة والثاني لا يستبعد سوء النية. مقتضى التفسير البريء أن تتبع الأفراد سهل بصورة نسبية، لأن الشخص معروف الهوية والوجه.

 ومن ثم فبوسع الأجهزة الأمنية أن ترصد معارفه واتصالاته وصورته حتى تلقي القبض عليه. في حين أن الحوادث التي أشرت إليها ارتكبتها جموع أو أناس بين الجموع، وتحديد المعتدين بين تلك الجموع أمر من الصعوبة بمكان، لأنه يتطلب توفير صور وجمع أدلة الاشتباه وفرز المشتبهين الذين لا تعرف لهم أسماء أو عناوين، وهي مهمة تتطلب بذل جهد شاق وقد تستغرق وقتا طويلا. 

بخلاف الحاصل مع القيادات المحددة التي تطاردها الأجهزة الأمنية. وذلك ما يفسر قصر المدة في الحالة الأولى وطولها النسبي في الحالة الثانية.

التفسير غير البريء يرى أن الأمر ليس بهذه البساطة، وأن التراخي في تحديد المسؤولية عن تلك الجرائم مقصود وليس مصادفة، لأن ذلك يوفر فرصة أفضل لتوجيه التهمة لأي أحد، في حين أن ضبط الجناة يحصرها في طرف دون آخر، الأمر الذي يعني اتهام ذلك الطرف وتبرئة الآخرين. وهو ما يتعارض مع حملة التعبئة المطلوبة التي تستهدف تقديم الجميع باعتبارها أشرارا. ناهيك عن أن الموقف يمكن أن يصبح حرجا إذا تبين أن الفاعلين من البلطجية أو اللصوص مثلا، وهؤلاء مواطنون صالحون في خطاب المرحلة الراهنة، وليسوا من الفصائل الإسلامية المراد شيطنتها وإقناع الرأي العام بضرورة إقصائها واقتلاعها. والإخوان في هذه الحالة يمثلون رأس القائمة.

ما دفعني إلى طرح الموضوع أمران، أولهما الإلحاح على التعرف على حقيقة الجناة الذين ارتكبوا تلك الجرائم، حتى لا نظلم بريئا أو نبرئ معتديا وظالما. بمعنى أن نعرف على وجه اليقين من فعل ماذا. وهو ما يقطع الطريق على سوء الظن الذي قد يراود البعض ممن يتصورون أن تمييع الاتهام مقصود لتوسيع دائرة الأشرار وتوريط الجميع في التهمة لدمغهم بالإجرام. وهي البلبلة التي نشأت مثلا من جراء الغموض الذي لايزال يحيط بقتل الـ16 جنديا مصريا في رفح خلال شهر رمضان قبل الأخير، فمن قائل إن حماس وراء الجريمة، وقائل إنها السلفية الجهادية في سيناء. وقائل إنها عناصر أخرى لها ثأرها مع الجيش. وهناك تفسير رابع يدعي أن ما جرى كان جزءا من عملية عسكرية ضد العدو الإسرائيلي. وأخيرا سمعت من أحدهم أن الإخوان وراء العملية، رغم أنها تمت أثناء وجود الدكتور محمد مرسي في السلطة.

الأمر الثاني أنني طالعت تقريرا نشرته جريدة الأهرام يوم الأحد الماضي (الأول من سبتمبر) خبرا عن سقوط المتهم الرئيسي في حرق الكنائس وأعمال التخريب بأسيوط. وهي العملية التي ظلت تنسب طول الوقت إلى المتظاهرين الإسلاميين والإخوان على رأسهم. وقد تبين أن ذلك المتهم الرئيسي أحد أرباب السوابق، وأنه سبق اتهامه في 10 قضايا سرقة بالإكراه. ولم يتم ضبطه بناء على جهد بذلته الشرطة، ولكنه ألقي القبض عليه مصادفة ولسبب مختلف تماما، وكانت تهمته التي تسببت في احتجازه هي خرقه لحظر التجول. وبسببها قدم إلى النيابة، إلا أنه عند اتخاذ إجراءات إخلاء سبيله اشتبه ضابط المباحث في أنه رأى وجهه في أحد أشرطة الفيديو التي كان نفر من الأهل قد قاموا بتصويرها أثناء حرق بعض الكنائس. وحين طابق بين الصورة وبين الشخص المحتجز أدرك الضابط أنهما لشخص واحد، وبعد التحري والمواجهة اعترف صاحبنا بدوره في حرق الكنائس وصدر الأمر بحبسه 15 يوما.

أدري أن ثمة مزاجا عاما في أوساط غير قليلة في مصر أصبحت مقتنعة بفكرة الشيطنة ومصرة على أن الأصل في المتظاهرين والمعتصمين هو الاتهام وليس البراءة. وأغلب الظن أن هؤلاء لن يغيروا من أفكارهم بسهولة، لكنني مع ذلك أراهن على وعي الكتلة الصامتة التي لم يتشوه وعيها بعد، ولا تريد تصفية حساب مع أي أحد، لكنها تريد أن تعيش في أمان وسلام مع الجميع في وطن يجمعهم وليس في ساحة احتراب تصرعهم.

تعزيز الحرية - طارق الحبيب


عندما نتحدث عن الحرية ونقضي بأنها حاجة نفسية هامة ، يلزمنا أن نبين السبل والوسائل التي تحقق هذه الحرية و تشبعها في نفس الإنسان .

من وسائل إشباع الحرية : تنمية روح المبادرة ، يجب أن نحتفي بالسؤال من الطفل على سبيل المثال ، لا أن نسكته ونشتكي منه ، فإسكاته قتل للحرية وتنمية لروح العبودية لدى أبنائنا .

إن من الواجب علينا أن نستحدث مواقف للنجاح ، لماذا نقلق عندما يستقل الابن برأيه عن والده ؟ ، نحن نخاف من الاستقلال بالرأي لأننا نعيش بفكر شيخ القبيلة ونمارسه داخل بيوتنا وفي شؤوننا العائلية ، يجب أن نستحدث أيضا مواقف للفشل ، لندرب أبناءنا على الموقف الإيجابي ، ونغرس في نفوسهم أننا إن لم ننجح هذه المرة سننجح في المرة القادمة ، فينمو عقل الابن متحررا من الانفعالات متقبلا للأفكار .

يجب أن نجعل الفشل في حس أبنائنا خبرة وليس عيبا ، الفشل هو خبرة إضافية تقودنا للنجاح في المرة القادمة ، وبعد ذلك لن يتوقف الابن عن التجربة خوفا من الفشل ، لأن الفشل أصبح في حسه خبرة إضافية وليس عيبا .

فكرة الحرية - طارق الحبيب

فكرة الحرية - طارق الحبيب - جريدة الشرق القطرية
عندما نتحدث عن تعريف الحرية لا بد أن نرجع بقراءة تاريخية لتعريفات مختلف الحضارات لها كفكرة و مفهوم ، فالمفاهيم كثيرا ما تنحرف و تتحور عبر حقب التاريخ و فتراته  المختلفة .

عند الإغريق و في فترة مبكرة،  ما الذي كانت تعنيه كلمة حر ؟ ، لقد كان الحر في تلك الفترة هو الذي يعيش بين أهله ، و إن عاش خارج أهله انتفت عنه صفة الحرية ،بعد ذلك أصبحت الحرية هي التضاد بين الطبيعة والقانون فكلما سار الإنسان مع الطبيعة فهو حر وكلما سار مع القانون فهو لم يعد حرا .

عند سقراط الحرية  تعني فعل الأفضل ، بعد ذلك تكلم عدد من الكتاب المسيحيين عن الحرية و ربطوها بفعل الخطيئة ، فقبل فعل الخطيئة أنت حر و بعد فعل الخطيئة تنتفي عنك الحرية ، و في تلك الفترة أصبح هناك سيطرة للكنيسة حتى على المفكرين، ولذلك أصبح طرح المفكر عبارة عن طرح ديني أكثر منه طرح فكريا .

في العهد الإسلامي بدأ يتغير مفهوم الحرية ، و جاءت قضية التسيير والتخيير في الحرية و جاء القدريون والجبريون والمعتزلة وغيرهم .

ليس كل ثرثرة حوارًا


الحوار نوعان
 واحد لكي تتعرف على الرأي الآخر والثاني لكي تهرب منه.
والأول يتم مع المخالفين، أما الثاني فهو الذي يجري مع الموافقين ويتجنب اللقاء مع المخالفين.
 الأول يحقق الانفتاح ويستهدف تصويب المسيرة وإثراءها والعين فيه على مصلحة الوطن، أما الثاني فيكرس الانكفاء ويستهدف التجمل السياسي والعين فيه على وسائل الإعلام.

أقول ذلك بمناسبة الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام المصرية عن حوارات انطلقت من رئاسة الجمهورية ويجريها المستشار الصحفي للرئيس مع «القوى» السياسية.

ورغم أن تغريدات عدة انتقدت قيام المستشار الصحفي للرئيس بإجراء حوارات سياسية، في الوقت الذي يعقد فيه المستشار السياسي للرئيس مؤتمرات صحفية، إلا أنني لن أتوقف عند هذه المفارقة، لأنني معنيّ بما هو أهم منها. ذلك أن توزيع الاختصاصات والصلاحيات يظل شأنا داخليا في الرئاسة، ولكن مباشرة تلك الصلاحيات هي التي تهمنا، لن أتوقف أيضا حتى لا نذهب بعيدا عن مقصود الكلام عند مدلول «القوى» السياسية، لأن بعض المنتسبين إلى تلك القوة من نماذج الضعف والهشاشة السياسية.

أساطير زمن الالتباس

فهمى هوديدى
ا أعرف متى ستذهب عنا السكرة، لكي نتبين الحقيقة في العديد من الأساطير التي يروج لها في مصر هذه الأيام. لكنني أرى إرهاصات دالة على أن الإفاقة على الفكرة لن تتأخر كثيرا.

(1)

أتحدث عن بعض الكتابات الاستثنائية التي ظهرت في الصحف المصرية خلال الأسبوعين الماضيين معبرة عن تلك الإفاقة. خصوصا تلك التي أفزعتها عودة شبح الدولة الأمنية، مستصحبة معها ممارسات القمع والتحريض بدعوى الحفاظ على الدولة في مواجهة الإخوان، وأقلقتها مؤشرات عسكرة المجتمع المصري بعد عزل الدكتور محمد مرسي. إضافة إلى تلك الأصوات التي استهولت حجم القتل الذي تم باسم فض الاعتصام بالقوة، كما استهولت ارتفاع صوت أبواق الثورة المضادة، التي باتت تبشر بفاشية جديدة لا تكتفي بمباركة إجراءات القمع وخطاب الإقصاء وإنما عمد ممثلوها إلى اتهام المخالفين بالخيانة، والازدراء بمفجري ثورة 25 يناير ووصفهم حينا بأنهم «مرتزقة»، ووصف الثورة ذاتها في حين آخر بأنها «نكسة».

نظرا لمحدودية تلك الأصوات، فإنني أفهم أن ظهورها لا يشكل اختراقا لحملة الإعلام ولأجواء الإرهاب الفكري والاغتيال السياسي والمعنوي التي تتبناها مختلف الأبواق، التي أسهمت في تسميم الفضاء المصري، لكنني أزعم أن حضورها لا يمكن تجاهله، لأنه يعني أن المراهنة على الإفاقة من السكرة ليس ميئوسا منها ولا هي من قبيل التمني ووحي الخيال.

لا أرجع ذلك إلى وعي البعض ويقظة ضمائرهم فحسب، ولكن المبالغات الفجة التي يتم اللجوء إليها في الأجواء المحمومة الراهنة كثيرا ما تأتي بثمار عكسية، عملا بالقول الشائع أن ما يزيد على حده ينقلب إلى ضده. فحين يتهم أحد المحتجزين، اسمه محمد عبدالتواب أحمد، بالاعتداء على المتظاهرين وحمل السلاح وإرهاب المواطنين وقتلهم، ثم يتبين أن الرجل فاقد البصر ولا يستطيع أن يتحرك دون دليل يقوده، فإن أي عاقل يكتشف مباشرة التلفيق والكذب في التهمة، وحين تتحدث الصحف عن ترسانة للأسلحة في اعتصام رابعة، وعن وجود مدافع ثقيلة وأسلحة كيماوية مع المعتصمين، ثم يتم قتل المئات (في رابعة وحدها) واعتقال الألوف منهم دون أدنى مقاومة، فإن ذلك يهدم الأسطورة دون حاجة إلى تكذيبها. وحين تنشر إحدى الصحف أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ـ بجلالة قدره ـ عضو في التنظيم الدولي للإخوان (الوفد 28/8) الأمر الذي يعني خضوعه لقيادة مرشد الإخوان فإن ذلك يحول الخبر إلى نكتة من ذلك القبيل الذي يتردد في حلقات تعاطي المخدرات.. الخ

(2)

شيء من هذا القبيل حدث في الأسبوع الماضي حين نشرت على صدر صفحتها الأولى تقريرا مثيرا تحت العناوين التالية:
- مؤامرة جديدة لزعزعة الاستقرار بتورط سياسيين وصحفيين ورجال أعمال 
ـ الأهرام يكشف الحلقة الأخيرة من اتفاق الشاطر والسفيرة الأمريكية لتقسيم مصر ـ
- القبض على 37 إرهابيا بعد إجهاض مخطط عزل الصعيد وإعلان الاستقلال
 ـ الخطة تضمنت الاستيلاء على مبنى محافظة المنيا وتشكيل حكومة
 ـ الاعتراف الأمريكي كان معدا والأجهزة الأمنية كشفت المخطط البديل.

التقرير كتبه رئيس تحرير الأهرام زميلنا عبدالناصر سلامة ونسب معلوماته إلى «مصادر أمنية»، وذكر ما يلي: بعد إحباط مخطط عزل الصعيد وإعلان استقلاله كشفت المصادر الأمنية عن أن مخططا بديلا كان جاهزا، استهدف ضرب الاستقرار في الشارع المصري بمشاركة سياسيين وصحفيين ورجال أعمال سيتم كشفهم وتقديمهم إلى العدالة خلال أيام. وأكدت المصادر أن المخطط استهدف إحداث بلبلة في أوساط الرأي العام حول القضايا التي تضمنتها خريطة المستقبل (التي أعلنها الفريق السيسي في 3 يوليو)، من خلال عناصر «الطابور الخامس» السابق ذكرها.

أضافت المصادر الأمنية أن المخططين (استقلال الصعيد والتشكيك في خريطة الطريق) كانا ضمن اتفاق رعته السفيرة الأمريكية بالقاهرة آن باترسون مع القيادي الإخواني خيرت الشاطر قبل القبض عليه. وتضمن دخول 300 مسلح من غزة إلى مصر عبر الأنفاق لنشر الفوضى في القاهرة واقتحام عدد من السجون.

تحدث التقرير أيضا عن أن القوات المسلحة ألقت القبض على 37 إرهابيا في محافظة المنيا، وصادرت كميات كبيرة من الأسلحة كانت مرسلة إليهم عبر الصحراء الغربية لتمكينهم من الاستيلاء على المحافظة وتشكيل حكومة، حيث كان الاعتراف بالموقف الجديد معدا سلفا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية أخرى.

في اليوم التالي مباشرة (28/8) تابعت الأهرام الموضوع، ونقلت عن بعض الخبراء الأمنيين أن ضرب مخطط فصل الصعيد أكبر طعنة ضد الغرب والولايات المتحدة، كما أنه يعد من أكبر الانتصارات التي حققتها الأجهزة الأمنية.

 ونقلت الجريدة عن أحد أولئك الخبراء قوله إن الفريق عبدالفتاح السيسي «هزم واشنطن وأوروبا»، وهي الدول التي «اهتزت» بعد الدعم العربي القوي لموقفه، ممثلا في المملكة العربية السعودية والدول العربية «الصديقة». وندد هؤلاء بالطابور الخامس الذي تم اكتشافه ممثلا في بعض السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال الإسلاميين.

قبل هذه الفرقعة التي تحدثت عن مؤامرة الطابور الخامس في مصر، وعن هزيمة الفريق السيسي للأوروبيين والأمريكيين وإحباط رجاله لمخطط فصل الصعيد بمساعدة حركة حماس، الذي رعته السفيرة الأمريكية في حين كان اعتراف واشنطن بالوضع الجديد كان جاهزا.

 سربت الأجهزة الأمنية فرقعة أخرى إلى جريدة «الوطن». إذ نشرت في 25/8 تقريرا مثيرا آخر تحدث عن اجتماع سري بقاعدة عسكرية في ألمانيا ضم ممثلين عن الموساد وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وعن حلف شمال الأطلنطي لوضع خطة شل مصر، بعد الخسارة الكبرى التي أصابت تلك الأطراف جراء عزل الدكتور مرسي. وأعطى التقرير انطباعا بأن ذلك الاجتماع الذي يوحي بأنه يعد لحرب عالمية ثالثة، انعقد لنصرة الإخوان، في تحرك مواز للجبهة الوطنية لدعم الشرعية التي تشكلت في مصر.

السفيرة الأمريكية بالقاهرة أخذت على محمل الجد كلام التقرير الأول الذي تحدث عن تآمرها مع الشاطر وعن اعتراف واشنطن باستقلال الصعيد، فوصفته بأنه «شائن ومضلل وغير مهني»، ودعت رئيس تحرير الأهرام في خطابها الذي وجهته إليه بهذا الصدد إلى التصرف بمسؤولية، والكف عن نشر الأكاذيب والمخاوف التي تهدد مستقبل مصر وأفق التحول الديمقراطي بها.

(3)

أخطر ما في هذا الكلام ثلاثة أمور هي: مضمونه الفج الذي يكشف عن تدني مستوى التلفيق الذي يكشف عن جهل بأساليبه ونقص فادح في مستوى الذكاء. ثم إنه صادر عن الأجهزة الأمنية صاحبة اليد الطولى في تشكيل الرأي العام في الوقت الراهن، وهي التي كان يظن أنها أكثر كفاءة وخبرة. الأمر الثالث أن هذا الكلام ينطلي على كثيرين من العوام وحديثي الانشغال بالسياسة، وهو ما يسهم في شحنهم بالأساطير والأكاذيب، الأمر الذي يضللهم ويفسد رؤيتهم ويشوه إدراكهم.

إننا بإزاء حزمة من الأساطير والخزعبلات السياسية التي أزعم أنها لا تسمم الأجواء السياسية فحسب، ولكنها تهدد السِّلم الأهلي أيضا، وإذا جاز لي أن أشير إلى أبرز تلك الأساطير فإنني أجد في مقدمتها ما يلي:

- أسطورة التآمر الغربي عامة والأمريكي بوجه أخص على النظام القائم في مصر لصالح الإخوان. إذ الحقيقة أن الغرب مشغول بثلاثة أشياء أولها مصالحه في مصر والمنطقة. وثانيها سياساته والمبادئ الديمقراطية التي يلتزم بها التي ترفض الانقلابات العسكرية. أما ثالثها فهو الاستقرار في مصر الذي يعتبرونه من ركائز الاستقرار في المنطقة العربية. من ثَمَّ فهم ليسوا سعداء بالإخوان ولكنهم مختلفون مع طريقة تعامل السلطة معهم. وفيما خص واشنطن فإن اختلاف الإدارة الأمريكية مع الإدارة المصرية بخصوص الإخوان هو خلاف عارض «تكتيكي» في حين أن التحالف بينهما إستراتيجي. وينبغي ألا ننسى في هذا الصدد ما قاله رئيس الأركان الأمريكي أمام الكونغرس إن الجيش المصري هو أهم حليف للإدارة الأمريكية.

- أسطورة الحرب على الإرهاب التي جرى افتعالها والترويج لها إعلاميا. في سياق المشهد الذي بدأ بدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وانتهى بتجريم الإخوان وشيطنتهم ثم تسويغ قمعهم واستئصالهم، الأمر الذي أسفر حتى الآن عن سقوط خمسة آلاف قتيل وإصابة عشرين ألفا واعتقال عشرة آلاف شخص، حسب البيان الذي أعلنه التحالف الوطني لدعم الشرعية. وهو ما يهدد بدخول مصر إلى نفق الدولة الأمنية المظلم المحفوف بالشرور والمخاطر، بما يستصحبه من ترويع وتخوف وإجهاض لحلم الدولة الديمقراطية. في حين أن التظاهرات كانت سلمية في مجملها لكنها صورت إعلاميا وأمنيا بأنها إرهابية يرد عليه بوسيلة واحدة تمثلت في استخدام السلاح وتلفيق التهم الجاهزة.

ـ أسطورة الطابور الخامس التي جرى ابتداعها بدورها مؤخرا، حين ظهرت بعض الأصوات الليبرالية والوطنية المستقلة التي اعترضت على الأساليب المتبعة، ولأنه كان متعذرا اتهامها بالانتماء إلى الإخوان، فقد كان تلويث وتخويف أصحابها بضمِّهم إلى الطابور الخامس هو الحل.

- أسطورة تقسيم مصر وبيع قناة السويس للقطريين والتنازل عن سيناء أو جزء منها لحركة حماس، وهو من الفرقعات والافتراءات الإعلامية التي أطلقت في الفضاء دون دليل، واستهدفت الطعن في وطنية وانتماء من نسبت إليهم هذه الممارسات.

- أسطورة التنظيم الدولي للإخوان الذي يصور بحسبانه أخطبوطا هائلا له أذرعه المنتشرة في أكثر من 80 دولة حول العالم، في حين أنه مجرد كيان هش لا حول له ولا قوة، نشأ في ستينيات القرن الماضي حين كان إخوان مصر يعيشون خارجها. فشكلوا تلك الرابطة فيما بينهم، لكن لم يثبت يوما أن له دورا يذكر في التوجيه والتنظيم، والتفاوت الكبير بين أداء حركة النهضة في تونس والإخوان في مصر شاهد على ذلك، رغم أن الاثنين من أعضاء التنظيم الدولي.

(4)

في مواجهة هذه الأساطير ثمة حقيقة تتبدى وتظهر ملامحها يوما بعد يوم الآونة الأخيرة، خلاصتها أن ما جرى في الثالث من شهر يوليو لم يكن انقلابا على حكم الدكتور مرسي لكنه كان انقلابا على ثورة 25 يناير، بدليل ذلك الجهد الكبير الذي يبذل الآن لاستعادة أجواء وأساليب حكم مبارك. فضلا عن رجاله وأبواقه التي عادت إلى الظهور في الساحة الإعلامية بوجه أخص.

 وهو ما أشك كثيرا في أنه خطر ببال الذين خرجوا في 30 يونيو أو الذين قدموا التفويض ضمنا للفريق عبدالفتاح السيسي.

 الأمر الذي يستدعي بقوة السؤال التالي: من نفوض وعلى من نراهن أو نعول في الدفاع عن ثورة 25 يناير، لكي نبدد الحيرة في زمن والالتباس؟

السيسي وعبدالناصر


يحلو لبعض الكتاب والمعلقين المصريين هذه الأيام أن يسلطوا الأضواء على أوجه التماثل والتشابه بين الرئيس جمال عبدالناصر والفريق أول عبدالفتاح السيسي. وهو ما يتم في سياق مديحهم لوزير الدفاع والسعي لإقناع الرأي العام بأنه يجسد صورة البطل والزعيم الذي لا تزال سيرته وتجربته تدغدغ مشاعر الملايين في مصر والعالم العربي.

 وسواء كان الدافع إلى ذلك هو محاولة إعادة إنتاج الزعيم الراحل أو الاقتناع بالوافد الجديد أو إغواءه ومداهنته من جانب خبراء التلميع والنفاق، فالشاهد أن المقارنة تظلم الاثنين. ذلك أن عبدالناصر قاد ثورة يوليو عام 1952، وحكم مصر طوال خمسة عشر عاما صار خلالها زعيما للأمة العربية، وهي الفترة التي بلور خلالها مشروعه الذي سنتحدث عنه بعد قليل، في حين لم يتوافر للفريق السيسي شيء من كل ذلك، وهو ما لا ينتقص من قدره بطبيعة الحال، ولا يقلل من فضائله الشخصية، وإنما يسوغ لنا أن نقول بأن المقارنة بين الزعيم وقائد القوات المسلحة في غير محلها، حيث يتعذر أن يوضع الاثنان على قدم المساواة في التقييم السياسي.

 لن أعترض على من يتحدث عن أن الاثنين من ضباط القوات المسلحة، وأنهما من العناصر الوطنية، وأن لكل منهما سمعته الطيبة في النزاهة والاستقامة. وأن كلا منهما كانت له معركته مع الإخوان المسلمين انتهت بوضعهم جميعا في السجون والمعتقلات ومن ثم فلا بأس من أن تعد تلك العناصر من أوجه التشابه بين الرجلين. إلا أن الأمر ليس بهذا التبسيط، لأن الصورة أكثر تعقيدا مما يبدو لأول وهلة. فبوسعنا مثلا أن نقول إن عبدالناصر له تجربته التي تسمح لنا بأن نرصد أهم معالم مشروعه. أما الفريق السيسي الذي كان عمره سنتين حين تولى عبدالناصر رئاسة الجمهورية (عام 1956) فبوسعنا أن نقول إنه لم يختبر، خصوصا أننا لم نكن نعرفه إلا بعد تعيينه وزيرا للدفاع عقب إقالة المشير محمد حسين طنطاوي في شهر أغسطس عام 2012، حيث كان قبل ذلك مديرا للمخابرات الحربية، وهو منصب يفرض على صاحبه أن يظل بعيدا عن الأضواء.

 لن أتحدث عن العالم المحيط الذي ظهر فيه الرجلان. عالم خمسينيات القرن الماضي الذي كانت الحرب الباردة وحركات التحرر الوطني من بين أبرز سماته، وعالم بدايات القرن الجديد الذي استشرى فيه نفوذ الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وانكسرت فيه قوى التحرر الوطني التي تحولت من المد إلى الجزر. لكني سأتحدث عن الشأن المصري منبها إلى أهمية التفرقة بين موقع كل من الرجلين، فعبدالناصر كان رئيسا للدولة المصرية يحكم ويدير البلد، أما الفريق السيسي فموقفه ملتبسا بصورة نسبية، ذلك أنه لا يزال يعتبر نفسه قائدا عسكريا ينأى بنفسه عن الانغماس في السياسة، لكنه في ظل الفراغ السياسي المخيم أصبح صاحب القرار السياسي، الأمر الذي يسوغ لنا أن نقول إنه من الناحية العملية يحكم البلد لكن الإدارة تباشرها مؤسسات الدولة الأخرى، بما فيها الرئاسة والحكومة.

 عبدالناصر داخليا كان حالما بالنهضة ومنحازا للفقراء لكنه لم يكن ديمقراطيا حيث لم يؤمم الاقتصاد فحسب ولكنه أمم السياسة وأماتها أيضا. أما خارجيا فقد كان له اعتزازه بالاستقلال الوطني ودفاعه عن عدم الانحياز، كما كان عروبي النزعة، وكانت له معاركه ضد الأحلاف العسكرية وضد الهيمنة الأمريكية، وموقفه كان محسوما إلى جانب المقاومة الفلسطينية وغيرها من قضايا التحرر الوطني، أما خصومته لإسرائيل التي كلفته الكثير، فإنها كانت مشهرة على الملأ ولا تحتاج إلى تدليل.

 إذا رصدنا هذه المعالم ووضعناها في جانب، ثم حاولنا أن نتحرى القدر الذي نعرفه من مشروع الفريق السيسي فسوف يجسد ذلك الظلم الذي ألحقناه بالرجل حين حاول بعضنا تلبيسه العباءة الناصرية. إذ سندرك أن الذين راودهم ذلك الحلم تعجلوا كثيرا، وربما أساءوا إلى الفريق السيسي عن غير قصد، خصوصا حين تسفر المقارنة بين الرجلين عن أنهما من الناحية السياسية يتشابهان في أمرين هما تعطيل الديمقراطية والصدام مع الإخوان الذي أدى إلى اعتقال الألوف منهم (تسعة منهم أعدموا في عهد عبدالناصر ونحو ثلاثة آلاف قتلوا بعد انقلاب السيسي حسب بيانات نقابة الأطباء).

 فيما عدا ذلك فنحن لم يتح لنا أن نعرف شيئا عن تصور الفريق السيسي للسياسة الداخلية، أو رؤيته للسياسة الخارجية بما في ذلك موقفه من القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي أو الانتماء العربي، والسبب الرئيسي في ذلك أنه لم يتح له أن يقدم تلك الرؤية، رغم أننا سمعنا منه وقرأنا في حواره مع الواشنطن بوست أنه كان قد قدم إلى الدكتور محمد مرسي تقديرات للسياسة الداخلية والخارجية لم يأخذ بها.

 لو أن أحدا أشار إلى السحابة الراهنة التي تعترض علاقات القاهرة وواشنطن لكي يعارض ما ذكرت فتعليقي أنها مجرد سحابة عابرة لا تأثير لها على علاقات التحالف الإستراتيجي التي نسجها سابقوه مع الولايات المتحدة، وأدلل على ذلك بالاتصالات والمشاورات شبه اليومية التي يجريها وزير الدفاع الأمريكي مع الفريق السيسي، والتي تتعلق بمسار الأوضاع الداخلية في مصر. 

والحق بذلك أن ملف قضية الاستقلال الوطني لم يفتح بعد في ظل الوضع المستجد. كما أن إسرائيل لم تذكر بخير أو شر في حين أن التنسيق الزمني مع إسرائيل مستمر وإحكام الحصار على غزة يزداد يوما بعد يوم.

 أرجوكم لا تظلموا السيسي ولا تظلموا عبدالناصر.