فكرة الحرية - طارق الحبيب

فكرة الحرية - طارق الحبيب - جريدة الشرق القطرية
عندما نتحدث عن تعريف الحرية لا بد أن نرجع بقراءة تاريخية لتعريفات مختلف الحضارات لها كفكرة و مفهوم ، فالمفاهيم كثيرا ما تنحرف و تتحور عبر حقب التاريخ و فتراته  المختلفة .

عند الإغريق و في فترة مبكرة،  ما الذي كانت تعنيه كلمة حر ؟ ، لقد كان الحر في تلك الفترة هو الذي يعيش بين أهله ، و إن عاش خارج أهله انتفت عنه صفة الحرية ،بعد ذلك أصبحت الحرية هي التضاد بين الطبيعة والقانون فكلما سار الإنسان مع الطبيعة فهو حر وكلما سار مع القانون فهو لم يعد حرا .

عند سقراط الحرية  تعني فعل الأفضل ، بعد ذلك تكلم عدد من الكتاب المسيحيين عن الحرية و ربطوها بفعل الخطيئة ، فقبل فعل الخطيئة أنت حر و بعد فعل الخطيئة تنتفي عنك الحرية ، و في تلك الفترة أصبح هناك سيطرة للكنيسة حتى على المفكرين، ولذلك أصبح طرح المفكر عبارة عن طرح ديني أكثر منه طرح فكريا .

في العهد الإسلامي بدأ يتغير مفهوم الحرية ، و جاءت قضية التسيير والتخيير في الحرية و جاء القدريون والجبريون والمعتزلة وغيرهم .


 في تلك الفترة هناك من بالغ في الحرية  و هناك من قيد الحرية تقييدا كبيرا ، كما أن من هناك من نادى بالحرية المطلقة و جاء من نادى بالحرية المقيدة ، والذين نادوا بالحرية المطلقة حددوها  بأنها الحرية المقيدة بالأخلاقيات.
الكتاب الحديثون كهيجل تكلموا عن تعريف الحرية ونشأت عدة مذاهب ، لأن هؤلاء الكتاب انطلقوا من رؤاهم الشخصية و العلمية و من انتمائهم الديني ، في حين أن شوبنهاور الألماني نظر لها بطريقة خاصة ، و سارتر الوجودي أضاف لها نكهة من وجوديته .
من الناحية الطبيعية نحن أحرار لكن لسنا بأحرار، فنحن لم نحدد وقت الولادة ولا نحدد وقت الموت ، إذاً كيف أكون حرا وعبدا في 
نفس الوقت ؟

إن الحرية المقيدة  هي الحرية الممنهجة المرتبطة بمفهوم  العبودية الحقة ، فالعبودية القصرية تختلف عن العبودية الحقة أو العبودية الانتقائية ،  فأنا أعبد الله سبحانه وتعالى لأني مقتنع بربوبيته و مقتنع بمكانته و مقتنع بحقه علي في العبادة و هذه هي العبودية الحقة.

ومع أن الإسلام يعتبر كمال حرية الإنسان تتحقق في عبادته لله لأنه المستحق للعبادة والرب العادل الخالق والمصرف للكون الذي يعتبر الإنسان ذرة بين مخلوقاته العظيمة  ، مع ذلك لم يكره الإسلام الناس على اعتناقه وترك لهم حرية المعتقد وكفلها كذلك : (لا إكراه في الدين) ..

تتنوع الحرية وتتشكل بأشكال عديدة ومن أعظم أشكالها الحرية النفسية ، إن الحرية النفسية عندما تتحقق تكون النفس حرة في التعبير عن رؤاها و انتمائها النفسي وما يعجبها  وما لا يعجبها ، فالحرية النفسية هي القائد لكل الحريات المختلفة و هي مفهوم ثوري ، ليس في ثورته على غيره بل في الثورة على الخطأ و الثورة على الركود في مختلف الجوانب الحياتية للإنسان ، ونحن هنا لا نقصد التحرر والفوضى والتصادم ، لذلك فإن تحرير مفهوم الحرية من الدنس الذي علق به أمر ضروري ، ومن الواجب أن يتفق الناس على هذا المفهوم حتى يستطيعوا أن يتشاركوا فيه.

هناك أيضا الحرية الدينية و السياسية والاقتصادية و الاجتماعية ، لكن يجب أن تتناسق الحريات مع بعضها ،  يجب أن أتحرك في المحيط الذي لا أطأ فيه حرية غيري ولا أدنسها ، إذا حققنا هذا الشيء حافظنا على حريات الآخرين و حافظنا على الضوابط والقواعد الأخلاقية والحياتية والدينية .

إن الحرية التي يجب أن نسعى إليها هي الحرية المسؤولة التي يكون فيها الفرد مسؤولا عن نتائج تصرفاته ومنضبطا بالأخلاق والمبادئ لا بالضوابط المجتمعية المقيتة، إنما الضوابط المجتمعية الراقية .

لقد تعرض مصطلح الحرية للتدنيس في ذهن المتلقي لأنه مسكون بمعاني سلبية وله ظل غربي ، إن الحرية الحديثة في الغرب جاءت بعد سيطرة الكنيسة على جميع تفاصيل الحياة وتقييدها ، فجاءت الحرية ضد الدين جملة وتفصيلا ،  ولذلك تجد اليمين هو الأقل في المجتمع الغربي والعلمانية هي الأكثر ، لكن عبر قرون من الحضارة الإسلامية لم تكن الحرية يوما متعارضة مع روح الإسلام و صفاء المحمدية السمحة، رغم وجود بعض التطبيقات الدينية والسياسية التي قيدت هذا الانفتاح في مراحل عدة من التاريخ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق