تحنيك المولود.. إعجاز طبي نبوي



إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.
تحنيك المولود.. إعجاز نبوي

لقد اهتم الإسلام اهتماما عظيما برعاية الطفولة والأمومة في مراحلها كلها اهتماما لا يدانيه ما تتحدث عنه منظمات الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان والمنظمات الصحية العالمية.

ولا تبدأ رعاية الطفولة منذ لحظة الولادة، بل تمتد هذه الرعاية منذ لحظة التفكير في الزواج، فقد أمر صلى الله عليه وسلم باختيار الزوج والزوجة الصالحين، وقد اهتم الإسلام اهتماما عظيما بسلامة النسل، وبكيان الأسرة القوي، ليس فقط من الجانب الأخلاقي، إنما ضم إليه الجوانب الوراثية الجسدية والنفسية، وتستمر هذه الرعاية والعناية في مرحلة الحمل، وعند الولادة والرضاع، ومراحل التربية والتنشئة التالية، ومن مظاهر هذا الاهتمام تحنيك المولود.


أخرج البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: خرجت وأنا متم (أي قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر)، فأتيت المدينة، فنزلت قباء، فولدت بقباء، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بالتمر، ثم دعا له فبرَّك عليه.


وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: ولد لي غلام فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكة بتمرة، وزاد البخاري: ودعا له بالبركة ودفعه إلي.


ويوضح التفسير العلمي للتحنيك أن مستوى السكر (الجلوكوز) في الدم بالنسبة للمولودين حديثا يكون منخفضًا، وكلما كان وزن المولود أقل كلما كان مستوى السكر أكثر انخفاضا. وبالتالي فإن المواليد الخداج (وزنهم أقل من 2.5 كجم) يكون منخفضا جدا، بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 30 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم، وأما المواليد أكثر من 2.5 كجم، فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام.


ويعتبر هذا المستوى (20 أو 30 ملليجرام) شديد الهبوط في مستوى سكر الدم، ويؤدي ذلك إلي الأعراض الآتية:


- أن يرفض المولود الرضاعة، وارتخاء العضلات.
- توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم.
- اختلالات ونوبات من التشنج.
- وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة وهي:
1- تأخر في النمو.
2- تخلف عقلي.
3- الشلل الدماغي.
4- إصابة السمع أو البصر، أو كليهما.
5- نوبات صرع متكررة (تشنجات).


وإذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة، رغم أن علاجها سهل ميسور وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذابا في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد.


إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه، ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة، فالتمر يحتوي على السكر (الجلوكوز) بكميات وافرة، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي علي أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي (السكروز) إلى سكر أحادي، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات، وبالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها.


وبما أن معظم ـ أو كل المواليد ـ يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها.


إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة، وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه، أو تعرف مخاطر نقص السكر (الجلوكوز) في دم المولود.


وإن المولود، وخاصة إذا كان خديجًا، يحتاج- دون ريب- بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولا سكريا، وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه.


إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقا مهمة جدا في وقاية الأطفال، وخاصة الخداج (المبتسرين) من أمراض خطيرة جدا بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم، وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات، كما أنها توضح إعجازًا طبيا لم يكن معروفا في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة التي تلته، حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين.


دكتور محمد على البار .. مجلة الإعجاز العلمي.

مقدمات غير مطمئنة - فهمى هويدى


منذ شكلت لجنة الخبراء لتعديل الدستور الذى تم استفتاء المصريين عليه، ظل الغموض يحيط بملابسات تشكيلها وطبيعة مهمتها وجلسات حوارها. صحيح أننا نعلم أن سلطة غير منتخبة هى التى اختارتها طبقا لمعايير غير معلنة، ونعلم أيضا أن أعضاءها العشرة هم من رجال القانون المحترمين الأمر الذى أثار استغرابنا لأن رجال القانون لهم دورهم فى صياغة مواد الدستور وليس فى وضعها أو تعديلها.
وقد فهمنا أن لجنة العشرة سوف تقترح التعديلات، لتعرض بعد ذلك على لجنة أخرى من خمسين شخصا لكى تقوم بالمناقشة الأخيرة لمواد الدستور قبل أن تطرح للاستفتاء العام. ورغم أن لجنة الخمسين هذه مجرحة فى شرعيتها، من حيث إنها تمثل اختيار السلطة وليس اختيار أو انتخاب المجتمع، ورغم أنها أيضا مجرحة فى تركيب عضويتها الذى بدا فيه أنه تعمد حصار التيار الإسلامى وإقصائه فى تعزيز لفكرة تمثيل اللجنة للسلطة وليس للمجتمع، إلا أن لى ملاحظة أخرى تتعلق بمهمتها التى أتصور أنها كان ينبغى أن تنجز قبل العرض على لجنة الخبراء العشرة.
بكلام آخر فإن اللجنة العامة التى ستضع الدستور فى صورته النهائية يفترض أن تتولى هى التعبير عن الرؤية السياسية وتحدد الخيارات. وبعد أن تنتهى من ذلك تقوم اللجنة القانونية بصياغة تلك الرؤية. لكننا فعلنا العكس فقلبنا الآية فقمنا بوضع العربة أمام الحصان. إذ كلفت لجنة الخبراء بوضع التعديل ورسم الصورة ثم طلب منها أن تعرض نتائج عملها على لجنة الخمسين.
إذا غضضنا الطرف عن ذلك الوضع المقلوب، وضممناه إلى جملة ما يحيرنا فى شأن ما يجرى، فسنجد أن طريقة عمل اللجنة تبعث على الحيرة أيضا. إذ كما أننا لم نعرف شيئا عن خلفيات ومعايير اختيار أعضائها، فإننا لم نعرف شيئا عن أسلوب عملها. وإذا قارنا الطريقة التى عملت بها بالنهج الذى اتبعته اللجنة التأسيسية للدستور المجمد، فسنجد أن اللجنة المذكورة تصرفت باعتبارها خلية سرية تجتمع بعيدا عن الأعين، فى حين أن اللجنة التأسيسية كانت تجرى مناقشاتها فى العلن. وتبث جلساتها على شاشات التليفزيون.
لن تتوقف حيرتنا عند ذلك الحد، لأن اللجنة أعلنت فى الأسبوع الماضى أنها أدت مهمتها فحذفت 32 مادة من الدستور المستفتى عليه وقامت بتعديل عدة مواد أخرى.
سأصرف النظر مؤقتا عن مشروعية قيام لجنة معينة بحذف وتعديل نصوص الدستور الذى وضعته جمعية منتخبة واستفتى عليه الشعب. الأمر الذى يعد عدوانا على الإرادة الشعبية. وسأبدى ملاحظة حيرتنى أيضا فى بعض ما تم حذفه وتعديله من مواد، وأقول البعض، تاركا التعليق على البعض الآخر لمن هم أفقه منى فى الشأن الدستورى.
سأتوقف عند أربع مواد حذفت هى:
- المادة 11 التى نصت على أن الدولة ترعى الأخلاق والآداب والنظام العام والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية والحقائق العلمية والثقافة العربية والتراث التاريخى والحضارى للشعب
ــ المادة 12 التى نصت على حماية الدولة للمقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع، وتعمل على تعريب العلوم والمعارف
ـ المادة 25 التى نصت على التزام الدولة بإحياء نظام الوقف الخيرى وتشجيعه، وتنظيم توزيع عوائده على مستحقيها
 ـ المادة 44 التى حظرت الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة.
من بين المواد التى حذفت واحدة نصت على أخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر فى الشئون المتعلقة بالشريعة، وهذه جملة حذفت من المادة الرابعة للدستور كما عدلت المادة السادسة التى نصت على قيام النظام السياسى على مبادئ الديمقراطية والشورى والمواطنة، بحيث اكتفى النص المعدل بالإشارة إلى أن النظام السياسى قائم على تعدد الأحزاب.
حين يستعرض المرء هذه المواد فسوف يجد أنها ليست من الأهمية بمكان، ولكن دلالة الحذف أو التعديل فيها تعبر عن حساسية تثير القلق فضلا عن الدهشة، ذلك أن القاسم المشترك بينها يتمثل فى أنها تعبر بصورة أو بأخرى عن الهوية الإسلامية للمجتمع، ومن ثم فإن إيرادها ضمن الدستور يعد أمرا طبيعيا ومفهوما.
أما حذفها فإنه يبعث برسالة سلبية خلاصتها أن الوضع المستجد بعد 3 يوليو حريض على استبعاد هذه الهوية أو إضعافها، فليس مفهما مثلا لماذا يحذف من الدستور نص يدعو إلى التزام الدولة برعاية الأخلاق والآداب والنظام العام، إلى جانب القيم الدينية والوطنية والحقائق العلمية. ولماذا يحذف النص على حماية الدولة للمقومات الثقافية والحضارية للمجتمع مع العمل على تعريب العلوم، ولماذا يستبعد النص على إحياء نظام الوقف ولماذا يلغى الالتزام بالديمقراطية والشورى، ولماذا يلغى نص يحظر الإساءة إلى الأنبياء والرسل كافة؟
إننى أريد أن أحسن الظن بالذين أجروا تلك التعديلات، لكنى لا أجد لذلك سبيلا للأسف. وليست هذه هى المشكلة الوحيدة لأن مثل هذه المقدمات لا تبشر بالخير، ولا تدعونا إلى إحسان الظن بما هو قادم على يد لجنة الخمسين، وإنما تدفعنا إلى التشاؤم بالمستقبل، الأمر الذى يجعلنا نتوقع الأسوأ لأن المنحدر فى هذه الحالة لا نهاية له.

أجراس العودة إلى الوراء - فهمى هويدى


بعدما مر أسبوع على يوم الأربعاء الأسود (14/8) بوسعنا أن نتساءل:

 هل كان الاعتصام هو أصل المشكلة في مصر أم أنه فرع عنها؟
 ــ وهو سؤال ما كان لنا أن نطرحه خلال الأسابيع التي سبقت الانقضاض على المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة، لأن أبواق السلطة وقنواتها المختلفة ظلت تعتبر أن فض الاعتصام هو الهدف القومي الذي لا ينبغي أن تنشغل الأمة بغيره. وسمعت بأذني مقدما لأحد البرامج التلفزيونية يعيد ويزيد في أن التسعين مليون مصري (لا تدقق في الرقم) ينتظرون بفارغ الصبر فض الاعتصام، وأن أشغال الناس بغير هذه القضية الحيوية بمثابة طعن لثورة 30 يونيو.

وإزاء ذلك الحماس الجارف فإن مسألة تكلفة استخدام القوة لتحقيق ذلك الهدف «القومي» لم يكترث بها أحد. وانعقد الاتفاق بين المحرضين والمهيجين على أنه لا مفر من القوة، ولكن عند الحد الأدنى.

 ورغم أنهم لم يحددوا كم قتيلا ينبغي أن يسقطوا لتوفير ذلك الحد الأدنى إلا أنهم امتدحوا الشرطة وأشادوا بحرفيتها وكفاءتها في ضبط النفس حين سقط 900 قتيل فقط (حسب الأرقام الرسمية) وأصيب ثلاثة آلاف آخرون (هذا في القاهرة وحدها).

 هكذا، فإنه بعدما تحقق المراد، وتم فض الاعتصام بتكلفته الباهظة، يحق لنا أن نتساءل عما إن كانت المشكلة قد حلت أم أنها لا تزال كما كانت قبل الفض، مجمدة ومستعصية على الحل؟ وهو سؤال يضطرنا إلى العودة قليلا إلى الوراء لكي نبدأ بتعريف المشكلة وتحريرها. فمبلغ علمنا أن المشكلة سياسية بدأت بالانقلاب العسكري الذي أدى إلى عزل الدكتور محمد مرسي وتنصيب آخر مكانه.

 ومن ثم هدم كل ما تم بناؤه بعد انتخاب الدكتور مرسي وفي المقدمة من ذلك حل مجلس الشورى المنتخب وتجميد الدستور المستفتى عليه. وأيا كان رأينا في تلك المرحلة فالشاهد أنها حققت بعض الخطوات على طريق الممارسة الديمقراطية.

 ورغم القصور أو الخطأ في تلك الخطوات، فإننا كنا نعرف على الأقل أن ثمة آلية ديمقراطية تمكننا من تصويب الخطأ ومحاسبة من أخطأ واستبداله بغيره إن كان ذلك ضروريا.

 وهو ما اختلف بعد انقلاب 3 يوليو، الذي استدعى إلى الواجهة شرعية جديدة استندت إلى التأييد الشعبي الذي اتكأت عليه القوات المسلحة، وهذه حلت محل شرعية الصندوق التي استند إليها نظام الدكتور محمد مرسي، ومنذ حسم الصراع بين الشرعيتين لصالح الأولى دون الثانية انفجرت الأزمة في العلن ومرت محاولة حلها بأطوار عدة، كانت الجهود الدبلوماسية الدولية من بينها. ومن الواضح أن تلك الجهود فشلت.

 لا نعرف تفاصيل الاتصالات التي جرت في تلك المرحلة، لكن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت في تقرير نشرته يوم 17/8 الحالي أن وزير الدفاع الأمريكي أجرى 17 اتصالا هاتفيا بهذا الخصوص مع الفريق السيسي، وأن كل اتصال كان يستغرق ما بين 60 و90 دقيقة، كما تحدث التقرير عن تيار نافذ في دائرة القرار بمصر ظل رافضا للتفاهم ومؤيدا لفكرة التصعيد «للتخلص من الإخوان بصفة نهائية»، بعد تكريس الانطباع بأنهم جماعة إرهابية.

وإذا صحت هذه المعلومات فإنها تفسر لماذا كان الصدام حتميا ولماذا كان استخدام القوة في فض الاعتصامات قرارا مسبقا؟.

 لم يتح لنا أن نسمع وجهة نظر الإخوان إلا أن صورتها كجماعة إرهابية واجبة الإقصاء والاستئصال ظلت تعمم طول الوقت من خلال تصريحات السياسيين والأبواق الإعلامية، إلى أن انتهى الأمر بالتضحية بعدة ألوف بين قتيل وجريح.

 وفي أعقاب ذلك قرأنا أمس أن مجلس الوزراء سيبحث مقترحات جديدة لحل الأزمة أعدها الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء.

 ولا نعرف ما إذا كانت الحكومة صاحبة قرار في هذه المسألة أم لا، إلا أن فكرة تقديم المقترحات بحد ذاتها تعني أن فض الاعتصام لم يحل الأزمة، ولكنه عالج بعض أعراضها في الأجل القصير على الأقل، وهو ما يعني أيضا وضمنا أن الأزمة لا تزال تراوح مكانها تنتظر الحل.

 وأننا بعد التكلفة الباهظة التي دفعت عدنا إلى المربع رقم واحد، ولا تزال تحيرنا إجابة السؤال مع العمل؟

 ظاهر الأمر أن الأزمة سوف تستمر إلى أجل غير قريب.

 وعندي من القرائن والإشارات ما يدل على أن الرغبة في حلها بشكل جاد لم تتوافر بعد، وأن مصر في صدد الدخول في أجواء الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي التي تأجج فيها الصدام بين الرئيس عبدالناصر والإخوان (هل يكون ذلك سببا في استدعاء اسم عبدالناصر هذه الأيام؟). وهو ما يعني أن مصر بصدد العودة إلى الوراء لأكثر من خمسين عاما على الأقل.

 والمشكلة في هذه الحالة لن تتمثل في مصير الإخوان، رغم أنها تبدو مهيمنة على الخطاب السياسي والإعلامي هذه الأيام، ولكن المشكلة الأكبر ستكون من نصيب مصير المسار الديمقراطي، الذي إذا كنا قد رأينا لصالحه ضوءا في نهاية النفق بعد ثورة 25 يناير، إلا أننا في ظل الانسداد الراهن صرنا نتلمس النفق ذاته فلا نجده.

حزن مضاعف - فهمى هويدى


الحزن بدا مضاعفا. نمنا فى الليل على مذبحة المعتقلين المرحلين إلى سجن أبوزعبل. وصحونا فى النهار على مذبحة المجندين الذين قتلوا فى رفح. فى الأولى قتل مصريون مصريين وفى الثانية تكررت نفس الفاجعة وقتل مصريون مصريين أيضا. وهو ما جعلنا نقول إن الطرفين اشتركا فى ثلاثة أمور، الأول: أن القاتل والقتيل من المصريين، الثانى: إن الضحايا جميعا من الأبرياء العزل ولم يقترفوا ذنبا يسوغ قتلهم. الثالث: أننا لم نفهم شيئا مما جرى لهم، فلا عرفنا كيف قتل الأولون ولا عرفنا لماذا قتل الآخرون. كأنما كتب علينا أن نكتفى باختزان الحزن والحسرة وأن نضع أيدينا على قلوبنا راجين الله ألا تصدمنا فاجعة أخرى.

القائمون على الأمر لم يروا تلك المشتركات، ولكنهم تعاملوا مع الفاجعتين من منظور مختلف، يعتبر الأولين من ذوى الدم الرخيص والآخرين من ذوى الدم الغالى. فجريدة الأهرام فى عددها الصادر أمس (الثلاثاء 20/8) لم تشر على صفحتها الأولى إلى خبر مقتل الـ38 مصريا المرحلين إلى أبوزعبل، وإنما نشرته على النصف الأسفل من الصفحة الثالثة، واستهلته بالعبارة التالية: أكد الدكتور حازم الببلاوى رئيس مجلس الوزراء أن الحكومة لن تتهاون فى حماية أمن البلاد ضد قوى الإرهاب. موضحا أنه سيتم التحقيق فى ظروف وملابسات حادث وفاة 37 من سجناء الإخوان أثناء نقلهم بسيارة الترحيلات.

بالمقابل فإن خبر قتل الخمسة وعشرين مجندا فى رفح كان العنوان الرئيسى للصفحة الأولى، ووصفوا فى مقدمة الخبر المنشور بأنهم «من خيرة شباب مصر، جادوا بأرواحهم الطاهرة، وهم يؤدون رسالتهم السامية فى حماية أمن الوطن والمواطن، ثم تحدث الخبر عن اجتماع رئيس الجمهورية مع وزيرى الدفاع والداخلية لبحث الموضوع، وعن نعى وزير الداخلية لشهداء الشرطة، وعن اتصال هاتفى أجراه رئيس الوزراء مع وزيرى العدل والداخلية بشأن ما جرى فى رفح، واتصال آخر للدكتور الببلاوى بشأن ما حدث للمرحلين إلى سجن أبوزعبل.

     ليس لدي أى تحفظ على تقدير موقف الجنود الذين قتلوا، وأذهب إلى أن الإشادة بهم فى محلها تماما لكن تحفظى ينصب على ازدراء المصريين الآخرين والتهوين من بشاعة ما جرى لهم. وإذا كان منظر جنود الأمن المركزى قد أبكانا وهم ممددون على الأرض بأيديهم المربوطة من الخلف، فإن صور الذين قتلوا وتشوهوا فى سيارة الترحيلات قد روعتنا وسربت القشعريرة إلى أبداننا وأعطتنا احساسا بالذل والهوان. فهؤلاء الأبرياء لم يحاكموا ولم تتم إدانتهم ثم جرى إذلالهم وهم أحياء وهم أموات وحتى بعدما صعدت أرواحهم إلى بارئها.

وحدها الأقدار التى جمعت بين المشهدين وبينت ما بينهما من تفاوت مر أشك كثيرا فى أنه يمكن أن ينسى، كما أننى أحذر من اختزان طبقات الحزن المسكون بالذل، وأذكِّر بأن البراكين تتشكل أساسا من تراكم تضاريس برية وبحرية وانصهارها فى عمق التربة إلى درجة لا تحتمل القشرة الأرضية حرارتها، مما يؤدى إلى انفجارها وانطلاق الحمم منها. الأمر الذى يجعلنا من الآن فصاعدا لا نستبعد سيناريو انفجار الحزن ونتخوف من تجلياته.

على صعيد آخر، فالأمر كله يكتنفه الغموض. فنحن لم نعرف شيئا عن التهمة التى وجهت إلى المرحلين إلى سجن أبوزعبل، علما بأنهم ليسوا جميعا من الإخوان كما انهم ليسوا جميعا إسلاميين، بعدما تبين أن من بين القتلى مسئول فى حزب غد الثورة بمحافظة الفيوم. كما أن الأقوال تضاربت فى شأن الطريقة البشعة التى قتلوا بها، فمن قائل إنهم قتلوا داخل السجن، وقائل إنهم اختنقوا فى عربة الترحيل المغلقة، وثمة رواية ثالثة تحدثت عن تعذيبهم وإطلاق الرصاص عليهم، فى حين قيل لنا إنهم اختنقوا نتيجة الغاز الذى تسرب من قنبلة ألقيت عليهم.. الخ. وفى كل الأحوال فإننا لم نسمع رأيا واضحا من جهة غير حكومية موثوق فيها. ولكننا تركنا نهبا للبلبلة والشائعات.

البلبلة ذاتها والشائعات لاحقتنا فى ملابسات قتل جنود الشرطة الـ25، الأمر الذى يكرر مشهد قتل الـ16 جنديا فى شهر رمضان قبل الماضى، فلا نحن فهمنا شيئا مما حدث حينذاك (أليس غريبا أن يظل الأمر لغزا لأكثر من عام؟). ولا فهمنا شيئا مما حدث هذه المرة. كما أن الغليان الذى يسود سيناء وشبه الحرب الدائرة هناك منذ عدة أشهر، ذلك كله يعنى ان الإدارة العسكرية والأمنية فشلت فى كسب ود وثقة القبائل هناك. وأن موت السياسة فى مصر ضرب سيناء أيضا. كما أن معاهدة كامب ديفيد كانت وبالا عليها وعلينا، وهو ما يستدعى إعادة النظر فى كل تلك الملابسات، الأمر الذى أشك فى أن السلطة القائمة قادرة على أن  تنهض به، خصوصا أن قيادتها الحقيقية من خارج السياسة.

محنة الحقيقة في الأزمة المصرية - فهمى هويدى


أصعب سؤال يواجه العقل المصري منذ قامت ثورة يناير هو معرفة حقيقة ما جرى ويجري في البلد، ذلك أننا شهدنا دلائل متزايدة على تغييب الحقيقة وطمسها، بل وتزويرها في بعض الأحيان.

(1)

ثمة مقولة شائعة بين الباحثين في الشأن السياسي تقرر أن الحقيقة هي الضحية الأولى في الحروب، وهو ما ينطبق بذات القدر على الصراعات السياسية الحادة. لذلك أزعم أنها تنطبق تماما على ما نحن بصدده في مصر. ذلك أن الأحداث التي تعاقبت منذ ثورة 25 يناير 2011 تاهت أو التبست فيها معالم الحقيقة. فقد عرفنا ما الذي حدث من خلال الترويج لما وقع من خلال وسائل الإعلام التي قامت بدور رئيسي في تشكيل الإدراك العام، وبسطت هيمنتها على العقل الجمعي في ظل الفراغ السياسي. بالتالي فإننا قرأنا إجابات مستفيضة على السؤال ماذا، إلا أنه جرى التعتيم أو قل التلاعب والتدليس في الإجابة عن السؤالين الكبيرين: من ولماذا. ولأننا لم نعرف من الفاعل ولماذا فعلها فإن الحقيقة بدت مشوهة ومنقوصة. وبالتالي فإننا لم نفهم ما جرى أو فهمناه على نحو مغلوط. سأفصِّل في شرح ذلك المنطوق وأدلل عليه بعد قليل، لكني سأتوقف لحظة أمام الحاصل في مصر هذه الأيام.

دم المصريين الرخيص – فهمي هويدي


لو أن مواطنا بريئا وحسن النية يتابع أخبار مصر من الخارج قرأ تصريحات الدكتور حازم الببلاوى التى أعلن فيها رفض المصالحة ومصافحة الذين تلوثت أيديهم بالدماء، فاننى لا استبعد ان تدفعه براءته إلى إحسان الظن به، متصورا انه سوف يلحق بالدكتور محمد البرادعى، ويعلن استقالته إعرابا عن رفضه فض الاعتصام بالقوة، ومن ثم رفضه مصافحة الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، باعتبارهما مسئولين عن قتل أكثر من ألف مواطن مصرى حتى الآن، وجرح أكثر من أربعة آلاف. وربما شجعه على ذلك الظن أن الدكتور الببلاوى سبق أن استقال من حكومة الدكتور عصام شرف احتجاجا على قتل بعض الأقباط فى أحداث ماسبيرو. وإذا ما قيل لصاحبنا هذا ان رئيس الوزراء شكر الرجلين واثنى على دور رجال الشرطة كما قدم عزاءه لأسر شهدائهم الذين بلغ عددهم نحو ستين شخصا، فأغلب الظن أنه سيبدى دهشته ويتساءل: ماذا عن دماء الألف الآخرين؟
هذا السيناريو ليس كله افتراضيا، لأنه من وحى الأجواء الراهنة التى يذكر فيها شهداء الشرطة بخير يستحقونه لاريب، إلا انه يتم تجاهل الألف مواطن الذين قتلوا خلال الأسبوع الأخير، وحين تطرق وزير الداخلية إلى الموضوع فى مؤتمره الصحفى فإنه اعتبر الأولين شهداء لكنه تحدث عن الآخرين بحسبانهم موتى. ولم يذهب إلى ما ذهب إليه آخرون ممن اعتبروا ان هؤلاء الاخيرين مصيرهم الجحيم!
الخلاصة التى يخرج بها المرء من هذا المشهد ان الدم المصرى عند أركان السلطة القائمة ليس شيئا واحدا، بحيث انه إذا كان كل المصريين مواطنين، إلا أنهم ليسوا سواء، فهناك مواطنون مرضى عنهم من ذوى الدم الغالى، وهناك آخرون من المغضوب عليهم دمهم رخيص. وهذا بدوره ليس افتراضا أو افتراء، لأن أحد الصحفيين كتب قائلا انه ليس كل دم المصريين واحدا، لأن دمهم ــ يقصد الإخوان ــ صار ملوثا بحكم انتمائهم، وبالتالى فإنه لم يعد فى صفاء وطهارة دماء بقية المصريين
مثل هذا الكلام الذى يردد خطاب النازيين يمر على كثيرين ويقبل به وربما أيده البعض، دون إدراك خطورته أو مآلاته، خصوصا تأثيره على التعايش والسلم الأهلى، ثم اننى لا أعرف بالضبط صداه فى أوساط ذوى الدماء الملوثة حين يريدون أن يستردوا اعتبارهم ويدافعوا عن وجودهم.
أفهم ان شيطنة المخالفين مطلوبة فى الوقت الراهن ليس فقط لإقصائهم وإخراجهم من الحياة السياسية، وانما أيضا لتبرير اجتثاثهم واقتلاعهم من الواقع المصرى. إذ حين يتظاهر أولئك المخالفون أو ينظمون اعتصاما سلميا فإنه يصبح مطلوبا اتهامهم بالإجرام والإرهاب وممارسة القتل والتعذيب وحيازة الأسلحة الثقيلة والكيماوية وغير ذلك، باعتبار ان الترويج لمثل هذه الشائعات يوفر الغطاء السياسى والقانونى للتعامل معهم بقوة السلاح، لأنه فى هذه الحالة يصبحون فى مواجهة حالة جنائية وليست سياسية، لكن الغلو فى هذا الاتجاه إلى الحد الذى تجرح فيه قيمة المواطنة لدى المخالفين يزرع بذور فتنة كبرى تفتح الباب لشرور لها أول له ولا آخر.
ان الدعايات المسمومة التى يروج لها داخل مصر لتمزيق أواصر المجتمع والنيل من إنسانية بعض مكوناته تقابل بالدهشة من جانب السياسيين الغربيين الذين يتوافدون على القاهرة هذه الأيام. ومن يقرأ التقرير الذى نشرته جريدة نيويورك تايمز يوم السبت 17 أغسطس الحالى، وأعده ثلاثة من كبار محرريها، يلحظ تلك الدهشة والاستغراب من المنطق الذى يتحدث به مع الأجانب بعض كبار المسئولين المصريين هذه الأيام، وهو منطق اعتبروه «كارثيا». وقد روى أولئك الصحفيون كيف أن واحدا من أولئك «الكبار» حث ضيفا أمريكيا قدم إلى مصر مؤخرا على عدم مخاطبة الإخوان بحجة انهم لا يحترمون القانون. 
فما كان من الضيف  الأمريكى إلا أن قال له انه ليس بوسعك أن تحاضرنى فى القانون لأنك توليت منصبك من خارج القانون ولم تأت بك أصوات الناخبين.
ان غرور القوة وحسابات اللحظة التاريخية التى جعلت المسئول لا يرى أبعد من موضع قدميه تكون أحيانا على حساب المشاعر الإنسانية التى ينبغى ألا يتخلى عنها العقلاء والراشدون، الأمر الذى يدعونا إلى تذكيرهم بأنه ليس المهم أن يكون الشخص مؤيدا أو معارضا، وإنما الأهم ان يظل فى كل حالاته إنسانا له الحق فى الكرامة، حتى إذا أجهض حقه فى الحلم.

علموا أولادكم


غادة عطا تكتب: اليوم السابع
علموا أولادكم أن دين الإسلام منهج حياة. 

علموهم أن الدين حياة للإنسان قبل حياته الأخرى وليس موتا ولا حبا للفناء. 

علموهم أن المبادئ والقيم والأخلاق هى روح هذا الدين.

علموهم أن يعطوا لا أن يبخلوا وأن يحسنوا لا أن يطمعوا.

علموهم مكارم الأخلاق وفضائل الإسلام ومناقب العظماء وعلموهم علوم وقواعد الدين حتى تحصنوهم من الضلال والفتن وعثرات الطريق ورفقاء السوء. 

علموا أولادكم الحب والرفق والكلام الطيب.

علموهم أن الإنسان مأمور بالحب والمودة والرحمة والإحسان والإيثار. علموهم أن يحسنوا لأسرتهم الصغيرة ثم لعائلتهم الكبيرة وأصحابهم ورفاقهم حتى يكبروا ويحسنوا لكل العالم من حولهم. 

علموهم أن الإنسان مأمور بالأمل والثقة بالله واليقين تماما كما هومأمور بالسعى الدؤوب والعمل الخالص لوجه الله. 
وشجعوهم على أن تكون لهم أهداف فى الحياة يسعون لهم وأولويات يقدمونها. 

علموهم أن يجعلوا كل خطواتهم يسبقها التخطيط وإصلاح النية حتى تكون كل أفعالهم خالصة لوجه الله. 

علموا أولادكم الصدق فى كل أحوالهم، علموهم أن يكونوا متصالحين مع ذواتهم صادقين مخلصين يراقبون الله ويتقونه فى كل تصرفاتهم.
علموهم أن ينجحوا لينصروا هذا الدين بحسن صنيعهم.

علموهم أن يكونوا علماء ونبغاء ومصلحين يرفعوا شأن هذا الدين وسط الأمم فالإسلام دين عمل وجد يأمر الإنسان بالعلم والعمل على حد سواء. 

علموهم أنهم ليسوا بحاجة لأن يكونوا ببغاوات مقلدين غربا وشرقا فحضارة الإسلام هى من نقلت مشاعل النور لأوروبا وأخرجتهم من عصور الظلمات بعلم وعبقرية علماء المسلمين كابن سينا والرازى وابن رشد وابن الهيثم والفارابى.

علموهم أن يفكروا ويبدعوا وينتجوا ويصنعوا ويزرعوا ويكتشفوا ويخترعوا لينصروا هذا الدين.

علموهم أن يكونوا سياسيين لديهم مبادئ وأخلاق فى كل قراراتهم واتجاهاتهم. 

علموهم أن يكونوا رجال دولة يخافون الله ويتقونه وأن يتمثلوا فى نفوسهم عبقرية وسيرة قادة أقاموا دولة العدل وسادوا العالم بأخلاقهم ولم ينته من العالم أثرهم.

علموهم حب العلم وحب العمل وحب الأخلاق.

علموهم أن النجاح والريادة لن تكون سوى بالتمسك بقيم وأخلاق وسماحة هذا الدين علموهم أنهم لن يغزو القلوب سوى بالرحمة والحب.

علموهم أن الأخلاق لا تنفصل عن العقيدة، علموهم أن المسلم أفعاله لا تنفصل عن أقواله وعقيدته لا تنفصل عن معاملاته.

اغرسوا فى نفوسهم الخير حتى تطيب نفوسكم بغرسكم وينصلح حال تلك الأمة بأولادكم.

الزواج السرى - طارق الحبيب


لا نتحدث هنا عن الجانب الشرعي، فالعلاقة لابد أن تكون شرعية حتى نسميها زواجاً، لكننا نتكلم عن جانب السرية في هذه العلاقة.

سرية الزواج قد تكون محمودةً لذاتها وقد تكون مذمومةً لذاتها حسب الظروف المحيطة بهذا الزواج، فلو أن امرأة أربعينية ذات أولاد تقدم لها رجل ورغبت بالزواج منه لكنها لم تتأكد من جديته، ربما كان من المنطقي في البداية أن يكون زواجهما سرياً، لكن بعلم أهلها وليس بعلم المجتمع، حتى تتأكد من جدية ذلك الزواج ثم تعلنه.

كما قد يكون الزواج السري مذموماً، كحال الذي يسافر إلى الخارج ولا يأخذ زوجته وأولاده، إنما يذهب للزواج السري باحثا عن المتعة فحسب، وبعد أن ينال مبتغاه يحزم حقائبه ويعود، وهذا النوع مذموم لذاته.

رياح التكفير السياسي - فهمى هويدى


يعرف كثيرون أن الدكتور محمد البرادعي كان أحد مهندسي ومنظري إخراج انقلاب 3 يوليو. وأنه كان شريكا في ترتيب أوضاع ما بعد الانقلاب سواء في محيط الرئاسة أو فيما خص الاتصال بالعالم الخارجي، أو في تشكيل الحكومة وترشيح بعض أعضائها. ومن ثم فلا يشك أحد في أن الرجل وظف خبرته وتاريخه ورصيده المعنوي لصالح إنجاح الانقلاب وتسويقه، وهذه الخلفية لا يستطيع المرء أن يتجاهلها وهو يشهد «الانقلاب» على الرجل الذي صرنا نتابعه هذه الأيام عبر وسائل الإعلام المصرية، التي ما برحت تجرح شخصه وتاريخه حتى قرأت اتهامات له بالخيانة وشاهدت رسوما كاريكاتورية صورته وهو يطعن مصر في ظهرها، ذلك غير الدعوات التي أطلقت لتحديد إقامته والشائعات التي تحدثت عن علاقته بالتنظيم الدولي للإخوان، وعن إدراج اسمه ضمن الممنوعين من السفر إلى الخارج.. إلخ.

المحظور الذي وقع فيه الرجل وأدى إلى ملاحقته واغتياله سياسيا ومعنويا يتلخص في أنه تحدث عن الإخوان باعتبارهم قوى وطنية لا ينبغي تجاهل دورها، ثم إنه رفض استخدام القوة في اعتصام رابعة العدوية وتحدث عن وجود وسائل أخرى سلمية لفضه وحل الأزمة مع الإخوان، ثم إنه قدم استقالته من منصبه كنائب رئيس للجمهورية بعدما تم استخدام القوة في فض الاعتصام الذي سقط فيه مئات القتلى وآلاف الجرحى.

كانت جريمة الدكتور البرادعي أنه اختلف مع شركائه حول مسألة القتل وأراد أن يخلي مسؤوليته عن الدماء التي أريقت فأعلن رأيه وقرر الانسحاب من المشهد والاستقالة من منصبه. أعني أنه اختلف في الأسلوب وليس في الغاية. لأنه كان شريكا وجزءا من الانقلاب منذ لحظاته الأولى. لكن ذلك لم يغفر له، فاستهدفته السهام على النحو الذي أشرت إليه.

حالة الدكتور البرادعي ليست الوحيدة، لأن العدد القليل من المثقفين الذين حاولوا أن يتبنوا مواقف معتدلة وشريفة التزموا خلالها بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. تعرضوا لحملات مماثلة من التشويه ومحاولات الاغتيال عبر وسائل الإعلام، التي نصبت المشانق المحاطة بحملة الأسهم المسمومة. لكل من تسول له نفسه أن يعترض على خطاب الكراهية ودعوات الإبادة السياسية بل والمادية أيضا. ولا غرابة في ذلك، فقد كتب أحدهم داعيا إلى إحراق الإخوان بـ«الجاز» (يقصد الكيروسين).

الملاحظ أن حملات التجريح والاغتيال هذه تتم في أوساط عناصر كانت ومازالت معارضة للإخوان ومخاصمة لهم، وهو ما يصوِّر لك مدى حدة الاستقطاب وعمق مشاعر الكراهية التي جعلت البعض لا يحتملون أي قدر من الاختلاف مع رفاقهم ونظائرهم. 

ودهشتنا تتضاعف حين نجد بين حراس المشانق وحملة الأسهم المسمومة مثقفين وأكاديميين محترمين كانوا يعظوننا طوال السنوات التي خلت في الدعوة إلى التسامح وضرورة احترام الرأي الآخر والالتزام بقيم الديمقراطية والتعددية... إلخ.

إذا كان ذلك يحدث بين أبناء الفصيل السياسي الواحد، بحيث أصبح الاختلاف في الوسائل مسوغا للاتهام بالأخونة وبتقاضي الأموال من التنظيم الدولي وصولا إلى الاتهام بالخيانة، فلك أن تتصور ما يمكن أن يرمى به المحايدون على قلتهم، ناهيك عن الذين اختاروا الاصطفاف إلى جانب الفصيل الآخر المعارض للانقلاب، سواء كانوا من الإسلاميين أو من المستقلين.

وفي مثل هذه الأجواء فإننا لا نبالغ إذا قلنا إن الطريق نحو إقامة غرف الغاز وتجهيزها للمحرقة الكبرى بات مفتوحا وممهدا. والذين تحدثوا عن إحراقهم بالكيروسين أو اعتبروا أن مجرد الإعدام قليل على رموز المعارضين، حتى إذا كانوا يمثلون أصواتا استثنائية، يهيئون الأذهان للقبول بفكرة المحرقة.

ربما جاز لنا أن نقول الآن إننا بصدد الدخول في طور التكفير السياسي. ذلك أنه إذا كنا قد شهدنا تراجعا لدعاة التكفير الديني الذين يخرجون من عداهم من الملة الدينية، فإننا الآن نواجه تكفيرا مماثلا في مصر لإخراج المخالفين من الملة الوطنية.
لا أمل لنا في تجاوز هذه المحنة سوى أن نراهن على ثبات القلة القليلة من أصحاب الضمائر التي لم تشوه ولم تمت، لأنهم وحدهم يقدمون الدليل على أن الجنون ليس مطلقا وأنه لا يزال في مصر بقية من عقل تعطينا بصيص أمل في مستقبل أكثر تفاؤلا وأقل تعاسة.

الطوارئ مجددًا - فهمى هويدى


ابتداء من الساعة الرابعة من مساء الأربعاء الماضى 14/8 ولمدة شهر كامل لرئيس الجمهورية أن يكلف أى شخص فى بر مصر بتأدية أى عمل يخطر على باله، من عجين الفلاحة وحتى إلقاء نفسه فى النيل، مرورا بتطليق زوجته والمشى على يديه فى الشارع. وهذا كلام لا هزل فيه.

 ولكنه نص قانون الطوارئ الذى لم أضف إليه حرفا، وكل ما فعلته أننى قمت بتنزيل النص على الواقع (لعلم الأجيال التى لا تعرف عجين الفلاحة أذكر بأنه أحد التمارين الشهيرة التى تتدرب عليها القرود لتسلية المشاهدين) وإذا لم تصدق ما قلت فإليك نص المادة الثالثة من قانون الطوارئ الذى سيحكمنا طوال الشهر المقبل:
لرئيس الجمهورية متى أعلنت الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابى أو شفوى (تصور!) التدابير الآتية أولا: وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور فى أماكن أو أوقات معينة، والقبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم، والترخيص فى تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. وكذلك ــ خذ بالك ــ تكليف أى شخص بتأدية أى عمل من الأعمال (!!).

 وهذا النص العجيب الذى يعطى رئيس الجمهورية الحق فى أن يأمر ليس فقط كتابة وإنما أيضا شفاهة أى شخص من التسعين مليون مصرى بأن يؤدى أى عمل يخطر له على بال. وفى هذه الحالة فإن «عجين الفلاحة» يعد أمرا واردا بل وهينا للغاية. ولعلم جنابك أيضا فإن المادة الثالثة من القانون سيئ الذكر يعطى الرئيس الحق أيضا فى أن يأمر كتابة أو شفاهة بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها، ومراقبة الصحف النشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم (!) وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها ــ كما أن له الحق فى الاستيلاء على أى منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وله أيضا أن يأمر بإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.

من ناحية أخرى تقضى المادة الرابعة من القانون بتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه.

وإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف ابتداء من الرتبة التى يعينها وزير الحربية سلفه تنظيم المحاضر للمخالفات التى تقع لتلك الأوامر.

بقية مواد القانون (عددها الإجمالى 20 مادة) تتحدث عن محاكم أمن الدولة الاستثنائية التى سيحال إليها المخالفون لأوامر رئيس الجمهورية وحقه فى وقف المحاكمات أو إلغاء الأحكام أو التصديق عليها. إذ طالما أن له الحق فى أن يطلب من أى مواطن أن يقوم بأى عمل يخطر له على باله، فله الحق أيضا فى أن يتصرف فى مصير المواطن بالصورة التى تعن له. فيحبسه أو يطلقه أو يضعه تحت المراقبة أو يقرر نفيه أو إعدامه!

المهتمون بالأمر يعرفون أن قانون الطوارئ صدر بعد الحرب العالمية الأولى باسم قانون الأحكام العرفية، وأن سلطة الاحتلال البريطانى حرصت على إصداره قبل إقرار دستور  1923، وكان المراد منه تقنين إمكانية تكبيل المجتمع وإطلاق يد السلطة والأمن فى مقدراته فى المواقف التى تخشى السلطة من تداعياتها، بما يهدد نفوذها. وقد تم تعديل القانون فى عام 1958 أثناء المرحلة الناصرية وأصبح يحمل اسم قانون الطوارئ الذى سبقت الإشارة إلى مضمونه. ومنذ ذلك الحين تحضع مصر لحالة الطوارئ، باستثناء فترات معدودة، الأمر الذى يعنى أنها تعيش فى ظل الطوارئ منذ ربع قرن تقريبا.

يهدئ البعض المخاوف من تطبيق الطوارئ بدعوى أن أغلب بلاد الدنيا لديها قوانين من ذلك القبيل. وهذا صحيح لكنه حق أريد به باطل، بمعنى أن الأمر يختلف من بلد إلى آخر، من حيث جدية الظروف التى تستدعى إعلان الطوارئ، لأن بعض الدول تفتعل الأزمات أو تخوف منها لتطبيقها، كما أن هناك اختلافا أيضا حول قوة مؤسسات المجتمع من عدمها، لأن وجود المؤسسات القوية كفيل بالحيلولة دون تغول السلطات وطغيانها تذرعا بالطوارئ. ثم إن مضمون القانون يختلف من بلد إلى آخر، حيث لا أعرف مثلا أن بلدا محترما سمح فيه قانون الطوارئ لرئيس الدولة أن يأمر شفاهة أى شخص بأن يقوم بأى عمل وإلا تعرض لعقوبة السجن.

إن قضية الحريات العامة تظل الضحية الأولى لتطبيق الطوارئ. وهو ما نلمسه فى مصر منذ وقع انقلاب الثالث من يوليو. وإذا كانت أصداء الخوف ومقدمات مصادرة الرأى الآخر قد حدثت منذ وقعت الواقعة، فلم يكن مستغربا أن يتضاعف ذلك الخوف بعد الإعلان الرسمى عن تطبيق قانون الطوارئ، حيث صار الشعار المرفوع ضمنا هو من اعترض صودر وانطرد. وهو ما لم يخطر على بال الذين قاموا بثورة 25 يناير، التى يطاح بأهدافها الآن تحت أعيننا ــ ادعوا لنا بالثبات والصبر.

عشر خطوات لأبوة ناجحة


جميع الآباء يحلمون أن يصبحوا من غدهم آباء ناجحين، بيد أن حلمهم ذلك يتكسر على صخرة واقعهم السلبي، وإذا بهم في حالة أشد ما تكون بعدا عن رجائهم ومبتغاهم،لذلك -وبدون مقدمات- دعني أصف لك عشر خطوات هامة في الطريق نحو أبوة ناجحة:
أولاً: الفعل قبل القول:
يحتاج أبناؤنا لنا كنموذج قدوة تطبيقي حي يتحرك أمامه لا إلى مذياع يحكي له عن بطولاته.
إنّ الفعل أبلغ من القول، وفعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل، والقدوة الصالحة من أعظم المعينات على تكوين العادات الطيبة حتى إنها لتختصر الجهد في معظم الحالات.
إن أطفالنا يحاكوننا في الصلاة قبل أن يتعلموا النطق، ولعل ذلك من بركة توجيهاته صلى الله عليه وسلم لصلاة النوافل في البيوت.
ثانيًا: أصلح طبيعتك لا ظواهرك
أبناؤنا في استقائهم الخلق وتشربهم بالسلوك لا يقنعون بالظاهر منها فحسب، بل يتعدون ذلك إلى مستويات أعمق بكثير مما يظن الآباء..
فالأب يعيش في بيته على طبيعته بغير تكلف، وهو الأمر الذي يجعله يتصرف بما وقر في حقيقته وداخليته، والولد يقلد أباه فيما رآه منه على الحقيقة لا على التكلف، والأبناء يلحظون الصغير الدقيق من السلوك والأخلاق كما يلحظون كبيرها، وتؤثر فيهم صغائر الأحوال كما تؤثر فيهم كبائر الوقائع، فلندرك ذلك ولنعمل على تغيير عاداتنا وطبائعنا نحن قبل أن نطلب تعديلها من أبنائنا.
ثالثًا: الرفق قائد البيت
إن رفق الأب يولد استقرارًا نفسيًّا لدى أبنائه ورحمة في قلوبهم بالضعيف وغير القادر،كما يولّد عطفًا بين أفراد البيت الواحد وحبًّا ومودة،وعلى النقيض فما تولدت قسوة ابن إلا من قسوة أبيه،فعن عبد الله بن جعفر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى يدخلنا المدينة " رواه مسلم.
وعن يعلى بن مرة "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام فإذا حسين يفر هاهنا وهاهنا ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبله" أخرجه ابن ماجه.
وللأسف فإن من الآباء من لا يراعى الرحمة مع أبنائه ولا الرقة في معاملتهم، فيكون أشد عليهم من الغرباء، فيترك في أنفسهم جروحًا غائرة لا تزول ولا بمرور السنين.
رابعًا: الحزم أخو الرفق
ليس معنى الرفق أن يتهاون الأب مع أولاده في مواطن الحزم،ولا يمكن أن يرى الأب ابنه يفعل السيئات أو المخالفات وبدعوى الحكمة والرحمة والرفق يتركه أو يقره على ما هو عليه، ولكن الحزم والحكمة تستدعي من كل أب أن يقف مع ولده وقفة حازمة قوية يضع له فيها الحدود ويبين له القواعد التي ينبغي ألا يحيد عنها، وليعلم كل أب أن وقفاته مع ولده لا تنسى، ولكنها تحفر في ذهن الولد، فإن وجد فيما يستقبل من عمره قدوة صالحة من أبيه زاد ترسخها وصارت خلقًا ثابتًا فيه وصفة أكيدة من صفاته.
خامسًا: منهجية ولكن بفقه !
كل أبِ يحب أن يكون له منهج في معاملة أبنائه،وبعض الناس يريد أن يرغم أبناءه على أعمال وأفعال،ونصيحتي هاهنا أن تبدأ التعليم بطريق التحبيب والترغيب،لا بطريق الأمر والترهيب،وليكن التحذير متأخرًا والترهيب متباعدًا،فإياك والتشنج في تطبيق التعاليم والضوابط.
سادسًا: ثقافتك ثقافة لأبنائك
يجب على الآباء تثقيف أنفسهم وتعليمها فن التربية وأساليبها،ومداومة سؤال المربين والخبراء والعلماء في ذلك، كما يستحب لهم متابعة الإصدارات التربوية الحديثة والوقوف على ما ينفع منها.
سابعًا: الصبر تربية
تعلم الصبر على الأولاد من المهارات الأبوية الهامة، وقد حذر المربون من كثرة معاملة الأولاد بالغضب خصوصًا إذا كانت طبيعة الأب عصبية أو سرعة الغضب، وليحذر الآباء من ضرب أولادهم في لحظات الغضب فإن ذلك من الأخطاء الخطيرة التي لا تؤدى إلى تعليم ولا توجيه ولكنها عبارة عن إنفاذ غيظ فحسب.
ثامنًا: الصداقة..
كل أبٍ بحاجة إلى أن يخلو بولده عندما يكبر قليلاً كل مدة قريبة ليمازحه ويكلمه، ويسأله ويتقرب منه ويسأله عما يحزنه أو يؤرقه أو لا يعجبه، ويسأله عن آماله وأحلامه وطموحاته، فلقاءات المصالحة والمصارحة هي تفريغ نفسي وجداني هام للغاية في تربية الأولاد، ولئن اشتكى معظم الآباء من عدم قدرتهم على التقرب من أولادهم فلأنهم قد قصروا في لقاءات المصارحة تلك في الصغر، فصعب عليهم ذلك في الكبر وبنيت الجدران بينهم وبين أولادهم.
تاسعًا: الأب.. والزوج
هناك علاقة قوية جدًّا بين كون الأب ناجحًا وبين كونه زوجًا ناجحًا، فالزوج الناجح هو الذي يهيئ لأولاده البيئة الأسرية الخالية من المشكلات، والمؤرقات، والمنغصات، والمؤثرات النفسية السلبية، وهو الذي يعين زوجته ويساعدها على إتمام العملية التربوية بنجاح وإنجاز.
عاشرًا: كن ربانيًّا
إنّ لحظات الدعاء التي تقضيها بين يدي ربك تدعو فيها لولدك أن يهديه الله ويرزقه الصلاح والفلاح ويحبب إليه الإيمان لهي من أهم اللحظات في حياتك والتي ستجني ثمارها عما قريب.
ولا تنسني من صالح دعائك أيها الأب الكريم
المصدر: موقع المسلم.

الوطن على شفا هاوية - فهمى هويدى


وقع المحظور وانطلقت شرارة الحرب الأهلية، وقتل المصريون مصريين آخرين حتى غرق الفضاء المصري في بحر من الدم، ولايزال الوقت مبكرا لمعرفة عدد الضحايا ولكننا رأينا جثث العشرات منهم على الأرض وشاهدنا صور من تفحم منهم، وما نعرفه أن يوم أمس الأربعاء 14 أغسطس كان يوما أسود في تاريخ المصريين، ما نعرفه أيضا أنه عندما تسيل الدماء بين أبناء الوطن الواحد فإن ذلك لا يعني فقط أن الرشد غاب بينهم، وإنما يعني أيضا أن الوطن صار على شفا هاوية لا ترى أبعادها لكنه يغدو راكضا على طريق الندامة.

لقد حقق دعاة الشيطنة مرادهم، فجرت محاولة فض الاعتصام بالرشاشات والمدرعات والقناصة خصوصا أولئك الذين أقروا بأن دماء المصريين حرام حقا لكنهم استثنوا أولئك النفر من المصريين المتشيطنين، إذ قالوا صراحة أن دماءهم ملوثة ونجسه ومن ثم فلا حرمة ولا كرامة لهم. وانفضحت الكذبة التي روجوا لها في حملة الشيطان حين ادعوا أن أولئك «الإرهابيين» يخزنون السلاح ولديهم رشاشات وصواريخ وأسلحة كيماوية وحين تمت الغارة عليهم فإنهم استقبلوا الرصاصات التي استهدفتهم بالطوب والحجارة تارة وبالجهر بالدعاء إلى الله أن يخفف عنهم البلاء الذي نزل.

اسمع من يقول إن المعتصمين تم تحذيرهم وأن ثمة تفويضا لفض الاعتصام بدأ بوزارة الدفاع وانتهى بوزير الداخلية مرورا برئاسة الحكومة، وأن الجهة التي كلفت بالفض لم يكن أمامها خيار آخر، لكنني قلت إن فض الاعتصام بالقوة يعني فشل السياسة والسياسيين، كما أنه في مواجهة بعض المشكلات المعقدة قد لا يتفق أطرافها على ما يمكن عمله، لكنه عند الحد الأدنى ينبغي أن تتفق تلك الأطراف على ما ينبغي تجنبه ومالا يقبل عمله. من هذه الزاوية أزعم أن هناك الكثير الذي كان ينبغي عدم الوقوع فيه. حتى لا تتحول محاولة فض الاعتصام إلى نوع من الاستباحة التي تفتح الأبواب لانطلاق مختلف الغرائز الشريرة التي يمكن أن تحرق الوطن في نهاية المطاف. من ذلك مثلا أن إطلاق الرصاص على المتظاهرين إذا كان ضروريا فينبغي له ألا يتجاوز الأرجل والأطراف أما حين يطلق الرصاص على الرأس والصدر، فذلك يعني أن القتل هو الهدف وليس فض الاعتصام وحرق المتظاهرين. كما أنه لم يكن مفهوما على الإطلاق أن تستهدف المستشفى الميداني في اعتصام ميدان النهضة، وأن تحرق بكل ما فيها وما كان ينبغي أن تمنع سيارات الإسعاف من إنقاذ المصابين، وأرجو ألا يكون صحيحا ما قيل عند استخدام تلك السيارات لإدخال الجنود وسط الحشود أو لنقل الذخيرة، ولكن تمنيت أن تناط المهمة بأجهزة الداخلية وألا يقحم الجيش في العراك، بما يعيد إلى الأذهان سجل الشرطة العسكرية المؤسف في موقعة ماسبيرو. وهى ملاحظة أسجلها استنادا إلى ما بثته الـ بى بى سى عن اشتراك عناصر الصاعقة والمظلات في المواجهات، ثم إنني لم افهم سببا لإقحام كنائس الأقباط في العراك من جانب بعض المتظاهرين مما أدى إلى استهدافها في بعض مدن الصعيد ورغم إدراكي لتوتر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين بعد 30 يونيو أسباب سبق أن أشرت إليها إلا أن الاعتداء على الكنائس أثار من المشاعر ما كان ينبغى لأي طرف أن ينسب نفسه إلى التيار الإسلامي أو غيره أن يتورط فيه. وأرجو ألا يكون صحيحا ما رددته بعض مواقع التواصل الاجتماعي من أن جهاز أمن الدولة دوره في فتح جبهة الفتنة الطائفية لصرف الأنظار عن الفتنة السياسية التي عمت البلاد.

بقيت عندي ثلاث ملاحظات هي أن مجلس الوزراء حين حيا وزارة الداخلية على أدائها في المواجهة وحمل الطرف الآخر المسؤولية عن المذبحة التي وقعت فإنه أصبح شريكا في جريمة القتل وجعل أيدي جميع أعضائه ملوثة بدماء الضحايا.

الملاحظة الثانية أن بيانات وزارة الداخلية التي اكتفت بإحصاء الإصابات بين رجالها وتجاهلت عشرات القتلى من المواطنين المصريين الذين سقطوا برصاصات رجالها لم تفتقد إلى الشفافية فحسب وإنما افتقدت أيضاً إلى النزاهة واحترام حقوق الإنسان.

الملاحظة الثالثة أن الدوائر السياسية الغربية وأبواقها الإعلامية أقامت الدنيا ولم تقعدها حين قتل خمسة أشخاص في المواجهات التي حدثت في تركيا بسبب أحداث ميدان التقسيم وفعلت الشيء نفسه حين سقط سبعة قتلى في مواجهات إيران التي وقعت بعد انتخابات عام 2005 في ظل ما سمى بالثورة الخضراء، لكنها التزمت الصمت واتخذت موقفا مائعا إزاء سقوط عشرات القتلى المصريين في ميداني رابعة العدوية والنهضة.

تلك ملاحظات سريعة تتعلق بشرارات الحريق التي انطلقت، أما الحريق ذاته فله كلام آخر.

عيد مختلف - طارق الحبيب


كيف ندير فرحة العيد في نفوس أبنائنا؟ إن المشكلة أن البعض كي يربي أبناءه على العيد يحطم  العشر الأواخر من رمضان، لست أدري لماذا يختار الكثيرون عندما يتسوقون للعيد أن يتسوقوا في آخر عشر أيام من رمضان، مع أن هذه الأيام العشرة هي أيام التعبد الأساسية.

نحن مجتمع لا يرتب نفسه إلا آخر وقته، إن أردنا أن نسافر في الصيف لا نحجز إلا قبل السفر بعدة أيام، وكذلك في عباداتنا، إن أردنا أن نستعد لها نستعد لها في آخر لحظة وهذه إشكالية، مع أن الإسلام يعودنا دائما على الإعداد المبكر، فالوضوء للصلاة قبل وقتها، ويندب أن يكون الإنسان على وضوء بشكل مستمر حتى إذا جاءت الصلاة كان مستعدا.

كيف نجعل أبناءنا يستعدون للعيد؟ هل العيد في حسهم هو  نهاية رمضان (العطش والتعب والسهر مع العبادة)؟ العيد يجب أن يكون في حس الأطفال كما أراده الله تعالى، هو المكافأة لمن عمل جيدا في رمضان، وهو مجرد عبث ولعب لا قيمة له عند الله لمن لم يعمل جيدا في رمضان، فالعيد هدية من الله، يهديها لنا رب رمضان.

 يجب أن نبني في حسهم أن هذا العيد ليس يوم فرح اعتيادي، فنحن نفرح في حفلات الزواج وغيرها، لكن العيد حفلة أخرى سيدها رب العالمين سبحانه وتعالى، فقد أسماه الإسلام يوم الجوائز، وفي حديث نبينا صلى الله عليه وسلم ورد أن الجوائز توزع على من صلى وصام وقام ذلك الشهر المبارك.
حينما يأتي توزيع الجوائز، يجب أن يعرف الطفل أن جائزته ستكون بمقدار نشاطه، ولذا فإن تهيئة الطفل للعيد تكون من أول يوم في رمضان، ليعرف أن مكافأته في العيد هي ثمرة لعمله من أول يوم في رمضان إلى آخره.

إن الطفل يمر بمجموعة أعياد خلال العام، فهناك من يحتفل مثلا بعيد الميلاد، لكن يجب أن تكون الفرحة في عيد الفطر تفوق أي فرحة عيد آخر من الأعياد الدنيوية في حس الطفل، لأن الطفل مقياسه كمي، فتقييم الطفل يقوم على مبدأ اللذة لا على مبدأ الواقع، فهو يحترم العيد بمقدار ما سيتلذذ فيه.

 إن من الأخطاء التربوية أن يكون عيد الفطر هو وقت للنوم والخلاص من رمضان، يجب أن يُستعد لهذا العيد وأن يرتب له جيدا، لأن قيمته يجب أن تكون أكبر من أي عيد آخر، فهذا العيد هو عيد الله وسيد هذا العيد هو رب العالمين.

إن رفع القيمة المعنوية لهذا العيد رفعٌ لقيمة الله سبحانه وتعالى في نفس ذلك الطفل، أما إذا جعلته وقت للنوم والخلاص من العبادة ربطت الكآبة والهم والحزن بذلك العيد فيصبح الطفل ينتظر عيد الميلاد ليستمتع، وقد يلجأ الأبناء ربما إلى أعياد محرمة، أو أعياد لا تقوم بها  مجتمعاتهم بحثا عن الفرحة والمتعة.

 إن من الواجب علينا أن نقدم عرضا عيديا مختلفا في فترة عيد الفطر وعيد الأضحى، فإذا رفعنا المعنى القيمي لعيد الفطر والأضحى أصبحا منافسين للأعياد الأخرى لتبدوا المناسبات الأخرى صغيرة أمام رونق وفرحة عيدي الفطر والأضحى.

نصائح هذا الزمان - فهمى هويدى


أتلقى هذه الأيام، نصائح عدة تدعوني إلى الحذر في الكتابة، وتذكرني بين الحين والآخر بأن الدنيا تغيرت وأن أجهزة مبارك الأمنية استعادت عافيتها. ولست واثقا مما إذا كانت تلك النصائح من قبيل الحرص أم أنها رسائل للتخويف والترهيب. لكني أستطيع أن أقرر بأن ما صدر عن الأهل على الأقل من الصنف الأول، كما أنني أسجل أن ما جاءني عن غير طريق الأهل لم يعلن منه شيء عبر القنوات الرسمية وإن قيل إن بعضا منها يعبر عن رأي تلك القنوات. وقد نبهني أحد الأصدقاء الناصحين إلى أن الهجوم الذي بات يستهدفني مع غيري عبر بعض وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة ليس مصادفة، وما كان له أن يتم إلا إذا كان هناك ضوء أخضر من جهات أعلى، خصوصا أن بعضه صادر عن أشخاص يعرف كثيرون أن أداءهم ليس مستقلا دائما، ولكنه صدى لغيرهم في أغلب الأحيان.

 لم يفاجئني ما حدث، لأنني مررت بتجارب مماثلة في السابق، لكن ما فاجأني هذه المرة، ثلاثة أمور: الأول أن مشاعر الخوف والقلق انتابت كثيرين بسرعة في ظل مرحلة مستجدة كان الظن أنها تخلصت من أجواء تلك التأثيرات وطوت صفحتها. الأمر الثاني أن الناصحين ما برحوا يقولون في كل مرة إن المشكلة ليست فيما أكتبه، لكنها تكمن في عدم قدرة الآخرين على احتماله، لا لشيء سوى أنه يبدو أحيانا تغريدا خارج السرب. وهو ما لا تقبل به أجواء التربص المحمومة الراهنة. الأمر الثالث أن الناصحين لم يكتفوا بالتنبيه والتحذير، ولكنهم كانوا يقدمون لي مقترحات معينة لتجنب المخاطر والسير إلى جانب الحائط، في سكة الأمان والسلامة، حين سجلت تلك النصائح وجمعتها وجدت أنها ترسم معالم سكة السلامة المعتمدة هذه الأيام، التي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:
< عدم الإشارة إلى وصف ما جرى في 30 يونيو بأنه انقلاب. وحبذا لو جرى التأكيد على أنه ثورة شعبية كاملة الأوصاف. ما كان لقيادة القوات المسلحة أن تتدخل فيها إلا بعد إلحاح الجماهير التي أمرت ولم يكن هناك بد من الاستجابة.
 < تجاهل اعتصامات الطرف الآخر ومظاهراتهم، مع التأكيد على أن الإجماع الشعبي ملتف حول الفريق السيسي، أما معارضوه فهم فئات هامشية تضم عناصر إرهابية لا تستحق الذكر، فضلا عن أنه يتعين «تطهير» المجتمع منها.

كيف لا تكون أبا شكليا؟


يُعتبَر الأب أحد العناصر الأساسية في التكوين الأسري؛ فله أدوار مختلفة في أداء الأسرة لوظائفها؛ فدور الأب في الأسرة من المحاور الأساسية، ويعدُّ هذا الدور دورًا مركزيًّا داخل الأسرة تكاد تَنبثِق منه وتتجمع عنده بقية الأدوار في الأسرة، فبالإضافة إلى أنه مسئول عن الإنفاق، وتوفير الحماية لزوجته وأبنائه، نجد أن له دورًا في وظيفة التنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي.
ويمكن القول بوجه عام:
إن الأب هو حلقة الوصل بين الأسرة والعالم الخارجي؛ فالأب هو الوسيط الذي يتدرج من خلاله الطفل في المحيط الاجتماعي الأوسع، وعلى أساس نوع العلاقة والتفاعل بين الطفل والأب تتحدد كفاءة علاقات الطفل بالكبار والرفاق فيما بعد؛ حيث يعتبر الأب من أول العناصر المؤثرة في شخصية الابن، وفي تحديد الشكل الذي سوف تتخذه هذه الشخصية، وهذا يؤكد إسهام الأب بشكل فعَّال ومؤثر في قدرة الأبناء على التعامل مع الغرباء والمواقف الجديدة، فعن طريق مشاركة الأب في رعاية الأبناء، فإنهم يصبحون أكثرَ قدرةً على مواجهة التوتر في المواقف الجديدة، وأقل خوفًا في تعاملهم مع الغرباء، وهذا من شأنه أن يجعل الأبناء أكثر كفاءةً في علاقاتهم مع الآخرين.

ويُعتبَر دور الأب في الأسرة على درجة كبيرة من الأهمية؛ حيث يوفِّر لها دعمًا ماديًّا واجتماعيًّا يَنعكِس إيجابيًّا على علاقة الأم بالأبناء، ويزداد دور الأب أهمية وخطورة في تنشئة الطفل، خاصة في الأسر التي تَخرُج فيها الأم لميدان العمل.
فدور الآباء في عملية التنشئة الاجتماعية والتربية له أهمية كبيرة ومباشرة؛ حيث إن الأب يمنح أطفاله الشعور بالتقارب والالتصاق والمحبة، وتهيئة الجو المناسب لتنمية مواهب الطفل وقدراته، وإشباع الحاجة إلى التقدير، وتعلُّم كيفية التعامُل مع الآخَرين، وتكوين الاتجاهات النفسية نحو الناس والأشياء والمبادئ.
كما أن الأب يُمثِّل للأبناء نموذجًا للكفاح والمثابَرة في العمل؛ مما يُتيح الفرصة أمامهم لتقليده، ويَنعكِس ذلك على التحصيل الدراسي؛ فالأب يساعد الطفل على خَلقِ الدوافع التي تعمل على إبراز قدرات الطفل نحو التعلم واكتساب المعرفة الجديدة، كما أن الأب يعمل على أن يكون جهد الأبناء موجهًا نحو الواجبات المدرسية، كما أنه يُتيح للأبناء فرصة التحدُّث عن خبراتهم المدرسية ومشكلاتهم ومخاوفهم؛ مما ينعكس على مستوى تحصيلهم الدراسي؛ حيث إن الأبناء يَكتسِبون من خلال الأب العديد من الخبرات التربوية التي تجعل لديهم خبرات مختلفة تعمل على توجيه نشاطاتهم.
ولكي تستطيع القيام بهذه المهام بنجاح، وكي لا تكون أبًا شكليًّا؛ فهناك بعض النصائح التي يجب الالتزام بها في علاقتك مع أبنائك:
• لا تتحدَّث مع أبنائك مِن برج عاجيٍّ، بل انزل لمستواهم جسديًّا وفِكريًّا، فإذا كان يلعب على الأرض بلعبة مثلاً، فلا تقف شامخًا بجواره وتسأله: ماذا تفعل؟ بل اجلس بجواره، وأبدِ له مدى إعجابك بهذه اللُّعبة.
• لا تنهَ أبناءك عن شيء وتفعل أنت هذا الشيء، كأن تقول لابنتك مثلاً: إنه لا توجد صداقة بين بنت وولد، وتطلب منها عدم التحدُّث مع زملائها الذكور في الدراسة، في حين تتَّصل بك بعض زميلاتك في العمل على الهاتف في المنزل أمام ابنتك للتهنئة في بعض المناسبات المختلفة، فهنا تظهر وكأنك تقول ما لا تفعل.
• لا تأمر أبناءك بشيء ولا تُتابعهم في أدائه، كأن تقول لابنك - مثلاً -: اذهب وحلَّ عددًا من المسائل في الكتاب، ثم لا تُتابعه إلى أين وصل، وما الإجابة التي كتبَها، فهنا تبدو أمام ابنك بصورة مُتذبذِبة؛ لأنك تأمر دون متابعة، كأنك تقوم بتلك التوجيهات لمجرَّد أنك والدهم دون مبالاة بأهمية أو خطورة الأمر.
• لا تقارن بين ابنك وغيره من الأقارب والإخوة، خصوصا إذا كانت هناك فروق فردية في المستوى بينهم، فعلى سبيل المثال لا تقل له: إن فلانًا أفضل منك، ويَحصل على أعلى الدرجات، وهو يعلم أن "فلانًا" يجلس معه والده ليَستذكر له دروسه، وأنه يأتي له بالمُدرِّسين الذين يُساعدونه في تحصيل دروسه، أما أنت فلا تهتمُّ به، وتركِّز كل اهتمامك على أمره بالمذاكرة وكتابة الواجبات.
• حاول أن يكون حديثك مع أبنائك بسيطًا ومختصَرًا، وليس معقَّدًا؛ لأن الأطفال بصفة عامة قليلو التركيز، ويتشتَّت انتباههم بسهولة وسرعة.
• احرص على مناداة أبنائك بأسمائهم عندما تتحدَّث معهم، وليس مثلاً بـ (يا ولد أو يا شاطر)؛ لأن عالم الطفل يَنحصِر في نفسه والمُحيطين به مِن العائلة والأهل والأصدقاء المُقرَّبين، واذكر لهم طبيعة صلتك بالمُقرَّبين،؛ فمثلاً الطفل دائمًا يُردِّد كلمة "جدِّي"، ويُحبُّه، ولكن لا يَخطر ببال الأب أبدًا أن الطفل لا يعرف أن الجدَّ هو والد الأب أو والد الأم، فقد يُفاجأ الأب يومًا، وفي أثناء حديثه - وبالصدفة - عن علاقته بوالده "الجد" أن الطفل الصغير يسأله: هل جدي يكون والدك يا أبي؟ لذلك يجب أن يشرح الأب لابنه علاقته بهؤلاء الأقارب.
• لا تستخدم لغة الطفل وصوته في الكلام؛ فالطفل رغم أنه لا يستطيع بعدُ أن يتحدَّث مثل الكبار، إلا أنه يَفهمهم جيدًا؛ لذلك لا تقلِّد نطق الطفل الغريب لبعض الحروف والكلمات؛ لأن ذلك قد يُعوِّد الطفل على الخطأ.

• لا تَزِد على ابنك من الأعباء إذا وجدته مُرهقًا مِن عمل معيَّن، وتترك إخوته الذين كانوا في راحة ولعب، كما لا تُحمِّله ما لا طاقة له به.
• لا تُكثِر مِن أمره بالمذاكرة، بل احرص على تنظيم وقته، وعوِّده أن هناك وقتًا للمُذاكَرة وآخَر للراحة واللعب.
• لا تُكثِر مِن كلمات: "إني أتعب مِن أجلكم"، أو "إني أقضي اليوم كله في العمل مِن أجل توفير المال والراحة لكم"؛ لأنهم يعلمون أن كل الآباء يَتعبون مِن أجل أبنائهم، ولكن عليك ببثِّ روح الأمل فيهم، كأن تقول لهم: "أحب أن أراكم أفضل مني"، "أحب أن أراكم متفوِّقين"، وهكذا.
• اعلم أن الابتسامة، أو التحية البسيطة، لها أثر كبير عند معظم الأطفال، كما أن لقِطعة الحلوى أو الشيكولاتة أثرًا كبيرًا في كسر الجمود الذي قد ينشأ بينك وبين ابنك، ولا تنسَ أيضًا كلمات التشجيع والاحترام.
• يجب ألا تغيب عن الأسرة طويلاً وتترك كل التربية للأم؛ فتغيُّب الأب عن الأسرة وتركه كل التربية للأم قد يسبِّب القلق والحزن للأطفال.
• يجب أن تكون سلطة الأب هادئة وعادلة، وتَسير على الصواب؛ حتى ينشأ الأبناء على الحب والودِّ والتعاون وعدم الخَوف، وعلى العكس فشخصية الأب الدكتاتور الذي يتولى كل شيء في المنزل بنوع مِن القَسوة والعِقاب والحِرمان، هذا الأب في الواقع ضعيف ويريد أن يُثبِت وجوده باتباع أسلوبه الخشن مع زوجته وأطفاله، ويَميل أبناء مثل هذا الأب إلى القلق والشعور بالكَبت؛ مما يؤدي إلى الثورة والتمرُّد في وجه السلطة الأبوية.
وعلى كل حال، فالجو الأسري المتكيِّف السليم يلعب دورًا مهمًّا في تكيُّف الطفل في المُستقبَل، فيجب أن يكون جو المَنزل جوَّ هدوء يُساعد على راحة الأعصاب وممارسة الهوايات؛ مثل القراءة والكتابة والألعاب.