"سي فاست".. جهاز للكشف عن فيروس سى خلال 30 ثانية بدون عينة دم


تم اكتشاف وتصنيع جهاز يحمل تكنولوجيا متطوره اطلق عليه "سي فاست"، يمكنه الكشف عن اصابه اي شخص بفيروس سي خلال 30 ثانيه بدون عينه دم عن طريق البصمه الكهرومغناطيسيه، الجهاز ابتكرته الهيئه الهندسيه بالقوات المسلحه برئاسه اللواء اركان حرب طاهر عبد الله، والمخترع العميد مهندس احمد امين في عمل استمر علي مدار 19 شهرا. 



وقد تمت الدراسات العلميه والابحاث المؤكده لفاعليه الجهاز محلياً في 3 جهات تمثل الجامعات ومراكز الكبد المصريه، كما تم الاعتراف به دولياً من خلال دراسات متعدده الجنسيات في الهند وباكستان وامريكا، وجاءت جميع النتائج المحليه والدوليه لتؤكد ان كفاءه الجهاز في تشخيص فيروس سي تصل الي 97.8%، مما يوفر علي الدوله مئات الملايين من الجنيهات يتم انفاقها علي اجهزه الـ بي سي آر المعقده واستيراد الكيماويات لاجراء تحاليل تشخيص فيروس سي الدقيقه. 

اعلن ذلك خلال احتفال ضم جميع قيادات القوات المسلحه وقيادات وزاره الصحه والجامعات المصريه. 

واوضح الدكتور عادل عدوي مساعد وزير الصحه للطب العلاجي ان الجهاز يشكل نقطه تحول تاريخيه في طريقه تشخيص وعلاج مرضي الكبد خاصه المصابين بفيروس سي وبناء عليه تم توقيع بروتوكول بين الهيئه الهندسيه ووزاره الصحه بعد اجتماع ضم عددا من اعضاء اللجنه القوميه للكبد من بينهم الدكتور وحيد دوس رئيس معهد الكبد والدكتور جمال عصمت والدكتوره منال السيد لاختيار مراكز بحثيه معينه من بينها معهد الكبد ومركز الفيروسات الكبديه بجامعه القاهره لاستخدام الجهاز بشكل تجريبي في 11 مركزا ومستشفي ومعهدا تعليميا تابع للوزاره، بعد تدريب 22 شخصا في اماكن استخدام الجهاز بواقع شخصين لكل مركز. 

كما يتضمن البروتوكول اجراء دراسات عليا ماجيستير ودكتوراه علي مقارنه استخدام الجهاز مع وسائل التشخيص الاخري. 

واشار الدكتور عادل عدوي الي ان امراض الكبد من الامراض المزمنه الخطيره التي انتشرت في السنوات الاخيره بشكل كبير و انها تمثل عبئا كبيرا جداً علي الاقتصاد القومي نظرا لان ١٠٪ من السكان مريضه بامراض الكبد و١٠٪ منهم يعالجون بالانترفيرون وهو يمثل حوالي ٨٠٠ مليون مريض سنويا يحتاجون للعلاج بالانترفيرون مما يكلف الدوله حوالي ٣٠٠ مليون جنيه سنوياً، وفي العلاج علي نفقه الدوله مرضي فيروس سي الذين يعالجون بالانترفيرون يستهلكون ١٢ ٪ من ميزانيه العلاج المخصصه، لافتاً الي ان اساليب التشخيص الحاليه مثل "بي سي آر" تحتاج لعينه من الدم واجهزه معقده ومتقدمه تكنولوجيا ومكلفه جداً علي مستوي التحليل الواحد بينما الجهاز الجديد لا يحتاج ذلك وسوف يساهم في تخفيض ميزانيه الدوله بشكل ملحوظ. 

واوضح الدكتور جمال شيحه استاذ امراض الكبد بجامعه المنصوره والمحقق الرئيسي في الابحاث العلميه للجهاز والذي قام بعرضه في المؤتمرات الدوليه ان لكل بروتين بصمه كهرومغناطيسيه مميزه له ويمكن ان تستخدم للتعرف عليه، وما حدث انه تم اخذ بصمه جزيئيه لفيروس سي وتم تسجيلها علي شريحه الكترونيه للجهاز المخترع وامكن اعاده توظيفها باطلاق مجال كهرومغناطيسي ليلتقط البصمه المشابه له تماماً علي اي بقعه دم في اي مكان ليكتشف الاصابه بفيروس سي. 

وقد تم استخلاص بروتين فيروس سي بمعرفه مركز معهد وبحوث الكبد في شربين عن طريق الاجهزه الجديده في المعامل البيولوجيه الجزيئيه، لافتاً الي ان تحقيق ذلك كان ضربا من الخيال العلمي ولكن المصريين حققوه وتحول الي واقع حيث اصبح يمكن تشخيص فيروس سي بدون اخذ عينات دم من المريض، وحصل الجهاز علي براءه اختراع عام ٢٠١٠. 

وخضع الجهاز لدراسه استكشافيه شملت ٨٧٩ حاله وتمكن الجهاز من اكتشاف الفيروسات وليس الاجسام المضاده ، بالتالي فهو تتم مقارنته بتحليل بي سي آر، حيث تمكن الجهاز من تشخيص حالات جديده لم تشخص من قبل بنسب نجاح ١٠٠٪ وبدرجه حساسيه ١٠٠٪ ، والخصوصيه ٩٧.٣٪ بحيث لا يلتقط فيروسات اخري وفي النهايه بلغت كفاءه الجهاز ٩٧.٨٪ بالمعدلات العالميه للقياس مقارنه بتحليل بي سي آر، كما تمت دراسته لمده ١٩ شهرا في 3 اماكن بحثيه شملت مراكز وزاره الصحه ومعهد الكبد وقصر العيني باشراف الدكتور وحيد دوس وقصر العيني باشراف الدكتور ايمن يسري وعين شمس باشراف الدكتور يحيي الشاذلي وشملت الدراسه ٦٠٣ حالات واظهرت ان نسبه كفاءه الجهاز ٩٧.٨٪. 

وعالميا تم اجراء دراسه دوليه متعدده المراكز لتقييم الجهاز وفاعليته علي الانواع الاخري من فيروس سي غير المنتشره في مصر حيث ينتشر فيروس سي من النوع الاول والثالث في باكستان والهند وامريكا، وبالفعل اشتركت اكبر جامعتين في الهند واكبر جامعتين في باكستان ليقوموا بتقييمه وارسال تقرير للاتحاد الآسيوي لامراض الكبد، وفي باكستان اجريت دراسه شملت ١٠٠ حاله ووجدوا كفاءه الجهاز ٩٧.٨٪ ، وفي الهند شملت الدراسه ١١٣ حاله ووجدت كفاءه الجهاز ٩٧.٧٪. 

وفي امريكا اجريت دراسه استكشافيه شملت ٣٣ حاله في جامعه نيو مكسيكو قسم الكبد وبالفعل تمكن الجهاز من تشخيص ٣٠ حاله بنتائج تماثلت مع تحليل بي سي آر تماما، وجار الآن اخذ موافقه لجنه القيم الطبيه الامريكيه في تلك الجامعه لاجراء دراسات موسعه علي الجهاز. 

واضاف شيحه ان الحقيقه والواقع حاليا ان مصر لديها جهاز للكشف عن فيروس سي في اقل من دقيقه بدقه شديده تصل الي ٩٨.٨٪ وبدون اخذ عينه دم وبدون حاجه الي جهاز معملي كبير ومعقد ولا توجد له تكلفه تشغيل للحاله التي يتم تشخيصها وتكلفته بالكامل تنحصر في ثمن الجهاز. 

وتلقي الدكتور جمال شيحه دعوي من مؤتمر الاختراعات الجديده للجهاز الهضمي والذي يعقد في جامعه ستانفورد في وادي التكنولوجيا بكاليفورنيا وتنظمه الجمعيه الامريكيه للجهاز الهضمي وهي الاكبر في العالم وتضم ١٥ الف عضو حيث عقد المؤتمر علي مدار يومين لمناقشه ٣ اختراعات جديده في مجال تشخيص امراض الجهاز الهضمي وكان اول اختراع فيهم هو الجهاز المصري. 

واوضح انه سيتم تقديم اوراق الجهاز الي هيئه الغذاء والدواء الامريكيه خلال اسابيع، حيث تم نشر مقدمات الابحاث المصريه في الدوريات العلميه الدوليه المشهوره مثل جورنال اوف هيباتولوجي، وهيباتولوجي انترناشونال. 

وقال ان الاعتماد علي النظام الجديد خاصه في مصر سوف يوفر علي الدوله مئات الملايين من الجنيهات التي تستخدم في استيراد المواد الكيماويه الخاصه بتحليل فيروس سي، خاصه وان 90% من الحالات المصابه بفيروس سي لم تشخص بعد. 

ولفت الي ان التشخيص يعتمد حاليا علي تحليل دم الاجسام المضاده وبي سي ار وذلك يحتاج الي عينه دم ويحتاج الي اجهزه معقده وباهظه التكاليف كما يحتاج الي كيماويات للتحليل واطباء مدربين علي مستوي عال، والنتائج تظهر بعد ٣ ايام. 

وفي امريكا يبلغ تكلفه تشخيص مريض فيروس سي حوالي ١٢٤٦ دولارا، ورغم ان تلك التكلفه اقل في مصر الا انها مازالت تمثل عائقا للمرضي. 

العبث بالأمن القومي واللعب بمشاعر المساكين


 كنت أستمع لراديو مصر في فقرته الصباحية، وكان ذلك في عام 2012، في فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وكان المتحدث من جمعية "مصر الخير"، وكان يتحدث عن جهود الجمعية في مقاومة انتشار فيروس سي، وعن جهودها كذلك في تطوير بنوك الدم المصرية التي تعاني من مشاكل لا حصر لها، وخلال الحلقة تحدث عن جهاز طورته القوات المسلحة يستطيع أن يكتشف فيروس سي في المصابين به، وذلك دون أخذ عينة دم من المريض، وكيف أن جمعية مصر الخير سوف تمول إنتاج هذا الجهاز ليتم تعميمه ونشره في سائر كفور ونجوع مصر.
 كان الحديث واضحا، الجهاز للكشف والتشخيص فقط، وليس له علاقة بالعلاج، وسوف يوفر عشرات الملايين على الدولة، وعلى الأفراد، لأنه سيوفر أجهزة الكشف (بي سي آر)، وتكاليف الكشف.
 خبر اختراع القوات المسلحة لجهاز الكشف منشور في بوابة الأهرام بتاريخ إبريل 2012، أي قبل عهد الرئيس المعزول، وقبل 30 من يونيو، هذا هو رابط الخبر مع صورة (سكرين شوت) :
كما نشر الخبر في جريدة الأهرام الورقية بتاريخ 12 إبريل 2012، وصورة الخبر في الجريدة الورقية مرفقة أيضا.
 
مع مرور الوقت، أصبحنا أمام خبر جديد يزعم أن الجهاز نفسه (سي فاست) يكشف ويعالج فيروس سي، والإيدز، كما أنه جهاز يساعد في عمل الكفتة (!!!)، ونشر هذا الكلام في كل الصحف والمجلات والمواقع والبرامج.
 
الجهاز (بوصفه جهازا للتشخيص فقط) يعتبر اختراعا عظيما، والمصريون ممتنون لأي جهة ساهمت في هذا الاختراع الذي سيساهم في إنقاذ ملايين المصريين الذين يقتلهم هذا الفيروس القاتل، ولكن ... لقد دخلت السياسة على الخط، وكما يقول المثل : "قال لك عرفت ازاي انها كدبة؟ قال لك من كبرها" !
 
لقد تعامل المسؤول عن هذه الكذبة مع هذا الأمر بطريقة الزيت والسكر، إنها دعاية انتخابية، وهذا هزل في موضع الجد، بل هو لعب بالنار، وينبغي أن يعتذر كل شخص تورط في هذه المسرحية السخيفة، بل ينبغي محاسبة كل من سوَّلَتْ له نفسه أن يكذب على المصريين بهذه الطريقة السخيفة الرخيصة.
 
اكذب ثم اكذب ثم اكذب، والكذب اليوم مأمون العواقب، وكل من يعترض على الكذب سيتهم بأنه إخوان، أو عدو لمصر، أو يكره الجيش، أو إرهابي... الخ.
 
والحقيقة أن هذه الكذبة فيها عدة جرائم، أهمها جريمتان، الجريمة الأولى : العبث بالصورة الذهنية للقوات المسلحة، وهذا يعتبر عبثا بالأمن القومي لمصر.
 
لا يجوز لأي جهة – بما في ذلك القوات المسلحة نفسها – أن تظهر الجيش المصري العظيم وكأنه يروج لأخبار غير دقيقة من أجل مكسب سياسي، أو من أجل كسب أصوات انتخابية، هذه إساءة غير مقبولة، وهذا ما حذر منه كل عقلاء الوطن، نحن نورط جيشنا في السياسة بكل شرورها، ومن ضمن شرور السياسة ... الكذب، والتهويل، والمبالغات ... الخ!
 
والجريمة الثانية : هي اللعب بمشاعر ملايين البسطاء، الذين عشموا أنفسهم بشفاء عاجل من هذا المرض.
 
هل تعلم كم مصريا الآن يحلم بالشفاء من فيروس سي؟ هل تعلم كم أبا وأما وأخا وأختا وابنا وابنة يحلمون بشفاء أبنائهم وبناتهم وأخوانهم وأخواتهم وآبائهم وأمهاتهم من هذا المرض اللعين الذي يحمله أكثر من 12 مليون مصري؟
 
حرام عليكم إصراركم على هز الثقة في الجيش المصري، وحرام عليكم هذا العبث بأحلام البسطاء !
 
ملحوظة : من المعروف في الأوساط العلمية أن أي شخص أو جهة أو مؤسسة ستتمكن من علاج الإيدز أو السرطان أو فيروس سي ستحصل على جائزة نوبل فورا، وبالتالي هذا الخبر يهز صورة مصر كلها في العالم، لأن علاج هذه الأمراض مشكلة كونية، ولا يمكن التحجج فيها بأن في الأمر سر عسكري أو بحب الوطن، هذا كلام يجعلنا أضحوكة كوكب الأرض.
 
الخبر يقول بوضوح " تم اكتشاف وتصنيع جهاز يحمل تكنولوجيا متطورة أطلق عليه "سي فاست"، يمكنه الكشف عن إصابه أي شخص بفيروس سي خلال 30 ثانية بدون عينة دم عن طريق البصمة الكهرومغناطيسية، الجهاز ابتكرته الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة برئاسة اللواء أركان حرب طاهر عبد الله، والمخترع العميد مهندس أحمد أمين في عمل استمر على مدار 19 شهرا".
رفقا بمصر، ورفقا بجيش مصر، ورفقا ببسطاء مصر !

«النجار»: «الببلاوي» قبل استقالته قال: لا يوجد ما يسمى بالأدنى للأجور.. والحكومة مديونة بـ550 مليار جنيه لـ«المعاشات»

قال أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام والخبير الاقتصادي، إن رئيس الحكومة المستقيلة الدكتور حازم الببلاوي، قبل استقالته

 قال: لا يوجد ما يسمى بالحد الأدنى للأجور، على حد قوله.
وأشار إلى أن "الببلاوي" تعرض لضغوط لإعلان الحد الأدنى للأجور، بالرغم من عدم اقتناعه بتطبيقه لضعف الإمكانيات الاقتصادية، على حد وصفه.

وأضاف النجار، خلال حواره ببرنامج "الحدث المصري" المُذاع عبر شاشة "العربية الحدث"، "أننا نعمل بنفس موازنة الرئيس المعزل محمد مرسي، وهذا غير معقول"، مشيراً إلى أن الحكومة المستقيلة لم تستثمر المليارات الخليجية التي حصلت عليها في بناء مصنع واحد، لافتاً إلى أنها أنفقت وديعة حرب الخليج بقيمة 9 مليارات جنيه، على حد تعبيره.
وأوضح أن الحكومة المستقيلة كانت لا تمتلك رؤية متكاملة لمواجهة الأزمات التي يعيشها المواطن، وكانت تسير بالدفع الذاتي، ولم تضع سياسات فاعلة لمواجهة الفقر؛ حيث إن ذلك يمثل البداية الحقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى عدم البدء في أي مشروعات إنتاجية وضخ استثمارات لحل المشاكل المتراكمة، على حد قوله.
ولفت النجار، إلى أنه يطالب الحكومة الجديدة بتبني فكرًا جديدًا للاعتماد على الذات خلال المرحلة المقبلة، قائلاً: إننا نستطيع أن نعتمد على نفسنا ونقول للمساعدات الخارجية شكرًا، ونتوقف عن الحصول على المساعدات والمنح"، على حد تعبيره.

وتابع: أن الحكومة مديونة بـ550 مليار جنيه لأصحاب المعاشات، وأن هناك 9 مليون مواطن يستحق المعاش في مصر، لافتاً إلى أن البيروقراطية وضعف الأجهزة الرقابية جزء من علة الاقتصاد المصري، مشيراً إلى أن الاستثمارات الموجودة في مصر "محزنة"، مقارنة بدول أخرى، مطالباً بضرورة إعادة هيكلة القطاع العام والاعتماد على أهل الخبرة وليس الثقة.

وقال النجار، إنه متفائل بمستقبل مصر الاقتصادي، متمنياً نجاح رئيس الحكومة المكلف إبراهيم محلب، في مهمته، لأنها نجاح لمصر، خاصة أنه مشهودًا له بالكفاءة، حسب قوله.



اقرأ المزيد هنا:المصدر

الدولة الموازيه في مصر – فهمي هويدي

طول اﻟوﻗت ﻛﻧﺎ ﻧداﻓﻊ ﻋن ﺣق اﻟﻧﺎس ﻓﻲ أن ﯾﻌرﻓوا ﻣﺎ ﯾﺟري ﻓﻲ اﻟﺑﻠد، ﻟﻛﻧﻧﺎ اﻛﺗﺷﻔﻧﺎ أﺧﯾرا أﻧﻧﺎ ﻛﻧﺎ ﻣﺑﺎﻟﻐﯾن ﻓﻲ اﻟطﻣوح وأن ﻋﻠﯾﻧﺎ أن ﻧﺗواﺿﻊ ﻓﻲ ﺗطﻠﻌﺎﺗﻧﺎ ﻓﻲ ظل اﻟﻧظﺎم اﻟﺟدﯾد.
إذ ﻻ ﯾﻠﯾق أن ﻧطﺎﻟب ﺑذﻟك اﻟﺣق ﻟﻠﻧﺎس إذا ﻛﺎﻧت اﻟﺣﻛوﻣﺔ ذاﺗﮭﺎ ﻻ ﺗﻌرف.

ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻓﺗﻠك ھﻲ اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻠﻘﯾﻧﺎھﺎ ﻓﻲ ﺛﻧﺎﯾﺎ إﻋﻼن اﺳﺗﻘﺎﻟﺔ ﺣﻛوﻣﺔ اﻟدﻛﺗور ﺣﺎزم اﻟﺑﺑﻼوي، اﻟذي ﻟم ﯾﻔﺎﺟﺋﻧﺎ ﻧﺣن ﻓﻘط، وﻟﻛﻧﮫ ﻓﺎﺟﺄ اﻟوزراء أﻧﻔﺳﮭم، وأﻏﻠب اﻟظن أﻧﮫ ﻓﺎﺟﺄ رﺋﯾس اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﺷﺧﺻًﯾﺎ.

ﺻﺑﺎح ﯾوم اﻻﺛﻧﯾن 24/2 اﻟذي أﻋﻠن ﺧﺑر اﻻﺳﺗﻘﺎﻟﺔ ﺑﻌدة ﺑﺳﺎﻋﺎت، ﻧﺷرت ﺻﺣﯾﻔﺔ «اﻟﻣﺻري اﻟﯾوم» ﻋﻠﻰ ﺻدر ﺻﻔﺣﺗﮭﺎ ﺧﺑرا ﻛﺎن ﻋﻧواﻧﮫ:
«اﻟﺑﺑﻼوي: ﻻ ﻣﺷﺎورات ﺣول اﻟﺗﻌدﯾل اﻟوزاري ﺣﺗﻰ اﻵن».

وﺗﺣت اﻟﻌﻧوان ورد اﻟﻧص اﻟﺗﺎﻟﻲ:
 «ﺷدد اﻟدﻛﺗور ﺣﺎزم اﻟﺑﺑﻼوي رﺋﯾس ﻣﺟﻠس اﻟوزراء ﻋﻠﻰ ﻋدم إﺟراﺋﮫ ﻣﺷﺎورات ﺣول اﻟﺗﻌدﯾل اﻟوزاري ﺣﺗﻰ اﻵن.

 وﻗﺎل إن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟوﺣﯾدة ﺣﺎﻟﯾﺎ ھﻲ وﺟود وزارﺗﯾن ﺷﺎﻏرﺗﯾن ھﻣﺎ اﻹﻧﺗﺎج اﻟﺣرﺑﻲ واﻟﺗﻌﺎون اﻟدوﻟﻲ.
وﻣن اﻟﻣﺣﺗﻣل أن ﺗﻛون ھﻧﺎك وزارة ﺛﺎﻟﺛﺔ ﺷﺎﻏرة
(ﯾﻘﺻد وزارة اﻟدﻓﺎع ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗرﺷﺢ اﻟﻣﺷﯾر اﻟﺳﯾﺳﻲ ﻟﻠرﺋﺎﺳﺔ).»

ذﻛرت اﻟﺻﺣﯾﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺻرﯾﺣﺎت «اﻟﺧﺎﺻﺔ» اﻟﺗﻲ أدﻟﻰ ﺑﮭﺎ أن اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﺗﻌﻣل ﺑﺷﻛل ﻣﺳﺗﻣر، وﻗد أﻗرت ﺗﻌدﯾﻼت اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﺳﯾﻛون ﻟﮭﺎ ﻣردود إﯾﺟﺎﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺗدﻓق ﺣرﻛﺔ اﻻﺳﺗﺛﻣﺎر ﻗرﯾﺑﺎ.

ﻣﻌﻠوﻣﺎت اﻟدﻛﺗور اﻟﺑﺑﻼوي ﻛﺎﻧت ﻓﻲ ﺣدود ﻣﺎ ﺷﺎع ﺑﯾﻧﻧﺎ طول اﻷﺳﺎﺑﯾﻊ اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ ﻣن أن اﻟرﺟل ﺑﺎق ﻓﻲ ﻣﻧﺻﺑﮫ ﺣﺗﻰ إﺟراء اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت اﻟرﺋﺎﺳﯾﺔ (ﻓﻲ ﺷﮭر أﺑرﯾل ﻓﻲ اﻷﻏﻠب)،
 ﻣن ﺛم ﻓﺈن اﻟﺗﻌدﯾل ﺳﯾﻛون ﻓﻲ ﺣدود ﺷﻐل اﻟﻣﻧﺎﺻب اﻟﺷﺎﻏرة، وﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﺑﻣﺎ ﻓﯾﮭﺎ رﺋﯾﺳﮭﺎ.

إﻻ أن ﻣﺎ ﺣدث ﻣﻌﮫ ﻛﺎن ﻣﻣﺎﺛﻼ ﻟﻣﺎ ﺣدث ﻓﻲ دﺳﺗور 2013، ﺣﯾن ﻧﺻت ﺧﺎرطﺔ اﻟطرﯾق ﻋﻠﻰ ﺗﻌدﯾل ﺑﻌض ﻣواده، ﺛم اﻛﺗﺷﻔﻧﺎ أن اﻟدﺳﺗور ﻛﻠﮫ ﺗﻐﯾر وﺟﻲء ﻟﻧﺎ ﺑدﺳﺗور ﺟدﯾد.

ﻛﺎن اﻟدﻛﺗور اﻟﺑﺑﻼوي ﻣطﻣﺋﻧﺎ إﻟﻰ ﺑﻘﺎﺋﮫ ﻓﻲ ﻣﻧﺻﺑﮫ، ﺑدﻟﯾل أن ﺟدول أﻋﻣﺎﻟﮫ ﻟﻸﺳﺑوع اﻟﺣﺎﻟﻲ ﺗﺿﻣن رﺣﻠﺔ ﻛﺎن ﻣﻘررا أن ﯾﻘوم ﺑﮭﺎ اﻟﯾوم (اﻷرﺑﻌﺎء) إﻟﻰ ﻧﯾﺟﯾرﯾﺎ ﻟﺣﺿور اﺟﺗﻣﺎع اﻟﺳﻠم واﻷﻣن ﻓﻲ إﻓرﯾﻘﯾﺎ
(وﻓد ﺗرﺗﯾب اﻟزﯾﺎرة ﺳﺎﻓر ﻗﺑل ﺳﺎﻋﺎت ﻣن إﻋﻼن اﻻﺳﺗﻘﺎﻟﺔ).

وﺑﺳﺑب ﺗﻌﺎرض رﺣﻠﺗﮫ اﻟﻣﻘررة ﻣﻊ ﻣوﻋد اﻻﺟﺗﻣﺎع اﻷﺳﺑوﻋﻲ ﻟﻣﺟﻠس اﻟوزراء اﻟذي ﯾﻌﻘد ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﺗوﻗﯾت، ﻓﻘد ﺗم اﻟﺗﺑﻛﯾر ﺑﻌﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎع ﯾوم اﻻﺛﻧﯾن.

وﺑدﻻ ﻣن ان ﯾﺑدأ اﻻﺟﺗﻣﺎع ﺑﺎﺳﺗﻌراض ﺟدول أﻋﻣﺎل اﻟﺟﻠﺳﺔ، ﻓﺈن اﻟدﻛﺗور اﻟﺑﺑﻼوي اﻓﺗﺗﺣﮭﺎ ﺑﻛﻠﻣﺔ ﻗﺎل ﻓﯾﮭﺎ إن اﻟظروف اﻟطﺎرﺋﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣر ﺑﮭﺎ اﻟﺑﻼد ﺑﺎﺗت ﺗﻔرض ﻋﻠﻰ اﻟوزارة أن ﺗﻘدم اﺳﺗﻘﺎﻟﺗﮭﺎ ﺑﺻورة ﺟﻣﺎﻋﯾﺔ.
وھو ﻣﺎ ﻓوﺟﺊ ﺑﮫ اﻟﺟﻣﯾﻊ، ﻟﯾس ﻓﻘط ﻷﻧﮫ ﻟم ﺗﻛن ھﻧﺎك أي ﻣﻘدﻣﺎت ﺗوﺣﻲ ﺑذﻟك،
وإﻧﻣﺎ أﯾﺿﺎ ﻷﻧﮫ ﻟم ﯾﺷرح ﻟﻠوزراء طﺑﯾﻌﺔ ﺗﻠك اﻟظروف اﻟطﺎرﺋﺔ.

وﻷن ﻛﻼﻣﮫ ﻛﺎن ﻹﺑﻼغ اﻟوزراء وﻟﯾس ﻟﻣﻧﺎﻗﺷﺔ اﻟﻣوﺿوع، ﻓﺈن اﻻﺟﺗﻣﺎع ﻟم ﯾﺳﺗﻣر ﻷﻛﺛر ﻣن 15 دﻗﯾﻘﺔ، ﻋﺎد ﺑﻌدھﺎ ﻛل وزﯾر ﻟﻛﻲ ﯾﺟﻣﻊ أوراﻗﮫ ﻣن ﻣﻛﺗﺑﮫ.

اﻟﻣﻔﺎﺟﺄة ﻟم ﺗﻛن ﻣن ﻧﺻﯾب اﻟوزراء وﺣدھم وﻟﻛﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧت أﯾﺿﺎ ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﻣوﺿوع، ﺣﯾث ﻟم ﯾﺗوﻗﻊ أﺣد أن ﯾطﺎﻟﻊ ﻓﻲ اﻟﺻﺑﺎح ﻣﺎ ﻧﺷر ﻋن اﻟﺗﻌدﯾل اﻟوزاري وﺑرﻧﺎﻣﺞ ﺳﻔره إﻟﻰ ﻧﯾﺟﯾرﯾﺎ، ﺛم ﯾﺗﻐﯾر ﻛل ﺷﻲء ﻋﻧد اﻟظﮭر، دون أي ﺗﻔﺳﯾر أو ﺗﺑرﯾر.

ﻣﻧذ أذﯾﻊ اﻟﺧﺑر واﻟﻧﺎس ﯾﺿرﺑون أﺧﻣﺎﺳﺎ ﻓﻲ أﺳداس، وﻻ أﺣد ﻓﮭم ﺷﯾﺋﺎ ﻣﻣﺎ ﺣدث، اﻷﻣر اﻟذي ﻓﺗﺢ اﻟﺑﺎب واﺳﻌﺎ ﻟﻠﺗﺄوﯾﻼت.

وﻓﻲ ﺣدود ﻋﻠﻣﻲ ﻓﺈن اﻷﻣر ﺣﺳم ﻣﺳﺎء اﻷﺣد ﻓﻲ ﻟﻘﺎء ﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻣﺳﺗﺷﺎر ﻋدﻟﻲ ﻣﻧﺻور رﺋﯾس اﻟﺟﻣﮭورﯾﺔ واﻟدﻛﺗور ﺣﺎزم اﻟﺑﺑﻼوي.

أﻣﺎ ﻣﺎ اﻟذي ﺗم ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻠﻘﺎء، ﻓذﻟك ﻟﻐز ﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ ﺗﻔﺳﯾره، ﺣﺗﻰ اﻵن ﻋﻠﻰ اﻷﻗل،
ﻣن ﺛم ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻻ ﻧﻌرف ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟدﻗﺔ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن اﻟدﻛﺗور اﻟﺑﺑﻼوي ﻗد ﻗدم اﺳﺗﻘﺎﻟﺗﮫ ﻓﻌﻼ، أم أﻧﮫ أﻗﯾل ﻣن ﻣﻧﺻﺑﮫ، وﻟﻛل اﺣﺗﻣﺎل أﻧﺻﺎره اﻟذﯾن أﻛدوه.
وإن ﻛﺎﻧت أﻏﻠب اﻵراء اﻟﺗﻲ ﻋﺑر ﻋﻧﮭﺎ اﻟﻣﺷﺎرﻛون ﻓﻲ اﻟﺑراﻣﺞ اﻟﺗﻠﯾﻔزﯾوﻧﯾﺔ اﻟﺣوارﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺟرت ﻓﻲ ﻣﺳﺎء اﻟﯾوم ذاﺗﮫ ﻗد ﻣﺎﻟت إﻟﻰ ﻓﻛرة اﻹﻗﺎﻟﺔ وﻟﯾس اﻻﺳﺗﻘﺎﻟﺔ.

ﻟم ﺗﺗوﻗف اﻟﻣﻔﺎﺟﺂت ﻋﻧد ذﻟك اﻟﺣد، وإﻧﻣﺎ ﻻﺣظﻧﺎ أن اﺳم رﺋﯾس اﻟوزراء اﻟﺟدﯾد ﻗد ظﮭر ﺑﻌد ﺳﺎﻋﺎت ﻗﻠﯾﻠﺔ ﻣن إﻋﻼن اﺳﺗﻘﺎﻟﺔ اﻟﺣﻛوﻣﺔ،
ﺣﯾث ﻟم ﯾﻌﻠن ﻋن ﻣﺷﺎورات أو ﺗرﺷﯾﺣﺎت، اﻷﻣر اﻟذي ﯾﻌﻧﻲ أن اﻷﻣر ﻛﻠﮫ ﻛﺎن ﻣرﺗﺑﺎ ﻣن ﻗﺑل، وأن اﻟدﻛﺗور اﻟﺑﺑﻼوي وأﻋﺿﺎء ﺣﻛوﻣﺗﮫ ﻛﺎﻧوا ــ ﻣﺛﻠﻧﺎ ــ آﺧر ﻣن ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻣوﺿوع.

ﻣﺎ ﺟرى ﯾﺳوغ ﻟﻧﺎ أن ﻧﺳﺟل اﻟﻣﻼﺣظﺎت اﻟﺛﻼث اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ:

إن اﻟﻣﺷﮭد ﻛﻠﮫ ﺑدا ﻏﺎﻣﺿﺎ وﻧﺎﻋﯾﺎ إﻟﯾﻧﺎ ﻣوت اﻟﺷﻔﺎﻓﯾﺔ، اﻷﻣر اﻟذي ﯾﻛرس اﻧﻔﺻﺎل اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻋن اﻟﻘرار اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ.
ﻓﻼ ﻧﺣن ﻋرﻓﻧﺎ ﻣن أﺻدر اﻟﻘرار وﻻ ﻓﮭﻣﻧﺎ طﺑﯾﻌﺔ اﻟظروف اﻟطﺎرﺋﺔ اﻟﺗﻲ اﻗﺗﺿﺗﮫ.

وﻻ ﻛﯾف ﺗﻣت اﻟﻣﺷﺎورات، وﻟﻛن ﻣﺑﻠﻎ ﻋﻠﻣﻧﺎ أن ذﻟك ﻛﻠﮫ أﻋد ﻓﻲ اﻟﺳر وأن اﻟطﺑﺧﺔ ﻛﺎﻧت ﺟﺎھزة ﻗﺑل ﺑداﯾﺔ اﻷﺳﺑوع،
اﻷﻣر اﻟذي ﯾﺛﯾر أﻛﺛر ﻣن ﻋﻼﻣﺔ اﺳﺗﻔﮭﺎم ﺣول اﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ ﺗدﯾر ﻣﺻر ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟراھن، وﻋن ﺻﺣﺔ اﻻدﻋﺎء ﺑﺄن ﻓﻲ اﻟﺑﻠد دوﻟﺔ ﻣوازﯾﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧب اﻟدوﻟﺔ اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ واﺣﺗﻣﺎل اﻧدﻣﺎﺟﮭﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺿﮭﻣﺎ اﻟﺑﻌض.

إﻧﻧﺎ ﺑﺻدد ﺗﻐﯾﯾر ﻓﻲ اﻟوﺟوه وﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﺎت.
وﻟﺋن ﺗﻣت إﻗﺎﻟﺔ اﻟﺣﻛوﻣﺔ أو اﺳﺗﻘﺎﻟﺗﮭﺎ ﺑﻌد اﻧﺗﺷﺎر اﻹﺿراﺑﺎت اﻟﻌﻣﺎﻟﯾﺔ واﻧﻔﺿﺎح أﻣر اﻟﺗﻌذﯾب واﻻﻧﺗﮭﺎﻛﺎت ﻓﻲ اﻟﺳﺟون اﻟﻣﺻرﯾﺔ، ﻓﻠم ﺗظﮭر ﻓﻲ اﻷﻓق ﺑﺎدرة ﺗوﺣﻰ ﺑﺄن ﺛﻣﺔ ﺳﯾﺎﺳﺎت ﺟدﯾدة ﻓﻲ اﻟطرﯾق، ﺑدﻟﯾل اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻣرار وزﯾر اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻧﺻﺑﮫ أو اﺳﺗﺑداﻟﮫ ﺑﺄﺣد رﺟﺎﻟﮫ رﻏم ﻛل اﻟدﻣﺎء اﻟﺗﻲ ﺳﺎﻟت ﻓﻲ ﻋﮭده واﻻﻧﺗﮭﺎﻛﺎت اﻟﺗﻲ وﻗﻌت.

إن ﻣﺎ ﺟرى ﯾﻌد إﻋﻼﻧﺎ ﻣﺟددا ﻋﻣﺎ وﺻﻔﺗﮫ ﻣن ﻗﺑل ﺑﻣوت ﺻﺣﺎﻓﺔ اﻟﺧﺑر ﻓﻲ ﻣﺻر، ﺑﻌدﻣﺎ أﺻﺑﺣت اﻷﺧﺑﺎر ﻣﻘﺻورة ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺳرﯾﺑﺎت اﻷﻣﻧﯾﺔ.

ذﻟك أن اﻹﻋﻼم اﻟﻣﺻري ﻛﻠﮫ ﻓوﺟﺊ ﺑﺎﻻﺳﺗﻘﺎﻟﺔ، ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺻﺣف اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺑﺎھﻲ طول اﻟوﻗت ﺑﺎﻧﻔراداﺗﮭﺎ وﻗدرﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﺧﺗراق اﻟﻣﺳﺗﺣﯾل، ﻛﻣﺎ ﺗﻘول.

ﻟﻘد ﻋﺎد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺻري إﻟﻰ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﺑﻌد ﺛورة 25 ﯾﻧﺎﯾر، ﻟﻛﻧﮭﺎ ﻋودة ﻣن طرف واﺣد، ﻷﻧﻧﺎ
اﻛﺗﺷﻔﻧﺎ أن اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﻟم ﺗﻌد إﻟﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ.

رسالة أوكرانية محظور تسلمها – فهمي هويدي


رسالة الأسبوع التي تم تجاهلها في مصر تتلخص في أن وقوف القوات المسلحة بعيدا عن الصراع السياسي أسهم بقسط كبير في الانفراج الذى شهدته أوكرانيا
.

(1)

أدري أن المشهد في أوكرانيا تداخلت فيه عوامل عدة، يتعلق أهمها بالتنافس الحاصل بين روسيا من جانب والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جانب آخر.
كما يتعلق بعضها بالضغوط التي مارستها الدول الأوروبية والتفاهمات التي تمت مع موسكو لفرض الحل السياسي للأزمة.
وفي تحليل ما جرى، سنجد أيضا دورا لتباينات التركيبة السكانية التي تضم خليطا من الروس والسلاف والتتار وغيرهم ممن يشكلون مجتمعا من 45 مليون نسمة،
وستعثر على دور آخر لثورة الاتصال التي كان لها إسهامها في تأجيج الغضب واستمرار الاعتصامات في العاصمة كييف.

ومع ذلك، أزعم أن وقوف القوات المسلحة على الحياد، ورفض رئاسة الأركان التدخل في الصراع السياسي، كان من أهم العوامل الداخلية التي سمحت للعراك السياسي أن ينتهي بالتوصل إلى اتفاق بين السلطة والمعارضة.

أفهم أيضا أن ثمة حساسية خاصة إزاء هذه النقطة في مصر، بسبب الدور الذى قامت به قيادة القوات المسلحة حين قادت حملة عزل الدكتور محمد مرسي من رئاسة الجمهورية وإسقاط نظامه، وإقامة نظام آخر بديل، تشير الدلائل إلى أن المؤسسة العسكرية ستؤدي فيه دورا محوريا.
إلا أنني أزعم أن تلك الحساسية ليست مبررة، لأن رصد الأثر الذي أحدثه حياد القوات المسلحة في أوكرانيا لن يغير شيئا من واقع الحال في مصر، ولا يخطر على البال أن يستصحب دعوة إلى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
ولكن أثره لن يتجاوز إتاحة الفرصة لنا لكي نتفهم ما جرى ويجري على نحو أفضل، وربما ساعدنا ذلك على أن نستوعب الدرس بحيث نراجع خياراتنا بما يمكننا من تصحيح بعض الأخطاء التي وقعنا فيها.

(2)

حين أعلنت رئاسة الأركان الأوكرانية على الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع أنها لن تتدخل في الصراع السياسي في البلاد، وأكدت أن القوات المسلحة ستظل محتفظة بحدود التزاماتها الدستورية (في الدفاع عن البلاد)، فإن هذا الموقف لم يكن بعيدا عن اعتبارين:

أولهما الضغوط القوية الرافضة لتدخل الجيش في الشأن السياسي التي مارسها الاتحاد الأوروبي.
أما الاعتبار الثاني فيتمثل في وجود برلمان منتخب مثلت فيه المعارضة إلى جانب حزب السلطة،
 الأمر الذي يعني أن الساحة السياسية لم تكن فارغة تماما، وإنما كانت هناك مؤسسة تحولت إلى ساحة للصراع الذي عبرت عنه الحشود المعتصمة في ميدان الاستقلال بالعاصمة.
طوال الأشهر الثلاثة الماضية ظل المعتصمون الذين نصبوا خيامهم في الميدان يصرون على مطلبهم في ضرورة إقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة.
وخلال تلك الفترة تعرض المعتصمون المتظاهرون إلى غارات من الشرطة تخللتها اشتباكات أسفرت عن سقوط نحو ثمانين قتيلا.

وهذه الاشتباكات لها خلفيتها التي تمتد إلى عام 2004 الذي أجريت خلاله انتخابات يقول المعارضون إنها تمت بالتزوير،
وظلت البلاد تعيش في توتر استمر منذ ذلك الحين إلى أن انفجر غضب الرأي العام أخيرا بسبب انحياز الرئيس يانوكوفيتش إلى روسيا ورفضه معونة الاتحاد الأوروبي.
في حين أن الجماهير تعلقت بأمل الخروج من الفلك الروسي والالتحاق بالمنظومة الغربية.
أيا كان تقييمنا السياسي لموضوع الصراع، فالشاهد أن البرلمان المنتخب هو الذي أدار المواجهة، وظلت المعارضة الممثلة فيه معتمدة على قوة الحشود المعتصمة في ميدان الاستقلال.
فقد قرر البرلمان إقالة الرئيس وإقالة وزير الداخلية الذى حمل المسؤولية عن قمع المتظاهرين،
كما أقيل النائب العام، وعين البرلمان رئيسا جديدا له وقائما بأعمال رئيس الجمهورية.
وكان زعماء المعارضة في البرلمان هم الذين قاموا بالتفاوض مع الرئيس يانوكوفيتش قبل إقالته، وتوصلوا إلى اتفاق تضمن بنود الخروج من الأزمة
(الرئيس اختفى ولجأ إلى عشيرته في الشرق ذي الأغلبية الروسية بما يستدعى احتمال انفصال الإقليم)

الشاهد أنه حين ابتعد الجيش عن المسرح ولم يتدخل طرفا في المعادلة، فإن ذلك حمل السياسيين مسؤولية إدارة الأزمة، فنهضوا بمهمة التفاوض وتفاعلوا مع الوسطاء،
الأمر الذي مكّن الجميع من التوصل إلى حل سياسي ساعدهم على تجاوز الأزمة،
وهذا التطور يمكن اختزاله في عبارة واحدة هي:
حين غاب العسكر انتعشت السياسة وقامت بمهمتها في صياغة الخروج من المأزق.

(3)

الخلاصة الأخيرة هي أكثر ما يهمنا في مصر، لأن العسكر يديرون معركة في حين أن السياسيين يديرون أزمة.
والفرق كبير بين المسارين.
فالمعركة تفترض في الآخر أنه عدو وينبغي هزيمته وسحقه،
في حين أن الأزمة تتعامل مع الآخر باعتباره معارضا أو منافسا أو حتى خصما سياسيا، لكنه في كل أحواله ليس عدوا.

والفوز في المعركة يتحقق بالقضاء على ذلك العدو وكسر إرادته،
الأمر الذي يفترض أن وجود الآخر هو المشكلة.

أما الإدارة المدنية والسياسية للأزمة، فإن الفوز فيها يتحقق بإزاحة الآخر من موقعه انطلاقا من أن النفوذ هو المشكلة وليس الوجود.
وعقل إدارة المعركة يستهدف تركيع الآخر، وإخراجه تماما من الساحة لأن الشعار المرفوع هو:
نحن أو هم.

أما عقل إدارة الأزمة، فإنه يستهدف الحفاظ على اليد العليا ولا يمانع في الاتكاء على الآخر في تحقيق المصالح العليا للوطن تحت شعار "كلنا معا".

ولأن الأمر كذلك، فإن السلاح والمؤسسة الأمنية يصبحان عُدَّة المعركة في ذلك الوقت،
في حين يظل الحوار والتنافس السلمي هما الركيزتان الأساسيتان في السعي لإدارة الأزمة.
إذا حاولنا إنزال هذا التحليل على الواقع المصري، فسنجد أن المواجهة الحاصلة أديرت بعقل المعركة الفاصلة وليست الأزمة السياسية.
للدقة، فإنها بدأت أزمة طرح خلالها (في الثلاثين من يونيو/حزيران) مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة،
لكنها انتهت معركة استهدفت عزل الرئيس، وإلغاء الدستور، وحل مجلس الشورى،
وتطورت إلى تطهير أجهزة الدولة من الجماعة،
ثم محاولة إخراجها من السياسة تماما من خلال تصنيفها جماعة إرهابية،
وإيداع الآلاف من أنصارها في السجون والمعتقلات،
 إضافة إلى تقديم كل القيادات والرموز إلى المحاكمة بناء على قائمة طويلة من الاتهامات التي انبنت على تقارير جهاز الأمن الوطني.
لمزيد من الدقة، أضيف أن جهودا بذلت في البداية للتعامل مع المواجهة باعتبارها أزمة، تدخل فيها الوسطاء الأوروبيون -كما حدث في أوكرانيا- وقد تعددت زيارات أولئك الوسطاء للقاهرة خلال العام الأول الذي أعقب حركة الجيش في الثالث من يوليو/تموز الماضي، وكان في مقدمتهم السيدة آشتون مفوضة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كما شارك فيها وزراء يمثلون بريطانيا وألمانيا والنرويج وغيرهم.
ولا يزال الدبلوماسيون الغربيون إلى الآن يتحدثون عن اتفاقات تم التوصل إليها مع الجانبين،
 كان من بينها -مثلا- إطلاق سراح اثنين من أنصار مرسي المعتدلين هما رئيس حزب الحرية والعدالة محمد سعد الكتاتني والمهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، لكي يشتركا في الحوار الذي يستهدف الخروج من الأزمة.
وتحدد بالفعل موعد للإفراج عنهما، ولكن ذلك الاتفاق تم التراجع عنه في اللحظة الأخيرة، وبدلا من ذلك أقحم الرجلان في قضايا عدة،
الأمر الذي أدى إلى توقف المساعي الأوروبية، إذ بدا واضحا أن الخيار الأمني فرض نفسه واستبعد الحل السياسي، الأمر الذي يعني أن المواجهة انتقلت من مربع الأزمة إلى ساحة المعركة.
جدير بالملاحظة في هذا الصدد، أنه في حين أن الوسطاء الأوروبيين حاولوا التدخل لإنهاء الأزمة سياسيا،
فإن التدخلات الخليجية سارعت بالحضور إلى المسرح ملوحة بقدراتها الاقتصادية العالية وتبنت الدعوة إلى خوض المعركة وضرورة حسمها لتعزيز قبضة السلطة الجديدة.
وإذ عبر كل طرف من الوسطاء عن خلفيته وبيئته السياسية، فالشاهد أن الحل الأمني وجد هوى لدى العقلية العسكرية، فكان ما كان،
 الأمر الذي انتهى بتوسيع نطاق المعركة، التي لم تعد مقصورة على جبهة الإخوان وحلفائهم فحسب، 
بل امتدت بحيث شملت جماعات المعارضة السياسية أيضا التي استهدفها القمع خلال الأشهر الأخيرة، خصوصا بعد صدور قانون منع التظاهر، وفي ظل التوسع في عمليات الاعتقال والتعذيب.
وبدا لنا في نهاية المطاف أن المؤسسة الأمنية التي تولت إدارة المعركة طورت أداءها بحيث تجاوز محيط الإسلام السياسي، وانتقل إلى مواجهة المعارضة السياسية.

(4)

ثقافة المعركة التي استهدفت الإقصاء والإبادة السياسية ورفعت شعار "نحن أو هم"، تحالفت مع بعض عناصر النخبة الانتهازية ذات النوازع الفاشية والنازية للترويج لمشروع الإبادة.
في الوقت ذاته، فإنها استثمرت الفراغ الراهن الناشئ عن غيبة المؤسسات الدستورية واختراق وتطويع أغلب مؤسسات المجتمع المدني لإشاعة جو من "الشعبوية" التي لا تعترف بقانون أو دستور.
كما أنها تتوسل بدغدغة مشاعر الجماهير وإيهامهم بأنها باتت صاحبة الأمر والنهي في مصير البلاد، والادعاء بأن "الشعب صار القائد الأعلى للقوات المسلحة".
إلى غير ذلك من العناوين الطنانة التي تستدعي التصفيق وتشحذ الحناجر، في حين أنها بمثابة نوع قوي المفعول من المخدرات السياسية.
حين جرى تسميم الأجواء وتعميق الكراهية من خلال إعلام الفتنة، فإن الآخر لم يعد فقط عدوا أو طابورا خامسا، وإنما تفتقت أذهان من يديرون المعركة على إخراج المواجهة تحت عنوان فضفاض هو الحرب ضد الإرهاب الذي لم يعرَّف.
وهذا الأمر فتح شهية المؤسسة الأمنية لمزيد من التغول وإطلاق يدها التي دفعت بآلاف الأبرياء إلى غياهب السجون، وهو ما استنفر الحقوقيين المستقلين الذين أصدروا بيانا وقعته 16 جهة استهجن الفظائع التي ترتكب باسم الحرب على الإرهاب.
لم تنتبه الإدارة العسكرية للمعركة إلى أن ممارساتها إلى جانب أنها أشاعت الانقسام وعمقت الكراهية، فإنها خلفت ثارات وأحدثت جروحا غائرة في بنية المجتمع.

وإذا صح أن أربعين ألف شخص كانوا ضحايا الأشهر السبعة الماضية، ما بين قتيل وجريح وسجين،
وهؤلاء ينتمون إلى أسر تضم نحو مائتي ألف شخص، فإن أي عقل سياسي لا بد أن يتوقع ردا من المجتمع، خصوصا بعدما سقط جدار الخوف بعد الثورة فازدادت جرأة الناس وعلا صوتهم.
وإزاء انسداد الأفق السياسي أمام الجميع انفتحت طاقة العنف، خصوصا بعدما أصبح بمقدور كل أحد أن يتلقى دروسا في ممارسة العنف من خلال شبكة الإنترنت.
وهو ما صرنا نقرأ عنه في صحف الصباح التي تنقل إلينا أقوال الشبان الذين يلقى القبض عليهم كل يوم، ويصرحون في التحقيقات بأنهم لم يكونوا إرهابيين يوما ما، ولكنهم صاروا كذلك بعدما استبد بهم الغضب وتعلموا تصنيع القنابل والمتفجرات من خلال الإنترنت.
الآن ما عاد يمر يوم إلا ونقرأ أخبارا عن مقتل ضابط أو جندي، أو مهاجمة الملثمين لكمين أو حرق سيارة شرطة، أو ضبط قنابل وعبوات معدة للتفجير، أو استهداف معسكر للشرطة أو تعطيل محطة للكهرباء... إلخ،
وكأن العنف الذي تمت به إدارة "المعركة" استدعى -للأسف- أجيالا جديدة وجدت في العنف مجالات عبرت من خلاله عن ثاراتها.
لقد توقعنا بعد إجازة الدستور الجديد أن نمضي باتجاه تهدئة المعركة والتفكير في إدارة الأزمة،
لكن المؤشرات التي نراها لا تشجع على التفاؤل بذلك الاحتمال، الأمر الذي يحجب الضوء الذي توقعناه أو تمنيناه.
في أوكرانيا، تجاوزوا الأزمة لأنهم تفاهموا،
وحدث ذلك أيضا في تونس، لأن الأطراف المدنية المتخاصمة قبلت بأن تجلس حول طاولة وتتحاور فيما بينها،

 أما عندنا فالعقلية العسكرية المتحكمة لا تعترف بطاولة الحوار، وتصر على الاحتكام إلى المدرعة والدبابة والخرطوش، إلى غير ذلك من العلامات التي ترسم طريق الندامة الذي أرجو أن ينتبه الجميع إلى مخاطره ومآلاته قبل فوات الأوان.

في حضرة أساطير المرحلة وأوهامها – فهمي هويدي


في مصر نزوع للترويج للأساطير السياسية التي زادت عن الحد وباتت تحتاج إلى تحرير وتفسير.

(1)

حين زار المشير عبد الفتاح السيسي ومعه وزير الخارجية موسكو هذا الأسبوع وعاد الاثنان في آخر النهار، وصفت الزيارة في وسائل الإعلام المصرية على النحو التالي:
مهمة تاريخية، منعطف في السياسة الخارجية، قنبلة سياسية،
 صفعة لأميركا، زلزال في واشنطن، أوباما سيطلق على نفسه الرصاص،
 انقلاب في موازين القوة، عودة إستراتيجية عبد الناصر، خريطة جديدة للإقليم،
 خروج من التبعية لواشنطن، كسر احتكار السلاح الأميركي.. إلخ.

ليس ذلك كله جديدا، فقد تفتحت أعيننا على خطاب استلهم ثقافة الأقدمين التي اعتبرت الفرعون "الملك الإله"، و"صانع المطر" و"ضابط النهر"،
 وبمقتضى تلك الثقافة الموروثة فإن حاكم البلاد ظل دائما صانعا للتاريخ في جولاته ولقاءاته وأحاديثه وخطبه، إذ تشكل كلها صفحات في كتاب التاريخ.

وقبل أن يصبح المشير السيسي رئيسا فإن خطابنا الإعلامي استبق، وأطلق على رحلته تلك الأوصاف، رغم أنها استغرقت أقل من يوم وتخللها اجتماعان لم يستغرقا أكثر من ثلاث ساعات تحققت في ظلها تلك الخوارق التي قد يسوغ البعض قبولها بعدما اعتبر الفريق السيسي من "رسل الله" الذين لا يستكثر وقوع المعجزات على أيديهم.

ماكينة صناعة الأساطير لم تقف عند التركيز على تاريخية الزيارة، وإنما نسجت عدة أساطير أخرى بشأن دلالاتها، فهي عندهم -كما رأيت- تمثل تحولا إستراتيجيا وترسم خرائط جديدة في المنطقة.

وهى ثانيا خروج من بيت الطاعة الأميركي،
ثم إنها ثالثا صفعة للرئيس أوباما مرشحة لأن تدفعه إلى الانتحار، إلى غير ذلك من الإشارات التي تنطلق من أسطورة الصراع بين القاهرة وواشنطن ومناطحة نظام يوليو الجديد للقطب الأعظم في العالم.

وقد سبق أن ناقشت تلك الأسطورة من قبل، وخلصت إلى أن بين مصر والولايات المتحدة حلفا إستراتيجيا له أصول لا يختلف عليها، وله هوامش فرعية تحتمل الاختلاف،

والأصول تتمثل في نقطتين جوهريتين،
الأولى تتمثل في التسهيلات العسكرية التي تقدمها مصر للولايات المتحدة، المتعلقة بالمرور في قناة السويس وباستخدام الأجواء المصرية، وبالتعاون الاستخباراتي بين الأجهزة المعنية في البلدين.
 وتلك التسهيلات تقدم مقابل معونة سنوية تقدمها الولايات المتحدة لمصر تقدر بـ2.1 مليار دولار.

النقطة الجوهرية الثانية تتعلق باتفاقية السلام مع إسرائيل التي تعتبرها واشنطن خطا أحمر في سياستها الخارجية بالمنطقة، خارج هذا الإطار فاختلاف السياسات وارد، وهو حاصل بالفعل.

الذين تحدثوا عن التمرد المصري على التبعية الأميركية وعن الصفعة التي تلقتها واشنطن من خلال الزيارة، أو الانقلاب الذي افترضوه في خرائط المنطقة، هؤلاء تناسوا أمورا وحقائق عدة، منها أن الحرب الباردة انتهت، وأن روسيا لم تعد خصما يصارع الولايات المتحدة، رغم أن علاقة التنافس بينهما واردة.

ومنها أيضا أن العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة لا تزال قائمة لم يتغير فيها شيء،
ومن ثم فإن التواصل مع موسكو لا يمثل تحولا إستراتيجيا، لكنه يتم في إطار الهوامش المفتوحة التي تستطيع السلطة المصرية أن تتحرك فيها بحرية،
 وتنشيط التعاون العسكري بين مصر وروسيا يدخل ضمن تلك الهوامش، رغم اعتماد مصر بصفة أساسية على السلاح والنظم العسكرية الأميركية، وهو ما لا يسرنا بطبيعة الحال.

من الحقائق -التي يتم التغاضي عنها أيضا- أن صفقة السلاح الجديدة مع روسيا ممولة من جانب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، حسب ما أعلنت الصحف،
وأي متابع للشأن السياسي يعرف جيدا عمق وتشابك العلاقات بين البلدين وبين الولايات المتحدة،
ولا يخطر على باله أن تمول الدولتان صفقة سلاح يمكن أن توصف بأنها "صفعة" لواشنطن أو مساس بمكانة الرئيس الأميركي الذي ادعى بعض صناع الأساطير أنه يوشك على الانتحار بسبب الصدمة التي تلقاها من القاهرة.

(2)

العالم تغير بعد الثالث من يوليو، تضيف الأسطورة أن التغيير -الذي قاده وزير الدفاع وأدى إلى عزل محمد مرسي وإسقاط نظامه وتعطيل دستوره- أفشل قرارا دوليا تمثل في خطة مشروع الشرق الأوسط الكبير بقيادة تركيا، هدفه إقامة خلافة إسلامية موالية للغرب تلحق الشرق الأوسط بحلف الأطلنطي.

وبإفشال تلك المؤامرة فإن العالم انتقل إلى طور جديد أصيبت فيه السياسة الأميركية بضربة موجعة.

تنطلق الأسطورة من فرضيتين،
الأولى أن العالم العربي متمرد على الغرب وليس مواليا له ولذلك يتعين تطويعه وإعادته إلى بيت الطاعة مرة أخرى،
والثانية أن ثمة قرارا دوليا يستهدف إجهاض ذلك التمرد، من خلال إقامة خلافة إسلامية تلحق الشرق الأوسط بحلف الأطلنطي.

والفرضيتان بمثابة اختراع من صنع خيال أصحابه، أريد به تصور ما جرى في دول الربيع العربي بأنه جزء من مؤامرة غربية كان الإسلام السياسي هو الأداة التي استخدمت في تنفيذها


وفضلا عن الاعتبارات العملية القائمة على الأرض التي تجعل من فكرة إقامة الخلافة حلما مستحيل التحقيق إلا في ظل حرب تعيد رسم خرائط المنطقة،
فإن العالم العربي في وضعه الراهن لا يمثل أي خطر يهدد الولايات المتحدة أو المصالح الغربية، ناهيك عن أن الإسلام السياسي الذي يصور بحسبانه أداة تنفيذ المؤامرة أصبح يفرخ جماعات هي التي تهدد المصالح الغربية في اليمن والعراق مثلا


وعلى مستوى الدول، فإننا للأسف لا نكاد نرى دولة في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه يمكن أن توصف بأنها متمردة على الولايات المتحدة،
وإذا كان هناك خطر يهدد مصالحها فهو من التطرف الإسلامي بالدرجة الأولى.

من ناحية أخرى، فإن الذين تحدثوا عن ذلك القرار الدولي الوهمي لم يحددوا مصدره،
وإذ اتجهت الأنظار إلى الولايات المتحدة باعتبارها المرشح الأكبر للقيام بذلك الدور فإننا لا نكاد نجد أثرا لذلك المخطط في أي وثيقة سياسية معتبرة.

 صحيح أن إدارة الرئيس بوش تبنت في عام 2004 مشروع "الشروق الأوسط الكبير" الذي تصورت أن يضم الدول العربية كلها ومعها تركيا وإسرائيل وإيران إضافة إلى أفغانستان وباكستان، إلا أن الفكرة وئدت في مهدها.

كما أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز كان قد تبنى فكرة "الشرق الأوسط الكبير" التي طرحها في كتاب صدر عام 1993 بالعنوان نفسه، لكنه كان يتحدث عن سوق مشتركة تنضم إليه وتقوده إسرائيل، وهذه أيضا ماتت قبل أن تولد.

أما إقامة خلافة إسلامية بقيادة تركيا موالية للغرب وترتبط بحلف الأطلنطي فليس لها ظل من الحقيقة، وهي لا تعدو أن تكون أسطورة سياسية ودعائية جرى تفصيلها بأثر رجعي لتصفية حسابات مع تركيا ومع الدول العربية التي صوتت أغلبية شعوبها لصالح الإسلام السياسي، واعتبار ذلك كله جزءا من المؤامرة مجهولة المصدر.

(3)

ثمة أسطورة أخرى شائعة تقول إن محمد مرسي أطلق سراح الجهاديين الذين كانوا في السجون المصرية، وأن هؤلاء استعادوا نشاطهم وتمركزوا في سيناء وحولوها إلى قاعدة لإقامة إمارة إسلامية ترتبط بحركة حماس في غزة، وقد أصبح هؤلاء مصدرا للعمليات الإرهابية التي استهدفت الجيش والشرطة وباتت تهدد الأمن القومي المصري.

وقد أعفاني الناشط والباحث الحقوقي المستقل حسام بهجت المدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية من تحرير تلك الأسطورة وتفنيدها،
ذلك أن موقع "صدى مصر" نشر له هذا الأسبوع دراسة مهمة ومثيرة فاجأتنا بمعلومات نقضت الفكرة وكشفت عن التغليط والتزييف فيها.

في دراسته أثبت أن ذلك الادعاء لم تطلقه وسائل الإعلام في حملاتها التعبوية فحسب،
ولكنه تردد أيضا على لسان وزير الداخلية وغيره من مسؤولي الأجهزة الأمنية الذين تحدثوا في أكثر من مناسبة عن الفكرة للادعاء بأن ثمة علاقة مباشرة بين القرار الذي اتخذه مرسي وبين العمليات الإرهابية اللاحقة، بما يدعم اتهام الإخوان بأنهم أثناء وجودهم في السلطة دعموا التطرف الديني المسلح.

أشار الباحث إلى مؤتمر صحفي عقده وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن فيه إلقاء القبض على واحدة من أخطر البؤر الإرهابية التي ضمت 39 شخصا يقودهم نبيل محمد المغربي الذي ذكر أنه أفرج عنه أثناء فترة حكم الرئيس المعزول،

إلا أن حسام بهجت اكتشف أن الرجل أفرج عنه في 5 يونيو/حزيران 2011، أي قبل عام كامل من انتخاب مرسي رئيسا، وتم ذلك بموجب قرار صدر بالعفو عنه لأسباب صحية، وقد أصدر القرار النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود.

أمسك حسام بهجت بذلك الخيط وتتبع قوائم الجهاديين الذين تم الإفراج عنهم بعد تنحي مبارك عن الحكم، وبعد مراجعة وتحليل البيانات الرسمية -التي تضمنت تلك القوائم- فإن النتيجة جاءت مخالفة بصورة جذرية للانطباع السائد والمقولات الرائجة.

هكذا قال في دراسته، مضيفا أنه "بينما أصدر مرسي بالفعل قرارات بالعفو الرئاسي عن المئات، فإن أغلب هؤلاء كانوا من المتظاهرين الذين تمت محاكمتهم أمام القضاء العسكري بعد الثورة".

كما أنه أصدر بالفعل قرارات بالعفو عن بعض قيادات الجهاديين الذين تم اعتقالهم أثناء سنوات المواجهة مع السلطة في تسعينيات القرن الماضي بسبب كونهم مجرد أعضاء أو متعاطفين،
وبسبب عدم وجود أدلة على تورطهم في أعمال إرهابية فإن أجهزة الأمن اكتفت باعتقالهم إداريا دون تقديمهم للمحاكمة.

أضاف صاحبنا أنه إزاء المظاهرات الغاضبة -التي انطلقت ضد نظام مبارك، وفي ظل حكومة الفريق أحمد شفيق- أعلن اللواء محمود وجدي وزير الداخلية آنذاك سياسة جديدة للوزارة تقضي بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين.

وبعد أقل من شهر على تنحي مبارك أصدرت وزارة الداخلية بيانا ذكرت فيه أن قطاع مصلحة السجون قام منذ أول فبراير/شباط 2011 بالإفراج عن 904 معتقلين جنائيين و755 معتقلا سياسيا،
 وتم ذلك بناء على توجيهات علنية من الفريق شفيق وبمباركة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

ذكرت الدراسة أنه في طور لاحق أصدر المجلس العسكري قرارات بالعفو عمن وصفهم "بالمحكوم عليهم سياسيا"، وهؤلاء بلغ عددهم 103 أشخاص، كان من بينهم الشقيقان طارق وعبود الزمر المحكوم عليهما في قضية اغتيال السادات،
 وبذلك بلغ عدد الإسلاميين الذين أطلق سراحهم قبل تولي مرسي رئاسة البلاد 858 سجينا.

تحقق الباحث من أنه بعد تولي مرسي منصبه لم يكن قد بقي في السجون من الإسلاميين سوى أقل من خمسين شخصا، في حين كانت السجون تكتظ بالشبان الذين قدموا إلى المحاكم العسكرية بعد الثورة، وقد أصدر الرئيس السابق قرارا بالعفو عن 645 من هؤلاء الأخيرين مرة، ثم عن 490 متهما منهم في مرة ثانية.
أما الإسلاميون فإنه أصدر قرارا وحيدا بالعفو عن 27 شخصا منهم، بينهم تسعة من قيادات الإخوان المتواجدين بالخارج (أحدهما سوري والآخر سعودي).

أما الثمانية عشر اسما الباقية فقد كانت من الجهاديين المدانين في قضايا متنوعة، من بينها محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا وتنظيم العائدين من ألبانيا، ثم لم يصدر بعد ذلك أي قرارات عفو أخرى.

مما خلصت إليه دراسة الأستاذ حسام بهجت "أن جميع أسماء السجناء السابقين الذين اتهمتهم المصادر الأمنية بالعودة لممارسة الإرهاب خرجوا من السجون بقرارات من المشير طنطاوي بصفته رئيسا للمجلس العسكري، أو بأحكام أصدرها القضاء العسكري".

(4)

أهمية الدراسة المثيرة التي نشرت يوم 16/2 على موقع "صدى مصر" أنها تفتح الأبواب لدراسات جادة أخرى يقوم بها الباحثون الشرفاء بشأن قائمة أخرى من الأساطير الرائجة في مصر التي يتعلق بعضها بتهديد حركة حماس للأمن القومي المصري أو بحكاية بيع قناة السويس أو حقيقة الدولة الدينية التي يقال إن مرسي أقامها أثناء العام الذي أمضاه في السلطة، وحقيقة الدولة المدنية التي بشرنا بها بعد عزله.

في تفسير سيل الأساطير -الذي انهمر علينا أثناء الأشهر السبعة الماضية- لم أجد سوى التعليق البليغ الذي ذكره الأستاذ أحمد سيف الإسلام المحامي والحقوقي المعروف، حين سئل عما وراء إطلاق مثل هذه الأساطير، فكان رده:
فتش عن الدولة العميقة.