أيكون رداً على السيسي؟


فهمي هويدي

في أعقاب حرب عام ٧٣، التي اعتبرها الرئيس السادات آخر الحروب، سمح لمهندسي القوات المسلحة، سواء كانوا ضباطا أو مجندين، بالتصويت والترشح لنقابة المهندسين، وهو ما كان محظورا عليهم في السابق.
وطوال الفترة بين عامي ٧٥ و١٩٨٥ هيمن ضباط القوات المسلحة على مجلس إدارة النقابة،

وقد اكتسح المهندس عثمان أحمد عثمان المرشحين لمنصب النقيب في عام ١٩٨١ لأنه تحالف مع القوات المسلحة التي كانت تحمل رجالها في حافلات إلى لجان التصويت في كل مرة لإنجاح الضباط المرشحين،

وحين قرر الإخوان دخول الانتخابات بقائمة ضمّت ١٧ عضوا في سنة ١٩٨٥ فوجئ الجميع بأنّ أصوات القوات المسلحة ذهبت إلى قائمتهم التي نجحت كلها، حينذاك،

وهو ما تكرر في انتخابات النقابة عام ١٩٨٧، التي جرى الاعتراض فيها على تخصيص لجان للانتخابات داخل ثكنات القوات المسلحة، كانت نتائجها بداية النهاية لهيمنة ضباط القوات المسلحة على النقابة، وهو الوضع الذي لم يستمر طويلا، لأن النقابة وضعت تحت الحراسة وجمدت ابتداء من عام ١٩٩٣.

هذه القصة أسوقها كي أنبّه إلى أنّ السماح للعسكريين بالتصويت يمثّل مغامرة كبرى، ليس فقط لأنه سيؤدي إلى إغراق الجيش والشرطة في أوحال السياسة وإلهاء الطرفين عن مسؤولياتهما الوطنية الأصلية،

ولكن أيضا لأن نتائج التصويت في تلك الحالة قد لا تحقق للداعين إليه مرادهم.

وأزعم في هذا الصدد أنّنا حين نحذّر من أنّ إقحام العسكريين في ساحة التجاذب السياسي لا يقلقنا كثيرا فيه تأثيرهم على العملية التصويتية،
ولكن ما يزعجنا كثيرا هو أثر ذلك على الأوضاع والمهام الوطنية الجليلة التي يفترض أن تنهض بها القوات المسلحة والشرطة.

ذلك أنّ فتح ذلك الباب من شأنه أن يحدث صراعا بين الحقوق والنظم،
إذ إنّ ممارسة حق التصويت ستكون على حساب النظم المستقرة لدى العسكريين في القطاعين.

ولك أن تتصور الأجواء في داخل القوات المسلحة مثلا حين يتوزع الضباط على القوى السياسية المتصارعة،
وحين يحدث ذلك بين الجنود،
وكيف يمكن أن يؤثّر ذلك على علاقة الطرفين، خصوصا في ظروف الاستقطاب الحاد المخيم على الواقع المصري.

إنّ الذين يتحدثون عن السماح للعسكريين بالتصويت في الانتخابات في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وكندا يتجاهلون الفروق في الأوضاع الاجتماعية والتحديات السياسية والإستراتيجية بيننا وبينهم،
كما أنّهم يتجاهلون واقع الإمكانيات والأساليب المستخدمة في عملية التصويت لدى تلك البلدان ونظائرها في بلادنا.

لقد كان وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي مدركا لمسؤوليات القوات المسلحة وواعيا بحدود مسؤوليتها الوطنية حين أعلن رفض المطالبات التي دعت إلى تدخل الجيش في الشأن السياسي، في حديث صريح وجّهه قبل أسبوعين.

وأغلب الظن أنّه لم يكن يخطر على باله حين حسم الأمر على ذلك النحو أنّ المحكمة الدستورية ستصدر قرارا يلزم القوات المسلحة بالتدخل في الشأن السياسي من خلال التصويت في الانتخابات.

ولا بد أن يثير انتباهنا في هذا الصدد أن يصدر قرار الدستورية بعد أيام قليلة من إعلان الفريق السيسي، ولا أعرف ما إذا كانت تلك مجرد مصادفة أم لا،
إلاّ أنّ الملاحظة تظلّ جديرة بالتسجيل في كل الأحوال،

علما بأنّ انخراط المحكمة الدستورية في الشأن السياسي يوسع من دائرة الاحتمالات ويفتح الباب لإساءة الظن بذلك التتابع،
 الأمر الذي لا يستبعد أن يكون قرار إلزام العسكريين بالتصويت في الشأن السياسي بمثابة رد على إعلان الفريق السيسي رفضه الزجّ بالقوات المسلحة في التجاذب السياسي.

وهو ما قد يفسر لنا لماذا سكتت الدستورية عن هذا الموضوع حين تلقّت مشروع قانون مباشرة الحقوق السياسية في المرة الأولى،
 ثم أثارته بعد ذلك في المرة الثانية، بعدما «تصادف» أن أعلن الفريق السيسي عن موقفه سابق الذكر.

مثل هذه الشكوك لا تأتي من فراغ، لكنها تستند إلى خلفية تسييس بعض الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية أكثر من مرة،

إضافة إلى ممارسات أخرى صدرت عنها، من قبيل مشاركة اثنين من قضاة المحكمة في مؤتمر قضائي دولي عقد في كوريا الجنوبية،
ومحاولتهما تحريض المؤتمر ضد الوضع القائم في مصر.

من تلك الممارسات أيضا أنّ الدستورية جرى تمثيلها في مؤتمر تدويل أزمة القضاة مع السلطة الذي عقد أخيرا فى القاهرة، في حين أنّ المجلس الأعلى للقضاء نأى بنفسه عن ذلك.

الشاهد أنّنا صرنا إزاء أزمة جديدة تتطلّب من عقلاء القضاة والسياسيين أن يتعاملوا معها بحكمة وبعد نظر، تصوب الأخطاء التي وقعت، وتسهم في مواصلة السير نحو تأسيس النظام الجديد،
ومن ثم تحبط محاولات تجميد تلك المسيرة أو إجهاضها.

خطأ مهني جسيم


فهمي هويدي

هل تشكّل المحكمة الدستورية حزبا سياسيا معارضا في مصر؟

هذا سؤال جاد لا هزل فيه، لم أكن لأجرؤ على طرحه قبل إصدار قرارها هذا الأسبوع الذي ألزمت فيه مجلس الشورى بالسماح لضباط وجنود الجيش والشرطة بالتصويت في الانتخابات بحجة إرساء قاعدة المساواة بين المواطنين.
وهو ما اعتبرته كلاما مباشرا وصريحا في السياسة، بعيدا كل البعد عن القانون.

ليس جديدا تسييس أحكام الدستورية، ذلك أنّنا تلقّينا أول رسالة بهذه المعنى في الحكم الذي أصدرته بحلّ البرلمان المنتخب،
 وتطوّعت بذلك دون أن يطلب منها الفصل في الموضوع الذي أحيل إليها من المحكمة الإدارية العليا،

 لكن الرائحة التي فاحت في العام الماضي وأثارت شكوك الكثيرين وحيرتهم، تحول الشك فيها إلى يقين هذا الأسبوع،
لأن السياسة في القرار الأخير كانت مباشرة، ودخلت علينا من الباب الواسع،

ذلك أنّ حجة المساواة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم التي استندت إليها المحكمة في قرارها تصدم أي دارس مبتدئ للقانون وتثير دهشته،

 إذ إنّ القاعدة المتعارف عليها بين القانونيين والتي قررتها أحكام محكمتي النقض والدستورية، أنّ تلك المساواة ليست مطلقة، ولكنها تتوافر في حالة واحدة هي تلك التي تتساوى فيها المراكز القانونية بين مختلف الأطراف،

ففي الضريبة التصاعدية مثلا لا يستطيع صاحب الملايين أن يطلب مساواته في قيمة الضريبة التي يدفعها بموظف الحكومة الذي يتقاضى مئات معدودة من الجنيهات، لأن لكل منهما وضعه القانوني الخاص،

وفي مصر فإنّ الشرطة والجيش يتولون تأمين الانتخابات،
وليس مفهوما كيف يمكن أن يقوموا بتلك المهمة بينما هم يشاركون فى التصويت.

ثم إنّ هناك سؤالا يثار حول ما إذا كان الإلزام الذي دعا إليه قرار المحكمة الدستورية يسري على حق الشرطة والجيش في التصويت فقط أم أنّ ذلك يعطيهم الحق في الترشح أيضا عملا بالمفهوم المسطح والمبتسر لفكرة المساواة الذي تبنّته المحكمة،

 وفي هذه الحالة فإنّ الحظر المفروض على ترشح القضاة وانضمامهم إلى الأحزاب السياسية يجب أن يسقط أيضا.
الأمر الذي يزجّ بالجميع في أتون الصراع السياسي ويهدد حياد واستقلال المؤسسات الوطنية في البلد.

إنّ قضاة المحكمة قرأوا المادة 55 من الدستور التي اعتبرت أنّ مشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني وقررت حق كل مواطن في الانتخاب والترشيح، لكنهم أغمضوا أعينهم عمّا قررته ديباجة الدستور التي تشكّل مفتاح القراءة الصحيحة له،

إذ نصّ البند الثامن من الديباجة على أنّ
«قواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل في الشأن السياسي».

والعبارة واضحة وحاسمة في أنّ القوات المسلحة محظور عليها ليس فقط التصويت أو الترشح للانتخابات، ولكن الحظر يتجاوز تلك الحدود بمراحل، يشمل كل ما له علاقة بالشأن السياسي على إطلاقه.

حين تقرأ المحكمة المادة 55 من الدستور وتتجاهل نص ديباجته، فإنّ ذلك يفتح الباب لتساؤلات كثيرة تشكك في براءة الدوافع التي أدّت إلى ذلك،

وإذا قاومنا تلك الفكرة وافترضنا حسن النيّة فيما جرى فإنّنا لا نستطيع أن نصف موقف المحكمة الدستورية بأقل من أنّه بمثابة خطأ مهني جسيم يسيء إلى المحكمة قبل أيّ طرف آخر،

ذلك أنّه يعيب المحكمة أن تقرأ نصا في الدستور وتتجاهل ديباجته،
ويشينها أن تكون قد استوعبت النصين وتعمّدت تجاهل أحدهما كي تحقق غرضا ما.

يضاعف من حيرتنا وشكوكنا أنّ المحكمة الدستورية حين تلقّت مشروع قانون الانتخابات في المرة الأولى فإنّها أبدت عليه خمس أو ست ملاحظات، لم يكن من بينها حكاية الإلزام بالسماح لجنود الشرطة والجيش بالتصويت،
إلاّ أنّ المجلس حين أعاد النظر في المشروع وبعث به إلى المحكمة مرة ثانية، فإنّها ضاعفت من ملاحظاتها؛ صار عددها ١٢، وأثارت موضوع العسكريين وتصويتهم،

الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل:
لماذا سكتت المحكمة في المرة الأولى ثم فجّرت الموضوع في المرة الثانية؟
نحاول الإجابة عن السؤال غدا بإذن الله.

الحب قبل الزواج


كثيرًا ما يسأل المقبل على الزواج عن الحب قبل الزواج هل هو حلال أم حرام؟ 

وهل وجوده شرط لنجاح الزواج؟
وهل الإعجاب يختلف عن الحب؟

كل هذه الأسئلة أحببنا أن نناقشها في هذا الموضوع:
الحب كعاطفة

الحب كمشاعر قلبية لا سيطرة للإنسان عليها، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

وقد ضرب الله مثلاً في قصة إعجاب ابنة شعيب بموسى عليه السلام على الحب كمشاعر تلامس القلوب, فكانت نتيجته تعريضها بشمائله وعرض والدها الزواج على موسى عليه السلام؛ فأنفق من عمره الشريف عشر سنين في سبيل حبه لها, فلولا أن الحب من أغلى الأشياء, لما ذهب كثير من زمن الأنبياء فيه.
وقد جاء تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المفهوم بأن نار الحب إذا اشتعلت لا يطفئها إلا النكاح وذلك بقوله: "لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح"[1].
ولذلك لم يحتمل النبي صلى الله عليه وسلم السكوت عندما شاهد المتيم مغيث يقابل بالصد والهجران من بريرة فكان صلى الله عليه وسلم راحمًا بالمحبين شافعًا لهما, وهذا نص حديث قصة بريرة ومغيث:

عن ابن عباس رضي الله عنه أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا" وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبريرة: "لو راجعتيه". قالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: "إنما أنا شافع", قالت: لا حاجة لي فيه [2].

ويقول ابن عباس: "ذاك مغيث عبد بني فلان -يعني زوج بريرة- كأني أنظر إليه يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها" [3].
قصة أبوبكر والجارية 

وهذا الصديق أبو بكر رضي الله عنه يمر في خلافته بطريق من طرق المدينة، فإذا جارية تطحن برحاها وتقول:

وهويته من قبل قطع تمائمي   متمايسًا مثل القضيب الناعم

وكأن نور البدر سُنّة وجهه   ينمي ويصعد في ذؤابة هاشم

فدقّ أبو بكر عليها الباب فخرجت إليه فقال: ويلك أحرة أنت أم مملوكة؟!

فقالت: بل مملوكة يا خليفة رسول الله. قال فمن هويت؟! فبكت ثم قالت: بحق الله عليك إلا انصرفت عني. قال: لا أريم أو تعلميني.
فقالت:

وأنا التي لعب الغرام بقلبها   فبكت لحب محمد بن القاسم
فصار أبو بكر إلى المسجد وبعث إلى مولاها فاشتراها منه, وبعث إلى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب، وقال: هؤلاء فِتَنُ الرجال. وكم مات بهن من كريم, وعطب عليهن من سليم.
قصة المحب مع علي

أُتيَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بغلام من العرب وجد في دار قوم بليل فقال له: ما قصتك ؟! فقال: لست بسارق, ولكني أصدقك:

تعلقت في دار الرباحي خَــودة    يدل لها من حسنها الشمس والقمر

لها من نبات الروح حسن ومنصب    إذا افتخرت بالحسن صدقها الفخر
فلما طرقت الدار من حب مهـجة    أتيت وفيها من توقــدها جمـر
تبادر أهـل الـدار لي ثم صَيَّـحوا    هو اللص محتوم له القتـل والأسر

فلما سمع علي شعره رقَّ له، وقال للمهلب بن رباح: اسمح له بها نعوضك منها. فقال يا أمير المؤمنين سله من هو لنعرف نسبه؟!

فقال: النهاس بن عيينة العجلي. فقال: خذها فهي لك.

قصة البدوي العاشق

ومن غرائب القصص ما ذكر أن المهدي خرج إلى الحج حتى إذا كان في السفر يتغدى فأتى بدوي فناداه: يا أمير المؤمنين, إني عاشق! ورفع صوته.
فقال للحاجب: ويحك ما هذا؟!
قال: إنسان يصيح إني عاشق!
قال: أدخلوه. فأدخلوه عليه، فقال: من عشيقتك؟! قال: ابنة عمي. قال: أولها أب؟ قال: نعم, قال: فما له لا يزوجك إياها؟! قال:ها هنا شيء يا أمير المؤمنين. قال: ما هو؟ قال: إني هجين. قال له المهدي: فما يكون؟! قال: إنه عندنا عيب.

فأرسل المهدي في طلب أبيها فأُتي به, فقال: هذا ابن أخيك؟ قال: نعم.
قال: فلم لا تزوجه كريمتك؟! فقال له مثل مقالة ابن أخيه. وكان من ولد العباس وعنده جماعة.
فقال: هؤلاء كلهم بنو العباس وهم هجن ما الذي يضرهم من ذلك؟

قال: هو عندنا عيب.
قال: زوجه إياها على عشرين ألف درهم, عشرة آلاف للعيب, وعشرة آلاف مهرها.
قال: نعم.

فحمد الله وأثنى عليه وزوجه إياها. فأتى ببدرتين فدفعهما إليه, فأنشأ الشاب يقول:
ابتعت ظبيـة بالغــلاء وإنما    يعطي الغـلاء بمثلها أمثـالي

وتركت أسواق الصباح لأهلها    إن الصباح وإن رخصن غوالي

فالحب الذي يبقى مقيدًا بلجام العفاف والتقوى لا حرج فيه, وسبيله الوحيد النكاح كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم, فإن لم يحصل كان الصبر مع مرارته هو الحل الوحيد.
قصة نصر بن حجاج

سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء سيره ليلا امرأة تنشد وهي تتغزل بشاب جميل اسمه نصر بن الحجاج وتتمنى لو كانت زوجة له:

هل من سبيل إلى خمر فأشربها    أو من سبيـل إلى نصر بن حجاج

إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل    سهل المحيا كــريم غير ملجـاج
نمته أعراق صدق حين تنسبه    أخي حفـاظٍ عن المكروب فـرَّاج

فغضب الخليفة وقال: والله لا أرى رجلاً معي تهتف به النساء في بيوتهن.

وفي الصباح أحضره، ولما رأى من جماله قال: والله لا تساكنِّي في بلدة يتمناك بها النساء, فخذ من بيت المال ما يصلحك وسر إلى البصرة.
فقال له نصر: لقد قتلتني, فإن فراق الأوطان كقتل النفس.
فقال له عمر: وكيف ذاك؟
قال: قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ[النساء:66].
قال الخليفة: ولكن أقول ما قال شعيب: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود:88].
فلما سمعت بمصير نصر إلى البصرة بسببها قالت:

قل للإمام الذي تخشى بوادره    ما لي وللخمر أو نصر بن حجاج

لا تجعل الظن حقا أو تبينـه    إن السبيل سبيل الخائف الراجي
ما منية قلتها عرضا بضـائرة    والناس من هالك قدما ومن ناج
إن الهوى ذمم بالتقوى فقيده    حتى أقـر بإلجـام وإسـراج

فبكى عمر وقال: الحمد لله الذي قيد الهوى بلجام العفاف والتقوى. [4].
لذلك كان جزاء العفة كبيرا، وقد وصف الله عز وجل يوسف عليه السلام بقوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ}[يوسف:24]بسبب عفته عن الحرام.
وقد فرج الله عن الرهط الثلاثة الذين سُدَّ عليهم بعفة أحدهم عن الحرام، حيث قال: "اللهمّ إنه كانت لي ابنة عمّ أحبَبْتُها كأشدّ ما يُحبّ الرجالُ النساءَ، فطلبتُ إليها نفسها فأبَتْ حتى آتيها بمائةِ دينارٍ فتعبتُ حتى جمعت مائة دينار, فجئتها بها، فلما وقعتُ بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتّقِ الله ولا تَفتح الخاتَمَ إلاّ بحقّه، فقمتُ عنها، فإن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِكَ فافرُجْ لنّا منها فَرْجةً، ففَرَجَ لهم" [5].
الحب كممارسة

إننا نفرق بين الحب كممارسة وسلوك وبين الحب كمشاعر، فالحلال منه إذا كان مجرد مشاعر، أما إذا تحول الحب إلى سلوك كلمسة وقبلة ولمة ففي هذه الحالة يكون حكمه حرامًا، وينتج عنه سلبيات كثيرة؛ لأنه من الصعب على المحب ضبط حبه.

وبهذه المناسبة نعرض للقارئ الكريم ما هي نتائج الحب في أمريكا، والإحصاءات التي نعرضها تمثل هذا الاتجاه.
هذه الإحصاءات لمركز 2000census في الولايات المتحدة الأمريكية:
1-41% من النساء الأمريكيات عمرهن بين 15-44 سنة عشن علاقة حب قبل الزواج ومساكنة مع رجال.
وهذه الإحصاءات حسب الأعمار:

-    9 % من اللاتي أعمارهن بين 15 - 19 سنة.
-    39% من اللاتي أعمارهن بين 20 - 24 سنة.
-    49% من اللاتي أعمارهن بين 25 - 29سنة.
-    51% من اللاتي أعمارهن بين 30 - 34سنة.
-    50% من الذين أعمارهم بين 35 - 39 سنة.
-    43% من اللاتي أعمارهن بين 40 - 44 سنة.

بنتج عن هذه الحالات:

-    41 % من حالات الحب ينتج عنها أطفال.
-    33 % من عدد الولادات في أمريكا هي من نساء غير متزوجات. 
-    14% من الولادات الأولى للنساء هم في الحقيقة أطفال يولدون من حالات الحب.
-    25 % من الأطفال يتوقع أن يعيشوا في بيوت يكون الرجل والمرأة غير متزوجين.

2-نسب الزواج بعد هذه العلاقة:

-    55 % من هذه الحالات تنتهي بحالات زواج بعد 5 سنوات من العيش في منزل واحد.
-    40 % ينفصلون بعد 5 أعوام من العيش في منزل واحد.
-    5 % تطول حالة المساكنة لأكثر من 5 أعوام. 
-    75 % من الذين يعيشون حالة الحب يقولون إنهم يخططون للزواج بشريكهم, وأغلبية المتزوجين اليوم عاشوا معا قبل الزواج.
-    53 % من النساء المتزوجات للمرة الأولى تزوجن بعد العيش لفترة مع شريكهن [6].

امرأة العزيز

وقد كانت امرأة العزيز ونسوة المدينة المثل الذي ضربه الله تعالى نموذجًا للحب الذي يتعدى المشاعر إلى السلوك العملي, ولا شك أنه ساء سبيلا وهو زورًا الحب وحقيقة الفاحشة.
نعم, كم ساق هذا الحب المحظور إلى مهالك ومخازٍ لا تنسى!

ولكن ما هو الحب الذي نريده؟!
نريد الحب الذي يغير القلوب والنفوس!
نريد الحب الذي يدفع بأصحابه للقيام بأعمال يسطرها لهم التاريخ كأحلى قصة بين متحابين!
نريد قصة الطفيل بن عمر الدوسي, ألا تعرفونها؟! فكيف يصح حب من لا يعرف الطفيل وحبيبته!
قصة الطفيل وزوجته

دخل الطفيل في الإسلام فأتت إليه زوجته لتقرب منه فمنعها، وقال: إليك عني فلست منك ولست مني. 
قالت ولم؟! بأبي أنت وأمي, فقال: فرق بيني وبينك الإسلام, فقد أسلمت, وتبعت دين محمد صلى الله عليه وسلم.
قالت: أنا منك وأنت مني, وديني دينك فأسلمت [7].

هكذا يكون جواب المحب لحبيبه, "أنا منك وأنت مني" ولكنه حب موصول بفاطر السماوات والأرض, خالق الحب ورازقه.
هل تعرفون من هي صاحبة أغلى مهر في العالم؟!

أظنكم فكرتم بأشهر الشخصيات العالمية كالأميرات والممثلات والمغنيات.

لكم الحق في ذلك! هكذا اعتدنا التفكير؛ لأن صورة الحب أمامنا هكذا معاييره.

ولكن أصحاب الحب الحقيقي عرفوا من تكون, ترى من تكون؟!
فإلى رحاب القصة:

أم سليم وأغلى مهر في العالم

توفي زوج الرميصاء بنت ملحان المكناة بأم سليم وبعد انتهاء عدتها, تقدم لخطبتها يزيد بن سهل المكنى بأبي طلحة, ولكنها رفضته! لماذا؟

أبو طلحة ظن حاجتها الذهب والفضة، فسألها: هل تريدين الأصفر والأبيض؟!

فقالت: بل إني أشهدك يا أبا طلحة, وأشهد الله ورسوله أنك إن أسلمت رضيت بك زوجًا من غير ذهب وفضة, وجعلت إسلامك مهرًا لي.
قال: من لي بالإسلام؟! قالت: أنا لك به. فقال: كيف؟ قالت: تنطق بكلمة الحق, فتشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدًا رسول الله, ثم تمضي إلى بيتك فتحطم صنمك ثم ترمي به.
فانطلقت أسارير أبي طلحة، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدًا رسول الله [8] .

الإسلام هو أغلى مهر حصلت عليه امراة، فهل هناك ما هو أغلى منه؟!
هنيئاً لأم سليم مهرها الذي سطر تاريخًا يتداول على الألسن, ويكفيها تشريفًا أن يقول المسلمون: "ما سمعنا بمهر قط كان أكرم من مهر أم سُليم".
هكذا الحب كيف يُنسى؟!

إن كنا لا نعرف في أيامنا حبًا هكذا بدايته, فلنحاول أن نبدأ حبنا بالعاطفة وننميه مع الأيام بالزواج, ولنبتعد عن حب مقدماته الشهوة الجنسية ولا نموَّ له إلا الرذيلة. 
ولنتدبر قول الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[الروم:21] . 


[1] ابن ماجة (1847).

[2] البخاري (5283).
[3] البخاري (5281).
[4] روضة المحبين (ص375-382) بتصرف
[5] مسلم (2743) 
[6] جميع تلك الإحصائيات مأخوذة من المرجع السنوي لعلم الاجتماع (annual review of sociology by Pamela smock2000) 
[7] سير أعلام النبلاء (ج1ص248-250), الإصابة (ج2ص225)
[8] الإصابة(ج1ص566), الطبقات الكبرى (ج3ص504)

ومواجهة للفوضي بالإسكندرية.. وقف‏28‏ من العاملين لتعطيلهم العمل بالميناء


جريدة الأهرام المصرىفي خطوة غير مسبوقة لتحقيق الانضباط‏,‏ قرر اللواء عادل ياسين رئيس ميناء الإسكندرية تحويل‏28‏ من العاملين إلي التحقيق دفعة واحدة‏.
بالإضافة إلي خصم15 يوما من رواتبهم ونقلهم إلي أماكن أخري بعيدا عن عملهم الأصلي بعد أن قاموا بتعطيل العمل علي بوابات الميناء.
وقال ياسين إن الـ28 موظفا يعملون في مجال تسجيل ورصد البيانات الخاصة بالشاحنات وحركة الدخول والخروج لنقل البضائع والحاويات بالبوابات الرئيسية, موضحا أنه فوجئ بامتناعهم عن العمل والمطالبة بنقلهم إلي المركز الرئيسي للإدارة الإلكترونية في الميناء مما أصاب حركة التريلات بالارتباك وحدوث التكدس بالميناء. وأضاف انه حاول إقناعهم بالتفاوض للتراجع عن تعطيل العمل إلا أنهم لم يستجيبوا فأصدر قرارا بتحويلهم إلي النيابة العامة للتحقيق حرصا علي المصلحة العامة, وعندما شعروا بجدية الإجراءات قدموا التماسا لوقف التحويل إلي النيابة واعتذارا عما حدث. وأشار رئيس الميناء إلي انه رغم الاعتذار فقد تمت احالتهم إلي الشئون القانونية بالميناء لاستكمال إجراءات التحقيق مع رفض مطالبهم بالعودة إلي أعمالهم مرة أخري في الأنشطة الخاصة بتسجيل بيانات الدخول والخروج لحركة البضائع والشاحنات.
وأوضح أنه استعان بعناصر من القوات البحرية لتأمين البوابات خوفا من ردود الفعل الغاضبة لهؤلاء العاملين إلا أن الأمر انتهي بتنفيذ القانون علي المخالفين وسط ارتياح كبير من سائقي التريلات والشاحنات الذين اتهموا الموظفين بتعطيل العمل.

نجحنا في مادة ورسبنا في الامتحان النهائي


فهمى هويدى

أما وقد هدأت العاصفة التي اجتاحت مصر إثر اختطاف الجنود السبعة في سيناء. فاسمحوا لنا أن نستعيد بعض خلفيات الحدث ومشاهده. كي نستخلص منها ما تيسر من الخبرة والعبرة.

(1)

بمجرد أن نفتح ملف اختطاف الجنود سنفاجأ بأن الحادث له سابقة مسكوت عليها أو نسيناها، ففي يوم 12 نوفمبر عام 2008 تناقلت المواقع الإخبارية قصة خلاصتها أن البدو اختطفوا 21 من الضباط والجنود، أحدهم برتبة عقيد عند النقطة 36 وسط سيناء، ونقلت عن المصادر البدوية قولها إن المختطفين بمثابة «رهائن» تم إيداعهم في منطقة «وادي العمر» معقل قبيلة الترابين لحين تقديم الضباط المسؤولين عن قتل 4 من البدو إلى محاكمة عادلة ــ وكان آخرهم مواطن يدعى ربيع أبوسنجر (42) قتلته قوات الأمن. وقد عقد اللواء منتصر شعيب، مدير أمن سيناء اجتماعا صباح ذلك اليوم (الأربعاء) بحضور اللواء عدلي فايد مساعد وزير الداخلية للأمن العام واللواء محمد عبدالفضيل شوشة، ومعهم مشايخ الترابين وبعض مشايخ القبائل الأخرى، وتمت خلال الاجتماع مناقشة ملابسات وأسباب التوتر القائم بين الأجهزة الأمنية والبدو، واستعادة الضباط والجنود المختطفين، على أن يتم إطلاق سراح عدد من عناصر البدو الذين ألقى القبض عليهم خلال اليومين السابقين.

كان موقع «اليوم السابع» قد ذكر في يوم سابق (الثلاثاء 11 نوفمبر) أن البدو المعتصمين استولوا على مركز شرطة بلدة مدفونة، بالقرب من الحدود بين مصر وقطاع غزة، حدث ذلك في الوقت الذي اتخذت فيه الأجهزة الأمنية بشمال سيناء العديد من التدابير لامتصاص غضب قبيلة الترابين، قبل تصعيد اعتصامهم الذي استمر طوال اليوم السابق (الاثنين 10 / 11) فى قرية نجع شبانة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وفيه أطلقت الأعيرة النارية وتم إحراق إطارات السيارات، في نفس المكان الذي شهد في السابق اعتصامات مفتوحة للمطالبة بحقوق البدو وإطلاق سراح المعتقلين من أبناء سيناء.

على ذات الموقع وفي الفترة ذاتها (نوفمبر 2008) أخبار عدة تتعلق باشتباكات وصدامات بين البدو والأجهزة الأمنية، أحدها تحدث عن تجمع عشرات من أبناء قبائل سيناء على الحدود المصرية الإسرائيلية فى منطقة نجع شبانة، حيث نظموا اعتصاما مفتوحا اعتراضا على تفجير قوات الأمن المصرية سيارة كان يستقلها اثنان من أبناء الترابين، الآخر تحدث عن مقتل اثنين برصاص الشرطة أحدهما من قبيلة الترابين والثاني من قبيلة الرياشات. الخبر الثالث تحدث عن أن ضابطا صغيرا تسبب فى معارك بين الأمن والبدو، ونقل عن بعض عناصر البدو قولهم، من الآن فصاعدا لا وجود للحكومة فى سيناء.. الخ.

(2)

هذه الخلفية تنبهنا إلى أربع ملاحظات هي:
 أن هناك احتقانا له تاريخ بين بعض قبائل سيناء وبين الأجهزة الأمنية، وأن محاولات امتصاص ذلك الاحتقان لم تنجح خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل.
 أن الاحتقان له مصدران أساسيان، أولهما فكرة التعامل مع سيناء باعتبارها حالة أمنية، الأمر الذي صرف الانتباه عن الجهد الذي ينبغي أن يبذل لتنمية مجتمعاتها للنهوض بها وليس فقط لجذب السياح وتوفير أسباب الراحة لهم. المصدر الثاني تمثل في إساءة معاملة الشرطة لأهالي سيناء على نحو مهين لم يكن ممكنا القبول به أو احتماله في ظل التركيبة القبلية الراسخة هناك.

أن التوتر الذي شاع في سيناء لم تكن له في البداية دوافع أيديولوجية، حيث لم تكن قد ظهرت على السطح الجماعات السلفية أو التكفيرية التي يتواتر الحديث عنها هذه الأيام، وهو يعني أن للغضب وجودا وجذورا سابقة على ظهور تلك الجماعات، الأمر الذي يعني أنها جاءت كاشفة لمشاعر النقمة والغضب وليست منشئة لها.
< الملاحظة الرابعة هي أن الحدث جرى احتواؤه في هدوء حينذاك، حيث أعطى حجمه الطبيعي باعتباره إشكالا بين الأهالي والشرطة جرى حله من خلال التفاهمات التي قادها الوسطاء، ورغم أن الذين تم اختطافهم آنذاك كانوا ثلاثة أضعاف الجنود الذين اختطفوا مؤخرا، إلا أن الحدث لم يثر الصدمة أو الدوى الذي شهدته مصر في الأسبوع الماضي، وهذا الاختلاف في الأصداء وثيق الصلة باختلاف ظروف كل من الحدثين، فالحدث الأخير وقع في أجواء استقطاب داخلي وصراع حاد وهو ما لم يكن قائما منذ خمس سنوات، حين وقعت حادثة الاختطاف سابقة الذكر وتلك مسألة تحتاج إلى وقفة.

(3)

لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن حادث اختطاف الجنود السبعة سلط الأضواء على مشكلة القاهرة وليس مشكلة سيناء. إذ منذ اللحظات الأولى استخدم الحدث في اتجاهين متوازيين، أحدهما وجه الاتهام بالتآمر والفشل إلى الرئيس مرسي وجماعته، والثاني استغاث بالجيش واستنفره لمحو «العار» الذي لحق بمصر جراء ما وصف بأنه تطاول على سيادتها وإهانة لكرامة جنودها.
تعددت صياغة التعبير عن هذا المعنى أو ذاك، وكان عدد جريدة الدستور الصادر في 21 / 5 حالة قصوى في هذا الصدد، إذ اعتبرت أن عملية الخطف من تدبير جماعة الإخوان، ووصفتها بالعملية الإرهابية «رفح2»، معتبرة أن قتل الـ16 جنديا فى شهر رمضان الماضي هي رفح واحد، وذكرت فى عناوين كبيرة بسطتها على الصفحة الأولى أن العملية استهدفت أربعة أمور هى: كسر هيبة الجيش وإهانة كرامة شعبنا أمام العالم ــ إبعاد الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس المخابرات ضمن عشرة من قيادات القوات المسلحة، تمهيدا للإطاحة بعشرة آلاف ضابط وتحويلهم إلى وظائف مدنية أو إحالتهم إلى التقاعد ــ السيطرة على مفاتيح الجيش الذي يمثل العقبة الرئيسية التي تتطلع الجماعة للاستيلاء على ممتلكات الدولة الإستراتيجية ــ إلهاء الشعب عما يحدث فى مصر الآن من كارثة اغتصاب ممتلكات الدولة وبيع أصولها بالصكوك إلى جانب تمرير مشروع احتلال قناة السويس.

على الصفحة ذاتها عناوين أخرى عرضت لما اعتبرته أسبابا للخلاف بين الجماعة والقيادات العسكرية. وكيف أن تلك الأسباب هي محور الصدام بين الطرفين الكامن وراء مؤامرة اختطاف الجنود السبعة (بالمناسبة ستة منهم من الشرطة ويتبعون الأمن المركزي).

التعبئة الإعلامية تحركت في ذلك الإطار الذي لم يذكر سيناء. ولا أشار إلى شيء من مشكلاتها، أستثنى من ذلك بيانا رصينا أصدرته منظمات حقوق الإنسان المصرية (في 20/5) انتقد تجاهل مظلومية أهالي سيناء واحتجاز نفر منهم في السجون بالمخالفة للقانون، وحذر من أن تقتصر استجابة سلطات الدولة كالمعتاد على الحل الأمني قصير النظر الساعي لإطلاق سراح الجنود المختطفين دون معالجة جذور الأزمة الحالية، التي لم تكن لتقع إلا بسبب تجاهل الدولة لأبسط قواعد العدالة والقانون، ورفضها الاستجابة لمطالب لم تنقطع منذ سنوات لإنهاء الظلم المزمن الواقع على أبناء سيناء وسجنائهم»، وأكد بيان المنظمات الثماني الموقعة عليه على «أن الحل الجذري للازمة الممتدة فى سيناء يبدأ وينتهي بإنهاء التهميش السياسي والاقتصادي لأهالي سيناء، وبرد حقوقهم ورفع المظالم عنهم».

(4)

بيان منظمات حقوق الإنسان بدا سباحة ضد التيار وتغريدا خارج السرب، لسبب جوهري هو أنه كان محاولة للفت الانتباه إلى التشخيص الصحيح لمشكلة سيناء، فى حين أن الخطاب الإعلامي السائد لم يكن معنيا بتصحيح التشخيص، بل لم يكن معنيا بسيناء كلها، لأن تصفية حسابات القاهرة كانت الهدف والموضوع الأساسي للحملة السياسية والإعلامية.
كما لم يؤخذ بيان منظمات حقوق الإنسان على محمل الجد، فإن البيان الذي أصدرته السلفة الجهادية ونفت فيه علاقتها بخطف الجنود لقي نفس المصير، وكانت النتيجة أننا لم نفهم حقيقة ما حدث في سيناء، وحاول البعض إبراء ذمتهم إزاء ما جرى باستسهال المطالبة بدخول الجيش إلى الساحة والقيام بعملية عسكرية لتحرير «الرهائن»، دون إدراك لمغزى هذه الخطوة وعواقبها، ونحمد الله على أن الجيش كان أكثر حكمة، فدعا إلى التريث رغم أنه كان تحت تصرفه أمر عمليات وقعه رئيس الجمهورية، في أعقاب عقده مع وزير الدفاع وقيادات القوات المسلحة.

المدهش في الأمر أن كثيرين تحدثوا عن ضياع هيبة الدولة والمساس بكرامتها والعار الذي لحق بها جراء خطف الجنود السبعة، وتجاهلوا أن انتقاص سيادة الدولة على سيناء وتقييد حركة قواتها على أرضها يجسد كل تلك المعاني. لكن الأغلبية تتجاهل تلك الحقيقة وتغض الطرف عنها. وهو ما ذكرني بمقولة الشيخ محمد الغزالي التي انتقد فيها خلل التفكير وشيوع قصر النظر عند الذين تستبد بهم الغيرة ويثورون لكرامتهم إذا ما اغتصبت فتاة من أهليهم، في حين لا يحركون ساكنا إذا اغتصبت بلادهم، وهو بالضبط ما فعله أصحابنا هؤلاء.

إن أخشى ما أخشاه أن يغلق ملف سيناء بعد إطلاق سراح الجنود وعودتهم إلى أهاليهم لتعود بعد ذلك «ريمة إلى عادتها القديمة». فتنسى مسألة المطالبة ببسط سيادة مصر على أراضيها كاملة وتعود الأجهزة الأمنية إلى استخدام أساليبها المعروفة فى التحفظ على الأهالي واستنطاقهم. وتبقى مظلومية أهالي سيناء على حالها، ويغرق الجميع فى مستنقع مراراتهم وحساباتهم الخاصة، ناسين الوطن وناسه ومستقبله، وحين يحدث ذلك فإننا لا نستطيع أن نتفاءل كثيرا بالمستقبل، لأن خياراتنا ستصبح بين سلطة لا تحسن الإدارة ومعارضة لا تحسن التقدير، كأنما دخل الاثنان في مسابقة لقلة الحيلة وقصر النظر، لقد نجحنا حقا في إطلاق سراح الجنود المختطفين لكننا رسبنا فيما عدا ذلك، الأمر الذي يسوغ لي أن أقول إننا نجحنا في مادة واحدة لكننا رسبنا في الامتحان النهائي.

العرب في جنيف2


فهمي هويدي

حين اتفق الأمريكيون والروس على عقد مؤتمر «جنيف»، الشهر القادم لبحث مصير الأزمة السورية، عُدَّ ذلك تطورا مهماً له دلالات عدة،

 فمن ناحية اعتبر اتفاق الطرفين على الفكرة بمثابة رسالة أعلنت ضمنا عن ترجيح كفّة الحل السياسي وتراجع احتمالات نجاح الحل العسكري الذي ظل مطروحا خلال العامين الماضيين.

من ناحية ثانية، فهو يعني أنّ إيران المتفاهمة مع روسيا و»إسرائيل» المتفاهمة مع الأمريكان ستكونان ممثلتين في المؤتمر.

في ذات الوقت فإنّه يعني أيضا تراجع الدور التركي وتأجيل مناقشة المبادرة المصرية وتجميد مهمة اللجنة الوزارية العربية المكلفة ببحث الموضوع.

إن شئت فقل إنّ الدعوة إلى المؤتمر بمثابة إعلان عن توقف المساعي المحلية والإقليمية، ودخول اللاعبين الكبار إلى الحلبة بديلا عن مختلف الأطراف الأخرى.


على صعيد آخر، فإنّ أسئلة كثيرة أصبحت مثارة حول تمثيل الائتلاف الوطني السوري المعارض في المؤتمر، وكذلك تمثيل نظام الرئيس الأسد، الذي أشارت المعلومات المتاحة إلى أنّه سيحضر المؤتمر ولن يغيب عنه.


ليس معلوما كم من الوقت سوف يستغرق مؤتمر جنيف، علما بأنّ سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي أشار إلى أنّه قد يستمر عدة سنوات بسبب تعقد وتشابك موضوعات بحثه.

وبسبب بعد الشقة في المواقف بين المعارضة التي تصرّ على استبعاد الرئيس الأسد وبين ممثلي النظام الذين يطالبون ببقائه في منصبه إلى نهاية فترة ولايته في العام القادم، كي تجري الانتخابات بعد ذلك ومن خلالها يحدد الشعب السوري خياره بنفسه.

وللدقة فليس ذلك رأي ممثلي نظام الأسد وحدهم، ولكنه أيضا رأي الإيرانيين والروس، إذ يرى الإيرانيون أنّ تحالفهم الإستراتيجي مع النظام السوري القائم هو أهم إنجاز حققوه في المنطقة خلال الثلاثين سنة الماضية، فضلا عن أنّه يشكّل ركيزة مهمّة لنفوذهم في لبنان والعراق،
ومن شأن سقوط نظام دمشق أن يؤدى إلى انهيار حساباتهم الإستراتيجية التي راهنوا عليها منذ قامت الثورة في عام 1979.

كذلك فإنّ الروس الذين استوعبوا درس ليبيا بعدما تجاهلهم الغرب بصورة مهينة في أعقاب تأييدهم لسقوط نظام القذافي،
ومن ثم اعتبروا أنّ وجودهم في سوريا وتمسكهم بنظام الأسد هو الرد المناسب على القوى الغربية الداعية إلى إسقاطه والراغبة في الاستفراد بالمنطقة.


لا تفوتنا في متابعة المشهد ثلاث ملاحظات برزت في الآونة الأخيرة هي:


أنّ النظام السوري في صموده أمام القوى المعارضة استطاع أن يسترد بعض مواقعه في خلال الأيام العشرة الأخيرة بعد التعزيزات العسكرية التي تلقّاها من روسيا وإيران.


أنّ حزب الله تدخّل بكثافة وبصورة معلنة إلى جانب نظام الأسد، وكان ذلك واضحا في معركة القصير، وهو ما عبّر عنه السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب في خطاب متلفز.


أنّ «إسرائيل» قامت بغارة كبيرة على بعض الأهداف العسكرية الحيوية في محيط دمشق، وأرادت بذلك أن توجّه رسالة إلى الجميع خلاصتها أنّها مفتوحة الأعين على ما يجري، وأنّها لن تسمح بتسليم الصواريخ التي تمتلكها سوريا إلى حزب الله.


هذه الخلفية إذا صحّت فإنّها لن تكون بعيدة عن عملية التحضير لعقد مؤتمر جنيف، لأنها تعني أنّ هناك سباقا على تثبيت المواقع وتحديد الأدوار على الأرض، الأمر الذي يحدد مراكز وموازين القوى السياسية ممّا لا بد له أن يؤثر على مضمون الاتفاق الذي يمكن أن يسفر عنه المؤتمر، شأنه في ذلك شأن أيّ اتفاق سياسي آخر.


خلاصة الكلام أنّ الأزمة السورية في مؤتمر جنيف، بصدد الدخول في طور آخر، تلعب فيه الدول الكبرى الدور الأكبر والأكثر حسما، ويخرج فيه العرب من دائرة التأثير في مصير الأزمة.

ولا يزال من الممكن أن يثبت العرب حضورهم في ساحة الصراع لو أنّهم أسهموا في تغيير الموازين على الأرض.

وهو ما قد تستطيعه مصر إذا استثمرت ثقلها وقدراتها وتحركت كي تعزز موقف الجيش الحر وتمكّنه من الحفاظ على مواقعه وصدّ هجمات النظام.

إلاّ أنّ الحذر الزائد الذي يتّسم به الموقف المصري فيما خصّ الموقف السوري تحول إلى قيد يحول دون إسهامها الإيجابي في تغيير موازين القوى على الأرض.
وهو ما يطلق يد القوى الأخرى في تحديد مصير الصراع، من خلال التمدد في الفراغ الذي أحدثه غياب مصر، حين آثرت أن تقف في جانب المتفرجين وليس اللاعبين.


وتلك نتيجة لن تؤثر على مصير سوريا وحدها، ولكنها ستؤثر أيضا على خرائط المنطقة وموقع العرب منها في المستقبل القريب.