نتيجة الاختبار الأول - فهمي هويدي

لم ينجح رؤساء تحرير الصحف المصرية في أول اختبار تعرضوا له بعد البيان الذي أصدروه دفاعا عن النظام والمهنة، في أعقاب اجتماعهم يوم الأحد 26/10.
ذلك انهم كانوا قد أعلنوا في بيانهم عن رفضهم التطاول والتشكيك في مؤسسات الدولة.
وأكدوا حرصهم على حرية التعبير وعلى التناول الموضوعي للأخبار والتقارير.

وشاءت المقادير أن تصدر خلال الأيام القليلة التالية ثلاث وثائق سياسية وحقوقية تناولت الأوضاع الراهنة بمنتهى الموضوعية،
وخلت من أي تطاول أو تشكيك، كما انها خرجت من كيانات لا علاقة لها بالإخوان وكانت في مقدمة الذين احتشدوا ضد نظامهم في 30 يونيو.

رغم ذلك تم تجاهل تلك الوثائق إذ إن أغلب الصحف قاطعتها، في حين أن صحيفة أو اثنتين اختزلت بعضها ونشرت مضمونها مبتسرا.
ولولا مواقع التواصل الاجتماعي التي تناقلتها كاملة لما سمعنا بها.

ولأنني وجدتها مما يخدم النظام من حيث انها تدعو إلى تصويب مسيرته كي يصبح أكثر عافية،
كما أنها تخدم المهنة باعتبارها تجسد حرية التعبير فإنني ما ان وقعت عليها حتى هتفت:
 لا خير فينا إذا لم ننشرها.

 رسالة الوثائق الثلاث يمكن تلخيصها فيما يلي:

بيان الحزب الد يمقراطي الاجتماعي صدر في 28/10 وانطلق من تأييد موقف السلطة في مواجهة الإرهاب، مع تقدير الدور الذي تقوم به القوات المسلحة،
بما يعني انه يصطف في معسكر الموالاة، لكنه انتقد السياسات المتبعة في سبعة أمور هي:
إصدار قوانين توسع من اختصاص القضاء العسكري وتضيف إليه جرائم يرتكبها مدنيون ضد منشآت مدنية بالمخالفة للدستور
ــ التضييق على منظمات المجتمع المدني من خلال التخوين والترهيب، وعدم طرح بدائل تشجع دورها التنموي والحقوقي
ــ تعديل قانون العقوبات بما يضع كل نشاط سياسي أو نقابي أو حزبي تحت طائلة مواد فضفاضة يمكن ان تصل إلى عقوبة الإعدام، في خروج سافر على قواعد التشريع الجنائي المستقرة
ــ رفض الحكومة الاستماع إلى أي آراء أو مقترحات بشأن قانون التظاهر، الذي لم يحقق نتائج على الأرض سوى تقييد حق التظاهر السلمي الذي كفله الدستور
 ــ عجز الحكومة عن التقدم بأي سياسات أو رؤية تتعامل مع الاضطرابات في الجامعات.
واللجوء إلى استخدام شركات أمن خاصة فيما ينذر باستمرار التوتر والعنف في المحيط الطلابي
ــ استمرار الغموض بشأن الانتخابات البرلمانية والإصرار على أن تتم تلك الانتخابات في ظل قوانين معيبة تسعى لتقليص العمل الحزبي والعودة بالمجلس التشريعي إلى سيطرة العصبيات والمال
 ــ تقاعس الحكومة عن اتخاذ أي إجراءات أو الإعلان عن أي برنامج لتطوير أجهزة الشرطة والنيابة والقضاء بما يرسخ العدالة الانتقالية.

بيان أصدرته 15 منظمة ومجموعة حقوقية مستقلة في 30/10 بخصوص توسيع صلاحيات القضاء العسكري، بمقتضي القانون رقم 136 لسنة 2014 الذي أخضع جرائم التعدي على طيف واسع من المنشآت والمرافق العامة للقضاء العسكري. على ان يستمر العمل به لمدة عامين،
إذ ذكرت المنظمات المذكورة ان القانون يسمح بمحاكمة أي مدني يتهم بتخريب الممتلكات العامة أمام محكمة عسكرية.
 وهي التهمة التي كثيرا ما توجه إلى المتظاهرين المعارضين للحكومة.
وهذا القانون يعد خرقا للمادة 204 من دستور 2014 التي اشترطت لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري أن يكون هناك اعتداء مباشر على المنشآت العسكرية.

 أما القانون الجديد فهو بمثابة حالة طوارئ غير معلنة، إذ يتم الالتفاف على هذا القيد الدستوري عن طريق تكليف القوات المسلحة بحماية المنشآت والمرافق العامة بالتعاون مع الشرطة، مما يستتبعه مثول المواطنين أمام قاض عسكري وليس قاضيهم الطبيعي.
وهو ما يؤدي إلى إحالة الآلاف إلى محاكمات عسكرية تفتقر إلى الحد الأدني من معايير المحاكمات العادلة والمنصفة.

عبرت المنظمات الخمس عشرة في البيان عن قلقها من تلك الخطوة، وخشيتها من تبعات تقويض نظام العدالة المدني بدعوي محاربة الإرهاب.
ودعت إلى سحب القانون حفاظا على التوازن الضروري بين الإجراءات الفعالة لمكافحة الإرهاب والاحترام اللازم لحقوق الإنسان الأساسية بموجب الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي صدقت علىها مصر.

الوثيقة الثالثة تمثلت في التقرير الذي أعده مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في 31/10 لكي يقدم ضمن تقارير المنظمات المستقلة إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ضمن الاستعراض الدوري الشامل لملف الحقوق المصري المفترض ان يتم يوم الأربعاء المقبل (5 نوفمبر).

النقطة الجوهرية في التقرير ان جميع العناصر المعارضة لمتظاهرين أو نشطاء أو مدافعين عن حقوق الإنسان قدموا لمحاكمات غير عادلة أمام المحاكم العادية أو العسكرية، ووجهت إلىهم تهم وفقا لقوانين لا تتفق ومعايير حقوق الإنسان.

 وكانت إجراءات محاكمتهم أبعد ما تكون عن ضمانات المحاكمات العادلة.
 الأمر الذي أدي إلى اخضاعهم لعقوبات قاسية، في حين لم تتم محاسبة أفراد قوات الأمن على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبوها بحقهم.

بقيت عندي ملاحظتان على تلك التقارير.

 الأولى انها تسلط الأضواء على ما يمكن ان يوصف بأنه النصف الفارغ من الكوب.
 وذلك امر لا غضاضة فيه لأنه بغير الانتباه إلى ذلك فإننا لن نستطيع أن نتدارك الثغرات والأخطاء، ومن ثم نرفع من منسوب امتلاء الكوب،

وفي هذه الحالة فإن الناقدين يستحقون الشكر والتشجيع إعمالا لمقولة «رحم الله من أهدي إلـَّي عيوبي».

 الملاحظة الثانية، ان هذه الوثائق تتضمن شهادات ولا تطلق أحكاما.
ولذلك فإن الرد علىها مطلوب وتفنيدها ضروري، والتفاعل معها مهم، للاسترشاد في تصحيح المسار.
وذلك أفضل كثيرا من تجاهلها بحيث تصبح وصمة في الجبين ونوعا من دفن الرءوس في الرمال.

وفي هذه الحالة فإن تجاهل رؤساء التحرير لمثل تلك التقارير لا يعد دفاعا عن النظام أو عن المهنة، وانما يغدو في أحسن فروضه نوعا من دفاعهم عن أنفسهم.

صحيفة السبيل الأردنيه الاثنين 10 المحرم 1436 – 3 نوفمبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق