متى تحرّم مصر الملوخية؟

 بقلم: وائل قنديل
.. وفي مقبرة السيسي السعيدة أيضا، لن يمرّ وقت طويل حتى نطالع أخبارا عن قرارات سيادية أو فرمانات بتحريم وتجريم أكل الملوخية مثلا.. أو كما قال صديق لي معلقا على احتفال أجهزة الدولة الأمنية بالقبض على طالب يحمل رواية جورج أورويل "1984" إن الخطوة القادمة ستكون تجريم أكل الملوخية. 
لم يبالغ صديقي في تضخيم حجم الملهاة، ذلك أن اللامعقول السياسي والمجتمعي الذي ترفل مصر في نعيمه الآن، لا يقل بحال من الأحوال عما تناقلته كتب التاريخ عن زمن الحاكم بأمر الله. 
ولم لا وهناك من شيوخ السلطنة من أسبغ على الحاكم صفات الأنبياء والرسل، واقترب آخرون من تأليهه، حتى أن الرجل يبدو كأنه استمرأ هذه الشعوذة فترجمها في أحلام ورؤى شديدة الحبكة الدرامية. 
وكما لم يبخل الزمن على الحاكم بأمر الله بمثقفين يغرقونه بمدائح خارقة لحدود العقل والنقل معا، لم تخل مصر الآن من فقهاء وشعراء سلاطين يفعلون الشيء نفسه. 
 
غير أن أفعال هذا الزمان فاقت في غرائبيتها أقوال الزمن الغابر.. خذ عندك: 
نقلا عن جريدة الوطن وثيقة الالتصاق بالجنرال السيسي "قال اللواء مدحت قريطم، مساعد وزير الداخلية لشئون خدمات الأفراد، إن الوزارة ستطرح لوحة معدنية باسم "السيسي 1"، وسيتم تقدير ثمنها بنحو 30 مليون جنيه في مزاد علني لبيع اللوحات المعدنية لدعم صندوق "تحيا مصر". وأضاف قريطم، خلال حواره في برنامج "على مسؤوليتي"، مع الإعلامي أحمد موسى على قناة "صدى البلد" أن "هناك كثيرا من المواطنين في الدول العربية رغبوا في شراء بعض تلك اللوحات، وأن هناك كثيرا من التسهيلات لأصحاب تلك اللوحات، ويمكن ترخيصها في أي من محافظات الجمهورية، كما أنها قابلة للتوريث". 
وتزيدك الصحيفة ذاتها من الجنون بيتا حين تزف إلى الجماهير نبأ القبض على طالب أمام جامعة القاهرة بحوزته دبوس مكتوب عليه "انتصارك بكرة جاي". 
 
عبثية المشهد الانقلابي لا تنتهي عند تصدر رئيس نادي القضاة الصفوف الأولى لحفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، بالقدر نفسه من العبث حين تصدّر مطربون وممثلون الصفوف الأولى للجمعية العمومية لنادي القضاة تحضيرا للثورة المضادة في 30 يونيو.. بل تصل إلى تخوم أبعد بكثير حين لا تجد مصر من ينصت له مجلس الوزراء لإصلاح تشريعات الإعلام، سوى شخص لا يفرق بين استوديو الهواء، ودورة المياه، إلى الحد الذي خرج فيه على المشاهدين بسخائم تتهم معارضي قائد الانقلاب المحسوبين بممارسة علاقات جنسية شاذة داخل السجون. 
ولا أدري ما رأي الكاتب العابر للأجيال محمد حسنين هيكل في ما يُعد للإعلام هذه الأيام؟ 
أطرح السؤال على هيكل وفي الذاكرة موقفه حين تواصل معه المستشار الجليل محمود مكي، وأرسل له ثلاثة من القضاة المحترمين للتعرف على رؤيته لما ينبغي أن تكون عليه التشريعات الخاصة بالإعلام في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس مدني لأول مرة.. في ذلك الوقت سارع هيكل لاستدعاء مجموعة من صحفيّ العسكر ليبلغهم أن النظام يجهز لمذبحة للإعلام! 
 
على أن حالة الإسفاف العام لا تنحصر في معسكر الانقلاب، ذلك أن من الابتذال المسيء للحراك الشعبي الصامد حتى الآن من أن يخرج أحد ليعلن عن ثورة للشباب المسلم -فقط- في مواقيت محددة.. وتلك في ظني جمرة طائفية خبيثة لا تؤدي إلا إلى قطع الطريق على أية فرصة لتحقيق حالة اصطفاف ينايرية باتت فريضة واجبة الآن على كل من لايزال يحمل إيمانا بأن مصر تستحق الخروج من كل هذا القبح الحضاري.
--------
نقلا عن العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق