من الصراع إلي التهدئة‏:‏ سيناريوهات العلاقات الخليجية الإيرانية


د‏.‏ يسري العزباوي - جريدة الأهرام المصرى
اتسم تاريخ العلاقات الإيرانية الخليجية بالشد والجذب تارة ومحاولة الحوار والمهادنة تارة أخري‏.‏ وفي فترة حكم الرئيس أحمدي نجاد لم تشهد العلاقات الخليجية الإيرانية أية تطور بل علي العكس بل كانت ذروة التصادم والمواجهة‏.‏


 وتأتي الانتخابات الإيرانية في لحظة تاريخية فارقة في تاريخ الثورة الإيرانية والمنطقة ككل. حيث تمر المنطقة ليس فقط بأكبر حركة ديناميكية في تغيير أنظمة سياسية قائمة استمرت لعقود زمنية طويلة, ولكن في اتجاهات وتوجهات صنع القرار الداخلي والخارجي معا في الكثير من بلدان المنطقة.
وبغض النظر عن ماهية شخص الفائز في هذه الانتخابات, سواء أكان من الإصلاحيين أو المحافظين أو المتشددين, فإن هذه الانتخابات تختلف كلية عن سابقتها من النواحي السياسية الدولية والإقليمية والداخلية. فعلي الساحة الدولية, مازال التنافس الاقتصادي الصيني الأمريكي محتدما, كما دخل الدب الروسية حلبة المنافسة الدولية مرة أخري مع عودة بوتين إلي سدة الحكم في روسيا. وإقليميا, تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرا جذريا في الأنظمة القائمة بشتي الطرق السلمية والعنيفة- في حركة انسيابية شعبوية ممتدة بين القارتين الأفريقية والأسيوية. واللافت للنظر أن إيران ليست بمنأي عن حركة' التغيير الشعبوية' التي تمر بها المنطقة, بل بالعكس بدأت في بعض الدول بدعم ومباركة إيرانية حتي وصلت إلي حدودها المختلفة( تركيا والعراق ومنطقة الخليج).
وبالنظر إلي خريطة المرشحين ومواقفهم من منطقة الخليج نجد أنه سيكون هناك تحول كبير في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية إذا نجح أحد المرشحيين الإصلاحيين أو المحافظين فإذا فاز أحد المتشددين فأعتقد أنه لن يحدث أي تقدم. كما أن أغلب المرشحين لم يتحدثوا بشكل مباشر عن العلاقات الخليجية الإيرانية إلا المرشح سعيد جليلي, سكرتير المجلس الأعلي للأمن القومي والمقرب من المرشد الأعلي للثورة الإيرانية, والذي أشار إلي أن الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران' جزء لا يتجزء من سيادتنا.. وأن الشعب الإيراني لا يمزح مع أحد في الدفاع عن سيادته'. وتحدث عن انتصارات لدي التيارات التي استلهمت خطاب الثورة الإيرانية مثل حزب الله في لبنان.. وأضاف نقول' للمستكبرين في العالم, كما قال أخونا حسن نصر الله: ولي زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات'. ومما لا شك فيه أن مثل هذه التصريحات تزيد العلاقات بين جميع الأطراف اضطرابا وتعقيدا وتوترا.
عوامل الصراع الإيراني الخليجي
وخلال العقود الأخيرة الماضية, برز علي السطح عدة عوامل أدت إلي التوتر في العلاقات, علي الرغم من أن أغلبها يمكن حلها بسهول ويسر إذا كانت هناك رغبة سياسية في ذلك. ومن عوامل الصراع بين الطرفين ما يلي:
1-الصراع السني الشيعي: لقد قام نظام الرئيس نجاد خلال فترة السنوات الثمانية السابقة باستغلال ورقة الاختلاف المذهبي السني الشيعي للضغط علي ملوك وأمراء الخليج, وفي بعض الأحيان تأليب الإقلية الشيعية ومساندتها مادية ومعنويا, كما حدث في البحرين واليمن وبعض الأحيان المملكة العربية السعودية, وكان ذلك في إطار صراعه مع القوي الكبري التي كانت, ومازالت, تضغط علي طهران من أجل إيقاف برنامجها النووي. واللافت أن الملف المذهبي بات واضح في الظهير الخلفي والامتداد الطبيعي للخليج العربي, سواء كان العراق أو لبنان, بعدما كنا لا نسمع عن مسألة الفتنة المذهبية في هذه الدول.
2-التهديد بغلق مضيق هرمز وقد حدث ذلك من قبل في إطار الصراع مع الولايات المتحدة حيث هددت إيران بأكثر من مرة بإغلاق مضيق هرمز لوقف الامدادات النفطية الخليجية إليها للولايات المتحدة. وإذا يصعب تصور أي سيناريو يبدأ بمحاولة إيران غلق مضيق هرمز ولا ينتهي بانتكاسة استراتيجية خطيرة للنظام الإيراني, إلا أن هذه التهديدات كان مثار قلق لدي كثيرين في دول الخليج العربي, وذلك لأنها كانت تستدعي المزيد من التوترات الأمريكية الإيرانية واحتمالية توجيه ضربات عسكرية أمريكية إسرائيلية مما يزيد المنطقة برمتها اضطرابا والمزيد من عدم الاستقرار.
3- دعم إيران إلي للإرهاب في الخليج: إن العلاقة مع إيران مثلت أحد أهم الأسئلة الإشكالية في سجل تنظيم القاعدة, حيث تجنب قادة التنظيم, منذ وقوع أحداث11 سبتمبر, توجيه انتقادات مباشرة لإيران, بل علي العكس كان هناك شكل من أشكال المطالبة بعدم التعرض لها مباشرة, وهو ما بدا جليا في مؤشرين: أولهما, التصريحات الإيجابية التي جاءت علي لسان أسامة بن لادن زعيم التنظيم تجاه مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني, وتجاه حزب الله بعد حرب يوليو.2006 وثانيهما, رسالة الرجل الثاني آنذاك في التنظيم الدكتور أيمن الظواهري للقائد السابق لـ'تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين' أبو مصعب الزرقاوي في أكتوبر2005, والتي أفرد قسما منها للحديث عن الموقف من الشيعة وإيران, وفيه بدا واضحا ميله إلي تأييد الزرقاوي في الموقف منهم من الزاوية الاعتقادية, وحتي من زاوية مواقفهم السياسية التقليدية.
وفي الوقت الذي لم يمض فيه شهر علي كشف الخلية الإرهابية الإيرانية بقتل السفير السعودي في أمريكا حتي تكرر نفس السيناريو من خلال خلية أخري اكتشفت في قطر من عناصر بحرينية, لكن الوجود الإيراني كان ظاهرا, ولا يمكن تعريف الأمر بالواقعة السهلة عندما صارت أصابعها واضحة, والغريب أن يأتي الكشف عن الإرهابيين في دولتين متباعدتين, لكن استهداف السفارتين السعوديتين وجسر الملك فهد ومواقع حساسة في البحرين.
المهم في الأمر أن المملكة العربية السعودية, كطرف جاءت في عمق العملية الإرهابية ومن خلال كشوفات الفعل الإيراني من دول أكدت بالقرائن, وضالعة في الإرهاب, ونحن هنا لا نقول إن كل الإخوة الشيعة في حلف مفتوح مع إيران, أو أن لهم نوايا سيئة يتم استخدامهم بها, بل نعرف من هم الذين يتعرضون للسجن والإقصاء حتي داخل إيران نفسها, لكن ما جري يتفق والعقلية الحاكمة هناك.
4-التناحر الطائفي في العراق والأزمة السورية: فقد تفاعلت إيران مع الأزمة الأمريكية العراقية, ثم الاحتلال الأمريكي للعراق, من منطلق حرص شديد علي رفض هذا المصير ومحاولة تجنبه بشتي الوسائل, مع استثمار نفوذها في العراق لضمان المشاركة في صنع القرار السياسي العراقي, وخدمة الملفات الأخري العالقة مع الولايات المتحدة وفي مقدمتها الملف النووي, بالإضافة إلي استغلال الملف الشيعي في العراق, وهو ما حدث بالفعل.
كما ساندت ومازالت- طهرن النظام السوري الذي يقوم بعملية قتل وتطهير جماعي لشعبه ليس فقط بالمال ولكن بالسلاح أيضا, بالإضافة إلي محاولات طهران الدائم في الضغط علي الصين وروسيا للتصويت ضد أي قرار يدين نظام الأسد في مجلس الأمن.
سيناريوهات مستقبلية متقلبة
بناء علي العوامل سالفة الذكر, هناك ثلاث سيناريوهات مستقبلية للعلاقات الخليجية الإيرانية تتراوح من الصراع إلي التهدئة, ولكنها في حقيقيتها متداخلة ومتشابكة إلي حدا بعيد, تقع علي طرفي نقيض, وتتمثل فيما يلي:
السيناريو الأول, هو سيناريو صراعي بالأساس, وذلك إذا فاز أحد المتشددين أو المحافظين, لأنه سوف يستمر علي نهج أحمدي نجاد. وفي ظل هذا السيناريو ستدخل إيران في مواجهة مع الدول العربية وليس الخليجية فقط.
السيناريو الثاني: تعاوني وتوافقي, ومن خلاله سيكون هناك علاقات جيدة بين الطرفين عن طريق إيجاد حلول واقعية لكل المشاكل العالقة بينهما. وفي ظل هذا السيناريو ستوقف طهران مساعداتها لكل الخلايا الإرهابية في الخليج, وتهدئة الأقلية الشيعية في البلدان الخليجية, مع محاولة الوصول إلي حل سلمي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث عبر التحكيم الدولي أو أي حل آخر يرضي الطرفان, وإنهاء الأزمة السورية عبر وقف طهران دعما لنظام الأسد.
وفي ظل هذا السيناريو سيحدوث تبادل تجاري واقتصادي واستثماري بين بلدان الخليج وطهران, مما سيؤدي إلي معالجة المشكلة الاقتصادية الإيرانية, وربما ستقوم دول الخليج بمحاولة رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران إذا استطاعت أن تقدم المزيد من التنازلات في برنامجها النووي.
أما السيناريو الثالث, فهو وسطي يقع بين السيناريوهين السابقين, فقد يكون تعاوني تارة وصراعي تارة أخري. وفي ظل هذا السيناريو ستكون العلاقة بينهما قائمة علي الشك والريبة, وتميل إلي التهدئة في أغلب الأحيان.
والخلاصة, أن السيناريوهات الثلاثة, تقع علي خط مستقيم واحد, ويتوقف تحقيق أيا منهما علي الرئيس الإيراني الجديد, ومدي انفتاحه علي العالم الخارجي, خاصة الدول العربية وفي القلب منها الخليجية, عن طريق تبديد كل التخوفات لدي الكثير من الدول الخليجية والعربية تجاه ما عرف مؤخرا' بمحاولة نشر التشيع' في الكثير من الدول الخليجية وبلدان الربيع العربي, وهنا سيكون هناك دور كبير للمؤسسات الدينية( الأزهر وقم) في تقريب وجهات النظر وفتح باب الاجتهاد بين كل علماء المسلمين. 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق