ضبط الانفعالات



عندما تدرك في كل لحظة تعيشها أنك المخلوق الذي يرتقي بسمو أخلاقه وملكاته الفكرية والعقلية. فإنك ستدرك أن ردود أفعالك هي مسؤولية فردية أنت من تحدد أبعادها وعواقبها.
الكثيرون يكلفون المواقف مالا تتحمله من انفعالاتهم. وقد يلقي البعض اللوم على الآخرين ويتهمهم بالمسؤولية عن إثارته وردود أفعاله الغاضبة.

 إن المشاعر المتأججة غير المنضبطة والانفعال الأهوج السلبي يستهلك الطاقة الإيجابية الموجهة بعقلانية عملية، وعلى أي حال فإن حرية التعبير لا تعني الهجوم أو تبادل الشتائم، وإنما حرية التعبير بالمعنى الصحيح هي مناسبة ردة الفعل للفعل الأصلي في القوة والتأثير وتحقيق الهدف، إن الانفعال السلبي في أحد صوره هو حيلة دفاعية لا شعورية يعتمدها البعض للتنصل من المسؤولية العملية الإيجابية، وهو في ظاهره قوة ولكن باطنه معنى الضعف والخذلان. وهو يفتقد الموضوعية وردة الفعل المؤثرة والحكيمة.

والانفعال هو عملية مركبة تبدأ من الشعور بوجود مشكلة ثم تكوين انطباع محدد إما أن يتفق مع الهوى وإما أن يتخذ الطابع العقلاني الناضج. ويتبع كل ذلك ردة فعل تحدد النسق التفكيري الذي يعكس سمات الشخصية والأساليب المعرفية والسلوكية في مواجهة الأمور الحياتية لدى كل شخص. وبالرغم أن الانفعال هو غريزة فطرية قد تتخذ الشكل الإيجابي كما في حالات الرضا والحب والسعادة أو الشكل السلبي كما في حالات الحزن والإحباط. إلا أن التعبير المتطرف في الحالتين يشير إلى شخصية تتسم بعدم الثبات الانفعالي.ويأتي الانفعال المتطرف من خلفية تعكس شخصية لا تحسن التفسير الإيجابي والواقعي لما يدور حولها. وهي شخصية في الغالب متمركزة حول ذاتها وتعتبر كل ما يدور من حولها يهدد أمنها واستقرارها أو يعنيها تحديداً دون الالتفات للتفاعلات الاجتماعية الأخرى، كما قد تعكس حدة الانفعال شكل من أشكال النماذج التربوية التي تقوم على المزاجية ولا تهتم بالمعايير وتفتقد الثوابت الضابطة لسلوك الفرد وأفكاره ومشاعره، وتعتبر الصراعات الداخلية غير المعالجة من أكثر مسببات التوتر والقلق. الأمر الذي يجعل الفرد يظهر بالصورة الانفعالية كانعكاس لحالته الداخلية. إن انفعال الغضب من أكثر الانفعالات السلبية المسببة للكثير من الاضطرابات النفسية، ذلك لأنه يعكس بنية معرفية غير متوافقة مع التفسير الواقعي الحقيقي للمواقف أو الحدث. كما أنه يتبع حديثاً للذات يتسم بالسلبية المتطرفة تهدد سلامتها.

 وتتحدد درجة الانفعال وشكله بحجم الموضوع أو القضية التي يظهر معها، وهو يظهر في الغالب في مواطن الحب والانتماء والهوية ويكون شكله أقوى، إلا أن تلك القوة غير الموجهة قد لا تخدم الموقف،بل قد تساهم في إهدار الحق وشتاته.

 لقد أشارت نظريات علم النفس أن "السلوك لا يندفع باعتبارات عقلية محضة. بل بالحب والكره والاهتمام والحماس والمنافسة وغيرها من العواطف، ولعل من بعض المهارات والخطوات المهمة لضبط الانفعالات والقدرة على إدارتها: تهيئة الذات للمستجدات المتوقعة في الحياة والتي قد تحتمل معاني مثل الإخفاق ومعالجة مواقف الإحباط من خلال النظرة المعتدلة للأحداث والتي تتمثل في عدم جلد الذات أو لوم الآخرين بالإضافة إلى المرونة في التعاطي مع الأحداث وأن لا يتم تفسير الموقف بشكل ذاتي وتحجيم معنى المواقف في الجانب السلبي وأن تكون ردود الأفعال متأنية وليست مجرد انفعالات تصاعدية تتراوح بين شدة الغضب والشعور بالندم وأن يكون لدى الفرد القدرة على فهم وتفهم مشاعر الآخرين وبالتالي القدرة على التعامل مع انفعالهم وأمزجتهم المختلفة كما يجب أن تكون الردود العملية إيجابية لا تستوجب المواجهة والجدل،وأن لا تكون ردة الفعل مجرد استجابة وقتية، وألا تحمل طابع التشنج. الحقيقة أن الوعي بحقيقة الانفعال ومصدره وأسبابه ومعناه الذاتي يشكل رقابة ناضجة عليه. ولكن قيمة هذا الوعي تتجلى عندما تظهر أثناء المواقف وتمثل على أرض الواقع معالجة فورية لجملة المشاعر والأفكار التي لا تتوافق مع الصحة النفسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق