الرجل الصحيح في المكان الغلط


فهمى هويدى :

يستحق التقدير والحفاوة موقف محافظ الأقصر الجديد الذي امتنع عن تسلم منصبه بعد حلفه اليمين القانونية، إلا إذا توافقت القوى التي تمثل أهالي المحافظة على استقباله ومساندته في مهمته. وكان الرجل ـ المهندس عادل الخياط ـ الذي انتمى إلى الجماعة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي قد قوبل بأصوات عارضت تعيينه ممثلة في بعض التيارات السياسية وأصحاب المصالح في المدينة السياحية، حين احتشدت في أحد الميادين «أبو الحجاج الأقصري» للحيلولة دون وصوله إلى مكتبه الجديد، وقاد المجموعات المحتشدة ممثلون عن أحزاب الأحرار والوفد والناصري والتجمع والمؤتمر الشعبي في حين اعتصم هؤلاء ومعهم آخرون بالميدان، فإن مؤيدي المهندس الخياط من الإسلاميين ــ خصوصا أعضاء حزب البناء والتنمية ــ احتشدوا بدورهم لمناصرته وتمكينه من تسلم منصبه. وإذ بدا أن الصدام وارد بين الطرفين واحتمالات إسالة الدماء قائمة، حيث الحماس متأجج والسلاح بأيدي الجميع، فقد أصبح ضروريا تجنب تلك المواجهة، ومن ثم كان الحل العاقل أن يعود المحافظ الجديد إلى بيته في محافظة سوهاج، وأن يمتنع عن تسلم منصبه لينزع فتيل الأزمة.

ولهذه اللحظة الحاسمة قصة تستحق أن تروى وعبرة جديرة بالنظر والاعتبار.

فحين طلبت الحكومة من الأحزاب غير المقاطعة لها التقدم بمرشحيها لحركة المحافظين الجدد، قدم حزب البناء والتنمية اسم المهندس عادل الخياط، الذي التحق بالجماعة في سبعينيات القرن الماضي، قبل تخرجه في هندسة أسيوط في عام 1979. ولم يكن له أي سجل في عمليات العنف ولا كانت له سابقة اعتقال أو اتهام، فضلا عن أنه شق طريقه الوظيفي والمهني بنجاح أهَّله لكي يصبح مسؤولا عن مشروعات الإسكان في صعيد مصر إبان عهد الرئيس السابق. وهذا الذي بلغه في السلم الوظيفي، ما كان له أن يحدث في تلك المرحلة لو أن سجله السياسي شابته أية شائبة تتعلق بخلفيته السياسية والأمنية.

قال لي الدكتور صفوت عبدالغني رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية إنهم رشحوا المهندس عادل للوظيفة ولم يكن لديهم علم بالمكان الذي سيعين فيه، وحين تسربت معلومات عن الاتجاه إلى تعيينه محافظا للأقصر فإنهم لم يرحبوا بذلك واعترضوا عليه على الفور، وكانت الحجة الرئيسية أن مجتمع الأقصر لم ينس المذبحة التي وقعت في عام 1997 وكان ضحيتها 58 سائحا، ونسبت إلى مجموعة من المتطرفين الإسلاميين الذين قتلوا ولم تعرف هوياتهم. ورغم أن هؤلاء لم يكونوا من أعضاء الجماعة الإسلامية إلا أن التهمة ألصقت بالجماعة ومازالت ذكراها تلاحقهم هناك حتى الآن. المحافظة لم تكن مهيأة لاستقبال محافظ له جذوره في الجماعة الإسلامية، أولا لطبيعتها السياحية، وثانيا لكونها أحد معاقل فلول النظام القديم، إضافة إلى ارتفاع منسوب الاحتقان الطائفي بين مكوناتها.

وتلك حيثيات لا يمكن تجاهلها قبل اتخاذ قرار تعيين المحافظ لها. وعلى حد تعبير الدكتور صفوت عبدالغني فإن المحافظة لم تكن مستعدة لاحتمال محافظ إسلامي بالأساس، وحين يعين لها محافظ له علاقة بالجماعة الإسلامية فإن استياء أهلها وغضبهم من تعيينه لا بد أن يكون مضاعفا.

حين تواترت الأخبار بخصوص احتمال تعيين المهندس عادل لمحافظة الأقصر، سارعت قيادة حزب البناء إلى إبلاغ الجهات المعنية باعتراضها. اتصلوا برئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل فنفى بشدة الخبر، واتصلوا بالدكتورة باكينام الشرقاوي مساعدة الرئيس فكان ردها أنها ستنقل الصورة إلى الرئيس. اتصلوا بالسيد أحمد عمران أحد مستشاري الرئيس فقال لهم إنه سيعين في محافظة بني سويف، وكان ذلك هو الخيار الوحيد الذي رحبوا به، أولا لأنه ليس الأقصر، وثانيا لأنهم اعتبروا أن عموم الأوضاع في بني سويف أكثر ملاءمة للتفاعل مع الرجل. فوجئ الحزب بأنه عين في الأقصر، ولم يفاجأوا بردود الأفعال التي كادت تنذر بفتنة تهدد الاستقرار في المحافظة، على النحو الذي سبق ذكره. فدعا المكتب السياسي إلى اجتماع لمناقشة الموضوع، وخلص إلى أن هناك مصلحة وطنية في عدم تسلم المحافظ وظيفته في هذه الظروف. واستقر رأيهم على أن تهدئة الأوضاع واستقرارها في الأقصر هو أهم ما ينبغي الحفاظ عليه، حتى إذا اقتضى الأمر أن يعتذر المحافظ الجديد عن عدم تسلم منصبه الجديد. وكلفوا أحد القياديين بالجماعة الشيخ رفاعي طه بالذهاب إلى الأقصر ومخاطبة مؤيدي المحافظ لمطالبتهم بالتهدئة وفض الاحتشاد، وهو ما اعتبره موقفا ناضجا ومسؤولا يستحق بدوره الحفاوة والتقدير.
كانت تلك هي القصة أما العظة والعبرة ــ وهي الأهم ــ فلنا معها كلام آخر نستكمله غدا بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق