التعذيب جريمة مستمرة

فهمى هويدى

هل يعقل أن يظل التعذيب مستمرا في أقسام الشرطة والسجون المصرية بعد ثورة 25 يناير؟ ــ هذا سؤال للاستفهام والاستنكار في نفس الوقت. ذلك أنني أستغرب، بل يصدمني بشدة أن تظل مثل تلك الممارسات المهينة قائمة بعد الثورة. وقد نبهني إليها المقال الذي نشره الدكتور خالد فهمي في عدد «الشروق» الصادر يوم الجمعة قبل الماضية (24/5) وسلط فيه الضوء على مشكلة التعذيب الذي لم يتوقف إلى الآن في مصر، حتى أنه وجد في الإبقاء على الظاهرة سببا كافيا لتوقيعه على استمارة «تمرد»، وتأييد سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي.

اعتبرت المقال جرس تنبيه وتحذير دفعني إلى الاتصال الهاتفي به، ليس فقط لشكره على ما كتب، ولكن أيضا لكي يزودني بما لديه من وثائق وتقارير صدرت بشأن الظاهرة، ولم يتح لي الاطلاع عليها.

وخلال أيام قليلة تلقيت منه ست وثائق هي: (1) تقرير المبادرة الشخصية للحقوق الشخصية صدر بعنوان «25 يناير 2013 ــ عامان على الثورة ــ الظلم مستمر وجرائم الدولة بلا حساب. (2) تقرير مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب عنوانه: مائة يوم من حكم مرسي ــ مائة يوم من الاعتقال والتعذيب وفض الاعتصامات بالقوة والقتل خارج القانون. (3) تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الصادر في يناير 2013 بعنوان: مواطنون بلا حقوق ــ بعد عامين من ثورة يناير 2011. (4) تقرير المبادرة الوطنية لإعادة بناء الشرطة المعروفة إعلاميا باسم شرطة لشعب مصر. (5) تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الصادر في شهر يناير 2011 بعنوان «إفلات الجناة من العقاب وحرمان الضحايا من العدالة في قضايا التعذيب. (6) تقرير للمنظمة ذاتها صدر في شهر فبراير عام 2004 الذي درس الظاهرة وقدم مجموعة من التوصيات الضرورية لعلاجها.

أمضيت أسبوعا في مطالعة التقارير، التي حولت وقائعها إلى كوابيس مفزعة لاحقتني في الصحو والمنام. رغم ذلك فإنني قدرت جهد أولئك الباحثين والباحثات الشجعان الذين نذروا أنفسهم لمتابعة تلك الوقائع وتحريرها في مختلف أنحاء مصر. ورغم وجود بصمات للهوى السياسي في بعض تلك الوثائق ــ الذي كان واضحا في تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان مثلا ــ فإن الحصيلة الكلية نجحت في تسليط الأضواء على مختلف جوانب قضية التعذيب، سواء ما تعلق منها بالثغرات القانونية التي تسوغه، أو ممارسات الشرطة التي تجسده، أو دور النيابة الذي يتستر عليه أحيانا ويطمس معالمه.

لأن القائمين على تلك التقارير ينتمون إلى منظمات أهلية، فلم يتح لهم أن يسجلوا حصرا بحالات التعذيب، لكنهم سجلوا الحالات التي وصلت إليهم أو وصلوا هم إليها، الأمر الذي لم يمكِّن الباحثين من تحديد حجم الظاهرة. فتقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ذكر أنها رصدت في العام الثاني للثورة نحو 165 حالة نموذجية لتعذيب المواطنين داخل أقسام الشرطة، من بينها 17 حالة وفاة لدى المنظمة شكوك قوية في أنها جاءت نتيجة التعذيب وسوء المعاملة، كما أشار إلى ظاهرة تعذيب النساء بأقسام الشرطة وإلقاء القبض عليهن كرهائن واحتجازهن دون سند من القانون، وقد رصدت المنظمة 12 حالة من ذلك القبيل، في الوقت ذاته فإن مركز النديم رصد خلال الستة أشهر الأخيرة 73 حالة تعذيب للذكور و24 حالة للإناث. وذكر تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنه خلال أربعة أشهر فقط، ما بين شهري يوليو ونوفمبر 2012، رصدت المبادرة عشر حالات وفاة داخل الأقسام والسجون بها شبهة التعذيب، كما رصدت قيام رجال الشرطة بارتكاب جرائم القتل خارج نطاق القانون نتيجة للاستخدام العشوائي للرصاص أو الاستخدام المفرط للقوة. ففي عهد الوزير السابق اللواء محمد إبراهيم قامت المبادرة بالتحقيق في ثماني حالات قتل لمواطنين برصاص الشرطة. وفي عهد الوزير أحمد جمال الدين قامت المبادرة بالتحقيق في 11 حالة قتل خارج القانون في الأماكن العامة، في الفترة ما بين شهري يوليو ونوفمبر 2012.
وتحدث تقرير المبادرة عن استخدام قوات الأمن القوة المفرطة في تفريقها للمظاهرات، من خلال استخدام الأسلحة النارية في مواجهة مواطنين عزل. مما أدى إلى مقتل أكثر من 60 شخصا وإصابة المئات منذ تنحي مبارك.

اتفقت الوثائق التي تلقيتها على أن جريمة التعذيب لا تزال مستمرة في مصر، الأمر الذي أثار عندي عدة أسئلة من قبيل: هل التعذيب لا يزال قاعدة في أقسام الشرطة أم أنه أصبح استثناء؟ وهل هي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق