تضامن مع من؟


فهمى هويدى : صحيفة الشرق القطرية

لم أجدها مقنعة ولا أخذتها على محمل الجد، فعاليات مؤتمر دعم الأمة للثورة السورية التي استمرت ثلاثة أيام في القاهرة هذا الأسبوع. ليست لدي ذرة تعاطف مع النظام السوري الذي أتمنى سقوطه اليوم قبل الغد، وأجد أن التضامن مع ثورة الشعب السوري واجب لا ينبغي التردد فيه، إلا أنني أزعم أن المؤتمر لم يخدم أيا من الهدفين، فلا هو أضاف شيئا إلى التعبئة ضد النظام بعد مضي نحو 27 شهرا على الثورة، ولا هو عزز موقف الثورة وساندها، لأسباب سأشرحها توا. وإذ أسجل احترامي وتقديري للشخصيات التي شاركت في تلك الفعاليات، فإنني لا أستطيع أن أكتم تساؤلات تلح عليَّ بخصوصه. 

تتعلق بمغزى توقيت الحملة واللغة التي استخدمت فيها والأهداف التي توخَّتها.
أغلب الظن أنها مجرد مصادفة غير سارة، أن يتزامن عقد مؤتمر القاهرة وتصعيد الإجراءات واللهجة فيه ضد النظام السوري مع إعلان القرار الأمريكي تزويد المعارضة السورية بالسلاح، بعد طول تمنع وترقب، من حيث إنه فتح الباب للاعتقاد بأن ثمة علاقة بين قرار واشنطن والتظاهرة العلمائية التي عقدت في مصر. ومن جانبي لا أخفي استيائي من إقحام الدور الأمريكي في الثورة السورية، ذلك أن لدينا خبرة طويلة ودروسا عدة تحثنا على إساءة الظن بذلك الدور، الذي لم يكن يوما في صالح الشعوب والطموحات العربية والإسلامية، والعراق شاهد ماثل تحت أعيننا وأفغانستان ليست بعيدة عنا.
في الوقت ذاته فإنني لا أخفي قلقا وامتعاضا من الحفاوة الإسرائيلية بخطاب الرئيس محمد مرسي الذي أعلن فيه قطع العلاقات مع نظام بشار الأسد وأدان تدخل حزب الله في القتال الدائر في سوريا. إذ ذكرت صحيفة «معاريف» أمس (16/6) أن القرار المصري بمثابة ضربة للنظام السوري. كما أشادت بهجومه على حزب الله واعتبرت أن معارضته لتدخل «الحزب الشيعي اللبناني» في الشأن السوري هو ذاته الموقف العام للإسرائيليين. ورسالة التأييد والحفاوة ذاتها عبر عنها المعلقون على القناتين العاشرة والثانية بالتلفزيون الإسرائيلي.

أما ما أصابني بغصة وسرب إليَّ شعورا بالحرج والحزن فهو الملاحظة التي أبداها في تغريدة له الشاعر تميم البرغوثي أمس وذكر فيها أن الرئيس مرسي قرر قطع العلاقات مع دمشق وإغلاق السفارة السورية. في حين أن السفارة الإسرائيلية تمارس نشاطها العادي في القاهرة.

استغربت أيضا نزوع المتحدثين في المؤتمر إلى تعميق فكرة الحرب الطائفية بين السنة والشيعة. ذلك أن الثورة السورية حين انطلقت كانت رفضا وتمردا على استبداد النظام بأكثر منه انتفاضا على الطائفة العلوية، واستنفار الطائفة في وقت لاحق لم يكن هدفه الأول التمكين لها وإنما أريد به الاحتماء بها لاستمرار سلطان النظام واستبداده. أدري أن ثمة خصومة تاريخية بين السلفية والوهابية وبين الشيعة، لكن ذلك لا يبرر دفع الأمة إلى الاحتراب الطائفي، خاصة أن بيننا شيعة عربا ليس لهم ناقة أو جمل في الصراع الجاري، ثم إننا لا نريد أن نلوث الربيع العربي بحيث يصبح صراعا بين السنة والشيعة، في حين أنه بالأساس صراع ضد الاستبداد والتبعية وضد الظلم الاجتماعي.

على صعيد آخر فإنني لم أفهم الدعوة إلى «الجهاد» التي رددتها بعض الأصوات العالية في المؤتمر، وقيل لي إن أصداءها وصلت إلى المساجد المصرية، وأن عددا من الخطباء ما برحوا يحثون المصلين على الانخراط في الجهاد ضد النصيريين والشيعة في سوريا. في حين أننا لا نكاد نجد أثرا لتلك الدعوة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. هذا الكلام إذا أخذ على محمل الجد فإنه يعيد إلى الأذهان تجربة أفغانستان، كما أنه يبرر تدخل الإيرانيين وحزب الله اللبناني في سوريا، لأن الدعوة إلى استنفار المجاهدين المسلمين في كل مكان للقتال هناك تضفي شرعية على الطرف الآخر للترحيب بأنصاره في إيران ولبنان. ثم إنني أزعم أن الدفع بالمجاهدين، وفي مقدمتهم السلفيون ، إلى سوريا يقدم خدمة جليلة لنظام الأسد، الذي بوسعه أن يقول للجميع: إذا أردتم إسقاطي لسوء أدائي. فها هو البديل الأسوأ ينتظركم، وعليكم أن تختاروا بين استمرار النموذج السوري القائم على علاته وبين أفغنة سوريا وما أدراكم ما الأفغنة؟!
لم أتحدث عن تذبذب الموقف المصري وإقدامه قبل أشهر قليلة على الوساطة وطرح صيغة رباعية للحوار حول الحل السياسي للأزمة السورية وبين التصعيد الذي عبرت عنه إجراءات قطع العلاقات والدعوة إلى الجهاد التي صدرت من مؤتمر القاهرة.

الشيء الوحيد الذي يبدو مقنعا فيما جرى أن الفعاليات المذكورة لم يقصد بها في حقيقة الأمر التضامن مع الثورة السورية، بقدر ما أنها كانت دعوة غير مباشرة للالتفاف حول الرئيس محمد مرسي وتأكيد مساندة التيارات الإسلامية له، استباقا لما يمكن أن يحدث في 30 يونيو.. والله أعلم.
تصويب: أعتذر عن خطأ وقعت فيه أمس حين اختلط عليّ الأمر فذكرت في تعقيبي على فوز الدكتور حسن روحاني برئاسة الجمهورية في إيران أنه حصل على الدكتوراه من جامعة جلاسجو في أيرلندا، وقد نبهني بعض القراء الأعزاء بأنها في أسكتلندا فلهم الشكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق