النمو النفسي للطفل

طارق الحبيب

إن النمو النفسي السليم للطفل يعتمد على احترام الذات والذي يستمده الطفل في أول حياته ممن حوله بقبوله واستحسان فعله ومشاركته وإشراكه، كما يعتمد بشكل أساسي على إشباع حاجاته النفسية والتي تختلف وتتنوع بحسب دوافعه الفطرية ورغباته التي تمثل في النهاية متطلباته الضرورية والتي من خلالها يستطيع التواصل بإيجابية وفعالية مع الحياة.

إن بداية النمو النفسي للطفل تبدأ من اعتماده على أهله وثقته التلقائية بهم، وإن أي خلل يصادفه مهما كان حجمه سيؤثر حتما على نموه بشكل سلبي.

ورغم أن الطفل يبدأ حياته بالاعتمادية إلا أنه في الحقيقة يسعى لتحقيق استقلاليته الخاصة والتي من خلالها يحقق نجاحه الفردي ليخلق فيه القدرة على تحقيق الذات والتواصل بشكل جيد مع محيطه والقدرة على تقبل ذاته ومعرفة إيجابياتها.
قد يخفق البعض عندما يظن أن متطلبات الطفل تقتصر على إشباع حاجاته المادية والتي تتلخص في المأكل والمشرب والملبس، وهذه أساسيات لا غنى له عنها، لكنها لا تنفصل عن حاجاته الأخرى النفسية والروحية والتي تبني في ذاته المفهوم والتقدير واللذان من خلالهما يتملك مفاتيح الاستمرار بنجاح في الحياة.

إن ثقة الطفل بنفسه تأتي من تدريبه على مفهوم الاستقلالية والذي يتلخص في منحه حرية التعبير عما يراه مناسباً وتقبل ذلك بدرجة نسبية في المواقف المختلفة مع إعطائه فرصة التوضيح والتبرير المرضية له.

 إن النمو النفسي السليم يرتكز في أساسيته على بناء درجة عالية من الثقة بين الطفل وبين بيئته الخارجية والتي تنعكس بشكل تلقائي على ثقته بنفسه.

إن البيئة التي تربي الطفل على المفاهيم الواضحة توفر له سلوكيات متوافقة ومتكيفة، لذلك فإن وضوح المعايير والثبات يساهم في بنية نفسية سليمة للطفل. ويأتي الوضوح من عدم التذبذب في المعاملة بين الوالدين وثبات المبادئ وعدم التعامل مع الطفل بالمزاجية المتقلبة والانفعالية ووضع ضوابط ثابتة للسلوك واستخدامها مع اختلاف الظروف.
إن المرونة المتناهية قد يدركها الطفل أنها شكل من أشكال عدم الثبات. لذلك فلابد من استخدامها بنسبية لا تتعارض مع الحزم والموضوعية.

عزيزي القارئ.. إن مرحلة الطفولة هي مرحلة تهيؤ واستعداد لانتقال الطفل لمراحل متقدمة في حياته، كما أنها مرحلة استعداد لبدء أشكال التفاعل الاجتماعي للطفل، ويعتبر النمو العاطفي للطفل أحد أهم جوانب نموه النفسي، إذ إن العاطفة لدى الطفل تمثل عالمه الداخلي والذي يجعله قادرا على مواجهة تقلبات الحياة ومتغيراتها.

إن النمو العاطفي السليم للطفل يمنحه درجة عالية من الاسترخاء، حيث إن شعوره بأنه مقبول ومحبوب وأن هناك من يهتم به ويحتوي مخاوفه وقلقه ويستوعب قصوره البشري يبني في نفسه مفهوما عن ذاته، متناغما مع حاجاته النفسية الأساسية.

إن من أهم أسباب النمو النفسي السليم للطفل هو إشعاره بأنه كفء وقادر على تحقيق ما يستحق من التقدير والاحترام. ولعل منح الطفل فرصة التعبير عن رأيه ضمن حدود قدرته وإمكاناته يشكل في ذاته الشعور بالاتزان الداخلي والرضا عن حياته.

إن نمو الطفل نمو نفسياً سليماً يعتمد كذلك على احترام حاجته المعرفية وحب الاستطلاع لديه والفضول الذي يعتبر من خصائص هذه المرحلة العمرية، ولا ننسى أن إثراء عالم الطفل بالكم المناسب من المعرفة والمعلومات يعزز فيه الثقة بالنفس من خلال الفهم المتوازن لما يدور حوله.

ونستطيع أن نقول إن البناء النفسي السليم للطفل يعتمد في مجمله على حماية الطفل من المواقف التي تبني في ذاته التوتر والخوف والقلق ويعتمد كذلك على تشجيع الطفل على التعبير عن نفسه وعلى اكتساب المعلومة من خلال اكتشاف العالم من حوله من خلال توفير المثيرات المناسبة والتي تمكنه من زيادة حصيلته المعرفية، وكذلك تنمية المهارات المختلفة للطفل، كالمهارة الحركية، وذلك من خلال إشراكه في الأنشطة الرياضية الملائمة لعمره العقلي والزمني، والاهتمام بجانب اللعب عند الطفل، خاصة اللعب الجماعي.

 ويخطئ البعض عندما يظن أن اللعب مجرد عملية عشوائية يقوم بها الطفل، إذ إنه في الحقيقة حاجة نفسية يتم من خلالها تعلم سلوكيات مختلفة في الحياة. وهو بينما يظنه البعض وسيلة ترفيه لا أكثر، يدركه الطفل على أنه عالمه الذي من خلاله يمارس التنفيس الانفعالي والحركي والاجتماعي كذلك. إنه العالم الواقعي الذي يراه الطفل ويعيشه كحقيقة لا يمكنه العيش من دونها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق