جريمة المثقفين في حادث الكاتدرائية



ختلفت الرؤى وكثر الضجيج حول ما جرى من عنف حول الكاتدرائية المرقسية في حي العباسية بالقاهرة. في الضجيج، اعتبر البعض ما جرى مؤشرا خطيرا على استباحة رمزية دينية مسيحية وعنوان خطير لمدى التطاول الذي وصل له المتظاهرون والمخربون قاذفو الحجارة والمولوتوف. وقال البعض إن ما جرى كان مدبرا ومقصودا واتهم محرضين وجماعات إسلامية باستهداف وقوع ما جرى مع سبق الإصرار، ردا على مشاركة شباب مسيحي في العنف الذي جرى أمام وضد قصر الاتحادية بضاحية مصر الجديدة، أو فيما جرى من هجوم على مقر الإخوان المسلمين بحي المقطم. لكن هناك من رد، بأن جريمة استخدام العنف ضد رمزية دينية لم يحدث فقط عند الكاتدرائية، بل هو وصل إليها بعدما أصاب عدة مساجد، كان أخطرها ما حدث لمسجد القائد إبراهيم بمدينة الإسكندرية، حين حوصر الشيخ أحمد المحلاوي والمصلون لعدة ساعات تحت القصف بالحجارة والمولوتوف والآلات الحادة، ومن بعد جرى حصار شباب جماعة الإخوان المسلمين في مسجد قريب من مقر الإخوان خلال حادث الاعتداء على مقر الإخوان بالمقطم. وبين هذا وذاك جرت أحاديث وصراعات إعلامية وسياسية حول قدرة الإخوان على تحقيق استقرار في البلاد، وحول ما إذا كانت مصر تسير نحو الدولة الفاشلة بحكم وصول العنف إلى المؤسسات التي لم تشهد مثل هذا العنف من قبل...الخ.
وهكذا بدا أن الجدل والصراخ والضجيج، قد وصل بحادث الكاتدرائية إلى حالة التوظيف السياسي لمشكلة طائفية، وذلك أمر خطير. ومؤشر على حالة التراجع والتدهور في السلوك السياسي للقوى السياسية المصرية التي كانت تعتبر توظيف الفتن الطائفية لأغراض سياسية أو دفعها للدخول في حالات الخلاف السياسي خطا أحمر، ومحظورا من محظورات العمل السياسى الذي ينبغي أن يقف على أقدامه متوحدة أطرافه في مواجهة الفتن الطائفية. لكن المقلق أشد القلق هو أن اختراق هذا الخط الأحمر في السلوك الوطني، وصل بالمثقفين إلى حد لم تبلغه حتى الفتن الطائفية التي غالبا ما تجري بين جهلاء أو مندفعين أو غير المسيسين.. قل ما شئت. لقد صرخ أحد أعضاء مجلس الشورى المصري واصفا الحدث الطائفي الذي جرى بأنه تطهير عرقي، قافزا بالحدث إلى آفاق ومدلولات خطيرة،وكذا حين جرى اتهام الشرطة المصرية من رمزيات سياسية ودينية مسيحية كبيرة، بارتكاب سلوك طائفي أو بالتصرف في الأحداث على خلفية طائفية، إذ قيل إن الشرطة كانت متواطئة في الهجوم على الكاتدرائية.
هذا التوظيف السياسي وتلك القفزة الخطيرة في الاتهام الطائفي بالتطهير العرقي وذاك الحديث عن سلوك متواطئ للشرطة، هي المقدمات السياسية الأخطر لتعبئة الأقباط في طريق الحديث عن أن الدولة المصرية لا تمثلهم ولا تحميهم وأنها دولة للمسلمين لا للمجتمع المصري، ومن ثم يوضع الأساس للمطالبة بدولة أخرى للأقباط.. والسيناريو مفهوم ومعلوم.
جريمة المثقفين في التوظيف السياسي لحدث طائفي تبدو أخطر من جريمة من قذفوا الحجارة وتبادلوا قذف المولوتوف على الكاتدرائية ومن تلك الجريمة الطائفية التي جرت في مدينة الخصوص المصرية التي انطلقت منها شرارة هذا العنف الطائفي الأسود. جريمة المثقفين أخطر وأشد وطأة من ذاك المشهد الذي تابعه المصريون والعالم لبعض الشباب المسيحي وهو يحمل السلاح ويهاجم من كانوا يقذفون الكاتدرائية بالحجارة. جريمة المثقفين تصيب الوطن كله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق