حيرة البوصلة المصريه


صحيفة الشرق القطريه الأربعاء   14جمادى الآخره 1434 -  24 أبريل 2013
حيرة البوصلة المصريه – فهمي هويدي

من أخبار هذا الأسبوع، أن وفدا من الأحزاب السياسية السلفية المصرية سوف يزور واشنطن في أول مبادرة من نوعها، للالتقاء ببعض مسؤولي المراكز البحثية، فضلا عن اجتماعهم مع مسؤولي وزارة الخارجية والبيت الأبيض. وحين نشرت جريدة «الشروق» الخبر، كان شيخ الأزهر ومعه وفد من كبار العلماء في الرياض. يلبون دعوة من العاهل السعودي. التقوا خلالها كبار المسؤولين في المملكة وبعض علمائها. ولست أشك في أن التزامن بين نشر الخبر الأول وبين زيارة وفد الأزهر إلى السعودية هو مجرد مصادفة، وأنه لا توجد علاقة بين الأمرين.

مع ذلك أزعم أن لكل خبر دلالته. فإذا صح الخبر الأول ـ وهو ما أرجحه ـ فهو يعني أن الأمريكيين يحاولون فهم أبعاد الحالة السلفية، منذ وجدوا أن السلفيين فازوا بربع مقاعد مجلس النواب الذي تم حله، وأدركوا أنهم يمثلون قوة يتعذر تجاهلها. والذين حضروا احتفال السفارة الأمريكية بالعيد القومي في شهر يوليو الماضي. لاحظوا الحضور الكثيف للسلفيين بين المدعوين، في حين كان حضور الإخوان محدودا ورمزيا. وحسب معلوماتي، فإن الجهات المختصة في الولايات المتحدة في محاولتها لتحري معالم الحالة الإسلامية في مصر نظمت حلقات دراسية في واشنطن لذلك الغرض، واستدعوا بعض الناشطين الإسلاميين من الأمريكيين ذوي الأصول المصرية لكي يستمعوا إلى شهاداتهم وقراءاتهم لأوضاع الجماعات والأحزاب الإسلامية (وللعلم: بعد الثورة تشكلت في مصر 8 أحزاب سلفية و8 أحزاب أخرى ذات مرجعية إسلامية).
خبر «الشروق» يفهم منه أن القيادات السلفية تنتظرها في واشنطن قائمة طويلة من الأسئلة حول الديمقراطية والأقباط والمرأة ـ الأمر الذي يعطي انطباعا بأن ثمة استجوابا واختبارا لتلك القيادات. لذلك لا أراه مقنعا الكلام الذي نقله الخبر عن لسان الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية، وتحدث فيه عن أن الزيارة إذا تمت فستكون دعوية وليست سياسية، وأشار فيه إلى أن دعوة وجهت لهم من مركزين إسلاميين سلفيين في الولايات المتحدة هما «المنهال والتوحيد». وهو ما يمكن قبوله في حالة واحدة، هي أن تكون دعوة المركزين السلفيين مجرد غطاء للاختبار والاستجواب المرتقب.

علامات الاستفهام والتعجب التي تثيرها رحلة القيادات السلفية إلى واشنطن. تلاحق زيارة شيخ الأزهر وعلمائه إلى السعودية. ذلك أن علاقة الأزهر بالسلفية السعودية ظلت متوترة طوال الوقت. فضلا عن أن الدكتور أحمد الطيب رجل صوفي بالأساس، الأمر الذي يضعه على مسافة أبعد من التيار السلفي، وبين الطرفين جفوة تاريخية تحولت إلى اشتباكات ومعارك سالت فيها دماء غزيرة في بعض الدول الإفريقية (السنغال ونيجيريا مثلا). وتلك خلفية تفتح الأبواب للتساؤل حول ما وراء دعوة شيخ الأزهر وعلمائه لزيارة المملكة في الوقت الراهن، دون أن تكون هناك مناسبة واضحة تبررها. ولست متأكدا من الربط بين ترتيب تلك الزيارة، وبين الضجيج الذي أثارته الجماعات السلفية في مصر اعتراضا على تسيير خط الطيران المباشر بين القاهرة وطهران، بعد انقطاع دام نحو 34 عاما. وهي الأجواء التي اصطحبت نداءات خوفت من «تشييع» مصر ودعت صراحة إلى استمرار القطيعة مع إيران. ولا ينسى في هذا الصدد أن الأزهر كان له موقفه السلبي من إيران أثناء زيارة الرئيس أحمدي نجاد، وهو ما أثنت عليه الدوائر السعودية ورحبت به. وأوصلت هذه الرسالة إلى مشيخة الأزهر بأكثر من وسيلة. وكان ذلك واضحا في الكلمة التي ألقاها وزير الأوقاف السعودي في حفل تكريم شيخ الأزهر التي وصف فيها العلماء في البلدين بأنهم «الركن الركين لأهل السنة والجماعة في العالم اليوم». وفي الكلمة ذاتها حذر الوزير من الذين يدعون أنهم (ينصحون أو يجمعون أو يريدون التقارب، لكنهم يريدون أن يفرضوا على الأمة واقعا مريرا بعيدا عن المنهج الصحيح) ـ في تحليل دوافع الزيارة لا نستطيع أن نتجاهل عوامل أخرى منها الدور السياسي الذي يحاول الأزهر القيام به، ومنها المسافة التي يحتفظ بها الأزهر إزاء الإخوان والغيوم التي تلوح في أفق العلاقة بين الطرفين.

إذا صح خبر توجه القيادات السلفية إلى واشنطن، وإذا صح تفسيرنا لدعوة شيخ الأزهر ووفد علمائه إلى الرياض. ولاحظنا أن فلول النظام السابق تتجه إلى دبي، فسوف يساعدنا ذلك على رصد بعض الأطراف التي تتحرك في الساحة المصرية من زوايا مختلفة.

وإذا وضعت إلى جانب هذه الصورة جدول زيارات الرئيس مرسي إلى كل من إيران والصين والهند وباكستان وروسيا والبرازيل التي سيزورها في السادس من مايو القادم، فسوف يسلط ذلك مزيدا من الضوء على طور القلق والحيرة الذي تمر به الثورة المصرية، وهي تبحث عن بوصلة تهتدي بها ووجهة تطمئن إليها وتستريح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق