نهاية زمن الأبقار المقدسه – فهمي هويدي


صحيفة الشرق القطريه الأحد   4جمادى الآخره 1434 -  14 أبريل 2013
حين تنشر إحدى الصحف البريطانية تقريرا تحدث عن انتهاكات مورست بحق المتظاهرين في مستشفى عسكري بالقاهرة،
هل يعد ذلك تشويها للقوات المسلحة المصرية يستحق تلك العصبية الظاهرة في بعض التصريحات الرسمية؟
وهل يستقبل بحسبانه إقلالا من شأن القوات المسلحة وإنكارا لدورها في حماية الثورة في مصر؟

عندي أسئلة أخرى من ذلك القبيل، أثارتها الأصداء الغاضبة التي صدرت في مصر بعدما نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية (في 11 أبريل الحالي) معلومات مستقاة من تقرير ذكرت أنه من إعداد لجنة لتقصي حقائق الانتهاكات التي حدثت في أعقاب ثورة 25 يناير.

وقالت إن رئاسة الجمهورية هي التي وجهت بتشكيل اللجنة، التي صدر تقريرها في نحو ألف صفحة، تسربت أجزاء منها خلال الفترة الماضية.

أدري أن ما نشرته صحيفة «الجارديان» صدر في التوقيت الغلط،
بمعنى أنه جاء في زمن مداهنة القوات المسلحة والتزلف لها، والتسابق على توجيه رسائل الغزل إلى قادتها، الذي دفع البعض إلى الإلحاح لاستدعائها والتعبير عن شوقهم لعودة المجلس العسكري للسلطة،

 أدري أيضا أن بعض الذين يذرفون الدموع هذه الأيام حزنا على زمن العسكر، كانوا يقفون في صفوف الذين نادوا بسقوط حكم العسكر يوم كانت الرياح تمضي في ذلك الاتجاه.

ولست واثقا مما إذا كان هؤلاء ممن يعشقون حكم العسكر حقا،
 أم أنهم ينافقونهم ويتوددون إليهم بمظنة أن أسهمهم بسبيلها إلى الارتفاع في الوقت الراهن،
أم أنهم ممن أصبحوا يتمنون الخلاص من الإخوان بأي ثمن.

أيا كان الأمر فإن الكلام المتواتر هذه الأيام الذي يحاول دحض ما نشرته الجارديان باعتباره إساءة للقوات المسلحة وإقلالا من شأنها يستدعي عدة نقاط جديرة بالملاحظة في مقدمتها ما يلي:<

 أن ما نشرته الصحيفة البريطانية تضمن معلومات لا ترد باتهامات، ولكن الرد عليها يكون بتصويبها أو تكذيبها أو التحقيق في مدى جديتها.

أن كرامة القوات المسلحة ليست محل مناقشة، وهي على العين والراسولكننا ينبغي ألا ننسى أن الثورة قامت أصلا للدفاع عن كرامة المواطن المصري.

أنه بفرض أن بعض المعلومات صحيحة فإن الشفافية تقتضي الاعتراف بذلك من ناحية، ثم إن ذلك لا يقدح في دور القوات المسلحة أو يقلل من شأنها من ناحية ثانية.
 وإذا تبين أن هناك انتهاكات وقعت في مستشفى القبة مثلا، كما ذكر الكلام المنشور، فإن ذلك شأن يحاسب عليه من ارتكبها، ولا ينبغي أن تحسب على القوات المسلحة بكاملها.

ومثل هذه الأخطاء واردة حتى في داخل أي مؤسسة عسكرية منضبطة.
وهو ما حدث في الولايات المتحدة، حين شكا بعض الجنود المصابين الذين عادوا من العراق من إساءة معاملتهم في واحد من أهم مستشفيات الجيش.

وقد نشرت مجلة نيوزويك وثائق وشهادات أثبتت ذلك وفضحته، فتم تدارك الموضوع ولم يقل أحد إن ذلك يشكل إساءة أو تشويها لدور القوات المسلحة.

أن المعلومات المنشورة سلطت أضواء مهمة على دور البلطجية في قمع المتظاهرين،
وكيف أن اشتراكهم في المظاهرات يتم بصورة منظمة ومرتبة، الأمر الذي يستحق أن يفرد له تحقيق مفصل يكشف النقاب عن الدور الملتبس والخطر الذي يقومون به، ويحدد الجهات أو الأطراف التي تستخدمهم.

فهمت من التعليقات والملاحظات المنشورة على شبكة التواصل الاجتماعي أن هناك بالفعل تقريرا عن الانتهاكات وأن التقرير الذي تحدث عنه بعض نشطاء حقوق الإنسان وممثلو «هيومان رايتس ووتش» في القاهرة مودع لدى رئاسة الجمهورية منذ عدة أشهر، وهي معلومات إذا صحت فإنها تثير السؤال التالي:
لماذا احتفظت الرئاسة بالتقرير، ولماذا لم يطلع عليه الرأي العام؟

أن انتقاد أية ممارسات تصدر عن القوات المسلحة ــ التي تضم بشرا مثلنا ليسوا كاملي الأوصاف، لا يتعارض مع تقدير دورها واحترام قادتها.

ذلك أن ثمة نقدا مسؤولا يراد به إزالة الشوائب وتصويب الأخطاء، لكي تصبح الصورة أكثر نقاء ورصانة.

وهناك فرق بين الاحترام والتقديس، ويخطئ الذين يريدون أن يحيطوا القوات المسلحة بهالة التقديس، ومن ثم يسارعون إلى إسكات وترهيب أي صوت ينتقد تصرفا منسوبا إلى بعض رجالها.

ليس فقط لأننا نفضل الاحترام القائم على التقدير والاقتناع على التقديس المنطلق من الخوف والوجل،
ولكن أيضا لأن زمن «الأبقار المقدسة» انتهى في مصر، وطويت معه صفحة العصمة السياسية التي صارت جزءا من التاريخ،

بالتالي لم يعد أحد أو جهة فوق النقد والمساءلة.

والإقرار بهذه الحقيقة والتعامل معها بما تستحقه من مسؤولية جزء من إدراك الواقع الذي تعيشه مصر بعد الثورة.
.........................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق